رئيس جامعة حمدان بن محمد الذكية لـ«البيان »:

التحوّل الرقمي رهان تحقيق المستهدفات التعليمية لـ«الخمسين»

ت + ت - الحجم الطبيعي

أكد الدكتور منصور العور، رئيس جامعة حمدان بن محمد الذكية، أن التعليم من أجل المهارات التخصصية من أبرز ملامح الخمسين المقبلة، مشيراً إلى أهمية الرهان على التحول الرقمي والتعليم الذكي لتحقيق المستهدفات التعليمية لـ«الخمسين».

وأشاد منصور العور بالإنجازات المهمة التي حققتها دولة الإمارات على مدى الخمسين عاماً الماضية عبر تحقيق قفزات تنموية في مختلف المجالات في الاقتصاد والتعليم والبنية التحتية والصحة والإعلام.

وأشار إلى أن جملة الإنجازات التي حققتها الدولة على مدى العقود الخمسة السابقة هي نتاج رؤية استشرافية قيادية لا مثيل لها في العالم العربي والمنطقة، وثمرة جهود مخلصة وعزيمة صادقة، تحلت بها قيادتنا الرشيدة وجسدها أبناؤها الأوفياء كي تنضم الإمارات إلى مصاف الدول المتقدمة في وقت قياسي إذا ما أخذنا بالحسبان أعمار الدول.

وأكد الدكتور العور في حوار خاص مع «البيان» أن مشروع «نخلة زايد الذكية للتعليم»، الذي أطلقته جامعة حمدان بن محمد الذكية، سيكون مثالاً ريادياً على إعادة هندسة التعليم العالي، من خلال تطوير العملية التعليمية، وإدخال التكنولوجيا الحديثة، بحيث تكون جزءاً أساسياً من التعليم الأكاديمي، وذلك في إطار الاستعداد للخمسين عاماً المقبلة، بحسب رؤية الدولة، وسنقوم بالإطلاق التطبيقي للمشروع خلال المعرض العالمي «إكسبو 2020 دبي».

وأشار إلى أن أي تطوير في منظومة التعليم لا يعتبر المهارات جزءاً أساسياً منه ليس تطويراً، ونحن في دولة الإمارات بفضل الله، ثم بفضل رؤية القيادة الرشيدة أصبحنا نمتلك العديد من صناعات المستقبل مثل الفضاء والتكنولوجيا المتقدمة، وهناك جهود حثيثة لتنميتها عبر تحديث التشريعات وتنظيمها، بما يضمن ديمومة الإنجازات في السنوات الخمسين المقبلة، مؤكداً أن البحث العلمي هو نواة الابتكار ومحرك إبداعاته، وأن التعليم سيتحول في الفترة المقبلة من خدمة إلى منفعة، وتالياً نص الحوار:

1 ونحن نحتفل باليوبيل الذهبي لدولتنا الإمارات الحبيبة ونستعد للخمسين عاماً المقبلة، ما رؤيتكم لمستقبل التعليم الجامعي بالدولة؟

لا بد من البدء بالقول: إن سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، هو من وضع الخطوط العريضة لمستقبل التعليم، انطلاقاً من تأسيس جامعة حمدان بن محمد الذكية، وانسجاماً مع رؤيته لضرورة التخطيط للمستقبل عبر تطوير منظومة التعليم، بما يفضي إلى تبني أحدث أنظمة التعليم الذكي، بعدما أكد سموه في هذه الرؤية السبّاقة أن التعليم التقليدي ما هو إلا أمية عصرية مقنّعة بقناع المعرفة والتعليم. وللاستطراد في هذه النقطة المهمة نقول: أينما يوجد التعليم توجد أركان أربعة وهي الطالب والمعلم والبيئة التعليمية والمنهاج، سواء كان ذلك في التعليم التقليدي أو التعليم الذكي، لكن هذه الأركان الأربعة تتغير وتختلف ماهياتها في التعليم الذكي اختلافات جذرية، ما يفرض تغييراً في الأدوار والأساليب، وفي ظروف الزمان والمكان المرتبطة بعملية التعليم، وهذا ما يجعل التعليم الذكي فرس الرهان لتحقيق أهداف الخمسين المقبلة، ولا ننسى أن الإمارات كانت من الدول العربية السباقة في ترخيص التعليم الذكي.

