الجزء الحادي عشر في القرآن الكريم

الصلاة دعاء ورحمة وسكينة

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يبـدأ هـذا الجـزء منَ القرآن الكريم ، منْ الآيـة [ 93 ] من سورة الـتـوبة ، و حتى الآيـة [ 5 ] من سورة هــود ، و مـمّـا ورَد فيـه :

( وَ صَـلِّ عـلـَيْهِـمْ )[ التوبة 103 ] :

إنَّ كَلِمَةَ الصَلاةِ في اللغةِ ذاتُ مَعَانٍ مُتَعَدِّدَةٍ :

1 – الصِـلَةُ : بَيْنَ العَـبْدِ وَ رَبِّـهِ .

2 - الـدُعـاءُ : كَمَـا وَرَدَ في المعاجم اللغوية .

3 - السَـكينةُ : لِقوْلِهِ تعالى ( وَ صَـلِّ عـلـَيْهِـمْ إنَّ صَـلاتَكَ سَـكَـنٌ لـَهُـمْ )[ التوبة 103 ] ، فَدعاءُ النبيّ : [ اللهم صَلِّ على آلِ أبي أوْفى ] .

4 - الرحمــة : لِقَوْلِهِ تعالى : ( إنَّ اللّـهَ وَ مـلائـِكَـتَـهُ يُصَلّـونَ عَـلـى الـنبيِّ )[ الأحزاب 56 ] ، ( هُـوَ الـذي يُصَـلّي عَـلـيكُـمْ وَ مَـلائِـكَـتُهُ لـِيُخْـرِجَـكُـمْ مِنَ الـظُـلُـمَـاتِ إلـى الـنُورِ )[ الأحزاب 43 ] ، ( أولَـئِـكَ عَـلَـيْـهِـمْ صَـلَـواتٌ مِـنْ رَبِّـهِـمْ وَ رَحْـمَـةٌ )[ البقرة 157 ] .

(اللّـهُ يُحِـبُّ الـمُـطَّـهِـرينَ)[التوبة 108] :

يتطَهَّـرُ : في مَوْضُـوعٍ واحِـدَ ، يَطَّهَـرُ: في كُلِّ الأُمُـورِ ، أوِ الطَهَارَةُ التَـامَّةُ وَمِنْها النفسـيّة: ( فَاعْـتَزِلُـوا الـنِسَـاءَ فـي الـمَـحِـيضِ وَ لاَ تَقْرَبوُهُـنَّ حَـتّى يَطْـهُـرْنَ فَإذَا تَطَـهَّـرْنَ فَأْتُوهُـنَّ مِـنْ حَـيْثُ أَمَـرَكُـمُ اللّهُ )[ البقرة 222 ] ، يَطْـهُـرْنَ : مِنَ الدورةِ فقط ، تَطَـهَّـرْنَ : مِنَ الدورةِ + الاسْتِحْمامِ ، ( فيهِ رِجَـالٌ يُحِـبُّونَ أن يَتَطَـهَّـروا وَ اللّـهُ يُحِـبُّ الـمُـطَّـهِـرينَ )[ التوبة 108 ] ، يَتَطَـهَّـروا : بالنظَافَةِ الجسميَّةِ ، مُـطَّـهِـرينَ : جِسْميّاً وَ نَفْسيّاً وَ ماليّاً وَ اجتماعيّاً 000 ، وَ ليْسَ جِسْمِيّاً فقط ، فالنظَافَةُ الجسْميَّةُ لِوَحْدِها لاَ تكفي لِحُبِّ اللّـهِ ، ( أخْـرِجُـوا آلَ لُـوطٍ مِـنْ قَـرْيَتِكُـمْ أنَّهُـمْ أُنَاسٌ يَتَطَـهَّـرونَ )[ النمل 56 ] ، يَتَطَـهَّـرونَ في كُلِّ الأُمُورِ ، ( وَ ثِيابَكَ فَـطَـهِّـرْ )[ المدثّر 4 ] ، طَـهِّـرْ : طَهَارة تَامّـةً مِنَ الأوسَاخِ وَالنجاسَةِ ، ( وَ عَـهِـدْنا إلـى إبْراهِـيمَ وَ إسْـمَـاعِـيلَ أنْ طَـهِّـرا بَيْتِيَ لِلـطَـائِفِينَ وَ الـعَـاكِـفينَ وَ الـرُكَّـعِ الـسُجُـودِ )[ البقرة 125 ] ، ( وَ طَـهِّـرْ بَيْتِيَ لِلـطَـائِفِينَ وَالـقَائِمِـينَ وَالـرُكَّـعِ الـسُجُـودِ )[ الحج 26 ] ، طَـهِّـرْ : الطَلَبُ لإبراهيمَ وَحْدِهِ عِنْدَما كانَ إسْماعيلُ صَغيراً ، بَيْتِيَ لِلـطَـائِفِينَ وَ الـقَائِمِـينَ بالصلاةِ ، لأنَّهُ لاَ يُوجَدُ عاكفين مقيمين في ذلك الوقت .

