الجزء العاشر في القرآن الكريم

الريح عقيمة والرياح تلقح الأزهار

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يبـدأ هـذا الجـزء منَ القرآن الكريم، من الآيـة [ 41 ] من سورة الأنفـال، حتى الآيـة [ 92 ] من سورة الـتـوبة، ومـمّـا ورَد فيـه:

(وتـذهـب ريـحـكـم)[ الأنفال 46]:

إنّ [ الريـح ] هي رمـز القـوّة والطـاقة الكبيرة، ولذلك تستخدم كلمة [ الريح ] في القرآن الكريم بصيغة [ المفرد]، بينمـا القـوة الخفيفة تأتي بصيغة الجمع [ رياح ]:

( رِيحٌ فِيهَـا عَـذَابٌ ألـيمٌ )[ الأحقاف 24]، ( وَأَمَّـا عَـادٌ فَأُهْـلِـكُـوا بِريـحٍ صَـرْصَـرٍ عَـاتِيَةٍ )[ الحاقة 6 ]، ( كَـمَـثَلِ ريحٍ فِيهَـا صِـرٌّ أصَـابَتْ حَـرْثَ قَـوْمٍ ظَـلَـمُـوا أنْفُسَـهُـمْ فَأَهْـلَـكَـتْهُ )[ آل عمران 117 ]، ( أوْ تَهْـوي بِهِ الـرِيحُ فـي مَـكَـانٍ سَـحِـيقٍ)[ الحج 31 ]، ( كَـرَمَـادٍ اِشْـتَدَّتْ بِهِ الـريحُ فِـي يَوْمٍ عَـاصِـفٍ )[ إبراهيم 18]، ( فَيُرْسِـلَ عَـلَـيْكُـمْ قَاصِـفاً مِـنَ الـريحِ فَيُغْـرِقَـكُـمْ )[ الإسْراء 69 ].

وَقَدْ سَخَّرَ اللّهُ سُبْحَانَهُ الريـحَ لِسُلَيْمَانَ عليه السلامُ: ( وَلِـسُـلَـيْمَـانَ الـريحَ عَـاصِـفَةً تَجْـري بِأمْـرِهِ )[ الأنبياء81]، ( وَلِـسُـلَـيْمَـانَ الـريحَ غُـدُوُّهَـا شَهْـرٌ وَرَواحُـهَـا شَهْـرٌ )[ سبأ 12 ]، وَيُوسُف عليه السلامُ كانَتْ لَهُ ريحٌ أيْضَاً، بِمَعْنى ( الطاقَة ): ( قَالَ أبْوهُـمْ إنِّي لأَجِـدُ رِيحَ يُوسُـفَ )[ يوسف 94 ]، وَالريـحُ تَكُونُ عَقيمَةً في تَلْقيحِ أزْهَارِ النَباتِ لإنْتَاجِ الثِمَارِ: ( الـرِيـحَ الـعَـقِيم )[ الذاريات 41]، بَيْنمَا الريَـاحُ تُسهِمُ أسَاسَـاً في عَمَليَّةِ تَلْقيحِ الأزْهَارِ (وَأَرْسَـلْـنَا الـريـاحَ لَـواقِحَ)[ الحجر 22 ].

(فـانْـبـذْ إلـيهـم على سَـواء) [الأنفال ]:

يوجـد في اللغة العـربية الكثير من العبـارات التي تدلّ على معنى كلمة واحدة مختلفة عن معاني الكلمات التي في العبارة ذاتهـا، مثال: عبارة [ أسْـلَمَ ساقه للريح ] التي تعني [ هَـرَب ]، وهذه العبارة التي وردت في الآية الكريمة: (فـانْـبـذْ إلـيهـم على سَـواء )[ الأنفال 58]، تعني كلمة واحدة هي:

[ حـذّرهُـم ]، فأصبح معنى الآية الكريمة: إذا علمْتَ من قومٍ خيانةً، فحذّرهُم من خيانتهم وأعْلمْهُم، ولا تأخذهُم غدراً: ( وإمّـا تخـافنّ منْ قـومٍ خـيانةً فـانْـبـذْ إلـيهـم على سَـواء إنّ الله لا يُحبّ الخائنين )[الأنفال 58 ].