2 بعد أن أسهمت جامعة حمدان بن محمد الذكية بقيادتكم في إحداث نقلة نوعية في التعليم الذكي، برأيكم كيف يمكن تطوير هذا النوع من التعليم وماذا يحتاج ليحقق أهدافه؟

مثّلت جامعة حمدان بن محمد الذكية، التي افتتحت في عام 2002 نواة لجامعات ومعاهد المستقبل كما قال سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، حين أطلق الجامعة.

وسعت الجامعة إلى ضبط إيقاع جودة مدخلات هذا النهج من التعليم، بالتعاون مع مؤسسات عالمية بناء على الميزة التنافسية الأولى للجامعة، التي أضحت منذ بداياتها بيت الجودة العالمي الأول في المنطقة، حيث أصدرت الوثيقة الأولى لضبط معايير جودة مدخلات هذا النوع من التعليم، ثم قمنا بتطوير هذه المعايير للاستعداد للتحول نحو التعلم الذكي، وعلى امتداد هذه المسيرة الممتدة قرابة عشرين عاماً التزمنا بمبادئ الجودة التعليم ونشر ثقافة الجودة في شتى المجالات، بما فيها التعليم، وتكللت جهودنا بهذا الخصوص بمبادرة الجامعة لإنشاء اتحاد عالمي لتصنيف الجامعات ومؤسسات التعليم العالي التي لا تتبع النهج التقليدي في التعليم من تعليم مفتوح وتعليم عن بعد، وإلكتروني وذكي. وهكذا كان اقتران التعليم الذكي بالجودة كونهما ميزتين تنافسيتين للجامعة عرفت بهما العامل الأهم في تأكيد ريادة الجامعة وأسبقيتها في نشر ثقافة التعليم الذكي، والوعي بأهميته وطرح مبادراته وتعميم خبراته، التي تحصلت لنا طوال هذه السنوات، وهو ما لا يتأتى لأي مؤسسة أو هيئة تعليمية إقليمية.

إذاً فتطوير هذا النهج من التعليم يقتضي أولاً تعميم الوعي على نطاق واسع بأهمية التحول إلى التعليم الذكي، وثانياً الاستفادة من هذه المعارف والخبرات المتراكمة سواء لدينا أو لدى سوانا محلياً وعالمياً.

أساليب التعلم

3 ونحن على أعتاب الخمسين عاماً المقبلة، برأيكم كيف تستطيع الجامعات أن تطور من مخرجاتها لتواكب أهداف هذه المرحلة؟

لقد أصبحنا على وشك دخول الثورة الصناعية الخامسة، والتي تتطلب تغيير وتطوير أدوات وأساليب التعلم، إذ إن أساليب التعليم الذكي الذي أحسب أنه الخيار الأمثل لمستقبل التعليم، تختلف تماماً عن أساليب التعلم عن بعد الذي يختلف عن التعليم الذكي، حيث إن كل تعليم ذكي هو تعليم عن بعد وليس العكس، لذا يجب أن ندرب أنفسنا على تغيير أساليب التعليم بمواكبة التغيرات، التي طالت علوماً على صلة وثيقة بالتعليم كالاتصالات والتكنولوجيا المتقدمة والبيانات وسواها. وفي خضم انشغالنا بما شهده التعليم من توظيف لأحدث منتجات التكنولوجيا وتغير طبيعة أدوار عناصر العملية التعليمية، ينبغي لنا ألا نغفل عن العنصر البشري في التعليم، وأقصد المعلم: بالنسبة للمعلم، لن يختفي المعلم بل سيتغير دوره، على أنه سيظل حجر الأساس في العملية التعليمية حتى مع ظهور المعلم الروبوت.

