محمد العمادي لـ« البيان »: تكلفة علاج «التوحد» باهظة والتأمين الصحي مطلب ملح

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

أكد محمد العمادي مدير عام مركز دبي للتوحد وعضو مجلس إدارته أن المركز تمكن خلال العقدين الماضيين من تحقيق الريادة والتميز في مجال تقديم البرامج التربوية، والخدمات العلاجية التأهيلية المتخصصة للأشخاص الذين تم تشخيصهم باضطراب طيف التوحد.

وتابع: رغم كل الخدمات المقدمة للمرضى وذويهم، إلا أن العبء المادي على أسر المصابين بالتوحد يمثل أكبر التحديات التي تواجههم، داعياً إلى وجود منظومة موحدة للتأمين الصحي تشمل مراكز التوحد و أصحاب الهمم، بعدما تجاوزت تكاليف العلاج السنوية في المراكز الحكومية نحو 62 ألف درهم، وتتضاعف في المراكز الخاصة.

وأفاد بأن المركز وفّر الدعم الإرشادي والبرامج التدريبية لأسرهم والقائمين على رعايتهم، كما أسهم في زيادة وعي المجتمع، ودمج الأطفال ذوي اضطراب التوحد في المجتمع من خلال تمكينهم وتعزيز قدراتهم وترسيخ ثقتهم بأنفسهم، مشيراً إلى أن طاقة المركز الاستيعابية زادت بنسبة 150 %.

وقال: لدينا خطة استراتيجية تستهدف توعية المجتمع بحالة الطفل التوحدي وتهيئته للتعامل مع أصحاب الهمم وليس تهيئة الطفل نفسه، مؤكداً أهمية دور المجتمع في التعرف على شخصية الطفل المصاب وحاجاته وتحدياته.

واستعرض في حوار مع «البيان» مجموعة تحديات واجهها المركز خلال مسيرته، كان أبرزها احتواء الأعداد المتزايدة المدرجة في قوائم الانتظار، وبناء مركز متكامل المرافق، وارتفاع تكاليف البرامج العلاجية، وقلة عدد المتخصصين في مجال التوحد والوعي المجتمعي. كما تضمنت التحديدات تحدي جائحة كورونا وما صاحبها من إجراءات وتدابير وقائية واحترازية، مشيراً إلى أن المركز حقق رغم كل المعوقات نمواً مستمراً.

حافز ودعم

حول الدعم والتحفيز الذي تلقاه المركز، أكد الدكتور محمد العمادي أن الجهات المعنية في دبي والدولة لم تبخل بدعمها مطلقاً، موضحاً أن زيارة سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، للمركز كان لها الأثر الإيجابي الأكبر والحافز لإطلاق مشاريع ومبادرات مجتمعية تدعم الطفل. وأشار إلى أنه عقب زيارة سمو الشيخ حمدان بن محمد للمركز في مارس من العام الماضي 2022 غرّد سموه على «تويتر»، مؤكداً حرص دبي على توفير البيئة الداعمة لأصحاب الهمم.

وقال سموه: «خلال زيارتي لمركز دبي للتوحد، تابعت مختلف الخدمات العلاجية والتعليمية المقدمة للطلبة بالمركز.. حريصون في دبي على توفير البيئة الداعمة لأصحاب الهمم، لضمان مشاركتهم الإيجابية والفاعلة، ونقدر كل الجهود المبذولة لتحويل دبي إلى نموذج رائد في رعاية أصحاب الهمم».

استراتيجية العمل

وأشار العمادي إلى تطوير استراتيجية العمل في المركز لضمان مخرجات تأهيلية علاجية ذات جودة عالية، يشرف عليها فريق متعدد التخصصات، يقدم برامجه المتخصصة في إطار منهج (PEAK) القائم على برامج تحليل السلوك التطبيقي (ABA).

ولفت إلى اعتماد باقة واسعة من البرامج التربوية والعلاجية التأهيلية في كل من علاج النطق والتخاطب والعلاج الوظيفي والعلاج الحسي والعلاج الحركي، موضحاً أن المركز يوفر أحدث الوسائل التكنولوجية التأهيلية التي يمكن تطبيقها وتحديثها بشكل دوري في مقره الجديد.

المنظومة الرقمية

وحول المحور التقني، أكد اعتماد عدد من الأنظمة والبرامج الرقمية الذكية من أبرزها تطبيق «Hi-Rasmus» الذي يهدف إلى تحسين جودة الخدمات العلاجية المقدمة لذوي التوحد ومراقبة تطور مهاراتهم. كما تم اعتماد نظام تخطيط الموارد الذكي لإدارة وأتمتة العديد من المهام والإجراءات المكتبية والخدمات ودمجها جميعاً في قاعدة بيانات واحدة للمساهمة في تقديم خدمات أكثر دقة وكفاءة ضمن إجراءات تتسم بالمرونة والشمولية.