( وَ بَشِّـرِ الـمُـؤْمِـنينَ )[ التوبة 112] :

مَنْ هُمُ المُؤْمِنُونَ ؟ ، وَ الجَوابُ في القُرْآنِ الكَريمِ أنهم الذين تتحقّق فيهم هذه الشروط : ( الـتَائِـبُونَ الـعَـابِدُونَ الـحَـامِـدُونَ الـسَـائِـحُـونَ الـراكِـعُـونَ الـسَـاجِـدُونَ الآمِـرونَ بالـمَـعْـروفِ وَ الـنَاهُـونَ عَـنِ الـمُـنْـكَـرِ وَ الـحَـافِظُـونَ لِحُـدُودِ اللّـهِ وَ بَشِّـرِ الـمُـؤْمِـنينَ ) [ التوبة 112 ] ، الـتَائِـبُونَ : تَوبَةً َنصُوحَاً ، الـسَـائِـحُـونَ : المُسـاعِدونَ للآخـرين ، الـراكِـعُـونَ : الخَاضِعُونَ لأَوامِرِ اللّهِ ، الـسَـاجِـدُونَ : بالصَلَواتِ وَ النَوافِلِ ، ( وَ كَـانَ حَـقَّـاً عَـلَـيْنَا نَصْـرُ الـمُـؤْمِـنينَ)[ الروم 47 ] ، ( وَ لاَ تَهِـنُوا وَ لاَ تَحْـزَنُوا وَ أنْتُمُ الأَعْـلَـوْنَ إنْ كُـنْتُمْ مُـؤْمِـنينَ)[ آل عمران 139 ] .

(اسْـتِغْـفَـارُ إبْراهِـيْمَ لأبِيْهِ)[التوبة 114]:

