الجزء الخامس و الـعشرون

التفاؤل والتشاؤم مع متغيرات الحياة

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يبـدأ هـذا الجـزء منَ القـرآن الكريم، منْ الآيـة [ 47 ] من سورة فـصّـلت، وحتى الآيـة [ 37 ] من سورة الجـاثيـة، ومـمّـا ورَد فيـه:

قلة الثقة بالله وعدم اليقين يؤديان إلى الكفر والطغيان:

تتحدث الآيات من سورة فصلت عن صنف من الناس يفتقر إلى اليقين والثقة بالله تعالى، وبناء على ذلك فإنه غير متوازن في حياته، ولا يجيد التعامل مع متغيرات الحياة، فهو متفائل عند الخير فقط، فلا يملّ من دعائه ربه بالخير بجميع أصناف، {لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ}، يطلب المال والعز والجاه والصحة وغير ذلك من الله تعالى، لكنه متشائم قنوط، يصاب باليأس بمجرد حصول مصيبة أو فقر أو أذى، {وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (49)}، فييأس من الحياة ويظن أن هذا الأذى وهذه المصيبة دائمة لن تزول، ولن يحصل له خير بعدها أبداً.

والحياة متقلبة، فهذا طبعها مع جميع الناس؛ فالأيام دول، وعندما تأتيه الرحمة والخير والرزق بعد هذا الضرّ والشدة، فإنه يغترّ به، {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي}، ثم يركن إلى هذه الدنيا، وينسى الآخرة، ويكفر بيوم القيامة، ويقول: {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً}، ويستمر هذا الإنسان في تذبذبه، فيقول: إن كان هناك آخرة وقيامة فإن الله سيحسن إليه فيها كما أحسن إليه في الدنيا، {وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى}، حسن الظن بالله أمر مهم جداً، لكنه يكون مع اليقين والعمل الصالح، لكن المشكلة أن هذا الإنسان يتمنى على الله تعالى وهو مسيء للعمل وغير موقن بالآخرة وغير واثق بربه، فتوعد الله تعالى أمثال هذا الإنسان، الذي يسيء الاعتقاد والعمل، بالحساب والعقاب.

الإيمان يبنى على اليقين لا على الاحتمال:

طبع الإنسان الجاحد الكفور أنه إذا أنعم الله عليه أعرض عن عبادة الله، {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ}، وإذا أصابه البلاء لم يصبر ولم يحتسب، {وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (51)}، أي: دعاء مستمر طويل، والكلام العريض: ما طال لفظه وقلّ معناه، وهو عكس الوجيز.

وبعد أن ذكر الله تعالى ذلك، لفت أنظار الكفار إلى جانب مهم، وهو التفكير في حالهم يوم القيامة عندما يقفون بين يدي الله تعالى، وقد كفروا بكتابه وبرسوله صلى الله عليه وسلم!، {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ}، إن مسلك العناد وإنكار الحق مسلك بعيد عن الهدى والطريق القويم {مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (52)}.

أحد الملحدين قال لأحد العلماء المسلمين: كيف سيكون شعورك إذا لم يكن هناك إله ولا يوم قيامة ولا جنة ولا نار؟

فأجابه العالم: سيكون حالي أحسن من حالك على جميع الأحوال، لكن ماذا عنك إذا اكتشفت أنه يوجد إله ويوم قيامة وجنة ونار؟! فبهت الملحد.

في كل زمان ومكان يظهر الله جوانب من آياته الباهرة:

الإيمان لا يبنى على الاحتمالات فحسب، بل يجب أن يكون إيمانا وتصديقا بيقين وثقة بالله تعالى وبكلامه وبرسوله صلى الله عليه وسلم.

لذا تكفل الله تعالى بإظهار الآيات القاطعة للبشر حتى يعلموا أن القرآن كلام الخالق سبحانه وتعالى. {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)}.

فوعد الله تعالى أن يظهر آياته ودلائله المتنوعة حتى يظهر الحق للناس أجمعين وخاصة المكذبين منهم، ويعلموا أن القرآن كلام الله تعالى، أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. ووعد الله تعالى أن هذه الآيات منها ما يكون خارجياً في الآفاق وأقطار السماوات والأرض، ومنها ما يكون في خلق الإنسان نفسه وما هو مركب منه.

