«COP 28» في الإمارات.. محطة عالمية مهمة لإحداث تحولات إيجابية

«تمويل المناخ».. مأزق الاقتصادات الصاعدة

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

دول العالم كافة بحاجة ماسة إلى تقليل انبعاثاتها، والاستجابة والتكيّف مع ظاهرة تغيّر المناخ، بيد أن العديد من الدول النامية تفتقر إلى الموارد، والتقنيات اللازمة للتعامل مع هذه الظاهرة؛ لذا فإن التمويل الخاص بالعمل المناخي يجب أن يكون له دور محوري في مساعدة الأسواق الصاعدة، والاقتصادات النامية، على سعيها نحو كبح انبعاثات غازات الاحتباس الحراري؛ لاحتواء ظاهرة تغيّر المناخ، والقدرة على التعامل مع جميع تداعياتها.

تتفاوت التقديرات في هذا الصدد، وبذلك يتوجب على اقتصادات العالم مجتمعة تخصيص تريليون دولار، على الأقل، كاستثمارات في البنية التحتية للطاقة بحلول 2030، ونحو 3 إلى 6 تريليونات، سنوياً، يتم تخصيصها لمختلف القطاعات بحلول 2050؛ للتخفيف من حدّة ظاهرة تغيّر المناخ عن طريق إحداث خفض كبير في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

فضلاً عن ذلك، هناك حاجة لتمويل إضافي يتراوح بين 140 ملياراً و300 مليار بحلول 2030؛ للتكيّف مع تبعات الظاهرة على البيئات الطبيعية، مثل: ارتفاع منسوبات البحار، واشتداد حالات الجفاف.

إذ تعول البلدان النامية على مؤتمر الأطراف المرتقب (COP 28)، الذي تستضيفه دولة الإمارات في مدينة إكسبو دبي خلال الفترة من 30 نوفمبر وحتى 12 ديسمبر المقبلين، في إحداث تطوير إيجابي من شأنه مواجهة ظاهرة التغيّر المناخي، وتفعيل ترتيبات تمويل الخسائر والأضرار، بما يضمن حماية الأفراد والمجتمعات الأكثر عرضة لتداعيات الظاهرة.

استثمارات

يحتاج العالم إلى مزيج سياسات واسع؛ من أجل «إطلاق عنان رأس المال اللازم في اقتصادات الأسواق الصاعدة والنامية وضمان تحقيق تأثير مناخي إيجابي».

بحسب تقرير حديث، صدر مطلع أكتوبر الجاري عن صندوق النقد الدولي، فإن «تحقيق هدف التحوّل إلى انبعاثات صفرية صافية بحلول 2050، هناك حاجة إلى استثمارات هائلة؛ لتخفيف آثار ظاهرة تغيّر المناخ، في اقتصادات الأسواق الصاعدة والنامية».

ووفق بيانات أصدرتها وكالة الطاقة الدولية، فإن تلك البلدان تحتاج نحو تريليوني دولار سنوياً بحلول 2030 (يعادل خمسة أضعاف المبلغ الحالي المحدد بـ400 مليار فقط استثمارات مناخية على مدار الأعوام السبعة المقبلة)؛ بغية تحقيق ذلك الهدف، مع تدفق معظم هذا التمويل نحو قطاع الطاقة.

إسهام

وتنبّه تقديرات صندوق النقد الدولي إلى محدودية نمو الاستثمارات العامة في المجال، ما يضيء على أهمية الدور الذي يمكن أن يؤديه القطاع الخاص، باعتباره مساهماً رئيساً، في تلبية الاحتياجات المرتبطة بالاستثمارات المناخية، ليوفر قرابة ٨٠% من الاستثمارات المنشودة.

فلا تزال حصة الاستثمارات الموجهة لمكافحة تأثيرات التغيّرات المناخية في دول «الجنوب العالمي» دون المستهدف بشكل كبير، وهي الفجوة التي تنادي مختلف الأطراف الفاعلة بحتمية التعامل معها، وسط تحديات جمّة، لا سيما في ظل جملة تطورات جيوسياسية يشهدها العالم، وتداعياتها اقتصادياً، خاصة على الاستثمارات المباشرة التي تسجل تراجعاً ملحوظاً، طبقاً لبيانات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، التي كشفت عن تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر عالمياً ١٢% في 2022، مع استمرار الاتجاه الهبوطي خلال العام الجاري.

