الجــزء الـسـادس في القرآن الكريم

كلام الله يزود النفوس بالطـاقَة السامية

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدأ هذا الجزء منَ القرآن الكريم، منْ الآية [148] من سورة النساء، وحتى الآيـة [81] من سورة الـمـائدة، ومـمّـا ورَد فيـه:

(لا يُحـبّ اللـه الـجـهْـر بالسـوء مـنَ القـول)[النساء 148]:

الكلامُ الفاسِـدُ، خَاصَّةً [الخَنـَا]: أيْ كَلاَمُ العُهْـرِ، يُفْسِـدُ النَفْسَ، لِذَلِكَ كَانَ القُرْآنُ الكَرِيْمُ الذي هُوَ كَلاَمُ اللّهِ، يُزَوِّدُ النُفُوسَ بِالطَـاقَةِ السَامِيَةِ، مِثْلَمَا يُزَوِّدُ الطَعَـامُ الصَالِحُ الجِسْمَ بِالطَاقَةِ الحَيَوِيَّةِ، فَمُتْعَةُ الحَيَـاةِ في لُقْمَةٍ طَيِّبَةِ وَكَلِمَةٍ طَيِّبَـةٍ، لِذَلِكَ يَجِبُ أَنْ لاَ يُخْرِجُكَ [العُسْرُ وَاليُسْرُ] عَنِ الأخْلاقِ، فالعُسْـرُ وَاليُسْرُ لَيْسَـا خَيْراً أوْ شَـرَّاً بِحَدِّ ذَاتِهِمَا، بَلْ قَدْ يَكُونانِ خَيْراً أوْ شَـرَّاً، وِفْقَـاً لِمَـا يُمْلِيَـانِهِ عَلَيْكَ مِنْ شُـعُورٍ.

وَالأصَـالَةُ: ضَمِيْرٌ طَاهِرٌ، وَفِكْرٌ وامِضٌ، وَقَلْبٌ نابِضٌ، وَقَدَمٌ ثَابِتٌ، وَيَدُ مَمْدودَةٌ بِالخَيْرٍ، فَلاَ يُخْرِجُكَ عَمَلُكَ عَنْ ضَمِيْرُكَ، وَالإيْمَـانُ يَحْتاجُ إلى وَعْي، وَمُشْكِلَةُ كُلِّ أصْحَـابِ دِيْنٍ، لاَ يَعُونَ مَا هُمْ مُؤْمِنُونَ بِـهِ، وَلَوْ وَعَـوْا لَمَـا تَنازَعُـوا، وَكَفَّرَ بَعْضُهُـمْ بَعْضَـاً، وَضَعْفُ النُفُوسِ وَعَدَمُ تَفَهُّمِ الدِيْنِ، هُوَ الذي جَعَلَ مِنْهُ عِلَّـةَ التَفْرِقَـةِ، فَدَعْ قُـوَّةَ رَأْيِكَ تَفْرِضُ نَفْسَهَا وَلَيْسَ قُـوَّةَ يَدِكَ، و[قوّة المحبة] أفضل من [محبة القوة].

(وَالـمُـقِـيمِـينَ الـصَـلاَةَ وَالـمُـؤْتُونَ الـزَكَـاةَ) [النساء 162]:

نَصَبَ كَلِمَةَ (المُقيمينَ) في قَوْلِهِ تَعالى: (لَـكِـنِ الـراسِـخُـونَ فـي الـعِـلْـمِ مِـنْهُـمْ وَالـمُـؤْمِـنُونَ يُؤْمِـنُونَ بِمَـا أُنْزِلَ إلَـيْكَ وَمَـا أُنْزِلَ مِـنْ قَبْلِـكَ والـمُـقِـيمِـينَ الـصَـلاَةَ وَالـمُـؤْتُونَ الـزَكَـاةَ)[النساء 162]، فالسَبَبُ هُوَ أيْضَـاً: أنَّ [الواو] لَيْسَتْ [واو العَطْفِ] بَلْ [واو المُعْتَرِضَةِ]، فَتَمَّ النَصْبُ عَلى المَـدْحِ [عَلى الاخْتِصَاصِ].