الوالِدُ هُوَ الذي لَهُ عَلاَقَةٌ بالحَمْلِ وَ الوِلاَدَةِ : ( وَ وَالـِدٍ وَ مَـا وَلـَدَ )[ البلد 3 ] ، فَقَدْ كَانَ وَالِدُ إبراهيمَ مُؤْمِناً كَوْنَهُ دَعَـا لَهُ : ( رَبِّنا اغْـفـِرْ لـيْ وَ لِـوالـدَيَّ )[ إبراهيم 41] ، ( وَ وَصَّـيْنا الإنْسَـانَ بِوالِـدَيْهِ )[ الأحْقاف 15 ] ، ( وَ اخْـشَـوْا يَوْمَـاً لاَ يَجْـزي وَالِـدٌ عَـنْ وَلَـدِهِ وَ لاَ مَـوْلُـودٍ هُـوَ جَـازٍ عَـنْ وَالِـدِهِ شَـيْئَاً )[ لقمان 33 ] ، بَيْنَمَا الأَبُ قَدْ يَكُونُ عَمّـاً أوْ جَـدّاً 000 ، أوْ شَـخْصَاً بَعِـيْدَاً : ( مِـلَّـةَ أَبِيْكُـمْ إبْراهِـيْم )[ الحج 78 ] ، فَقَدْ تَبَرّأَ إبراهيمُ عليه السلام مِنْ أبيـهِ آزَرَ : ( وَ إِذْ قَالَ إبْراهِـيْمُ لأبِيْهِ آزَرَ )[ الأنعام 74 ] ، ( إلاّ قَوْلَ إبْراهِـيْمَ لأبِيْهِ ) [ الممتحنة 4 ] ، ( وَ مَـا كَـانَ اسْتِغْـفَارُ إبْراهِـيْمَ لأبِيْهِ إلاّ عَـنْ مَـوْعِـدَةٍ وَعَـدَهَـا إيَّاه فَلَـمّـا تَبَيَّنَ لَـهُ أَنَّهُ عَـدُوٌ لِلَّـهِ تَبَرَّأَ مِـنْهُ )[ التوبة 114 ] ، وَ لَمْ يَتَبرّأ مِنْ وَالـدِهِ تَـارَح [ وَ مَعْناهُ الهِلالُ وَ رُبَّما جَاءَتْ كَلِمَةُ تَارِيْخ مِنْ هَنا ، نِسْبَةً لِلقَمَرِ ] ، وَ قَدْ يَكُونُ للإنْسَانِ آبَاءٌ كُثُرٌ : ( وَ اتَّبَعْـتُ مِـلَّـةَ آبَائِـي إبْراهِـيْمَ وَ إسْـحَـاقَ وَ يَعْـقُـوبَ )[ يوسف 38 ] ، ( قَالُـوا نَعْـبُدُ إلاَهَـكَ وَ إلَـهَ آبَائِـكَ إبْراهِـيْمَ وَ إسْـمَـاعِـيْلَ وَ إسْـحَـاقَ )[ البقرة 133 ] ، ( كَـمَـا أَتَمَّـهَـا عَـلـى أَبَوَيْكَ مِـنْ قَبْلُ إبْراهِـيْمَ وَ إِسْـحَـاقَ )[ يوسف 6 ] ، وَ كُلُّ وَالِدٍ أَبٌ : ( إذْ قَالَ يُوسُفُ لأبِيْهِ يَا أبَتِ ) [ يوسف 4 ] ، ( قَالَـتْ إنَّ أبي يَدْعُـوكَ لِـيَجْـزِيَكَ )[ القصص 25 ] ، ( وَ كَانَ أبُوهُـمَا صَـالِحَاً )[ الكهف 82 ] ، ( قَالَ إئْـتُونِي بِأخٍ لَـكُـمْ مِـنْ أَبِيْكُـمْ )[ يوسف 54 ] ، ( وَ جَـاؤوا أَبَاهُـمْ عِـشَـاءً يَبْكُـونَ )[ يوسف 16 ] ، ( إرْجِـعُـوا إلـى أَبِيْـكُـمْ فَقُولُـوا يَا أبَانَا إنَّ ابْنَكَ سَـرَقَ )[ يوسف 81 ] ، وَ لَيْسَ كُلُّ أبٍ وَالِـدٌ .

( فَمَـنِ اضْـطُـرَّ في مَـخْـمَـصَـةٍ)[ المائدة 3 ] :

يُصَاغُ الاسْمُ في اللُّغَةِ عَلى وَزْنِ : [ مَفْعَلَة ] لِلدَلاَلَةِ عَلى الكَثْرَةِ : ( فَمَـنِ اضْـطُـرَّ في مَـخْـمَـصَـةٍ غَـيْرَ مُـتَجَـانِفٍ لإثْمٍ )[ المائدة 3 ] ، مَـخْـمَـصَـةٍ : مَجـاعَةٍ شَـديدة ، ( لاَ يُصِـيْبُهُـمْ ظَـمَـأٌ وَ لاَ نَصَـبٌ 000 وَ لاَ مَـخْـمَـصَـةٌ في سَـبيلِ اللّـهِ )[ التوبة 120 ] ، وَ اليتيمُ الشَديدُ القَرابَةِ [ مَقْرَبَة ] : ( يَتيْمَـاً ذَا مَـقْـرَبَةٍ )[ البلد 15 ] ، وَ الشَديدُ الصَداقَةِ [ مَتْرَبَة ] : ( أَوْ مِـسْكِـينَاً ذَا مَـتْرَبَةٍ )[ البلد 16 ] .

