الجزء السادس و العشرون

التأمل والتفكر في الكون

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يبـدأ هـذا الجـزء منَ القـرآن الكريم، من الآيـة [ 1 ] من سورة الأحقـاف، وحتى الآيـة [ 30 ] من سورة الـذاريـات، ومـمّـا ورَد في سورة الأحقاف:

ماذا خلقت الأصنام والآلهة الباطلة:

تناقش الآية عبدة الأصنام والآلهة المزعومة والمشركين، وتدعوهم إلى التأمل والتفكر في هذا الكون الفسيح وما فيه من مجرات وسدم ونجوم وكواكب، والكرة الأرضية وما فيها من مخلوقات وعجائب في تناسق بديع ونظام عجيب، ثم تدعوهم إلى النظر إلى آلهتهم المزعومة هل خلقت شيئاً من ذلك؛ ما هو الجزء الذي خلقوه من هذه الأرض أو المخلوقات التي تعيش فيها؟ لا شيء!، وبما أنهم لم يخلقوا شيئاً في الأرض فإنهم كذلك لم يشتركوا في خلق شيء في السماوات، بل ولا يشتركون في تسييره وتدبير شؤونه، {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ}، وبالتالي فإنهم لا يستحقون شيئاً من العبادة. إن جميع المرسلين والكتب السماوية جاءت بالتوحيد، والخلق والأمر لله وحده، فكيف تشركون بالله تعالى أو تعبدون سواه؟ هل لديكم مستند أو دليل أو علم صحيح تأخذون عنه هذا؟ {ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4)}.

هكذا يطالبهم الله تعالى بالمستند والدليل. ونحن في عصر العلم والمعرفة والاكتشافات، ومن العجب أن بعض الناس لا يزالون يصنعون الأصنام ويعبدونها ويتقربون إليها، رغم أنها غافلة عنهم ولا تسمع دعاءهم ولا يمكنها أن تستجيب لهم، وهذا هو الضلال المبين، {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5)}.

حسن صحبة الأم والأب:

بعد آيات التوحيد وعبادة الله تعالى، ذكر الله الوصية بالوالدين والإحسان إليهما، {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا}، وقد تكرر مثل هذا في القرآن العظيم. ثم ذكر الله تعالى المشاق التي تحملتها الأم في الحمل ثم الولادة ثم الرضاعة، {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا}، وهي ثلاثة أمور تعبت فيها الأم دون الأب، ولعله لتعب الأم خاصة في هذه الأمور الثلاثة أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بحسن صحبتها وقدّمها ثلاث مرات، قبل ذكر الأب، «أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك».

ومن روائع الاستنباط، استدلال عليّ رضي الله عنه بهذه الآية {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا}، مع قوله تعالى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة : 233]، على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر (30 شهراً – حولين أي 24 شهراً = 6 أشهر)، ووافقه على ذلك الخليفة عثمان رضي الله عنه وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم.

دعاء الأربعين:

سنّ الأربعين هي سنّ كمال الجسم والفهم، فهي سنّ القوة وكمال الشباب والرجولة، وكمال العقل والحلم والفهم، {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً}. وأرشدنا الله تعالى إلى دعاء جميل في هذه السنّ، يدعو به الإنسان لنفسه ولذريته ويشكر نعمة الله عليه وعلى أهله، ويعلن التوبة والطاعة لله تعالى ويدعوه أن يوفقه للعمل الصالح: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15)}. ووعد الله قائله والعامل به أن يتقبّل عنه أحسن أعماله ويجازيه بحساب أفضل حسناته، وأن يتجاوز عن سيئاته، ويدخله الجنة، {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (16)}.

من سورة محمد صلى الله عليه وسلم

عبادة الله تعالى على بينة وعلم:

تقارن الآيات بين المؤمن الذي عنده علم بكتاب الله ويعبد الله تعالى على بينة وبصيرة وهدى، ويؤمن بالآخرة والحساب ويستعد لذلك بعمل الصالحات والخيرات، وبين من اتبع هواه وخطوات الشيطان وانغمس في الشهوات والمعاصي وزيّن له الشيطان الإثم والسوء والفحشاء، فظن ذلك حسناً فأصرّ عليه ونسي الآخرة والحساب والعقاب. {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (14)}. وفي الآيات إشارة إلى أهمية الإيمان بالله تعالى وعبادته عن معرفة وعلم وبينة ومستند من الله تعالى، فالعلم في الإسلام قبل القول وقبل العمل، وتأكد هذا المعنى في قوله تعالى {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)}.

