الجزء الـرابع والـعـشرون

الكذب على الله أكبر أنواع الظلم

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يبـدأ هـذا الجـزء منَ القـرآن الكريم، منْ الآيـة [32] من سورة الـزمـر، وحتى الآيـة [46] من سورة فـصّـلت

أكبر أنواع الظلم الكذب على الله وإنكار الحق: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (32)}

الكذب على الله أنواع كثيرة، منها:

عبادة غير الله، والشرك بالله وادّعاء آلهة أخرى معه، وادّعاء الزوجة أو الولد له، والزعم أن الملائكة إناث، ونحو ذلك. {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء: 48].

التكذيب بالقرآن العظيم ورسالة النبي صلى الله عليه وسلم، {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ. وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [الأنعام: 20-21].

تحريف كلام الله تعالى، أو الزيادة فيه أو النقصان منه، {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 78].

الفتوى والحكم بغير علم، والتحليل والتحريم بغير علم، {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} [النحل: 116]. {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [المائدة: 103].

وانظر كيف نبّه الله تعالى على خطورة أمر الفتوى حتى في أحكام الطعام والبهائم، وأنها يجب أن تصدر عن علم وأهلية، وحذّر من القول فيها بغير علم واعتبر ذلك من افتراء الكذب على الله تعالى.

ثم انظر إلى حال بعض الشباب والمغرورين والمغرر بهم وكيف يتجرؤون على الفتوى ليس في أمور صغيرة خاصة بل في أمور العامة وأمور جماعة المسلمين، فيفتون بغير علم فيَضلّون ويُضِلّون، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: «سَيأتي على الناسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَات، يُصَدَّقُ فيها الكَاذِب، ويُكَذَّبُ فيها الصَّادق، ويُؤْتَمَنُ فيها الخَائِن، ويُخَوَّنُ فيها الأَمِين، ويَنْطِقُ فيها الرُّوَيْبِضَةُ. قيل: وما الرُّوَيْبِضَةُ؟

قال: الرجلُ التَّافِهُ، يتكلَّمُ في أَمْرِ العَامَّةِ». نعوذ بالله من الجهل والضلال واتباع الهوى.

بشارة من الله تعالى أن حساب المؤمنين قائم على الكرم والفضل:

الأصل في الحساب يوم القيامة أن يحاسب الإنسان على حسناته وسيئاته، {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46]. لكن الله تعالى يعامل الناس بالكرم، فيعطي على الحسنة خيراً منها، {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [القصص: 84].

ويضاعف الحسنة عشرة أضعاف، {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [الأنعام: 160]. والذي يحسن إسلامه يضاعف له أكثر من ذلك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أَحْسَنَ أحدُكم إسلامَه فكلُّ حسنةٍ يَعْمَلُها تُكْتَبُ له بعشرِ أمثالِها إلى سَبْعِمائةِ ضَعْفٍ، وكلُّ سيئةٍ يَعْمَلُها تُكْتَبُ له بمثلِها».

وهناك مضاعفات أكبر من ذلك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ كتب الحسناتِ والسَّيِّئاتِ ثمَّ بيَّن ذلك، فمن همَّ بحسنةٍ فلم يعمَلْها كتبها اللهُ له عنده حسنةً كاملةً، فإن هو همَّ بها وعمِلها كتبها اللهُ له عنده عشرَ حسناتٍ إلى سبعِمائةِ ضعفٍ إلى أضعافٍ كثيرةٍ، ومن همَّ بسيِّئةٍ فلم يعمَلْها كتبها اللهُ له عنده حسنةً كاملةً، فإن هو همَّ بها فعمِلها كتبها اللهُ له سيِّئةً واحدةً».

وفي هذه السورة بشارة عظيمة من الله تعالى في حساب المؤمنين المصدّقين، ففي حساب السيئات يحاسبون على صغارها، وأما في حساب الحسنات، فإنهم يجازون عليها بحساب أحسنها، فتتضاعف حسناتهم، وتتضاءل سيئاتهم، كرماً من الله وفضلاً. {لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (35)}.

فالله تعالى سيكفّر عنهم أسوأ أعمالهم ولا يؤاخذهم بها، سواء التي عملوها قبل إسلامهم أو حال جهلهم أو تابوا منها، أو يتجاوز الله تعالى عنها بكرمه ورحمته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنِّي لأعلمُ ... آخرَ رجلٍ يخرُجُ من النَّارِ، يؤتَى بالرَّجلِ يومَ القيامةِ فيُقالُ: اعرِضوا عليه صغارَ ذنوبِه، ويُخبَّأُ عنه كبارُها.

فيُقال له: عمِلتَ يومَ كذا، كذا وكذا، وهو مُقِرٌّ لا يُنكِرُ، وهو مُشفِقٌ من كِبارِها، فيُقال: أعطوه مكانَ كلِّ سيِّئةٍ حسنةً. فيقولُ: إنَّ لي ذنوبًا لا أراها ههنا!. قال أبو ذرٍّ: فلقد رأيتُ رسولَ اللهِ ضحِك حتَّى بدت نواجذُه».

{أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف: 16].

الثبات من أجل الحق وعدم الخوف من الباطل:

مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم إيصال كلام الله تعالى للناس وتعليمهم وإرشادهم وبيان الحقّ لهم، {إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41)}. {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108].

وهذا هو واجب العلماء في بيان الحقّ بالأدلة والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل: 125].

 ويجب بيان الحق والثبات عليه، وعدم الخوف من الباطل، {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ}، فالأمر كله لله، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38)}.

النوم نعمة من الله تعالى، وهو تذكير بالموت والبعث:

جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «النوم أخو الموت»، فالنوم وفاة صغرى، إلا أنه لا تنقطع فيه الحياة، {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42)}.

والنوم آية عظيمة من آيات الله تعالى، {وَمِنْ آيَات ِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} [الروم: 23]، وهو نعمة عظيمة من نعم الله تعالى، يقوم فيه الجسم بعمليات ضرورية متعددة، {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [القصص: 72].

ومن هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه «كان ينامُ أوَّلَ اللَّيلِ ويقومُ آخِرَه». ومن آداب النوم في الإسلام: تنظيف الفراش ونفضه قبل النوم، وغسل الفم واليدين من آثار الطعام، والنوم على طهارة، والصلاة قبل النوم، وأذكار النوم، والاستيقاظ. وأن يتذكر الإنسان الآخرة، ويسأل الله حسن الخاتمة، وإذا استيقظ حمد الله على نعمة الحياة وذكّر نفسه بالبعث والنشور حتى يستغل وقته فيما ينفع، فقد «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعَه، قال: »اللهمَّ باسمِك أحيا وباسمك أموتُ«. وإذا استيقظ قال: »الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا، وإليه النشورُ«.

فإن فعل المسلم ذلك كتب له الأجر على نومه، كما جاء في الحديث عن معاذ رضي الله عنه: »أما أنا فأنامُ وأقومُ، فأحتَسِبُ نوْمتي كما أحتَسِبُ قوْمتي«، أي: أحتسب الأجر على نومي كما أحتسب الأجر على قيامي وصلاتي في الليل. وهذا من جمال هذا الدين وكماله حيث يقوم على الاعتدال والتوازن بين الروح والجسد.

Email