( فـي سِـتَّةِ أيَّامٍ )[ يونس 3 ] :

لَقَدْ أشَارَ القرْآنُ الكريمُ إلى خَلْقِ المـَادَّةِ السَـوداءِ بِعِبارَةِ : [ مَـا بَيْنَهُـمَـا ] في ثَلاثِ آياتٍ : ( الـذي خَـلَـقَ الـسَمـاواتِ وَ الأرضَ وَ مَـا بَيْنَهُـمَـا في سِتَّة ِأَيّامٍ )[ الفرقان 59 ] ، (خَـلَـقَ الـسـمَـاوات ِوَالأرضَ وَ مَـا بَيـْنَهُـمـا فـي سِـتَّـةِ أَيَّامٍ)[ السجدة 4 ] ، (وَ لَـقَدْ خَـلَـقـْنَا الــسَـمـاواتِ وَ الأرضَ وَ مَـا بَيْنَهُمـا في سِتَّةِ أَيَّامٍ )[ ق 38 ] ، نُلاحِظُ في هذِهِ الآياتِ الثَلاثِ أنَّهُ قَدْ تـمَّ خَلْقُ ثلاثَةِ أُمورٍ: ( الـسَـمَـاواتُ وَ الأرْضُ وَ مَـا بَيـْنَهُـمَـا) في سِـتّةِ أيـّامٍ مِـنْ أيـَّامِ الخَـلْقِ [ سـتَ مَراحِلَ ] ، وَ لَيْـسَ مِنْ أيّـامِنا الأرضيّـةِ المعْروفَة .

بينمَا في ثَـلاثِ آياتٍ أُخْرى ، لَمْ يَذْكُرْ ( وَ مَـا بَيْنَهُـمَـا ) ، مَعَ المحافَظَةِ عَلى زَمَنِ السِتَّةِ أيّامٍ : ( خَـلـَقَ الـسَـمَـاواتِ وَ الأرضَ فـي سِـتَّةِ أيَّامٍ)[ الأعراف 54][ يونس 3 ][ الحديد 4 ] ، لأنَّ اليَـوْمَ في القُرْآنِ الكَريمِ هُوَ : زَمَنُ الحَادِثَةِ [ الشَـأن ] ، فَلِكُلِّ حَادِثَةٍ أوْ شَـأنٍ يَوْمُهُ الخَاصُّ : ( كُـلَّ يَـوْمٍ هُـوَ فـي شَـأْنٍ )[ الرحمن 29 ] ، وَ في ذَلِكَ إشَـارةٌ واضِحَـةٌ إلى أنَّ : ( مَـا بَيْنَهُـمـا ) لَمْ يأْخُذْ مِنْ وَقْتِ الخَلْقِ شِـيئاً يُذْكَرُ ، وَ ذَلِكَ إذا مَا قارَنّا بينَ آياتِ : [ الفرقان 59 ][ السجدة 4 ][ ق 38 ] منْ جِهَةٍ ، وَ [ الأعراف 54 ][ يونس 3 ][ الحديد 4] منْ جِهَةٍ أُخْرى ، أيْ أنَّ ( مَـا بَيْنَهُـمَـا) مِـنَ المـَادَّةِ السَـوداءِ ، قدْ خُلِقَتْ وَ تُخْـلَقُ بطريقَةِ : ( كُـنْ فَيَكونُ ) الفَوْرِيَّـةِ الحُدوثِ ، وَ لَمْ تَأْخُذْ أيَّ زَمَنٍ إضـَافيّ يُذْكَرُ عَلى السِـتّةِ أيّـَامٍ .

الرسالات السماوية لإزالة الخلاف بين الناس

 

«بَلَـى »: جَوابٌ يَنْفي النَفي لِيُعِيْدَهُ إِلى الإثْباتِ

(ومـا كَـانَ الـنَاسُ إلاَّ أُمَّــةً وَاحِــدَةً)[يونس 19] :

