علي حلوكه فصل في ملحمة شعب

ت + ت - الحجم الطبيعي

الحديث عن مرفأ الذاكرة، والمكان الذي يحتضن كل الأحاسيس الدفينة، والذكريات العطرة، والأشجان الباقية برغم الفقد والرحيل، ليس سهلاً كتابته في قصة أو رواية. ففي ذكر الشهيد علي سعيد سالم حلوكه الذي لا يعرفه الكثيرون ربما من أبناء الوطن، تجد هناك شذى ألحان «أذن» الوادعة على أحضان جبال رأس الخيمة، حيث تتساقط المشاعر وتتزاحم الأفكار في خيالك، ونقع في عمق حياة هذا الرجل التي كانت منسوجة بعشق وطنه وطيبة الإنسان.

الأمن والأمان

لم يخيل للشهيد يوماً أن تنتهي حياته دفاعاً عن مبدأ حفظ الأمن والأمان، وترسيخ قواعد الاتحاد الذي لم يبلغ عامه الرابع في إيجاد بيئة آمنة تنبذ العنف وتدعو إلى النهضة في الإنسان قبل العمران. ففي تاريخ 20 ديسمبر 1975 تحديداً كانت بداية الحكاية في استشهاد هذا الرجل التي انتهت حياته، ولم تكن بدأت في تكوين أسرته المكونة منه وزوجته فقط، وإن كان القدر قد أبى إلا أن ينبض قلباً صغيراً في رحمها، ليكتب الله له العمر ليخلد ذكر والده البطل.

مواطن عادي

ففي منطقة «الخران» كانت تكملة الحكاية، عندما تحدث الابن الوحيد للشهيد عن استشهاد والده وما بعد هذه الحادثة، وقال: «لا أنظر إلى نفسي على أني مختلف عن غيري من الناس، لكوني ابناً لشهيد يعد ثالث شهداء الواجب والوطن». ويضيف: «ولا أميز نفسي بمواصفات معينة، فأنا أرى أنني مواطن عادي، ولكن كون والدي شهيداً هو مصدر فخر واعتزاز لي برغم أني لم أره منذ أن ولدت في هذه الدنيا، ولم يكن يعلم بوجودي أيضاً مع الأسف».

هيئة

أسئلة كثيرة لا تزال مختزلة لديه عن والده، إلا أنه استطرد حديثه عن قصة الحادثة: «في الوقت الذي كانت فيه والدتي حاملاً بي في الشهر الأول، كان والدي يعمل في شرطة رأس الخيمة، وتوفي خلال مناوشة في حادثة اعتداء بخور الخوير، تسببت في إصابته بطلقات نارية مباغتة استقرت في جسده، أثناء محاولته فض اشتباك على خلاف قائم بين عدد من الأفراد..

حيث استشهد على الفور». ومنذ ذلك انقلبت حياة عائلته رأساً على عقب، وفقدت عائلته الصغيرة المعيل لها. وبعد فترة من الزمن، ونظراً إلى الظروف آنذاك تزوجت والدته بآخر، لافتاً إلى أنه يحتفظ بصورة واحدة لوالده، وكان يتمنى طوال السنين الماضية أن يتعرف إلى هيئته وشكله.

مكانة رفيعة

ويعتبر غيابه في بعض المراحل كان مؤثراً، ولكن لوالدته في قلبه مكانة رفيعة لا تبلغها إلا أمثالها من الأمهات اللواتي ضحين بأنفسهن ولم يبخلن بالغالي والنفيس من أجل تربية أبنائهن، ويشير: «ربتني على الدين والصلاح وحب الوطن، لم تجعلني أشعر يوماً بأني دون والد، بل كانت الأم والأب والأخ والأخت والصديق، ومهما فعلت أو بذلت من جهود فلن أتمكن من رد ولو جزء بسيط من جميلها».

سبب رئيس

إلا أن استشهاد والده سبب رئيس في التميز والاجتهاد، واختياره أيضاً الانخراط في سلك الشرطة لمدة 13 عاماً، بعد تخرجه وحصوله على الدبلوم العالي من كليات التقنية العليا تخصص أنظمة معلومات في عام 1998، لأنها المكان الأول الذي يسهم في حماية هذا الوطن والدفاع عنه.

مناسبة وطنية

وعن ذكرى يوم الشهيد بالنسبة إلى «علي»، وصفها بأنها مناسبة وطنية بامتياز، يشعر بأهميتها كل من يعيش على هذه الأرض، ولكنها تبقى موضع فخر واعتزاز بالنسبة إليه شخصياً، إذ إن والده أسهم فيها مضحياً بنفسه، ليس من أجل شخص، وإنما من أجل وطن بكامله. وطموحاته المستقبلية لا تخرج أيضاً عن سياق تخليد ذكرى والده، فإلى جانب إصراره على شغل وظيفة قريباً، يسعى لإيجاد صيغة لنشر قصة والده الشهيد ورسالته لكل أطياف المجتمع.

صاحب مبدأ

ومن جانبه، أضافت والدته موزة عبيد مردد التي أكدت أن الشهيد هو ابن عمها، وكانا متزوجين منذ نحو عامين، ويعيشان في منطقة «الدقداقة». وأشارت إلى أن الفقيد المولود عام 1953 في منطقة أذن حرص أبواه على تلقينه حب الآخرين واحترام الكبير، فنشأ محباً لوالديه، محافظاً على الروابط الاجتماعية، ولم يكسب عداوة أحد، فهو ترتيبه الرابع من بين 4 أشقاء و3 شقيقات.

وكان قد تعلم القراءة والكتابة، وعندما شب التحق في (قوة دفاع دبي سابقاً)، وشارك في العديد من الدورات في المجالات العسكرية المختلفة، وبقي مدة عام ونصف العام، بعدها استقال والتحق بشرطة رأس الخيمة في الثاني من سبتمبر 1973 لينتقلا إلى الدقداقة.

حزن

وشاء القدر أن تحمل في شهرها الأول دون أن يعلم الشهيد بذلك، وتوالى عليها الحزن عندما توفي والدها بمجرد انقضاء عزاء الشهيد. وكانت طوال مدة عدتها التي استمرت 8 أشهر تجتر الحزن والفقد على رحيل أهم شخصين في حياتها المعيل والمعين. وبعدها أنجبت وليدها وآثرت تسميته «علي» تيمناً وتكريماً لوالده البطل، متمنيةً أن ترى أحفادها ليكونوا سليلي جدهم البطل.

فداء الوطن

من جانب آخر، عبرت عن اعتزازها وكبريائها بأن قضى فداء للوطن، وهو يقوم بواجب إنساني لحفظ الأمن والأمان. ووصفت الشهيد «علي» بأنه كان شاباً طيباً وخلوقاً وحنوناً وهادئاً قليل الكلام يصمت حين يحزن، وله ابتسامة لا تفارق شفتيه وقت أن يكون سعيداً، محباً لوظيفته، صاحب مبدأ وشخصية مسؤولة وغيورة على بلدها.

Email