[ إلـى الجـنّة بالسـلاسـل ]:

إذا عَلِمَ اللّهُ في قَلْبِ الإنْسَانِ خَـيْراً، فَإنَّـهُ سُبْحَانَهُ مِنْ كَرَمِهِ سَيَقُودُهُ إلى الجنَّـةِ وَلَوْ بالسَلاَسِلِ، فَبَعْدَ إحْدى مَعَارِكِ الرَسُولِ الكريم صلى الله عليه وسلم، تَمَّ إحْضَارُ أسْرى الكافِرينَ بالسَلاَسِلِ، فَمَعَ أنَّهُمْ كَافِرونَ وَكانُوا يُحَارِبونَ رِسُـولَهُ الكَريمَ، فَقَـدْ نَزَلَ فيهِـمْ قَوْلُهُ تعالى: ( يَا أيُّهَـا الـنَبيُّ قُـلْ لِـمَـنْ فـي أيْديكُـمْ مِـنَ الأَسْـرى إنْ يَعْـلَـمِ اللَّـهُ فـي قُلـُوبِكُـمْ خَـيْراً يُؤْتِكُـمْ خَـيْراً مِـمَّـا أُخِـذَ مِـنْـكُـمْ وَيَغْـفِرْ لَـكُـمْ وَاللَّـهُ غَـفُـورٌ رَحِـيمٌ ) [ الأنفـال 70 ]، فقال صلى لله عليه وسلّم:

[ أإلى الجنّة بالسلاسل ]، وَبِسَبَبِ الخَيْرِ وَحُسْنِ النِيَّةِ في قُلُوبِ أصْحَابِ بَيْعَةِ الرُضْوانِ تَحْتَ الشَجَرَة، فَقَدْ رَضِيَ اللهُ تعالى عَنْ أصْحَابِ تِلْكَ البَيْعَـةِ وكان عددهم نحو (1200) صحابي جليل: ( لَـقَـدْ رَضِـيَ اللَّـهُ عَـنِ الـمُـؤْمِـنينَ إذْ يُبَايِعُـونَـكَ تَحْـتَ الـشَـجَـرَةِ فَعَـلِـمَ مَـا فِـي قُلـُوبِهِـمْ )[ الفتح 18 ]، وَبَعْدَهَـا يُعَامِلُهُمْ بالرَحْمَةِ وَيُنَجِّيهِمْ مِنَ الزَلَلِ، ففي غَزْوَةِ تَبـوك في السنة 9 هجريّة: ( لَـقَـدْ تَابَ اللَّـهُ على الـنَبيِّ وَالـمُـهَـاجِـرينَ وَالأنْصَـارِ الـذينَ اتَّبَعُـوهُ فـي سَـاعَـةِ الـعُـسْـرَةِ مِـنْ بَعْـدِ مَـا كَـادَ يَزيغُ قُلـُوبُ فَـريقٍ مِـنْـهُـمْ ثُمَّ تَابَ عَـلَـيْـهِـمْ إنَّهُ بِهِـمْ رَؤوفٌ رَحِـيمٌ )[ التوبة 117 ]، فَمَـا أعْظَمَ كَـرَمَ الله سبحانه.

