انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي أخيراً تحدٍ يسمى «لعبة الموت» أو «كتم الأنفاس»، ما أثار جدلاً واسعاً وتخوفاً حول انتشار اللعبة بين الطلبة، التي تشكل خطراً كبيراً على صحتهم ونفسيتهم وسلوكياتهم، وحذر تربويون الطلبة من هذا التحدي المنتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً أنه يعتبر من أخطر التحديات، التي ظهرت على شبكة الإنترنت، بعد لعبة «الحوت الأزرق»، و«البوكيمون»، التي أودت بحياة العديد من الأطفال في مختلف دول العالم.

وتقوم «لعبة الموت» على كتم التنفس لدقائق متواصلة عدة، وتصويرها مباشرة على منصة «تيك توك»، ليصاب صاحب التحدي بالإغماء ويفقد الوعي، ليشعر بأنه في أعداد الموتى لثوان.

وأبدى تربويون تخوفهم من انتقال هذا التحدي من مواقع التواصل إلى أرض الواقع، مثلما انتقل إلى مدارس واقعية في دول عربية، موضحين أن الأطفال والمراهقين محبون لتقليد ما يجدونه من محتوى على «تيك توك»، لذلك لا بد من تكثيف عمليات الرقابة والتوعية تجاه تلك السلوكيات الخاطئة.

متابعة

وقالت نورا الدراجيلي، مستشارة تعليمية للمرحلة المتوسطة في مدرسة أكاديمية جيمس الأمريكية بأبوظبي: «تقع على عاتق المدرسة مسؤولية متابعة وتطبيق القوانين والتوقعات الخاصة بالأمن والحماية، لذلك تركز مدرستنا على بناء الشراكة مع أولياء الأمور، من خلال مشاركتهم والتواصل معهم بشأن أهمية المحافظة على قواعد السلامة عند استخدام الإنترنت، كما نقوم بالتنسيق مع الشرطة المجتمعية في مدينة خليفة، لتقديم جلسات توعوية مستمرة للطلاب، تركز على الأمن والأمان داخل وخارج المدرسة، ومنها التنمر وآلية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وعمليات النصب التي تتم عبر الهاتف والجرائم الإلكترونية، إلى جانب حملات توعية حول ضرورة احترام قوانين المدرسة وغيرها.

وأكدت أهمية مواكبة المدارس لتلك السلوكيات، التي تظهر على مواقع التواصل الاجتماعي، مشيرة إلى أنهم يجتمعون كأعضاء هيئة تدريس وفريق أكاديمي بشكل دوري، لمناقشة وتحديد آخر الصيحات والتوجهات على الشبكة العنكبوتية المنتشرة بين الطلاب، وبناء على هذه المعلومات يبدأون باتخاذ الإجراءات المناسبة، وتتلخص بعض المبادرات على سبيل المثال لا الحصر على شكل محاضرات للفئة المستهدفة من الطلاب حسب صفوفهم أو أثناء صفوف الإرشاد والتوجيه، فضلاً عن تقديم صفوف التوجيه والإرشاد أثناء وقت محدد، ضمن جداول الطلاب بشكل يومي، ويتم تقسيم الطلاب إلى مجموعات صغيرة للاجتماع بشكل يومي مع المدرس المخصص لهم، من أجل المتابعة الأكاديمية والاجتماعية والنفسية، وخلق البيئة الثقافية المدرسية.

ورأت باولا ساسين، مستشارة تعليمية في مدرسة جيمس البرشاء الوطنية أن التواصل الفاعل والحوار بين أولياء الأمور والطلبة يلعب دوراً محورياً في حماية الأطفال والحيلولة دون تعرضهم لمحتوى غير لائق على أنظمة الشبكة العنكبوتية، الذي قد لا يتناسب مع فئتهم العمرية، من خلال ضبط إعدادات الخصوصية على الأجهزة كافة، بما يتناسب مع فئة المستخدمين العمرية، وتأكد من إمكانية النفاذ إلى التطبيقات التي تم تحميلها وتصفحها، والتأكد من خصوصية الملفات الشخصية التابعة للطفل، وأنها ليست متاحة للتداول العام.

وشددت على تخصيص وقت معين لاستخدام الأجهزة الذكية مع تحديد الفترة الزمنية، التي يجري خلالها تصفح الشبكة العنكبوتية، كأن يتم تحديد وقت معين لاستخدام الجهاز الذكي، بعد ساعة من تناول وجبة الغداء.

ولفتت إلى أهمية توفير المدارس مساحة آمنة للطلبة للتعبير عن ذاتهم والتواصل مع غيرهم بشكل آمن وصحي، مشيرة إلى أن طلبة المرحلة الابتدائية يتمتعون بإمكانية النفاذ إلى منصة Worry Box أو ما يعرف «بصندوق المخاوف» للتعبير عما يجول بخاطرهم من مخاوف، حيث تتولى الاستجابة الآلية للذكاء الاصطناعي مهمة تقديم النصائح، وفي حال تطلب الأمر يمكن التحدث إلى مستشار المدرسة بشكل شخصي أو عبر الهاتف.

وأوضحت أن مستشاري مدرستها وطاقم التدريس يحرصون على تنظيم فعاليات لرفع مستويات الوعي حول العديد من القضايا الشائكة، والتي تتمثل بالاستخدام الآمن للشبكة العنكبوتية ويوم السلام العالمي ومكافحة التنمر والصحة النفسية، وشهر نوفمبر المخصص للتوعية بالقضايا الصحية للرجال والصحة النفسية للأطفال، حيث تحث هذه الموضوعات الطلبة بجوهرها على إيلاء اهتمام بالغ لجوانب الصحة النفسية، وعقد تجمعات أسبوعية تسلط الضوء على مجريات أحداث العالم، الأمر الذي يتيح للطلبة التحدث عن التحديات، التي تشكل خطراً على الأفراد والمجتمعات، ونصحت بأن تقوم المدارس بعقد هذه الفعاليات.