مِنْ بَعْدِ آدَمَ تَكاثَرَ الناسُ ، وَ ظَلُّوا أُمَّةً وَاحِدَةً [ الأُمَّـةُ رَمْزٌ للوَحْدَةِ ] ، ثُمَّ اختَـلفوا بَعْدَ ذَلِكَ : ( وَ مَـا كَـانَ الـنَاسُ إلاَّ أُمَّــةً وَاحِــدَةً فَـاخْـتَـلَـفوا )[ يونس 19 ] ، لِذَلِكَ جاءَتِ الرِسَالاَتُ السَمَاويَّةُ مِنْ أَجْلِ إزالَةِ الخِـلاَفِ بَيْنَ النَاسِ ، وَ إعَادَةِ توحيدِهِمْ في أُمَّـةٍ واحِـدَةٍ مِنْ جَديدٍ : ( كَـانَ الـنَاسُ أُمَّــةً وَاحِــدَةً فَبَعَـثَ اللَّـهُ الـنَبِيينَ مُـبَشِّـرينَ وَ مُـنْذِرينَ وَ أَنْزَلَ مَـعَـهُـمُ الـكِـتَابَ بِالـحَـقِّ لِـيَحْـكُـمَ بَيْنَ الـنَاسِ فِيمـَا اخْـتَلَـفوا فِيهِ )[ البقرة 213 ] ، فالقَصْـدُ الإلهيُّ مِنْ جميعِ الرسَـالاَتِ إذَاً ، هُوَ إزالَةُ الخِلافِ بَيْنَ النَاسِ ، وَ لكِنَّ إسَـاءَةَ فَهْـمِ هَذا القَصْـدِ الإلهيِّ الحكيمِ، وَ إسَـاءَةَ فَهْمِ رسَـالاتِهِ، قلَبَ المَوازينَ وَالمفاهيمَ رَأْسَـاً عَلى عَقِبٍ، فَتَفَرَّقَ النَاسُ كُـلٌ حَسْبَ دينِـهِ، بلْ وَ حَسْبَ مَذْهَبِهِ في الدينِ الواحِدِ، حَاملينَ العَداوَةَ وَ البَغْضَاءَ بَعْضَهُمْ لِبَعْضٍ، كُلٌ يُكَـفِّرُ الآخَرَ، وَ مَا أكْثَرَ الحُروبَ التي قامَتْ وَ تَقومُ عَلى أسَاسٍ دِينيٍّ بلْ وَ مَذْهبيٍّ.

(جَـاءَتْهُـا ريحٌ عَـاصِـفٌ) [يونس 22] :

الـريْحُ : العـاصِفَةُ المُـدَمِّرَةُ ، الريـَاحُ : الهَـواءُ النَـافِعُ وَ المُنْعِشُ : ( رِيحٌ فِيهَـا عَـذَابٌ ألـيمٌ )[ الأحقاف 24 ] ، ( وَ أَمَّـا عَـادٌ فَأُهْـلِـكُـوا بِريـحٍ صَـرْصَـرٍ عَـاتِيَةٍ )[ الحاقة 6 ] ، ( كَـمَـثَلِ ريحٍ فِيهَـا صِـرٌّ أصَـابَتْ حَـرْثَ قَـوْمٍ ظَـلَـمُـوا أنْفُسَـهُـمْ فَأَهْـلَـكَـتْهُ )[ آل عمران 117 ] ، صِـرٌّ : برودةٌ شديدَةٍ ، ( أوْ تَهْـوي بِهِ الـرِيحُ فـي مَـكَـانٍ سَـحِـيقٍ)[ الحج 31 ] ، ( كَـرَمَـادٍ اِشْـتَدَّتْ بِهِ الـريحُ فِـي يَوْمٍ عَـاصِـفٍ )[ إبراهيم 18 ] ، ( فَيُرْسِـلَ عَـلَـيْكُـمْ قَاصِـفاً مِـنَ الـريحِ فَيُغْـرِقَـكُـمْ )[ الإسْراء 69 ] ، وَ الريـحُ فيهَا الغَدْرُ وَ الخِداعُ : ( حَـتّى إذَا كُـنْتُمْ فِـي الـفُـلْـكِ وَ جَـرَيْنَ بِهِـمْ بِريحٍ طَـيِّبَةٍ وَ فَرِحُـوا بِهَـا جَـاءَتْهُـا ريحٌ عَـاصِـفٌ )[ يونس 22 ] ، وَ قَدْ سَخَّرَ اللّهُ سُبْحَانَهُ [ الريـحَ ] لِسُلَيْمَانَ عليه السلامُ كي يستخدمها في تحريك السفن في البحر : ( وَ لِـسُـلَـيْمَـانَ الـريحَ عَـاصِـفَةً تَجْـري بِأمْـرِهِ )[ الأنبياء81 ] ، ( وَ لِـسُـلَـيْمَـانَ الـريحَ غُـدُوُّهَـا شَهْـرٌ وَ رَواحُـهَـا شَهْـرٌ )[ سبأ 12 ] ، وَ يُوسُفَ عليه السلامُ كانَتْ لَهُ ريحٌ أيْضَاً بِمَعْنى [ الطاقَة ] : ( قَالَ أبْوهُـمْ إنِّي لأَجِـدُ رِيحَ يُوسُـفَ )[ يوسف 94 ] .