أزمة

يقول استشاري التغيّرات المناخية لدى الأمم المتحدة، عضو الهيئة الدولية لتغيّر المناخ، الدكتور سمير طنطاوي، في تصريح لـ«البيان»، إن تمويل إجراءات مواجهة التغيّرات المناخية «من الموضوعات الشائكة في المفاوضات المتعلقة بهذا الشأن»، منوّهاً إلى أن الدول الصناعية الكبرى - المسؤولة عن النسبة الكبرى من الانبعاثات - لم تلتزم بتعهداتها التي أقرتها على نفسها خلال «قمة كوبنهاغن» في 2009، بتوفير 100 مليار سنوياً للدول النامية؛ لتمويل المناخ، سواء كان بغرض التخفيف أو التكيّف.

ويضيف طنطاوي: «إن عدم وفاء الدول الكبرى بتعهداتها على مدار السنوات الماضية أحدث أزمة ثقة بين الدول الصناعية ونظيرتها النامية في العملية التفاوضية، ربما جعل الأخيرة تتردد كثيراً للموافقة على اقتراحات قد تكون جيدة في بعض الأحيان، تتعلق بخفض الانبعاثات»، لافتاً إلى أن تاريخ التعامل مع الدول الصناعية «يؤكد أنها غير جادة من وجهة نظر الدول النامية، التي تفتقر للكثير من الإمكانات المالية والقدرات الفنية على مستوى الأفراد أو التكنولوجيا، بما يساعدها على مواجهة ظاهرة تغيّر المناخ».

أعباء

ونوّه طنطاوي، في معرض حديثه مع «البيان» بشكل خاص إلى البلدان النامية ذات الاقتصادات الهشة الضعيفة، التي لا تتحمل أعباءً إضافية تخصص لمواجهة التغيّرات المناخية، لذا هي لا تضعها ضمن أولوياتها! من هذا المنطلق، فإنها تطالب الدول الصناعية تعويضها عن الأضرار التي تسببها الظاهرة، خاصة أنها دول لا تشارك في أزمة المناخ أو الانبعاثات، لكن يقع عليها الضرر. وكان مؤتمر الأطراف السابق في مدينة شرم الشيخ المصرية العام الماضي، قد توصل إلى اختراق إيجابي في المفاوضات بشأن صندوق الخسائر والأضرار.

عوائق

فيما يلمح مستشار استشاري التغيّرات المناخية لدى الأمم المتحدة، إلى جملة عوائق أمام تمويل تعويض البلدان النامية، موضحاً أن «الدول الصناعية ترى أن دولاً تصنفها الأمم المتحدة نامية، لا تستحق الدعم؛ لأن اقتصاداتها قوية، منها على سبيل المثال: الصين، والهند، والبرازيل» كما يلفت إلى أن هناك ضرورة لإعادة تصنيفها دولاً صناعية. ويشدد على أن هناك حرباً اقتصادية بين عدد من القوى، تقع أضرارها على دول العالم الفقير، والأقل فقراً.

يتمثل أحد التحديات الرئيسة الأخرى في التوقف التدريجي عن استخدام محطات توليد الكهرباء بالفحم، المصدر الأكبر على الإطلاق لانبعاثات غاز الاحتباس الحراري في العالم

(نحو ٢٠%)، إذ لا تزال معظم محطات توليد الكهرباء في اقتصادات الأسواق الصاعدة والنامية جديدة نسبياً، والاستغناء عن هذه المحطات، أو إعادة توظيفها لأغراض أخرى سوف يحتاج إلى استثمارات ضخمة، ويتطلب كسب التأييد العام. وهناك بعض البلدان التي تعتمد بكثافة على الفحم وتحتاج إلى تطوير مصادر بديلة للطاقة بسرعة نسبية، طبقاً لتقرير «النقد الدولي»، الصادر يوم 2 أكتوبر الجاري.

