الجزء الـسابـع والـعشرون

القَسَم العظيم والقرآن الكريم

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يبـدأ هـذا الجـزء منَ القـرآن الكريم، منْ الآيـة [ 31 ] من سورة الذاريـات ، و حتى الآيـة [ 29 ] من سورة الـحـديـد .

بناء السماء

لا يمكن للعقل البشري أن يستوعب حجم هذا الكون، وكلما تطوّرت تقنيات الرؤية والتصوير تبين لنا ضخامة الجزء المرئي من هذا الكون، ولا يعلم ما وراءه إلا الله تعالى. وقد أشار الله تعالى إلى أن السماء ليست فضاءً متناثراً بل هي بناء محكم، {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ}، خلقها الله تعالى بعلمه وقدرته وإبداعه. وقد توصل العلم في هذه الأيام إلى حقيقة أن مليارات المجرات في السماء متشابكة ومترابطة ومتصلة ببعضها، في ما أسموه «النسيج الكوني» «cosmic web»، وقد سبق القرآن العظيم إلى تقرير هذه الحقيقة عندما قال: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ} [الذاريات : 7]. وقد بدأ بعض العلماء استخدام لفظ «البناء» لوصف هذا الكون، وهو اللفظ الذي استخدمه القرآن الكريم مراراً. {الله الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [غافر : 64].

كما أشار الله تعالى إلى أن الكون في توسع مستمر، {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات : 47]، وقد سبق علماء المسلمين إلى تأكيد هذه الحقيقة، فقال ابن زيد: المعنى وإنا «لموسعون السماء»، وقال الزجّاج: وإنا «لموسعون ما بين السماء والأرض»، وقال بعضهم: «لقادرون على الاتساع بأكثر من اتساع السماء»، وغير ذلك. وقد ثبت علمياً أن الكون في تمدد وتوسع مستمر.

السقف المرفوع والمحفوظ:

الغلاف الجوي الذي يحيط بكرتنا الأرضية يمتد إلى ارتفاع شاهق حيث يقدر العلماء أن الغلاف الجوي ينتهي عند ارتفاع 64400 كيلومتر من سطح الأرض، فهو حقاً سقف مرفوع، {وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ} [الطور : 5]. والغلاف الجوي مخلوق بدقة وإحكام وله دور رئيس في حماية الحياة على الكرة الأرضية، {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ} [الأنبياء : 32]، يتكون الغلاف الجوي من طبقات مختلفة، كل طبقة منها لها دور مهم وتأثير كبير على الحياة، ومن أهمها:

- الطبقة القريبة منا، وهي التي تحتوي على معظم بخار الماء والأكسجين وثاني اكسيد الكربون وتحدث فيها معظم التغييرات الجوية والمناخية التي نشاهدها.

- طبقة فيها حزام الأوزون، وتحمي الأرض من الأشعة الضارة، حيث يسمح بدخول الإشعاعات المفيدة، ولا يمنع إلا الإشعاعات الضارة، خاصة الأشعة فوق البنفسجية، لكنه رغم ذلك يسمح لقسم من الأشعة فوق البنفسجية بالمرور، وهو القسم الذي تحتاجه النباتات في عملية التمثيل الضوئي لضمان استمرار الحياة على الأرض.

- طبقة تحمي الأرض من الشهب والنيازك التي تدخل مجال الأرض، حيث تحترق أكثرها فور دخولها الغلاف الجوي، وتتفتت قبل وصولها إلى سطح الأرض.

- هناك أيضاً طبقة عليا من الغلاف الجوي وهي شديدة الحرارة، ولها دور مهم في الحفاظ على درجة الحرارة على الأرض، وحمايتها من البرد الشديد في الفضاء والذي يصل إلى 270 درجة مئوية تحت الصفر.

وهناك أحزمة من القطبين تحيط بالأرض وتحميها من الموجات الكهرومغناطيسية المميتة التي تصدر من انفجارات الشمس وغيرها وتتجه نحو الأرض. وغير ذلك من أنواع الحفظ والحماية مما نعلم ولا نعلم. فسبحان الخالق البديع، الذي أحسن كل شيء خلقه.

ما زاغ البصر وما طغى:

{إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم : 16 - 18]. وصف دقيق لمظهر عظيم من مظاهر أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم العالية، {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم : 4]. في رحلتي الإسراء والمعراج رأى النبي صلى الله عليه وسلم من آيات الله الباهرة، {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء : 1]، وقال هنا: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم : 18]، ورغم هذه الآيات العظام وهذا الموقف المهيب، كان النبي صلى الله عليه وسلم في قمة الثبات والأدب وهو {قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم : 9]، {مَا زَاغَ الْبَصَرُ} ولم يلتفت يمينا وشمالا ببصره الشريف للنظر في هذه العجائب، {وَمَا طَغَى}، لم يتجاوز ببصره الحدّ الذي سمح له، أو لم يتجاوز ما أمر به ولم ينظر إلى ما لم يؤمر بالنظر إليه، أو لم يسأل ربه فوق ما أعطاه.