لدينا معياران لتحويل الجامعات إلى جامعات ذكية وهما جودة المدخلات، وجودة المخرجات، وهذان المعياران هما أساس تقييم الجامعات بما فيها التقليدية، إذ إن جودة المدخلات والمخرجات هما من يحدد بقاء الجامعة في سوق التعليم العالي من عدمه.

أطلقت جامعة «حمدان الذكية» أول تصنيف عالمي للجامعات الذكية، ونفخر بأن دولة الإمارات العربية المتحدة ممثلة بالجامعة ستكون أحد الأعضاء المؤسسين للهيئة، التي ستصنف جامعات ومؤسسات التعليم الذكي (الإلكتروني والتعليم عن بعد والتعليم المفتوح) على مستوى العالم.

نقلة نوعية

4 أبرز المرتكزات التي يمكن أن يستند إليها برأيكم مستقبل التعليم ليواكب المتغيرات الحاصلة في سوق العمل؟

للأسف الشديد، كثير من دول العالم العربي لا يأخذ على محمل الجد عملية إحداث النقلة النوعية في التعليم، وقد يتساءل البعض ما الذي ينقصنا في التعليم الجامعي خلال السنوات الخمسين المقبلة لنكون ضمن الدول العشر الأوائل على مستوى العالم، وأنا أرى أنه ينقصنا التعليم من أجل المهارات، وأعني بذلك المهارات التخصصية.

بشكل عام تنقسم المهارات إلى 3 أقسام وهي: مهارات عامة، ومهارات البحث العلمي والمهارات التخصصية، ولا ينبغي الحديث عن المهارات بمعزل عن الجامعات، إذ تشير الدراسات إلى أن خريجي الكليات العملية يفتقدون للمهارات التخصصية، التي تخولهم للعمل فور التخرج، وهذا ينطبق بشكل أكبر على خريجي الكليات النظرية. إذاً فالتعليم هو «معرفة زائد مهارات»، والمهارات تعتبر بمثابة الروح للجسد، ومن الخطأ أن يقتصر تعريف لفظ «المعرفة» على دراسة العلوم النظرية فقط، مثل الدراسات التجارية، والقانونية، والاجتماعية، والاقتصادية، وغيرها من الدراسات التي لا تتطلب إجراء تجارب في معامل أو مختبرات، فيما يذهب البعض خطأ إلى أن المهارات لفظ يتعلق بالدراسات العملية مثل الطب، والهندسة، والكيمياء، وغيرها من العلوم التي تحتاج إلى إجراء تجارب عملية، هذا التصنيف غير دقيق، إذ إن المعارف والمهارات تتعلقان بالعلوم النظرية والعملية، إلا أن اكتساب المعارف يسبق اكتساب المهارات، والعكس غير صحيح، ولذلك يمكن اعتبار كل أصحاب المهارات هم أصحاب معارف، ولكن العكس غير صحيح.

ولكي تستطيع الجامعات تلبية احتياجات سوق العمل المحلية والإقليمية والعالمية لا بد أن تعكف على تطوير المهارات ضمن تخصصاتها في مختلف المجالات، وهذا يتطلب تعديل بعض التشريعات، التي تخص اعتماد البرامج والتخصصات من قبل هيئة الاعتماد الأكاديمي. وتقع المسؤولية الكبرى على عاتق الجامعات في تخريج طلبة مسلحين على الأقل بالحد الأدنى من المهارات التخصصية، فهي التي تحدد مستقبل الطالب فيما إذا كان سيقف في طابور الوظائف أم سيكون صاحب رائد أعمال، ومعلوم أن ريادة الأعمال والمشاريع هي محرك الاقتصاد في أي دولة، إذ إن هذه المشاريع الصغيرة تنطلق منها المشاريع الكبيرة والضخمة.