ونحن في هذا الزمان نشهد الكثير من الآيات الباهرة فيما يسمى بالإعجاز العلمي في القرآن الكريم، في أنفسنا في أطوار خلق الإنسان وتفاصيل نموه وإحساسه وبصماته وغير ذلك، وفي الآفاق في علوم الطبيعة والفلك والفضاء وغيرها.

الجدير بالذكر أن الآيات المعجزة في القرآن الكريم يظهر فيها جانب التحدي بوضوح، فهي ليست مصادفة أو كلمة جاءت عرضاً، وإنما مقصودة لذاتها، وموجهة للكفار والمعاندين، كما في قوله تعالى إشارة إلى خلق الكون وضرورية الماء لجميع العمليات الحيوية لسائر الكائنات الحية، نجد الآية موجهة للكفار: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}، وختمت الآية بقوله: {أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} [الأنبياء : 30].

لكن المعاندين لا تنفع معهم الآيات، ويستمرون في ظنونهم وشكوكهم من قيام الساعة فلا يتفكرون في الآخرة ولا يعملون ليوم القيامة، {أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54)}.

من سورة الشورى:

لماذا أنزل القرآن باللغة العربية:

عندما نوجّه خطابا إلى غيرنا من البشر فإننا نستخدم لغة مفهومة تحمل هذا الخطاب، ولله المثل الأعلى، فالله تعالى أنزل هذا القرآن واختار له اللغة العربية، {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7)}.

وبعض الناس يتساءل، لماذا اختار الله اللغة العربية؟

بيّن الله تعالى أنه أنزل هذا القرآن عربيا واضحا بيناً جلياً، ولم يمنعهم من الإيمان اللغة العربية، بل عنادهم وكفرهم وإصرارهم على اتباع الهوى والباطل، فرغم يقينهم بفصاحته وبلاغته وعدم مقدرتهم على مجاراته فإنهم لم يؤمنوا به. ولو أن الله تعالى أنزله بلسان آخر لما آمنوا، {وَلَوْ نزلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأعْجَمِينَ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: (198- 199)]. وكذلك لو أنزل القرآن كله بلغة العجم، لأصروا على عنادهم وتعنتهم وقالوا: هلا أنزل مفصلاً بلغة العرب، أو قالوا: {لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} أي: أنكروا ذلك وقالوا: أعجمي وعربي؟ أي: كيف ينزل كلام أعجمي على مخاطب عربي لا يفهمه. أو المعنى: هلا أنزل بعضها بالأعجمي، وبعضها بالعربي.

لذا، فالاعتراض على اختيار اللغة العربية ليس نابعاً من اعتبارات علمية أو منطقية أو قصور في اللغة أو نحو ذلك، بل نابع من العناد والاستكبار والمجادلة. فاللغة العربية وهبها الله تعالى من المميزات والصفات ما يمكنها من حمل رسالة الله تعالى وإيصال مراده للبشر، بوضوح وبيان وجمال، حتى يفهمه البشر ويعقلوا عن الله تعالى مراده، كما قال تعالى في سورة الزخرف: (حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4)}.

الإله واحد وأصل الدين من الله تعالى واحد

بين الله تعالى أن الدين عنده واحد لا يتعدد، {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19]، وهو عبادة الله تعالى وحده لا شريك لله، والاستسلام والانقياد لله تعالى طوعاً واختياراً. {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25]. وهو دين سائر الأنبياء والمرسلين، {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران : 67]، {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [البقرة : 131]، {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف : 101]، {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل : 44].

أصل الإيمان والعقيدة والدين واحد عند جميع الأنبياء والمرسلين، {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}، لكن الكفار والمشركين يثقل عليهم التوحيد ونبذ الشرك الذي اعتادوا عليه وعلمهم إياه آباؤهم، {كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ}. والله تعالى هو الذي يصطفي من يشاء من عباده ويكتب الهداية لمن يستحقها كرماً منه، {اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13)}. فلا يستوي من كان يبحث عن الحق والهدى، ومن كان يتبع الضلالة والهوى، {وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (8)}.

وواجب الأنبياء والعلماء الدعوة والبيان والثبات على الحق، {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15)}.

فإن قبل الناس ذلك وأسلموا لله تعالى فقد حصلت لهم الهداية من الله، {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا}، وإن أنكر الناس وأعرضوا فحسابهم على الله، {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران : 20].