وقد أكرمه الله تعالى بأمور لم ينلها نبي من قبل، فأُعْطيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً: «أُعْطيَ الصَّلواتِ الخمسَ، وأُعْطيَ خواتيمَ سورةِ البقرةِ، وغُفِرَ لمن لم يشرِكْ باللَّهِ من أمَّتِهِ شيئًا، المُقْحِماتُ». وهي كبائر الذنوب التي تقحم صاحبها في النار، والعياذ بالله.

أَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى

بعض الناس يبدأ العمل ثم لا يكمله، أو يعمل الخير ثم ينقطع عنه، أو يبدأ بالطاعات ثم يتوقف، {وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى} [النجم : 34]، وكان القوم إذا حفروا بئراً فواجهتهم صخرة تمنعهم من إتمام العمل، قالوا: «أكدينا»، فيستسلمون ويتركون الحفر.

وهذا خلاف ما يحبه الله تعالى، فالله تعالى يحب المواظبة والاستمرار، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «سدِّدوا وقارِبوا وأبشِروا... واعلَموا أنَّ أحبَّ العملِ إلى اللَّهِ أدوَمُهُ وإن قلّ».

نجم الشِّعْرى:

{وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى} [النجم : 49]، وهو نجم الشعرى اليمانية (سيروس sirius)، وهو النجم الوحيد الذي ورد اسمه صريحاً في القرآن الكريم عدا الشمس. يمتاز نجم الشعرى بحجمه كبير، فهو أضخم من ضعفي حجم الشمس، وهو أقرب النجوم إلينا فلا يبعد سوى 8.6 سنوات ضوئية عن الأرض، كما أنه ألمع نجم في السماء.

كان بعض البشر يقدسون هذا النجم إذ كان يظهر لديهم مع بداية هبوب الرياح الموسمية المحملة بالأمطار، وكان بعض العرب يعبدونه، فبيّن الله تعالى لهم أنه هو خالق هذا النجم وهو وحده الذي يستحق العبادة دون سواه من مخلوقاته مهما عظم شأنها، كما أنها جميعها إلى زوال {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} [النجم : 1]، وهو سبحانه تعالى باق على الدوام.

سفينة نوح، الآية الباقية:

أخبر الله تعالى عن سفينة نوح عليه السلام بقوله: {وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر : 15]. ويحتمل أن تكون الإشارة إلى حادثة الغرق فيكون المعنى أن الله تعالى أبقى ذكرها عبرة وعظة للبشر، كما يحتمل أن تكون الإشارة إلى السفينة وأن الله تعالى أبقى السفينة ظاهرة يراها الناس لفترات طويلة من الزمن. والذي يظهر أن بقايا هذه السفينة وآثارها لا تزال موجودة في مكان استقرارها على جبل الجودي {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [هود : 44]، وستكشف للبشر يوماً ما، والله أعلم.

حفظة القرآن الكريم مظهر من مظاهر إعجازه:

أنزل الله تعالى القرآن وتكفّل بحفظه، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر : 9]، ومن أسباب حفظ القرآن الكريم أن يسّر الله تعالى معانيه وألفاظه، كما سهّل حفظه في الصدور، للصغار والكبار، {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر : 17، 22، 32، 40]. وفي جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم العديد من المتسابقين حفظة القرآن الكريم كاملاً من مشارق الأرض ومغاربها وهم لا يتكلمون العربية، وهذا من مظاهر إعجاز القرآن الكريم. وآمل أن يقوموا بنشر مثل هذه التجارب العجيبة لحفظة القرآن الكريم. ومنها: طفل أوروبي قامت أمّه بتحفيظه القرآن الكريم عبر السماع فقط، وكلاهما لا يتكلم العربية، فكانت تسمعه القرآن من المسجّل، ثم بعد أن يستمع مرات كثيرة، تقوم بوضع السماعة على أذنها وتستمع لقراءة ولدها، وتقارن بينهما، فإن أخطأ الولد، أعطته السماعة ليستمع للصواب من قراءة الشيخ، ثم يواصلان، وهكذا إلى أن أتمّ الولد حفظ القرآن الكريم وشارك في المسابقة!

الميزان ودقة الخلق وتوازنه وإحكام صنعته

الجنات كثيرة لا يعلم عددها إلا الله

خلق الله تعالى كل شيء بقدر ونظام محكم وفق سنن كونية وضعها لهذا الكون {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر : 49]، {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان : 2]. فهناك ميزان دقيق لهذا الخلق، فكل الأبعاد والمسافات والتفاصيل من الذرة إلى المجرة كلها محسوبة وموزونة بدقة عالية، وهناك إشارة إلى هذا المعنى في القرآن الكريم، {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} [الرحمن : 9].

حتى تصريف الرياح والسحاب ونزول المطر يخضع لهذا النظام، {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} [الحجر : 21]. وقد اكتشف العلم علاقات معقدة في هذا الكون تثبت أنه لم يخلق شيء عبثاً، فمثلاً اكتشف العلم مؤخراً أن الصحاري الشاسعة لها دور مهم في نزول الأمطار على أماكن أخرى تبعد آلاف الأميال، ومن كان يتخيل أن ذرات الرمال المتطايرة من الصحراء الكبرى في إفريقيا هي السبب في نزول الأمطار على أوروبا والأمازون!