تفاعل ملحوظ

5 برأيكم كيف يمكن أن تسهم الجامعات ومؤسسات التعليم العالي في تعزيز المهارات التخصصية لدى الخريجين والمطلوبة لسوق العمل؟

من الخطوات المتبعة ضمن استراتيجية التعاون والتواصل مع الجهات الحكومية وغير الحكومية في تقديم مخرجات تعليمية متميزة، قمنا في جامعة حمدان بن محمد الذكية بمخاطبة الوزارات والجهات والهيئات الحكومية، واستعرضنا برامجنا ومخرجات هذه البرامج، وكان الهدف معرفة المهارات المطلوبة لكل تخصص اعتماداً على الوظائف القائمة لديهم، لكي نتمكن من تطوير برامجنا، والتركيز على هذه المهارات إذا كانت موجودة واستحداثها إذا كان ينبغي إضافتها، الأمر الذي لقي استجابة واسعة وتفاعلاً كبيراً من هذه الجهات والمؤسسات، وعلى أرفع المستويات.

التعليم الذكي

6أثبتت أزمة «كوفيد 19» أنه حان الأوان لتطوير منظومة التعليم للتغلب على تحديات مثل تعليق رحلات الطيران إلى دول الابتعاث، فكيف برأيك يمكن الاستفادة من هذه التجارب لمواجهة الأزمات المشابهة؟

أثبتت جائحة «كوفيد 19» للمجتمعات ضرورة التحول إلى نهج التعليم الذكي، والتعليم الذكي كان استحقاقاً، آن أوانه، إلا أنه يجب ألا يفوتنا أن هذا الخيار الضروري والمهم لا يعني نقل وتطبيق التعليم التقليدي عبر منصات ذكية، كما قد يتصور البعض، لا سيما في المرحلة الإعدادية وما فوقها، بل ينبغي أن يجري التحول عبر تطوير أدوار أركان التعليم الأربعة وهي: الطالب والمعلم والمنهاج والبيئة التعليمية.

وهذا التغيير المفاجئ والتحول السريع ربما يفسر الضيق، الذي شعرت به الأمهات في الآونة الأخيرة نتيجة لجوء المدارس إلى التعلم عن بعد وجلوس الأبناء في البيت، بعدما أسندت إلى الأمهات أعباء العملية التعليمية كاملة، ولتلافي مثل هذه المواقف والاستجابات تجاه التعليم الذكي، لا بد من تثقيف الجهات والهيئات التعليمية على مستوى التعليم العام والجامعي حول كيفية ضمان جودة المدخلات في عملية التحول الرقمي لتسريع الخطى نحو التعليم الذكي.

ولكي تكون مؤسساتنا التعليمية مؤهلة لهذا التحول لا بد من التزامها بمعايير ومرجعية تستند إليها، لأن دور الأطراف التعليمية في التعليم الذكي يختلف تماماً عنه في التعليم التقليدي، وهذه المعايير أسهمت في وضعها جامعة حمدان بن محمد الذكية من خلال بحث مشترك مع مركز التعليم والابتكار في جامعة بسويسرا واعتمد عليها النظام الأوروبي في عملية رقمنة التعليم في المؤسسات التعليمية.

كما أثبتت الجائحة أن تجديد التعليم يجب ألا يقتصر على التحديث التكنولوجي، بل يجب أن يشمل أساليب التعلم.

قوانين وتشريعات

7 يمر مفهومنا للتعليم هذه الأيام بتحولات استثنائية، فما تصوركم للتحولات المستقبلية؟ وكيف يمكن التغلب عليها أو التكيف معها؟

نحتاج إلى أن نتحرر من سيطرة وهيمنة التعليم التقليدي على ساحات التعليم في بلادنا، وهذا لن يتأتى سوى بتغيير القوانين والتشريعات، بحيث يتم تخليص أنظمة التعليم من كل العراقيل التي تحول دون انتشار تعليم عصري جديد، يواكب تحديات الراهن والمستقبل، وهو بلا شك التعليم الذكي، ما يعني أيضاً إزالة العقبات من طريق الجميع، وتشجيع الجميع على الالتحاق بقطار التعليم العالي القادر على تطويع إمكاناته وقدراته لاستيعاب أساليب وأدوات ومناهج التعليم الذكي.