حرث الدنيا وحرث الآخرة:

سعة الرزق وقلته لا علاقة لهما بالإيمان والعبادة، فالله تعالى يرزق الخلق أجمعين، {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ إِلا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود:6].

ولولا أن البشر يغترون سريعاً فيضلون عن الحق ويلحقون بالكفر لأعطى الله تعالى لكل كافر الكثير من زينة هذه الدنيا، كما في سورة الزخرف: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34) وَزُخْرُفًا}، لكن هذا كله متاع قليل زائل، والنعيم الحقيقي في الآخرة، {وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (35)}.

لذا، يجب على المؤمن أن يجعل الآخرة نصب عينيه ويبتغي بعمله وجه الله تعالى، فإن فعل ذلك أعانه الله تعالى على ذلك وبارك له في أعماله، {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ}، وأما من كان قصده الدنيا وأعماله لغايات دنيوية ولم يعمل للآخرة فإنه سيخسر الآخرة، وأما الدنيا فقد يحصل عليه وقد لا يحصل عليها، {وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20)}. وفي الحديث: "إِنَّ اللهَ يقولُ يا ابنَ آدمَ: تَفَرَّغْ لعبادَتِي أملأْ صدركَ غِنًى وأسُدُّ فقرَكَ، وإِنْ لَّا تفعلْ ملأتُ يديْكَ شُغْلًا، ولم أسُدَّ فقْرَكَ". فعلى الإنسان ألا يغتر بالدنيا الفانية ويلتهي بها عن الآخرة الباقية، {فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36)}.

وسعة الرزق وقلته خاضعة لعلم الله تعالى وحكمته، {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27)}.

هل توجد مخلوقات غيرنا في هذا الكون؟

قطعاً إن البشر ليسوا وحدهم المخلوقات العاقلة في هذا الكون، فهناك الجن والملائكة، وكلاهما من المخلوقات العاقلة التي تفكر وتناقش.

وهناك آيات في القرآن الكريم يمكن أن تشير إلى وجود مخلوقات أخرى غير هذه المعروفة، كما في قوله تعالى {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29)}، أما الدواب على الأرض فمعروفة، وأما الدواب في السماوات فالله أعلم بها، وهي ليست الملائكة، لأن الله تعالى استخدم حرف العطف بينهما: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [النحل : 49].

وستأتي إشارة أخرى لهذا الموضوع فيما يأتي من أجزاء القرآن الكريم.

الفساد والمصائب سببها كسب الإنسان نفسه:

من مهام الإنسان في هذا الكون أن يقوم بعمارته، لكن هناك دور تخريبي لبني الإنسان، وآثار هذا التخريب لا تظهر إلا بعد فترة من الزمن، {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم : 41].

وقد بين الله تعالى أن المصائب التي تقع على الإنسان سببها ذنوبه ومعاصيه، {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}، ومن رحمة الله تعالى أن هذه المصائب تكفير للسيئات والذنوب.

والله تعالى لا يؤاخذ الإنسان على جميع أفعاله ولكن على القليل جداً، {وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)}، {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [النحل : 61]، {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا} [فاطر : 45].

صفات المؤمنين المتوكلين على الله:

بين الله تعالى صفات الفائزين بالنعيم المقيم يوم القيامة، وهي كما يأتي:

- إيمانهم بالله وتوكلهم عليه: {وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36)}.

- اجتنابهم لكبائر الذنوب مثل القتل والسرقة وشهادة الزور والسحر والزنى وشرب الخمر، وابتعادهم عن الفواحش والقبائح، وأنهم يكظمون الغيظ، ويعفون عمن المسيء: {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37)}.

- طاعتهم لله واستجابتهم لأوامره، وإقامتهم للصلاة، وإنفاقهم في سبيل الله، ومشاورتهم للآخرين وعدم استبدادهم بالرأي. {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38)}.

- عزتهم وكرامتهم، وعدم خضوعهم للظلم والبغي، وعدم ضعفهم عن الانتصار للحق، ورغم ذلك، فإنهم لا يعتدون ولا يتجاوزون، ويعفون ويصفحون عند المقدرة. {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)}.

ثم بيّن الله تعالى أن ردّ الظلم والعدوان لا يعتبر عدواناً، وإنما العدوان من الذي بدأ في الظلم والاعتداء ونشر العداوة والبغضاء، {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42)}، لكن رغم ذلك، دعا الله تعالى إلى الصبر والتجاوز، {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)}.

 

والله تعالى أعلم.

Email