قدرات 

يصرح مستشار وزير الزراعة واستصلاح الأراضي في مصر، رئيس مركز معلومات تغيّر المناخ، الدكتور محمد علي فهيم، لـ«البيان»، إن البلدان الأفريقية لا تسهم إلا بقدر ضئيل من غازات الاحتباس الحراري (تصل نسبة مشاركتها إلى نحو ٤% فقط)، وهي غير مسؤولة عنه، مبيّناً أنها دول نامية في معظمها ليس لديها من القدرة المالية أو التقنية التي تستطيع عبرها أن تجابه التغيّرات المناخية بجهود ذاتية.

ويضيف: «بناء على اتفاقات المناخ، وتعهدات الدول في كل مؤتمرات الأطراف، مروراً باتفاقيات «باريس»، و«غلاسكو»، و«شرم الشيخ»، هناك تعهدات يتعين أن تلتزمها الدول الكبرى، إلا أن تلك الدول، المسؤولة عن الاحتباس الحراري، التي منها تقريباً أقل من 10 دول مسؤولة عن ٨٠% من غازات الاحتباس الحراري، هي الدول الصناعية الكبرى بالتحديد، لا تضطلع بمسؤولياتها في هذا الملف».

وأوضح أن الدول الكبرى، في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وكذا الصين والهند أيضاً، لم تصل إلى مكانتها الاقتصادية الحالية إلا بتوسعها في التصنيع، الذي يعد أكبر مورد من موارد أي دولة، ما نتج عنه التوسع في أنشطته ضخها مليارات الأطنان من الغاز المسببة للاحتباس الحراري، ثم قد تربحت بسبب هذا الضخ على حساب دول تأذت كثيراً من هذا الأمر.

فيما يخص البلدان الأفريقية، وبحسب البيانات التي رصدها رئيس مجموعة البنك الأفريقي للتنمية، الدكتور أكينومي أديسينا، مايو الماضي، تتعرض القارة السمراء للدمار بسبب ظاهرة تغيّر المناخ، فهي تخسر بين 7 و15 مليار سنوياً، ويقدر أن يرتفع حجم الخسائر إلى 50 ملياراً بحلول 2030.

بينما تُقدّر احتياجات أفريقيا التراكمية لتمويل المناخ بـ2.7 تريليوناً بين 2020 و2030، فيما تقدر تكاليف التكيّف مع المناخ بما يتراوح بين 249 و407 مليارات في الفترة نفسها. مع ذلك، فإن موارد تمويل المناخ المخصصة لأفريقيا قليلة، إذ تتلقى القارة ٣% فقط من تمويل المناخ العالمي (نحو 30 مليار سنوياً).

وبالعودة لحديث فهيم، فإنه يشدد على أهمية الدعوات المرتبطة باتخاذ إجراءات جماعية، بهدف تحقيق العدالة المناخية، بما يعوض الدول المُتأثرة مناخياً، منوّهاً بالأهمية التي يحظى بها مؤتمر (COP 28)، والدور الذي تقوم به دولة الإمارات في هذا الصدد.

خلافات 

كما يشدد فهيم على أهمية دعم «دول الجنوب»، عبر الدعم القوي في (COP 28) لبرامج التكيّف والتمويل، خاصة بعد التوصل إلى مخرج مهم في مؤتمر الأطراف السابق حينما تم إقرار مبدأ الخسائر والأضرار، هذا المبدأ الذي يتعين العمل على تحويله إلى صندوق وتفعيله، لاسيما أن الآلية متوافرة، تم التوافق عليها من كل الدول.

وتثار هنا، مجموعة من القضايا الخلافية في هذا السياق، في شأن (الدول التي تستحق الحصول على التعويض، والدول التي تقدمه، وآلية التقديم)، بينما يشير فهيم إلى أهمية الاتفاق على خريطة توضح مدى تأثر كل الدول التي تتأثر بتغير المناخ حسب نسب تأثرها.