البحث العلمي

8حديث الابتكار في التعليم قائم منذ بضع سنوات، ولم نر ثمرة هذا الحديث بشكل تطبيقي يواكب طموحات الدولة، فما الحلول التي تشجع على ذلك؟

أهم نقطة يمكن الحديث عنها والتركيز عليها في مسألة الابتكار هي تعزيز البحث العلمي كونه نواة الابتكار، وهذا ما يفسر خروج عمالقة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي من الجامعات مثل «جوجل» و«فيسبوك» وغيرها، ولذلك أصبحت كل الوزارات تضم أقساماً للبحث والتطوير.

ولا بد أولاً من تنظيم وتكثيف حملات إعلامية لمدة عام كامل على الأقل لتحفيز البحث العلمي في الجامعات والمؤسسات، وهنا نتحدث عن الأبحاث العلمية التطبيقية، التي تعود على مجتمع الإمارات بالنفع وتتلاءم مع توجهات قيادته الرشيدة، وتجد الحلول للتحديات التي يواجهها.

وثانياً يجب دعم المناهج الدراسية بالمهارات التخصصية لكي يتم توجيه المعرفة المتولدة نحو تطبيق نتائج الابتكار، من أجل تحفيز الأنشطة الإقليمية للارتقاء بالنمو الاقتصادي الوطني، وهذا بذاته ما تؤكده مقولة سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، أن «سر تجدد الحياة وتطور الحضارة وتقدم البشرية هو في كلمة واحدة هي: الابتكار».

ومن أجل أن يؤتي الابتكار ثماره على نحو يواكب طموحات الدولة، لا بد من التأكيد على مشاركة وانخراط الجامعات والباحثين في تطبيق نتائج البحث العلمي، بحيث يجري إشراك الجامعات والباحثين في إيجاد الحلول للتحديات التي تواجه الدولة، بالنظر إلى أن عملية تطوير المنظومة التعليمية هي جزء لا يتجزأ من عملية التطوير الحكومي. ومن أجل ذلك نظمت جامعة حمدان بن محمد الذكية، بالتعاون مع جمعية الإمارات لرعاية الموهوبين برنامج «المستكشف الإماراتي».

إحداث التغيير

9 الأزمات تشكل موعداً مثالياً لإحداث التغيير، وما زلنا نرى الإصرار في بعض الجامعات على تقليدية التعليم، فما الحلول من وجهة نظركم للتحول الرقمي للتدريس في الجامعات؟

التحول الرقمي إلى التعليم الذكي لا يمكن أن يتم بين ليلة وضحاها، رغم أن الأزمة الأخيرة كشفت عن ضرورة المسارعة إلى هذا التحول بأي كلفة وتحت أي ظروف، الأمر الذي لطالما نادينا به في الندوات والمؤتمرات والمبادرات التي أقامتها الجامعة على مدى العقدين السابقين، وطالما نبهنا إلى أنه ما لم نبادر إلى تبني التعليم الذكي اختياراً فإننا سنفعل ذلك اضطراراً، وقد كان.

وبناء على خبرة الجامعة، فإن التحول الرقمي إلى التعليم الذكي يحتاج إلى إعداد واستعداد وخبرات متراكمة، والاستفادة من التجارب الرائدة في هذا المضمار، ومنها تجربة الجامعة التي ناهزت العقدين، وبذلك قد يستغرق تحول جامعة تقليدية إلى جامعة ذكية سنوات من العمل المتواصل، لكن من الممكن البدء على سبيل المثال بقياس استعداد الجامعات للتحول الرقمي نحو التعلم الذكي وتثقيف وتوعية الجامعات وأطراف العملية التعليمية بضرورة هذا التحول، ثم توفير الإمكانات لتطوير هذا الاستعداد وتيسير هذا التحول.

