مجد السيف والعنان

ت + ت - الحجم الطبيعي

مثل سيفين صقيلين تشابكت أيديهما في الصورة للتعبير عن عمق المحبة وصفاء الإخاء، وتلخيصاً لكل ما اشتملت عليه هذه القصيدة البديعة من المعاني الكريمة التي دبّجتها يراعة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، في حق أخيه وعضيده صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، لتكون هذه القصيدة واحدة من مجموعة فاخرة من القصائد التي كتبها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد تعبيراً عن محبته الصادقة لهذا الفارس، الذي ورث مناقب والده الكبير الجليل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس الدولة وباني الوطن، بكل ما تعنيه كلمتا التأسيس والبناء من المعنى الحقيقي الأصيل.

قامت تحاورني جداد المعاني

                سبك الذهب ما ينوصل مستواها

من فيض وجدٍ ساكنٍ في المحاني

               ومن البيوت اللي بديعٍ بِناها

حين تكون معاني القصيدة عظيمة القيمة في نفس قائلها يتدرّج إلى إبرازها في قالبها الشعري بعد الحديث عن طبيعة إحساسه بها، وفي هذا المطلع الجميل يرسم لنا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد هذه الصورة الوضيئة البهيّة لإحساسه الرائع بشعره وكيف أنه يُقيم حواراً بينه وبين قوافيه قبل كتابتها تعبيراً عن عمق إحساسه بها، فها هي المعاني الجديدة تحاوره، وتتيه عليه، لكنه وهو الشاعر المقتدر قادر على ترويضها وإخراجها في سبيكة لامعة مثل سبيكة الذهب الصافي الذي هو معيار الجودة والامتياز في كل شيء، وهي المعاني الأخوية الصادقة التي يفيض بها الوجدان الصافي، وتسكن في حنايا القلب المعمور بالصفاء والمودة لتخرج بعد ذلك في بناء بديع على مستوى الأبيات والقوافي والألفاظ لتكون خير تعبير عن صدق الإحساس وأصالة الشعور.

لو تجمع بحور الشعر والأغاني

               في بيت واحد من قصيدي كفاها

جرّبت وقتي ما غترني وباني

               لي في الليالي جريها لمنتهاها

وتأكيداً على ما سبق من معاني الإحساس بالفخر الشعري يتابع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد توسيع إطار هذا الإحساس حين يجزم بأن شعره في الذروة العليا من الجودة والإتقان، فلو جُمعت جميع بحور الشعر وما يتركب عليها من الأغاني لكان البيت الواحد من شعر سموه قادراً على استيعاب ذلك ولا يقصّر عنه، ولا غرو في ذلك، فهذا الشعر صادر عن فارس خبير بمجريات الزمان، قد عارك الأيام وعاركته، وما نكص على عقبيه في موقف واحد، بل يتابع الأحداث مهما كانت طبيعتها حتى تصل الأمور إلى منتهاها وتستقر في قرارها.

وإذا تعاندني صروف الزماني

               آردّها مسبوقة في مداها

وخاويت من مثله فلا آظن كاني

               سبع الفلا وشيخ البلاد وفِتاها

وتعبيراً عن قوة الإرادة وصلابة العزيمة يجزم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بأنه لا يعرف الاستسلام أمام عاديات الأيام، فإذا عاندته الخطوب والتحديات ردّها على عقبيها مسبوقة كما يردّ الخيل في مضمار السباق، وهذا كلام فارس خبير بصروف الدهر يختار عن حكمة وبصيرة كل ما يريد من هذه الحياة، ولذلك اختار من بين الرجال أخاً لا نظير له بين الرجال وعضيداً لا مثيل له بين الفرسان هو أسد البلاد وشيخها وقيدومها الباسل وفتاها الذي لا تخيب له نظرة ولا يرجع له سهم، بو خالد الذي تربطه بصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد أمتن علاقة وأقوى أخوة بين الفرسان.

بو خالد اللي به ننال الأماني

               له الوصوف اللي يدوّي صداها

به نقتدي وعليه نعطي ضماني

               وبه نهتدي في الحالكة من دجاها

وإذا كان المقطع السابق يكتفي بالإشارة فإن هذا المقطع يصرّح بالمناقب الرائدة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، بو خالد الذي به تُنال الأماني وتتحقق الأهداف بسبب ما جُبل عليه من مضاء العزيمة، وحكمة السياسة، وصدق الإخاء، فهو الرجل الذي طار صيته وانتشرت أوصافه مدوّية بين العالمين، فهو وريث والده الشيخ زايد في مناقبه وأخلاقه الكريمة، ومن كان مقتدياً ووارثاً لأخلاق والد كريم فهو الجدير بأن يكون قدوة للأجيال تستلهم من رؤيته الثاقبة وبصيرته المستنيرة، فهو الوفي بضمانه، القادر على تنفيذ قوله وفعله، وهو كالقمر الساري في ظلمات الليل يهتدي بضوئه الرجال السائرون في الليالي الحالكة، ويقتفون آثاره على ثقة من سداد المسيرة وسلامة الطريق.