التحذير من الإفساد والأذى:

تخاطب الآيات محذّرة من تعمّد أذى الأقربين والأبعدين، وتحذّر من الإفساد في الأرض وقطيعة الأرحام، والخطاب فيها للمنافقين، وفيه تنبيه لكل إنسان أن يحذر من الإيذاء والقطيعة، كل حسب مسؤوليته واختصاصه، {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22)}.

التحذير من أصحاب الأغراض السيئة:

تحذّر الآيات من المنافقين الذين في قلوبهم مرض ولهم أغراض سيئة وأحقاد دفينة ويسعون في الإفساد ونشر الشائعات وإفشاء الأسرار، وتتوعّدهم بفضحهم وكشف خبثهم. {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغَانَهُمْ (29)}. ويتوعّدهم بفضح خباياهم للرسول صلى الله عليه وسلم وكشفهم بعلامات ظاهرة عليهم، {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ}، كما أشار الله تعالى إلى معرفة هؤلاء وتمييزهم من كلامهم وأساليبهم {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30)}.

أهمية الإنفاق في سبيل الله والتحذير من البخل:

تهدف هذه الآيات إلى تطهير القلوب من الشحّ والبخل، فتبيّن حقيقة الحياة الدنيا، {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ}، وهي مؤقتة زائلة، ويأتي وراءها خلود دائم ينبغي أن يسعى له المؤمن، وإذا فعل ذلك أثابه الله تعالى أجره كاملاً، {وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ}.

ثم أوضحت الآيات حقيقة الزكاة والإنفاق في سبيل الله، فلم يأت الإيمان لأخذ أموال الناس من أيديهم {وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ (36)}، والله تعالى غنيّ عنها، وإنما دعاهم الله تعالى لإنفاق القليل من أموالهم مواساة للفقراء والمحتاجين، ثم تعود المنفعة على المنفق نفسه بالبركة والرزق في الدنيا، والأجر والثواب في الآخرة. ولو سأل الله تعالى الناس أن ينفقوا الكثير فإنهم سيتحرجون ويبخلون ويحقدون {إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ (37)}، لأن المال محبوب للنفس لا يبذله الإنسان إلا فيما يحبّه ويعود عليه بالنفع.

ثم حذّر الله تعالى من البخل، {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ}، والبخيل في الإنفاق إنما يبخل على نفسه، لأنه يحرمها الأجر والثواب، كما يحرمها الأثر الطيب، والسكينة وراحة البال، {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ}، لأن الذي ينفق في سبيل الله إنما ينقل هذا المال من حساب الدنيا إلى حساب الآخرة، {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة : 110]. {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} [البقرة : 272]. {وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المزمل : 20].

إن البخل من أعدى أعداء الإنسان، لأنه يحرم الإنسان خيري الدنيا والآخرة، فسبيل النجاح والفلاح ألا يخضع الإنسان لشحّ نفسه وبخلها. {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [التغابن : 16]. {وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38)}.

سورة الحجرات والآداب الاجتماعية

في هذه الآيات، يعلم الله تعالى المؤمنين الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً، وما يجب له من التوقير والاحترام، فنهاهم عن اتّخاذ قرار أو طلبه قبل أن يقضي لهم الله ورسوله فيه، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)}.

ثم علمهم الله تعالى الأدب في مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم، ونهاهم عن رفع أصواتهم فوق صوته، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ}، كما نهاهم عن الجهر له بالقول، أو ندائه باسمه مجرّداً (يا محمد)، {وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ}، بل يخاطبه بصفة النبوة والرسالة، (يا نبي الله، يا رسول الله). وهذه الآداب توضّح أهمية احترام النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره وتبجيله، والتحذير من التهاون في مقامه صلى الله عليه وسلم لأن ذلك يؤدي إلى الكفر وبطلان الأعمال، {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2)}. وكان بعض الصحابة رضي الله عنهم بعد نزول هذه الآية يهمسون للنبي صلى الله عليه وسلم همساً مخافة أن يرفعوا أصواتهم، فشكر الله تعالى لهم صنيعهم ومدح فعلهم وشهد لهم بالتقوى {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى} ووعدهم بالأجر والثواب الجزيل، {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3)}، لاحترامهم وتعظيمهم لمقام النبي صلى الله عليه وسلم.