ويختتم رئيس مركز معلومات تغيّر المناخ، حديثه بقوله: «أمام (COP 28) فرصة كبيرة وقوية لأن يلزم الدول جدولاً زمنياً حقيقياً تتعهد فيه بخفض إسهامها في معدل الاحتباس الحراري (..)».

تعاون

وكان تقرير صندوق النقد الدولي «آفاق الاقتصادي العالمي»، أشار إلى أهمية تعزيز الأطر متعددة الأطراف، ومساندة محافل التعاون الدولي، القائمة على القواعد؛ من أجل التعجيل بالتحول الأخضر، وزيادة الصلابة في مواجهة الصدمات المناخية.

عدالة مناخية 

يقول أستاذ اقتصادات البيئة بالقاهرة، الدكتور علاء سرحان، في تصريحات لـ«البيان»، إن العدالة المناخية تقضي الوقوف إلى جانب الدول الأقل إسهاماً في الانبعاثات، والأكثر تضرراً من تبعات ظاهرة التغيّر المناخي؛ من أجل حمايتها وزيادة قدرتها على التكيّف والتصدي؛ لمواجهة التداعيات والتغيّرات المناخية، منوّهاً إلى أن معظم هذه البلدان النامية لديها هشاشة تجاه حماية أنفسها من أضرار التغيرات المناخية، وبعضها يفتقد البنية الأساسية، كما أن اقتصادها ليس لديه القدرة على مواجهة الصدمات؛ بسبب تداعيات التغيّرات المناخية، وليس لدى بعضها القدرة المالية على تنفيذ برامج حماية اجتماعية، في حالة أن التداعيات السلبية للتغيّرات أثرت في الاقتصاد ومعيشة مواطنيها.

ويلفت إلى أن دعم المجتمع الدولي للبلدان النامية في مواجهة التغيّرات المناخية ظل حتى الآن مجرد تعهدات بتمويلها مناصفة بين التخفيف والتكيف، مشدداً على ضرورة تحول تلك التعهدات إلى واقع على الأرض، عبر عدد من المحاور، المحور الأول: يرتبط بحصول دول الجنوب على دعم مادي وفني، عبر إجراءات حمائية استباقية حتى تتمكن هذه الدول من أن تتكيّف مع تداعيات التغيّرات المناخية وأن تصبح لديها القدرة على تصدي اقتصادها وهياكلها الإنتاجية لأي تقلبات في الاقتصادات العالمية ناتجة عن التغيّرات المناخية.

محور آخر: يرتبط بتخفيف أعباء الديون بالنسبة لهذه الدول، وخاصة أن الكثير منها بسبب الظروف الاقتصادية العالمية ليس لديها القدرة على خدمة الديون، ومن الصعب اتخاذها إجراءات حمائية خاصة بالتغيرات المناخية أو حتى التخفيف في ظل هذه الظروف.

ويمكن في هذا الصدد، تحويل جزء من الديون الخارجية المستحقة لدول الجنوب إلى مشروعات وطنية في الداخل لمواجهة التغيّرات، بالاتفاق مع الدول الدائنة لتنفيذ الأجندة الدولية وفي الوقت نفسه حماية البلدان وشعوبها.

يضاف إلى تلك المحاور، ما يتعلق بتشجيع العالم المتقدم للدول النامية على تخفيف البصمة الكربونية، وأن تتجه إلى اقتصادات مستدامة وأن تحمي نفسها وخاصة في ظل وجود عواقب اقتصادية وسياسية واجتماعية واسعة؛ لأن هذه الدول وقعت في تداعيات التغيّرات المناخية وستواجه تأثيرات خطرة، من الممكن أن تكون دعوة مفتوحة إلى الهجرة إلى دول الشمال الغني، ما يدعو للقلق.

علاوة على أن بعض هذه الدول تشهد نزاعات وعدم استقرار داخلي، وهو ليس في مصلحة الدول الأخرى التي تبحث دائماً عن استقرار، فمن مصلحة الدول المتقدمة البحث عن أساليب مبتكرة خارج الصندوق تمكنها من حماية نفسها من تبعات ظاهرة التغيّر المناخي.

Email