10ما زالت طرق تقييم المؤسسات التعليمية تقليدية، فما الطرق الحديثة لتقييم مؤسسات التعليم العالي من وجهة نظركم وإلى ماذا ترتكز؟

من التحديات الكبرى التي تواجهها منظومة التعليم اتباع نظام تقليدي يناسب التعليم التقليدي في تقييم مؤسسات غير تقليدية. وهذا أمر مستهجن. النظرة السائدة عن التعليم الجديد (التعليم الذكي) أنه في أحسن السيناريوهات ليس أكثر من نظام تعليمي يمكن اللجوء إليه وقت الحاجة، كما حدث مع المدارس والجامعات تحت وطأة أزمة «كوفيد 19» الراهنة، أي عندما لا يعود من الممكن الاعتماد على التعليم التقليدي. ما لم تتغير هذه النظرة سوف تبقى المؤسسات التي تتبع التعليم الجديد أسيرة منظومة التقييم، التي نشأت وتطورت كي تلبي احتياجات تقييم النظام التعليمي التقليدي. وعلاوة على ذلك، لو نظرنا إلى الجامعات الذكية اليوم فإننا نجد أنها تتحمل عبئاً إضافياً في ما يتصل بمسألة التقييم والاعتماد، إذ ينبغي عليها الوفاء بمعايير التعليم التقليدي والذكي معاً. ذلك ما فطنت إليه جامعة حمدان بن محمد الذكية مبكراً.

11 ما النظام التعليمي الأنسب للخمسين عاماً المقبلة؟ وما آلية التغيير إلى هذا النظام؟

نراهن على التحول الرقمي والتعليم الذكي لتحقيق المستهدفات التعليمية للخمسين المقبلة، وننادي بضرورة تبني أحدث تقنيات وأساليب التعليم، ونشر الوعي بها كالذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي والواقع المعزز، ونحرص في الجامعة على أن نكون رواداً في تطبيق ما ننادي به.

وتكللت جهود الجامعة بهذا الصدد في مشروع «نخلة زايد الذكية للتعليم»، الذي أطلقته جامعة حمدان الذكية، والذي يعد نموذجاً عملياً لمفهوم إعادة هندسة التعليم العالي، من خلال تطوير العملية التعليمية، وإدخال التكنولوجيا الحديثة.

ولكي تستعد جامعة حمدان بن محمد الذكية لهذا التطبيق بدأت بتغيير الكثير من الأنظمة والبنية التحتية التكنولوجية أيضاً، وكان من الإنجازات المفصلية في هذه المسيرة انتقال الجامعة بأنظمتها إلى الحوسبة السحابية، وهذا مطلب من أجل توفير التعليم العالي للطلبة في العالم العربي، وتم اختبار هذه الأنظمة بنجاح خلال جائحة «كورونا»، حينما أطلقت الجامعة بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم مشروع المساقين الدراسيين لجميع المدرسين والمعلمين وجامعات الدولة، حيث بلغت أعداد المشاركين من المعلمين والمدرسين في المدارس الخاصة والحكومية ومن الجامعات أكثر من 85 ألف مشارك ومشاركة من داخل الدولة، واليوم وصل عدد المشاركين في هذه المساقات إلى 450 ألف مشارك حول العالم.

ومن المميزات التي يتفرد بها المشروع أن «نخلة زايد الذكية» ستكون تطبيقاً للانتقال والتحول من التعليم كونه خدمة إلى التعليم كونه منفعة على امتداد العالم العربي، ما يمكن تسميته «نيتفلكس التعليم»، ليصبح التعليم حقاً مكتسباً ومتوفراً لكل مواطن ومقيم على أرض الدولة وفي العالم العربي.