كوادر متخصصة

وذكر العمادي أن فريق مركز دبي للتوحد الأكبر في المنطقة، ويضم نخبة من الكوادر المتخصصة في كل من في النظام المدرسي، من بينهم نحو (50) فني سلوك مسجلاً، و(38) معلم تربية خاصة يشرف عليهم (5) مشرفي تربية خاصة.

ويشمل فريق العمل (2) أخصائيي تحليل سلوك معتمدين، و(4) مساعدي أخصائي تحليل سلوك معتمدين، علاوة على (6) معالجي نطق ولغة، و(4) أخصائيي علاج وظيفي، إضافة إلى عدد من المدربين المتخصصين في كل من الحاسوب والروبوتات التعليمية والأنشطة الفنية والإبداعية والأنشطة الرياضية.

أما في النظام العيادي، الذي يتسم بمرونة خدماته وتركيزها المباشر على كل حالة، فيضم فريق العيادة (18) فني سلوك مسجلاً يشرف عليهم أخصائيو تحليل سلوك معتمدون و(3) مساعدي أخصائيي تحليل سلوك معتمدين، إلى جانب (3) أخصائيي علم نفس إكلينيكي، و(2) من أخصائي النطق واللغة، و(2) فردا أمن لأخصائيي العلاج الوظيفي.

علاج سلوكي

وحول أهمية العلاج السلوكي والفئة العمرية الأحوج إليه أشار إلى أن مرحلة الالتحاق بالمدرسة من سن 3 إلى 7 سنوات، هي الفترة التي يحتاج خلالها الأطفال ذوي التوحد إلى علاج سلوكي.

كما يحتاج إلى تعلم لمهارات جديدة لا سيما إذا كان يعاني من تأخر في النطق، لذا يجب توفير هذه الخدمات وتغطيتها من قبل التأمين الصحي تفادياً لآثارها لاحقاً على الفرد وأسرته والمجتمع بشكل عام. ولفت إلى «ضرورة تكاتف الجهود للعمل على إيجاد مراكز متخصصة لمساعدة هؤلاء الأطفال، خصوصاً وأن عملية التأخر في العلاج تؤثر على الطفل والأسرة والمجتمع ككل».

تحديات ومبادرات

وتطرق العمادي إلى التحديات التي عمل المركز منذ تدشينه عام 2001 على تجاوزها وكان أبرزها تحدي احتواء الأعداد المتزايدة المدرجة في قوائم الانتظار. وتفصيلاً أفاد العمادي أن ازدياد عدد الحالات المسجلة في قوائم الانتظار، سواء ممن تم تشخيصهم بالتوحد أم ممن يشتبه بإصابتهم بالتوحد، يشكل تحدياً كبيراً على إدارة المركز. وللتغلب على ذلك تم إطلاق عدد من المبادرات والمشاريع المجتمعية تضمنت افتتاح مبنى متكامل بطاقة استيعابية أكبر وافتتاح عيادة للجلسات الفردية تضم (24) غرفة علاجية ومبادرة الاستشارات المجانية ومبادرة التقييم التشخيصي الشامل المجاني لمئة طفل إماراتي.

وبيّن العمادي أن افتتاح مبنى مركز دبي للتوحد كمنشأة نموذجية متكاملة المرافق عام 2017 بإمارة دبي وكأحد أكبر المراكز في المنطقة بمساحة بناء تصل إلى 270.000 قدم مربع، رفع المركز طاقته الاستيعابية للطلبة بنسبة 150 %. وفي نوفمبر 2018، أعلن مركز دبي للتوحد عن افتتاحه لعيادة الجلسات الفردية المتخصصة، وذلك لاستيعاب الأعداد المتزايدة المدرجة في قوائم الانتظار ومنحهم فرصة الحصول على جلسات التدخل الفردية بأنواعها في كل من مجال تحليل السلوك التطبيقي وعلاج النطق والعلاج الوظيفي.

استشارات مجانية

وفيما يتعلق بمبادرة الاستشارات المجانية، أوضح أن مبادرة المركز خلال شهر أبريل 2021 تتمثل في تقديم جلسات استشارية مجانية للأطفال المشتبه بإصابتهم بالتوحد.

واستطرد قائلاً: كانت منصة مهمة ساهمت بشكل لافت في تشجيع العديد من الأهالي وحثهم على اتخاذ قرار التشخيص والكشف المبكر للتوحد، حيث وصل عدد الجلسات المنعقدة حتى شهر ديسمبر من العام الماضي إلى 606 جلسات استشارية مجانية.