جيدومنا إن كاين الكون كانِ

               راية وطنّنا في يمينه حواها

واللي بربّه عَ الظروف إستعاني

               ما تنكسر له راية في سماها

وبو خالد في نظر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد هو قيدوم الرجال وقائد طلائع الفرسان، وهو الجبل الراسخ الذي يستند إليه الرجال إذا قامت سوق النزال واشتعلت نيران الحرب، فهو الذي لا تخيب له طليعة، وهو الذي يحمل راية الوطن ولواء البلاد في يمينه التي لا تعرف الاهتزاز والارتعاش، فارس رابط الجأش شجاع القلب، وليس لذلك من سبب سوى استعانته بربه وتوكله واعتماده عليه، فكانت رايته خفاقة في الأعالي لا تعرف الانتكاس فضلاً عن الانكسار، وكان فالُه فأل الخير على هذه البلاد التي جعلته قائداً لرجالها، وقيدوما لجيشها الذي هو سياج البلاد وقلعتها الحصينة.

ومن يجتهد جدّه وجهده يبانِ

               وأهل العمل الله بجوده جزاها

ومن كان زايد والده ما يعاني

               وله تاتي الدنيا على ما يباها

إنّ هذه المنزلة العالية لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد لم تحصل من فراغ بل هي ثمرة الجد المتواصل والاجتهاد الدؤوب، فمن سلك مسلكه في العمل والاجتهاد فسوف تظهر نتيجة ذلك على مساعيه، فالدول لا يديرها الرجال الكسالى ولا من كان ضعيف القلب موسوماً بالتردد، بل يقوم على شؤونها رجال سيماهم الإخلاص والعمل لوجه الله الكريم الذي يجزي بفضله أهل الإحسان إحساناً، ولا يخذل من توكل عليه، فإذا كان القائد قد جمع بين التوكل وطيب الأصل فقد اجتمعت له الفضائل بأسرها، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد موفور الحظ من المجد والأصل الطيب، فهو من سلالة حكيم الجزيرة وفارسها الشجاع الشيخ زايد، رحمه الله، الذي يعترف بزعامته وحكمته وشجاعته القاصي والداني، فمن كان محظوظاً بهذا المجد فسوف تأتيه الدنيا تجرّ إليه أذيال الطاعة، وتقلد جبينه إكليل الفخار.

وإن قال بنضاعف عملنا عياني

               شبابنا فَ أمره تضاعف عطاها

عصاه ما نعصاه طوع البنان

               لوْ بالإشاره فاهمين إمعناها

ولأنّ القيادة قول وفعل، فإن كلمة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد هي الكلمة المسموعة التي يُسارع الجميع إلى تنفيذها عن حب واقتناع، فإذا قال يجب على الدولة أن تُضاعف من حجم الإنتاج، وتبحث عن السبل الصحيحة لزيادة الدخل وتحسين نوعية الحياة، سارعت القوى العاملة المتمثلة في شباب الوطن إلى تنفيذ هذه الإشارة فهو في نظرهم القائد المؤتمن على مقدرات الوطن ولا يفكر إلا في الصالح العام، لا سيّما حين يرى شباب الوطن أن خيرات الوطن وزيادة مقدراته وتسريع وتيرة التنمية فيه تعود بالخير الملموس على كل مواطن في هذا البلد الطيب، فمن هنا تحصل الثقة، ويزداد الناس شعورا صادقا بالمسؤولية، فهم واثقون من نزاهة القيادة التي تكون إشارتها كافية في فهم المعنى وتنفيذ المطلوب.

عَ المنهج الواضح وفي كلّ آنِ

               بأمره يجديها وبأمره جداها

وارث وحارث مجد سيف وعنان

               تفديه أرواح لأجله فداها

إنّ هذه الثقة بين القائد وشعبه لم تكن وليدة الصدفة أو العشوائية، بل هي ثمرة التخطيط الناضج والمنهج الواضح الذي هو شعار الدولة في جميع الأحيان وفي كل المسارات، فمسيرة الدولة في جميع مساراتها تحت بصر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد وصادرة عن أمره، فهو الذي يبذر الحَبّ وهو الذي يحصد الثمرة، وبذلك كان وارثاً لأمجاد آبائه صائنا لعهدهم وأخلاقهم، وكان حارثاً بجدّه واجتهاده بحيث يترك بصمته الخاصة على سياسة دولته، محافظاً على مجد أجداده وآبائه، والتي رمز إليها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بالسيف والعنان إشارة إلى رمزية القوة والأصالة، مؤكداً أن الأرواح المخلصة تقدم نفسها فداءً لهذا القائد الفذّ الأصيل الذي استظلت الإمارات من عهده في الظل الظليل وطاب لها العيش والمَقيل.

يا كاتب التاريخ خذ عن لساني

               شهادةٍ بالحق يسفر سناها

أنّا مع محمد نحسّ بأمانِ

               والدولة في ظله ويحمي حماها

ثم كانت هذه الخاتمة الرائعة التي يخاطب فيها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد كُتّاب التاريخ ومدوّني الأخبار طالباً منهم أن يسجلوا شهادته في حق هذا الفارس الشجاع، وهي شهادةٌ بيضاء ناصعة يُسفِر ضوؤها مثل سنا الفجر ونور الصباح، ليكتب في سِفر التاريخ: أنّ صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد هو صمام أمان البلاد، وأن الشعب يشعر بكامل الطمأنينة في ظل حكمه وقيادته الحكيمة، وأن الدولة كلها في ظله الوارف، وتحت حماية سيفه القاطع وجيشه الباسل الشجاع، لتكون هذه الخاتمة خير ما يُعبّر به عن هيبة بو خالد ومكانته الفريدة بين الرجال.

Email