( أنَّ اللَّـهَ بَريءٌ مِـنَ الـمُـشْـرِكِـينَ وَرَسُـولُـهُ )[ التوبة 3 ]:

إنّ الشِرْكُ لَيْسَ ذَنْبَـاً عَادِيّاً، بَلْ هو ظُلْمٌ عَظِيمٌ: ( إنَّ الـشِـرْكَ لَـظُـلْـمٌ عَـظِـيمٌ )[ لقمان 13 ]، ( وَمَـنْ يُشْـرِكْ بِاللَّـهِ فَقَـدِ افْتَرى إثْمَـاً عَـظِـيمَـاً )[ النساء 48 ]، ( وَمَـنْ يُشْـرِكْ بِاللَّـهِ فَقَـدْ ضَـلَّ ضَـلاَلاً بَعِـيدَاً )[ النساء 116 ] ( لَـئِـنْ أَشْـرَكْـتَ لَـيَحْـبَطَـنَّ عَـمَـلُـكَ )[ الزمر 65 ]، ( وَلَـوْ أَشْـرَكُـوا لَـحَـبِطَ عَـنْهُـمْ مَـا كَـانُوا يَعْـمَـلُـونَ )[ الأنعام 88 ]، ( وَمَـنْ يُشْـرِكْ بِاللَّـهِ فَـكَـأَنَّمَـا خَـرَّ مِـنَ الـسَـمَـاءِ فَتَخْـطَـفُهُ الـطَـيْرُ أَوْ تَهْـوي بِهِ الـريحُ فـي مَـكَـانٍ سَـحِـيقٍ)[ الحج 31 ]، وَالمشركون نَجَسٌ فِكْريٌّ: ( إنَّمَا الـمُـشْـرِكُـونَ نَجَـسٌ)[ التوبة 38 ]، وَمِنَ الأُمُورِ التي لاَ تُغْفـَرُ يَوْمَ القِيَامَةِ الشِـرْكُ: ( إنَّ اللَّـهَ لاَ يَغْـفِرُ أَنْ يُشْـرَكَ بِهِ وَيَغْـفِـرُ مَـا دُونَ ذَلِـكَ لِـمَـنْ يَشَـاءُ )[ النساء 48] .

وَاللَّـهُ سُبْحَانهُ قَدْ تَبَـرَّأ مِنَ المُشـرِكينَ وَكَذَلِكَ رَسُولُهُ الكريمُ فَهُمْ خَارِجَ الشَفَاعَةِ يَوْمَ الحِسَابِ: ( أنَّ اللَّـهَ بَريءٌ مِـنَ الـمُـشْـرِكِـينَ وَرَسُـولُـهُ )[ التوبة 3]، فَعَلى العَاقِلِ أنْ لاَ يَلْجَـأَ لِغَيْرِ اللَّهِ: (إنَّ الـذينَ تَدْعُـونَ مِـنْ دُونِ اللَّـهِ عِـبَادٌ أَمْـثَالُـكُـمْ )[ الأعراف 194 ]، ( وَالـذينَ تَدْعُــونَ مِـنْ دُونِهِ لاَ يَسْـتَطِـيعُـونَ نَصْـرَكُـمْ وَلاَ أَنْفُسَـهُـمْ يَنْصُـرونَ )[الأعراف 197 ] ( وَمَـا لَـكُمْ مِـنْ دُونِ اللَّـهِ مِـنْ وَلـيٍّ وَلاَ نَصِـيرٍ )[ التوبة 116]، فالذينَ مِنْ دُونِ اللهِ هُمْ أَمْـواتٌ مِنْ حيْثُ القُوَّةِ:

( وَالـذينَ يَدْعُـونَ مِـنْ دُونِ اللَّـهِ لاَ يَخْـلُـقُونَ شَـيْئَـاً وَهُـمْ يُخْـلَـقُونَ أَمْـواتٌ غَـيْرُ أَحْــيَاءٍ وَمَـا يَشْـعُـرونَ أَيّانَ يُبْعَثُونَ)[ النحل 20 / 21 ]، ( وَالـذينَ تَدْعُـونَ مِـنْ دُونِهِ مَـا يَمْـلِـكُونَ مِـنْ قِـطْـمِـيرٍ )[ فاطر 13 ]، ( إنَّ الـذينَ تَدْعُـونَ مِـنْ دُونِ اللَّـهِ لَـنْ يَخْـلُـقُـوا ذُبَابَاً وَلَـوِ اجْـتَمَـعُـوا لَـهُ وَإنْ يَسْـلِـبُهُـمُ الـذُبَابُ شَـيْئَـاً لاَ يَسْـتَنْقِـذُوهُ مِـنْهُ ضَـعُـفَ الـطَـالِـبُ وَالـمَـطْـلُـوبُ)[ الحج 73 ]، ( وَالـذينَ يَدْعُـونَ مِـنْ دُونِهِ لاَ يَسْـتَـجِـيبُونَ لَـهُـمْ بِشَـيْءٍ إلاَّ كَـباسِـطِ كَـفَّيْهِ إلـى الـمَـاءِ لِـيَبْلُـغَ فَاهُ وَمَـا هُـوَ بِبَالِـغِـهِ ) [ الرعد 14 ]، ( يَدْعُـو مِـنْ دُونِ اللَّـهِ مَـا لاَ يَضُـرُّهُ وَلاَ يَنْفَـعُـهُ ذَلِـكَ هُـوَالـضَـلاَلُ الــبَعِـيدُ يَدْعُـو لَـمَـنْ ضَـرُّهُ أَقْـرَبُ مِـنْ نَفْـعِـهِ لَـبـِئْـسَ الـمَـوْلـى وَلَـبـِئْـسَ الـعَـشـيرِ )[الحج 12 / 13 ].

التقويم القَمَـري رحمة للعباد فيه أَربعَة أشـهر حُـرُم

( قـاتلوا الـذين لا يـؤمنـون )[ التوبة 29 ]: البعض يُسميّ هذه الآية الكريمة: [ آية السيف ] من أجل تصوير صورة الإسلام الحنيف، وإظهاره بأنه دين الاعتداء على الآخرين، ولكن نُـلاحظُ بشـكْلٍ واضـح، أنّ بداية هذه الآية الكريمة: ( قــاتــلـوا ) وليْسَ:

[ اقتلـوا ]، وكلمـة [ قـاتلـوا ] تعني فقـطْ: [ صَـدّ العـُدوان ] عنـدمـا يبـدأ الجانب الآخـر بالقتـال، والدليلُ على ذلك قولـه تعالى: ( وقـاتلـوا في سبيل الله الذينَ يُقـاتلونَكُم ولا تعتدوا إنّ الله لا يُحبّ المُعتدينَ ) [ البقرة 190 ]، أيْ: الله لا يُحبّ المُعتدين ولوْ كانوا مُسلمينَ، وإذا كان الإنسانُ مُسـالـماً وآمناً في بيته، فالأمْـرُ الإلـهيّ واضحٌ وُضوحَ الشمس وهوَ: ( لا ينهـاكُمُ الله عَنِ الذينَ لـمْ يُقـاتلوكُمْ في الدينِ ولـمْ يُخْرجوكُمْ منْ دياركُم أنْ تَـبـرّوهُـمْ وتُقسـطوا إلـيْهِـمْ )[ الممتحنة 8 ]، لذلكَ فإنّ إخراج الناس الآمنين المُسـالمينَ منْ بيوتهِم هوَ[ عصيانٌ ] لهذا الأمْـر الإلهيّ، والأمـرُ الإلـهيّ الآخـرَ:

(يـا أيّهـا الذينَ آمـنوا ادْخُـلـوا في السِـلْم كـافّةً) [ البقرة 208]، والأمْـرُ الإلـهيّ أيْضـاً: (ولاَ تقـولـوا لِـمَـنْ ألْقى إلـيْكُمُ السَـلامَ: لسْـتَ مُـؤمـناً ) [ النساء 94 ]، أيْ: لا يجوزُ [ تكفير ] الآخـرين إذا كـانوا مُسـالمينَ . والسَادَةُ النصارى لهُم توصـيةٌ خاصّة منَ الله سُبحانهُ: (أقْربَهُم مودّةً للذينَ آمـنوا الذينَ قـالوا إنّــا نصــارى )[ المائدة 82 ]، لذلك لا يجوزُ الاعتداء على أيّ إنسانٍ كانَ، في مـاله وعرضه، والمطلوبُ [ فقـط ] صَـدّ العدوان، وليْسَ [ الاعتداء ] على الآخرينَ.