وحول مبادرة المركز للتقييم التشخيصي المجاني للتوحد لـ(100) طفل إماراتي والتي أطلقها مركز دبي للتوحد شهر مارس من العام الماضي تنفيذاً لتوجيهات سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، والتي استمرت إلى ما يقرب 8 أشهر، شملت 21 حالة كانت مدرجة في قائمة الانتظار.

وبجانب ذلك استفاد منها 79 حالة غير مدرجة في تلك القائمة من الأطفال الإماراتيين المشتبه بإصابتهم بالتوحد، موضحاً أن تكلفة التقييم التشخيصي الشامل داخل الدولة تتراوح ما بين 5000 إلى 7000 درهم. وأردف، إن إدارة المركز تدرس اعتماد تطبيق هذه المبادرة بشكل سنوي لمساهمتها بشكل كبير في تشجيع الأسر المواطنة للمسارعة بالكشف المبكر عن التوحد وضمان حصول أبنائهم على التشخيص المتكامل واللازم لإجراء التدخل المبكر المطلوب وفقاً لمدى درجة الإصابة وما تتطلبه كل حالة.

مركز متكامل المرافق

تطرق العمادي لتحديات مشروع بناء مركز متكامل المرافق وفقاً للمواصفات العالمية من حيث البنية والتطبيقات التي ثبت نجاحها، وقال «إن الإدارة سعت منذ عام 2008 إلى تشييد مقر جديد لمركز دبي للتوحد بطاقة استيعابية تتجاوز 150 مقعداً، فأطلقت حملة للتبرع استمرت مدتها 10 سنوات.

وقد تحقق بفضل الله هذا المشروع الذي كان ثمرة لجهود المجتمع المشتركة من الأفراد والمؤسسات، وعلى رأسهم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، الذي قام بتقديم 100 مليون درهم متمثلة بقيمة الأرض وكلفة الأساسات، ليصبح اليوم من أكثر المؤسسات استقبالاً لأصحاب الهمم من ذوي اضطراب التوحد في الدولة، وذلك في النظامين المدرسي والعيادي».

وتابع: «تم تصميم مرافق المركز وتهيئتها بشكل متكامل لتتناسب مع احتياجاتهم الفردية الخاصة، إذ يحتوي المبنى على ما يزيد على 40 فصلاً دراسياً وعلى 22 عيادة للعلاج الحركي و18 عيادة لعلاج النطق والتخاطب وثلاث غرف متخصصة بالعلاج الحسي. وشمل المركز عدداً من المعامل والمختبرات والمرافق والعيادات الطبية تم تصميمها جميعاً وفق أحدث المعايير العالمية المتخصصة لتوفير البيئة التعليمية المناسبة للأطفال المصابين بالتوحد».

جائحة كورونا

وعرج العمادي على تداعيات وتحديات جائحة كورونا وقال: «إن المركز تمكن وعلى الرغم من ظروف جائحة «كوفيد 19»، من القيام بدوره بالتميز ذاته، وحوّل الجائحة إلى تجربة مميزة ونقلة نوعية في مسيرة المركز، ودافعاً لاعتماد خطة شاملة للتحول الرقمي الذكي شملت عدداً من الأنظمة والبرامج الرقمية الذكية.

 

أعباء ماديةوفيما يتعلق بالأعباء المادية، أوضح العمادي أن العبء المادي على أسر المصابين بالتوحد كبير جداً في ظل عدم وجود منظومة موحدة للتأمين الصحي تشمل مراكز أصحاب الهمم.

ودعا شركات التأمين إلى ضرورة تغطية تكاليف هذه العلاجات التي تشكل عبئاً كبيراً على عاتق أسرة الطفل المصاب بالتوحد نظراً لتكلفتها الباهظة، وخصوصاً الأسر ذات الدخل المادي المحدود.

ونوه إلى أن عدم توفر الدعم الكافي في المرحلة المبكرة يتسبب بمضاعفة كلفة العلاج والعبء المادي على كاهل الأسرة في المراحل المتأخرة، كما تشير دراسات عدة، فضلاً عن أن الدراسات تؤكد أن التدخل المبكر يسهم في تخفيف الأعراض السلبية بنسبة تصل إلى 50 في المئة. وأردف بأن العبء المادي الواقع على عاتق ذوي المصابين بالتوحد يتراوح من 100 إلى 300 ألف درهم وفقاً لاحتياجات الطفل للعلاج وبرامج التدخل، وهي تكلفة متقاربة من الأرقام العالمية : حيث تتراوح في أستراليا ما بين (30.000–60.000) دولار أسترالي، وفي الولايات المتحدة تتراوح ما بين (22.800 - 45.600) دولار أمريكي.