وهذا النوع من التعليم سيوفر التعلم لكل دارس من كل الأعمار، وفي أي وقت، ومن أي مكان، وهذا المشروع يوضح ما سيؤول إليه التعليم في المستقبل، وبالتالي سيتم خفض الإنفاق على التعليم بمعدل 1 على 10 مقارنة بالتعليم التقليدي. والمشروع يتماشى مع مفهوم «جامعات بلا حدود» و«مؤسسات تعليمية عابرة للقارات»، و«الجامعة كمنفعة»، وكلها مفاهيم جديدة تأخذ الجامعة الترويج لها والتبشير بها على محمل الجد، بحيث تسهم على نحو فعال في تشكيل مستقبل التعليم خلال الخمسين عاماً المقبلة.

12 ما التحديات التي تواجه التعليم الذكي؟ وكيف يمكن التغلب عليها؟

كنا منذ سنوات نتحدث عن التعليم الذكي بوصفه مفهوماً جديداً، يحتاج الناس إلى بعض الوقت كي يستوعبوه ويتبنوه، واليوم لم يعد من الممكن بعد كل هذه السنوات القبول بهذه النظرة السائدة، كما هي تجاه التعليم الجديد، صحيح أن هناك إقبالاً على نهج التعليم الذكي. التحدي الثاني يعود إلى الموقف الجامد من التعليم الذكي لدى بعض الأكاديميين والمدرسين والأساتذة الجامعيين. يضاف إلى هذه التحديات تلك العقبات التي يمكن عزوها إلى التشريعات السائدة لعقود، والتي لا تواكب هذا النوع من التعليم، وهذا يمكن التغلب عليه بتعديل القوانين الحالية بالتعاون بين مختلف أطراف العملية التعليمية في المجتمع.

مهارات الخريجين

13 ما النصيحة الأخيرة للجامعات للارتقاء بمخرجاتها التعليمية؟

أعتقد أن التعليم من أجل المهارات ينبغي أن يكون شعار التعليم العالي خلال السنوات المقبلة، نظراً للنقص الفادح في مهارات الخريجين، ما ينعكس سلباً عليهم وعلى حياتهم المهنية وعلى اقتصادات الدول العربية. إن أي تطوير في منظومة التعليم لا يعتبر المهارات جزءاً أساسياً منه لا يعتبر تطويراً، ونحن في دولة الإمارات بفضل الله، ثم بفضل رؤية القيادة الرشيدة أصبحنا نمتلك العديد من صناعات المستقبل مثل الفضاء والتكنولوجيا المتقدمة.

14 كيف يمكن للعرب استعادة ريادتهم خلال الخمسين عاماً المقبلة؟

من الدروس المستفادة من تجارب الأمم شرقاً وغرباً أن التعليم هو سبيل بناء الحضارة واستعادة الدور الحضاري للأمم، وما من أمة أولت التعليم النصيب الأوفر من اهتمامها ومواردها إلا وعرفت النجاح والتقدم، ولا يمكن لعاقل أن يزعم أن أهداف التقدم العلمي يمكن تحقيقها بمعزل عن التعليم، بدءاً من مراحله ومستوياته الأولى وصولاً إلى مفهوم التعلم مدى الحياة. إذاً فالريادة العلمية تقتضي تطويراً في منظومة التعليم، ولا أعني ذلك النوع من التطوير، الذي يتوسل التقدم خطوة فخطوة، بل ذلك التطوير الكفيل بتحقيق قفزات تتناسب ووتيرة تقدم العلم في هذه الحقبة غير المسبوقة بتحولاتها.

جهد جماعي

أكد الدكتور منصور العور أن أي تطوير لمنظومة التعليم يحتاج جهداً جماعياً من جهات عدة، كما يحتاج إنشاء منظومة قنوات اتصال وتواصل ثنائية الاتجاه بين كل الأطراف المعنية بمدخلات التعليم من مناهج وأساليب وأدوات، ومخرجاته من كفاءات ومؤهلات ومهارات، وأضاف: من وجهة نظري الشخصية أرى أن وضع خطة الخمسين للتعليم يجب أن يوكل لوزارة التربية والتعليم عبر تطوير منظومة التعليم، بما يتضمن على سبيل المثال مخاطبة الجهات والشركات للوقوف على المهارات اللازمة لسوق العمل المستقبلي.

Email