(مِـنْهَـا أرْبَعَـةٌ حُـرُمٌ)[التوبة 36]:

إنّ الأشـهر الحُـرُم هـي أربعـة أشـهر من الأشـهر القمـرية، وهي حسب ترقيمها:

مُحَـرَّم: كَانَ اسْـمُهُ مُـؤتَمَر، لأنَّهُمْ كَانُوا يَعْقِدونَ فيهِ المُؤْتَمَراتِ للتَشَاوُرِ .

رَجَبْ: كَانَ اسْمُهُ الأصَمُّ، لأنَّهُ شَهْرٌ حَرامُ لاَ يُسْمَعُ فِيهِ صَوْتُ السِلاَحِ، جَمْعُهُ أَرْجُبْ وَأرْجاب .

ذو القعْدة: كَانَ اسْمُهُ وزْنَـة، يَقْعُدونَ فيهِ عَنِ القِتَالِ اسْتِعْدَادَاً للحَجِّ لكَوْنه شَـهْراً حَـراماً.

ذو الحِجَّة: كَانَ اسْمُهُ بَرَكَ أيْ بَرَكَ البعيرُ فيهِ للحَجِّ، جَمْعُهُ ذَواتُ الحِجَّةِ.

لِذَلِكَ كَانَ التَقْويمُ المُعْتَرَفُ بِـهِ عِنْـدَ اللَّـهِ، هُـوَالتَقْويمُ القَمَـرِيُّ: ( إنّ عِـدَّةَ الـشُـهُـورِ عِـنْدَ اللَّـهِ اثْنَا عَـشَـرَ شَـهْـراً في كِـتَابِ اللَّـه يَوْمَ خَـلـَقَ الـسَـمَـاواتِ وَالأرْضَ مِـنْهَـا أَرْبَعَـةٌ حُـرُمٌ ذَلـكَ الـدينُ الـقَـيِّمُ فَـلاَ تَظْـلِـمُـوا فِـيهِـنَّ أَنْفُسَـكُـمْ)[ التوبة 36 ].

إذَاً التَقْويمُ القَمَـريُّ الذي يَحْتَوي أَرْبَعَـةَ أشْـهُرٍ حُـرُمٍ، هُـوَرَحْمَـةٌ مِنَ اللَّـهِ سُبْحَانَهُ لِعِبَـادِهِ كَيْ لاَ يَظْلِمُوا أنْفُسَـهُمْ عَلى الأقَلِّ في الأشْـهُرِ الحُـرُمِ، التي هِيَ نَفَحَاتٌ إلهِيَّةٌ يَجِبُ التَعَرُّضُ لَهَا، بَيْنَمَا لاَ نَجِدُ نَفَحَـاتٍ في الأشْهُرِ الميـلاَدِيَّةِ، بَلْ نَجِدُ فيهَـا: عِيد الكَذِبِ فِي أوَّلِ نيسَانِ / إبريل وَعيد فالنْتين [ عيدُ الحُبِّ ] في 14 شـباط / فبراير، وَعِيـد رَأْسِ السَـنَةِ الميلاَديَّةِ في 31 كانون الأوَّلِ / يناير .