( وَ لَـمَّـا يَأْتِهِـمْ تَأْويلُـهُ )[ يونس 39 ] :

تَأْويلُ القُرْآنِ هو : [ معْرفَةُ حَقائِقِ مَا وَرَدَ فيهِ ] ، و هذا لاَ يَعْلمُهُ إلاّ اللهُ وَحْدَهُ : ( وَ مَـا يَعْـلَـمُ تَأْويلَـهُ إلاَّ اللَّـهُ )[ آل عمران 7 ] ، وَسَيَكْشِفُ اليَوْمُ الآخِرُ حَقائِقَ التأْويلِ : ( يَوْمَ يَأْتي تَأْويلُـهُ )[ الأعراف 53 ] ، حَيْثُ يَنْتَهي الحَالُ بِالأحْداثِ التي سَمِعْنا عَنْهَا مِنْ خِلاَلِ القُرْآنِ الكريمِ ، إلى أنْ تُصْبِحَ حَقَائِقَ مَلْمُوسَةً : ( بَلْ كَـذَّبُوا بِمَـا لَـمْ يُحِـيطُـوا بِعِـلْـمِـهِ وَ لَـمَّـا يَأْتِهِـمْ تَأْويلُـهُ )[ الأعراف 53 ] ، و بعد أن أصبح حلمُ يوسف حقيقة ملموسة : ( قَالَ يَا أَبَتِ هَـذا تَأْويلُ رُؤْيَايَ مِـنْ قَبْلُ قَـدْ جَـعَـلَـهَـا رَبِّي حَـقَّـاً )[ يوسف 100 ] ، وَ يَقُولُ صَاحِبَيْ يُوسُفَ : ( نَبِّئْـنَا بِتَـأْويلِـهِ )[ يوسف 36 ] ، وَ قَوْلُ العَبْدِ الصَالِحِ لِموسى عليه السَلام : ( ذَلِـكَ تَأْويلُ مَـا لَـمْ تَسْـطِـعْ عَـلَـيْهِ صَـبْراً )[ الكهف 82 ] ، حيثُ كانَ مُوسى عليه السَلام [ يُفَسّرُ ] الأحداثَ ، لأنّهُ لاَ يَعْلَمُ تأويلَهَا [ حقيقتَهَا ] ، فَقَدْ فَسّرَ مَثَلاً قَتْلَ الغُلاَمِ عَلى أنَّهُ جريمَةُ قَتْلِ نَكْراءَ ، أمّا العَبْدُ الصَالِحُ فَكَانَ يَعْلَمُ تَأويلَهَا [ حقيقتَهَا ] ، فالتَأْويلُ هُوَ مَعْرِفَةُ حَقائِقِ الأُمُورِ .

( قُلْ إيْ وَ رَبِّي )[ يونس 53 ] :

إن [ بَلَـى ] : جَوابٌ يَنْفي النَفي لِيُعِيْدَهُ إِلى الإثْباتِ ، كَمَا في جَوابِ بَني آدَمَ لِلـهِ : ( أَ لَـسْـتُ بِرَبِّـكُـمْ قَالُـوا بَلَـى )[ الأعراف 172 ] ، أي : بَلَـى أنْتَ ربُّـنا حَقّـاً ، وَ لَوْ قالوا : نَعَـمْ ، لَكانَ المَعْنى : نَعَمْ لَسْتَ ربّنـا ، بَيْنَما [ نَعَمْ ] تُفِيْدُ الإثْباتِ مُباشَـرَةً ، دونَ الحاجَةِ إلى نَفي النَفي : ( وَ نَادى أَصْـحَـابُ الـجَـنَّـةِ أَصْـحَـابَ الـنَارِ أَنْ قَـدْ وَجَـدْنَا مَـا وَعَـدَنَا رَبُّنَـا حَـقّـاً فَـهَـلْ وَجَـدْتُمْ مَـا وَعَـدَ رَبُّكُـمْ حَـقّـاً قَـالـوا نَعَـمْ )[ الأعراف 44 ] ، وَ [ إيْ ] هِيَ لِلْتَوكِيْدِ المُطْلَقِ : ( وَ يَسْـتَنْبِئُـونَكَ أَحَـقٌ هُـوَ قُلْ إيْ وَ رَبِّي إنَّهُ لَـحَـقٌّ )[ يونس 53 ] .

كـل هـذا و اللـه أعـلم .

Email