كما حذّرت الآيات من فعل بعض الجهلة بمقام النبي صلى الله عليهم وسلم، وهم الذين كانوا ينادونه بأصوات مرتفعة من خارج البيت، {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4)}، وهم جماعة من العرب جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ينادونه من خارج الحجرة وهو داخل الحجرة مع نسائه رضي الله عنهن. وكان الصواب أن يصبروا وينتظروا حتى يخرج إليهم النبي صلى الله عليه وسلم، {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)}.

قطع الشائعات والتحذير من ناقليها:

سعى الإسلام إلى مكافحة الشائعات والأقاويل، وحذّر من نشرها وتداولها، وذلك لأن الفسّاق والمفسدين وأصحاب القلوب المريضة يستخدمون أسلوب الإشاعة في تحقيق مآربهم الخبيثة، فأمر الله تعالى بالتأكد من الأخبار والاستيثاق منها ومن رواتها وعدم نشرها إلا بعد أن يتبين صدقها ومنفعتها، مخافة أن يتأذى الأبرياء أو تشوه سمعتهم بالباطل، وتزرع الشحناء في القلوب وتنتشر العداوات بين الناس، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)}.

ونحن في زمن سهل فيه نشر الشائعات عبر شبكة المعلومات ووسائل الاتصال والتواصل، لكننا أيضاً في زمن سهل فيه الوصول إلى الحقيقة والتأكد من المعلومة. لذا، فلا عذر لأحد في أن ينشر شيئاً دون التأكد من صحته ومنفعته. وعلينا مسؤولية كبيرة في تثقيف أبنائنا وبناتنا، وحسن توجيههم.

أهمية الإصلاح والأخوة الإيمانية:

الطبيعة البشرية عرضة للخطأ والنقصان، والمؤمنون بشر كسائر البشر، قد يقع منهم الخطأ والزلل، كما قد يخطئ اجتهادهم في مسألة أو حكم، ولا حرج في ذلك ما دام الجميع يبحث عن الحق ويسعى إليه ويحترم الرأي الآخر المبني على الدليل.

وقد يقع بين بعض المسلمين عداوات أو مخاصمات، وفي هذه الحالة ينبغي على بقية المسلمين الوقوف مع المظلوم ضدّ الظالم حتى يرجع إلى الحق ويتوقف عن الظلم، {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ}، ثم على المسلمين بعد ذلك أن يصلحوا بين المتخاصمين بالعدل والقسطاس المستقيم، {فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)}، فالخلاف بينهم كالخلاف الذي يقع بين الإخوة لا ينبغي أن يصل إلى قطيعة كاملة أو دائمة، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)}.

التحذير من إيذاء الآخرين بالقول:

من الآداب الإسلامية حفظ اللسان عن إيذاء الآخرين، سواء بالسخرية أو اللمز والطعن أو التنابز بالألقاب التي يكرهونها، والنهي متوجه للرجال وللنساء، مع التأكيد على مجتمع النساء لأنه قد ينتشر بينهن، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)}.

تحذير

نهى الله سبحانه وتعالى المسلمين عن التجسس وتتبع العورات، كما نهى عن ذكر العيوب والمساوئ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)}.

وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم هذا التوجيه: «إيَّاكُم والظَّنَّ، فإنَّ الظَّنَّ أَكذبُ الحديثِ، ولا تحسَّسوا، ولا تجسَّسوا، ولا تحاسَدوا ولا تدابَروا، ولا تباغَضوا، وَكونوا عبادَ اللَّهِ إخوانًا».

ومعنى (لا تحسسوا): أي: لا تبحثوا عن عيوب الناس ولا تتبعوها. وأصل هذه الكلمة من الحاسة، إحدى الحواس الخمس.

ومعنى (لا تجسسوا): أي: لا تبحثوا عن عيوب الناس عبر الجسّ، وهو اختبار الشيء باليد.

وقيل التجسس: البحث عن عورات الناس، والبحث عن بواطن الأمور.

والتحسس: الاستماع لأقوال الناس، والبحث عما يدرك بحاسة العين والأذن، كل ذلك من أجل كشف خفايا الناس وهتك سترهم وفضح أعراضهم. والعياذ بالله.

 

والله تعالى أعلم.

Email