(إنَّمَـا الـنَسِـيْءُ زِيَادَةٌ في الــكُـفْرِ)[ التوبة 37 ]:

النسـيء هُوَ: نَوْعٌ مِنَ التَلاعُبِ بِتَوْقيتِ الأشْهُرِ الحُرُمِ القَمَريّةِ، وَكانَتِ العَرَبُ قَدْ تَلاعَبَتْ في حِسَابِ الأشْهُرِ حَسْبَ أهْوائِهَا، فَمنْهُمْ مَنْ يُسَمّي المُحـرّمَ: صَفَراً فَيَحِلُّ فيهِ القِتَالَ، وَمنهمْ مَنْ حَرَّمَ القِتَالَ في سَنَةٍ وَأحَلَّهُ في أُخْرى، وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُ سَنَتيْنِ حَلالاً وَسَنَتَيْنِ حَراماً، حَتَّى إنَّ بَعْضَهُمْ قَدْ جَعَلَ السَنةَ ثلاثَة عَشَرَ شَهْراً، أي تَلاعَبوا بالسنواتِ وَالأشْهرِ ..

كَمَا يَحلو لَهم، وَأرادَ بَعْضَهُمْ أنْ يَتَلاعَبَ بِطُولِ السَنَةِ القَمريّةِ مِنْ أَجْلِ أنْ يَبْقى مَوْعِدُ المُناسَـبَةِ الدينيّة ثَابِتَـاً في فَصْلٍ واحِدٍ مِنَ الفُصُولِ، كَأَنْ يَبْقى مَوْسِمُ الحجِّ مَثَلاً في فَصْلِ الرَبيعِ، وَيَتَحَقّقُ ذَلِكَ بِإِضَافَـةِ فَرْقِ الزَمَنِ ما بَيْنَ السَنَةِ الميلاديّةِ [ المَدَنِيّـةِ ] وَالسـنَةِ القَمَريّـةِ، وَهَـذا الفَرْقُ هُـوَ: [ 902، 10] يوْمَـاً، تُضَافُ كُلَّ عَامٍ لِلسَنَةِ القَمَريّـة كَيْ تُسَـاوي السَـنَةَ الميلاديَّـةَ، وَبِذَلِكَ يَتَغَيّرُ عَامَاً بَعْدَ عَامٍ تَوْقيتُ الأشْهُرِ الحُرُمِ، وَلِهذا كَانَ النَسيءُ نَوْعاً مِنَ الكفْرِ [ تَغْطِيَةُ الحَقيقَةِ ]: ( إنَّمَـا الـنَسِـيْءُ زِيَادَةٌ في الــكُـفْرِ يُضِـلُّ بِه الـذينَ كَـفَروا يُحِـلُّونَهُ عَـامـاً وَيُحَـرّمُـونَه ُعَــامَـاً لـِيُواطِـئُوا عِـدَّةَ مَـا حَـرَّمَ اللَّـهُ )[ التوبة 37 ] .

(وَيَـقُـولُـونَ هُـوَ أُذُنٌ)[التوبة 61]:

الأذُن: هُوَ الذي يَسْتَمِعُ لِلنَاسِ كَثيراً، وَقَدْ انْتَقَدَ المُنافِقُونَ الرسُولَ الكريمَ صلى الله عليه وسلم لِهذَا السبَبِ: ( وَمِـنْـهُـمُ الـذينَ يُؤْذُونَ الـنَبـيَّ وَيَـقُـولُـونَ هُـوَ أُذُنٌ قُـلْ أُذُنُ خَـيْرٍ لَـكُـمْ )[ التوبة 61 ]، أيْ يَسْتَمِعُ مِـنْ أجْلِ مَصْلَحَةِ الجَميعِ، وَفي ذَلِكَ قالَ الشَاعِرُ:

صُـمٌّ إذا سَـمِعُوا خَيْراً ذُكِرْتُ بِـهِ وَإنْ ذُكِرْتُ بِسُـوءٍ عِنْدَهُمْ أَذِنـُوا

( إذَا الـسَـمَـاءُ انْشَـقَّتْ وَأذِنَتْ لِـرَبِّهَـا وَحُـقَّتْ .. وَإذا الأرْضُ مُـدَّتْ وَأذِنَتْ لِـرَبِّهَـا وَحُـقَّتْ)[ الانشقاق 1 / 3]، أذِنَتْ: اسـتَمَعت لأوامِرِ رَبَّها.

 

كـل هـذا واللـه أعلـم.

Email