مراقبة

وقالت الدكتورة ميساء عبدالله راشد مستشارة تربوية نفسية: إن «لعبة الموت» ليست هي اللعبة الأولى، التي تثير مخاوف الأهل والمدارس، فهناك الكثير من سابقتها مثل لعبة الحوت الأزرق ولعبة بوكيمون، وغيرها من الألعاب التي لها تأثير على عقول الأطفال وحالتهم النفسية والصحية والسلوكية، لذلك على إدارات المدارس المتمثلة بكوادرها التدريسية والاختصاصيين والإداريين مراقبة أنشطة الطلبة وألعابهم غير المعتادة بين الطلبة في المدارس وخاصة التي توثر عليهم سلباً.

وشددت على أهمية استمرارية توعية الطلبة بأضرار الألعاب على صحتهم النفسية والعقلية، مشيرة إلى أن هناك العديد من التحديات الخطيرة، التي تطارد الأطفال والمراهقين بين أقرانهم وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، لذلك ينبغي تكاتف الأسرة والمدرسة لحماية أبنائنا من تلك الممارسات الدخيلة على مجتمعنا، من خلال نشر الوعي بين الأطفال حول تجنب مشاهدة الفيديوهات، التي يتلقونها عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ويندفعون وراء تقليدها أو الرغبة في خوض التجارب وتوعيتهم بمضار وخطورة هذه الممارسات على حياتهم.

وأكدت ضرورة المتابعة المستمرة من قبل الأهل في المنزل والاختصاصيين في المدرسة وضرورة التواصل بين المدرسة والبيت لتفادي أي أضرار متوقعة، ووضع بعض برامج الحماية بأجهزة الأطفال لسهولة متابعتها من قبل الأهل، بالإضافة إلى بناء جسور من الثقة بين الأهل والأطفال لأخبار ذويهم عن أي مخاطر ممكن التعرض إليها، وكذلك يمكن للأهل تحميل التطبيقات الضرورية الذي يحتاجها الطفل حسب عمره ومرحلته الدراسية، وأهمية المدرسة من خلال الاهتمام المتواصل بورش التوعية وتطبيقها ومتابعة الطلبة من قبل المرشدين الاجتماعيين والنفسيين، وتوعيتهم ضد إثارة دوافعهم نحو التقليد.

ترند

وقالت هيفاء زياد عويس أخصائية اجتماعية في مدرسة الاتحاد الخاصة فرع الممزر: إن لعبة الموت تغزو عالم التيك توك، والذي أصبح من أحد المواقع المتبعة بشكل كبير من فئة الأطفال واليافعين، بحيث يقومون بتقليد الكثير من الترندات والمواقف الطريفة إلا أنه أيضاً يحتوي على بعض التجارب الخطرة، التي تنتشر بسرعة البرق بين طلبة المدارس، ويسارعون في تطبيق كل ما هو منتشر دون تحكيم العقل، فقط لأنه رائج أو «ترند».

وأوضحت أن «لعبة الموت» هي لعبة يكتم فيها الطفل أنفاسه وبشكل تدريجي يقلل دخول الأكسجين للرئتين والمخ حتى يفقد الوعي، ويتم تصويره من قبل أصدقائه وبعدها يقومون بإفاقته، وبالتالي فإن للمدرسة دوراً كبيراً في الحد من انتشار هذه اللعبة عن طريق التوعية المستمرة عن ضرورة الاستخدام الصحيح لجميع مواقع التواصل الاجتماعي، وعدم تقليد كل ما هو منتشر، كما يرجى الحذر عند توعية الطلاب، بحيث لا نلفت انتباههم بشكل أكبر، ونقوم بالمساهمة في نشر هذه الألعاب وإنما تكون التوعية بشكل عام للقواعد المهمة في التعامل مع هذه المواقع والألعاب الخطرة، وبشكل خاص وتفصيلي أكثر لمن لوحظ أنهم يتحدثون بكثرة عنها أو قاموا بتجربتها.

واجب

ورأى المعلم محمود محمد فرغل أن ظاهرة تحدي الموت أو «لعبة الموت»، تشكل مخاوف متزايدة في المجتمع الأسري والمدرسي على حد سواء، حيث بدأت هذه التحديات الخطيرة تتشكل عبر تطبيق الفيديوهات القصيرة «تيك توك»، لتنتقل للأسف الشديد إلى أرض الواقع، متمثلة في خطر يداهم الكثير من الطلبة، الذين يغرر بهم بممارسة هذه الألعاب الخطرة دون وعي منهم، إذ إن الحاجة والضرورة إلى التوعية بأفكار هذه الألعاب الخطيرة، أصبحت غاية في الأهمية وواجباً وطنياً وتربوياً في كل المدارس عبر مكاتب الخدمة الاجتماعية، ومعلمي المدارس.

دور أولياء الأمور

لفت المعلم محمود فرغل إلى أهمية دور أولياء أمور الطلبة في مراقبة ومتابعة سلوك أبنائهم على الهواتف الذكية، وتحذيرهم من مخاطر «لعبة الموت» وآثارها السلبية صحياً وجسدياً ونفسياً، التي تتمثل في كتم الأنفاس لفترة طويلة، ما يتسبب في حالات إغماء بين الطلبة وعدم قدرة الأطفال الصغار على العودة للحياة مرة ثانية، بسبب توقف أجهزة الجسم، فلا بد من مواجهة تحدي الموت بتحدي الحياة، واحتواء أبنائنا الطلبة، فهم أمل المستقبل.