الجدير بالذكر أن واجب البشر أن يعمروا هذه الأرض ويحافظوا عليها، وإلا فإن هذا الميزان الدقيق سيختلّ ويحلّ الفساد ويعاني البشر، {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم : 41].

آلاء الله تعالى أنواع كثيرة:

آية كريمة تكررت في سورة الرحمن (31) مرة، وهي قوله تعالى: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}. وهذا التكرار لحكمة عظيمة، فهو يذكّرنا بأنواع من آلاء الله تعالى ونعمه، مثلاً: تسخير الشمس والقمر والنجوم، وتيسير العيش على الأرض وما فيها من خيرات مختلفة غذاء وفواكه ونباتات عطرية، وغير ذلك. وخلق الإنسان والجنّ خلقاً مختلفاً وإخفاء الجنّ عنا. وتسخير الأنهار والبحار وما فيهما من خيرات وزينة، وأهميتهما في نقل البضائع والأثقال. وخلق الموت من أجل تجدّد الأجيال واستمرار الحياة. وغير ذلك، ثم تنتقل الآيات إلى الحديث عن آلاء الله ونعمه في الآخرة، ومنها: الوعيد بعقوبة المجرمين وتطمين المظلومين، والوعد بالجنان للصالحين، وتعدد الآيات عدداً من نعم تلك الجنان. فكل آية من {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} تشير إلى معنى يناسب تلك النعم ويختص بها. والله أعلم.

اللطيف أن الآية التي ذكر فيها الثقلان في هذه السورة هي قوله تعالى {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ} [الرحمن : 31]، ورقم هذه الآية هو نفسه عدد تكرار قوله تعالى: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}، (31) مرة.

الجنات كثيرة

قوله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن : 46]، {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} [الرحمن : 62]، وقد فهم منها بعض الناس أن الجنات أربع. وليس هذا المراد، بل الجنات كثيرة جداً. وإنما المراد أن هؤلاء المقربين لكل واحد منهم جنتان، وكذلك الآخرون أصحاب اليمين لكل واحد منهما جنتان. ولعل المراد جنة عن اليمين وجنة عن الشمال، كمثل ما جاء في الآية عن حدائق وبساتين سبأ: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} [سبأ : 15]. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «جنتانِ من فضةٍ؛ آنيتُهما وما فيهما، وجنتانِ من ذهبٍ؛ آنيتُهما وما فيهما، وما بين القومِ وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداءُ الكبرياءِ على وجهِه في جنةِ عدنٍ».

ولتوضيح إشارات القرآن للجنات، هناك اسم عام للجنة والنار، {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الحشر : 20]. لكن الجنة مراتب ودرجات، والنار مهاوٍ ودركات، والفوارق في الآخرة أكثر من الفوارق في الدنيا وأكبر، {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا} [الإسراء : 21]. وهناك تشابه في نعيم هذه الجنان من أنهار ومساكن طيبة وأرائك وأساور وحلي ولباس وغير ذلك، كما يظهر في آيات القرآن الكريم المتعددة، لكن الدرجات مختلفة. وقد صحّ في الحديث أن «الجنة مائةُ درجةٍ، ما بين كلِّ درجتَينِ كما بين السماءِ والأرضِ، والفردوسُ أعلى الجنةِ، وأوسطُها، وفوقَه عرشُ الرَّحمنِ، ومنها يتفجَّرُ أنهارُ الجنَّةِ، فإذا سألتُمُ اللهَ فاسألوه الفِرْدَوسَ».

وقد تكرر اللفظ العام «الجنة» و«النار» مفرداً في القرآن الكريم، {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران : 185].

كما ورد لفظ «الجنات» لبيان التعدد والتنوّع: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} [الحجر : 45].

ومن ألفاظ المفرد والجمع مع أنواع وأوصاف الجنات المختلفة، ما يأتي:

جنة النعيم {وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ} [الشعراء : 85].

وجنات النعيم: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ} [لقمان : 8]. {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [يونس : 9].

جنة المأوى، {عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} [النجم : 15].

وجنات المأوى: {أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة : 19].

جنات عدن: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ} [الرعد : 23].

جنة الفردوس، {الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون : 11].

وجنات الفردوس، فالفردوس ليس جنة واحدة بل درجة في الجنة فيها جنات الفردوس: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا} [الكهف : 107].

جنة الخلد: {قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا} [الفرقان : 15].

وهناك الكثير من الأسماء والأوصاف في القرآن الكريم، مثل: دار السلام، جنة عالية، دار الآخرة، دار المتقين، دار المقامة، دار القرار. وأما تحديد عدد الجنان والجزم بأسماء بعض الجنان ومراتبها، فهذا من عالم الغيب، ولا يمكن القول به إلا بدليل شرعي صحيح. والله أعلم.

Email