تكاليف مرتفعة

وحول التكلفة العلاجية أفاد العمادي أن التكلفــة المرتفعــة لمعالجــة حالات المصابيــن بالتوحد تمثل إشــكالية كبيــرة تقع على عاتق الأسر وتفاقم من معاناتها خصوصاً ذوي الدخل المحدود.

ويبلغ متوسط تكلفة علاج الحالة الواحدة فــي المراكــز الحكومية على مســتوى الدولة نحــو 62 ألف درهم سنوياً، وتتضاعف أكثر فــي مراكز التوحــد الخاصة.

وبيّن العمادي أن الخدمــات التأهيلية المقدمــة لهــذه الشــريحة تتميز بشــكل عام بارتفاع أســعارها مقارنة بالإعاقــات الأخــرى، كمــا أن المتخصصيــن المعالجيــن أعدادهــم قليلــة، وبالتالي ترتفع الكلفــة العلاجيــة تبعاً لذلك. وأشار إلى أن مركز دبي للتوحد يقدم خدماته العلاجية المتكاملة مقابل رسوم سنوية مخفضة تصل إلى 61 ألف درهم، حيث يمثل هذا المبلغ 50 % من الكلفة الحقيقية للطالب في السنة، والتي تبلغ 120 ألف درهم.

وقال العمادي: «من منطلق تخفيف العبء المادي على أسر المصابين بالتوحد بشكل مستدام، قررت إدارة مركز دبي للتوحد استمرار تقديم خدمة الجلسات الاستشارية المجانية التي أطلقها عام 2021 بشكل دائم على مدار العام.

نقص المتخصصين

واعتبر العمادي أن قلة عدد المتخصصين في مجال التوحد، خصوصاً الناطقين باللغة العربية، من أبرز التحديات التي تواجه مراكز التوحد في الدولة، وذلك ما أدى إلى ارتفاع قيمة الخدمات التأهيلية للمصابين بالتوحد. وأكد أن عدم وجود تخصصات أكاديمية في جامعات الدولة تتناول مجال التوحد والتربية الخاصة إجمالاً، يشكل ذلك عائقاً كبيراً في استقطاب ذوي الاختصاص واستقرارهم في وظائفهم، حيث أن المختصين غير المواطنين لا يستمرون عادة إلا فترات وجيزة بمراكز الدولة، ومن ثم ينتقلون إلى الخارج أو يعودون إلى أوطانهم.

الوعي المجتمعي

وتحدث العمادي عن تحد يتعلق برفع سقف وعي أفراد المجتمع، والتي كان أبرزها إزالة اللبس بين اضطراب طيف التوحد والحالات الأخرى، كالمشكلات النفسية، وصعوبات التعلم، والتخلف العقلي، ومشكلات تطور اللغة، وضعف السمع في ظل المعتقدات الخاطئة والمفاهيم غير الدقيقة السائدة في المجتمع، والتي قد يقع فيها للأسف بعض الأطباء ومقدمي الرعاية غير المتخصصين اعتماداً على الأعراض المتعارف عليها.

مبادرة نوعية

كشف محمد العمادي أن المركز أطلق برنامج «البيئة الصديقة لذوي التوحد» في دورته الأولى كمبادرة هي الأولى من نوعها في المنطقة، والتي تهدف إلى تعزيز استفادة أصحاب الهمم من ذوي التوحد من الخدمات التي توفرها المؤسسات العامة والخاصة بشكل كامل وإتاحة الفرصة لهم للحصول على تجربة ثرية ومتميزة.

وقد تم إطلاق هذا البرنامج للمساهمة في توفير الترتيبات التيسيرية لدعم إمكانية الوصول لفئة ذوي التوحد في الأماكن العامة من خلال تقديم مجموعة من الورش التدريبية والخدمات الاستشارية حول عوامل تحقيق البيئة الآمنة والصديقة لذوي التوحد، وذلك للحصول على تقييم البرنامج والذي يتم اعتماد صلاحيته لمدة عام واحد.

جلسات نقاشية

ينظم مركز دبي للتوحد لقاءات شهرية مع أهالي الطلبة الملتحقين في المركز تحت عنوان «برنامج القهوة الصباحية»، تتضمن اللقاءات جلسات حوارية وحلقات نقاش، وورش عمل، وأنشطة مختلفة للتواصل والتعارف. يوفر هذا البرنامج فرصة لمناقشة قضايا أولياء الأمور ومشاركة تجاربهم بشكل مباشر، كما يعد فرصة للاستفادة والتعرف إلى الوسائل التأهيلية العلاجية التي يقدمها المركز والحصول على التغذية الراجعة من الأسر.

Email