(وَآتَيْنَـا داوودَ زَبُوراً)[النساء 163]:

الـَزبُورِ: هُوَ الكِتَابُ الذي لاَ يَحْتَوي عَلى تَشْريعٍ، بَلْ عَلى مَعْلومَاتٍ مُجَـرَّدَةٍ، فأعْمالُ الناسِ مَثَلاً يَجري تَسْجيلُهَا في الزُبُـرِ: (وَكُـلُّ شَـيْءٍ فَـعَـلُـوهُ فـي الـزُبُرِ)[القمر52]، (أَمْ لَـكُـمْ بَراءَةٌ فـي الـزُبُرِ)[القمر43]، وَالكَثيرُ مِنْ كُتُبِ الأوَّلينَ كَانَتْ زُبُـراً: (وَإنَّهُ لَـفـي زُبـُرِ الأوَّلـِينَ)[الشعراء 196]، (وَإنْ يُكَـذِّبُوكَ فَقَدْ كَـذَّبَ الـذينَ مِـنْ قَبْلِـهِـمْ جَـاءَتْهُـمْ رُسُـلُـهُـمْ بالـبَيِّنَاتِ وِ بِالـزُبُرِ وَبالـكِتَابِ الـمُـنيرِ)[فاطر 25]، (فَإنْ كَـذِّبُوكَ فَقَـدْ كُـذِّبَ رُسُـلٌ مِـنْ قَـبْلِـكَ جَـاءوا بالـبَيِّنَاتِ والـزُبُرِ وَالـكِـتَابِ الـمُـنيرِ)[آل عمران 184]، وَمِن بَيْنِهَا كِتَـابُ داوودَ عليه السلام: (وَآتَيْنَـا داوودَ زَبُوراً)[الإسراء 55][النساء 163].

لِمَنِ الطَلَلُ أبْصَرْتُهُ فَشَـجَاني

كَخَطِّ زَبُـورٍ في عَسيْب يَمَـاني

امرئ القيـس

وَجَلاَ السُيُولِ عَنِ الطُلولِ كَأَنَّها زُبُـرٌ تَجِـدُّ مُتُونُهَـا أقْلامُهُ لَبيد بن الأعْصم

أوْفـوا بالعُـقُـودِ:

نُلاَحِظُ عَلى الآيَةِ الأُولى مِنْ سُورَةِ المَائِدَةِ: (يَا أيُّهَـا الـذينَ آمَـنُوا أَوْفُوا بِالـعُـقُـودِ أُحِـلَّـتْ لَـكُـمْ بَهِـيْمَـةُ الأنْعَـامِ)[المائدة 1] ، العُقُودُ هُنا لَيْسَتْ العُقُودُ التجاريّة، لأنَّ: [عَقَدَ] عُنُقَ الدابّةِ أيْ: لَواهَا وَهَيَّـأَها لِلْذَبْحِ الحـلالِ، فأصْبَحَ المَعْنى: يا أيُّهَا الذينَ آمَنوا إذَا ذَبَحْتُمْ على الطريْقَةِ الإسْلاميّةِ [مِنَ العُنُقِ]، سَتَكونُ بَهيمَةُ الأنْعامِ حلالاً عَلَيْكُمْ، وَإذا ذَبَحْتُمْ على أيِّ طريقَةٍ أُخْرى كالصَعْقِ الكهْربائِيِّ، فإنَّ الذبْحَ لَنْ يَكُونَ حلالاً، وَلِذَلِكَ نَقُولُ: [عِقْد المرْأةِ] لأنَّهُ يُوضَعُ في العُنُقِ، وَعَقْدُ الشَيْءِ: وُجُوبُهُ وَأحْكامُهُ وَمِنْهُ العَقيـدَةُ، وَقَدْ رَكَّزَت الآيَةُ الكريْمَةُ عَلى أنْ يَسِيْلَ الدَمُ مِنَ رَقَبَةِ الدابَّةِ حَصْراً، وَلَيْسَ مِنْ أيِّ مَكانٍ آخَرَ مِثْلَ الدابَّةِ التي أكَلَهَا حَيَوانٌ مُفْترِسٌ، وَقَدْ تَمَّ إيْضَاحُ تحريم أكل أنواع من الحيوان ماتت بالطرق المختلفة ما عدا الذبح الحلال، في الآيَةِ الكريمَةِ التالية: (الـمَـوْقُوذَةُ وَالـمُـتَرَدِّيَةُ وَالـنَطِـيحَـةُ وَمَـا أكَـلَ الـسَـبْعُ إلاّ مَـا ذَكَّـيْتُمْ)[المائدة 3]، الـمَـوْقُوذَةُ: المضروبة بآلةٍ ثَقيلَة، الـمُـتَرَدِّيَةُ: سقطت من مكان عالٍ، الـنَطِـيحَـةُ: ضربها حيوان آخر بِقُرونِـهِ، مَـا أكَـلَ الـسَـبْعُ: حيوان مفترس، أيْ لاَ بُدَّ مِنَ التذْكِيَـةِ وَهي: الذَبْـحُ الحلال، فالطَعَـامُ الفَاسِـدُ يُفْسِـدُ الجِسْمَ، وَيُعْطِيْهِ طَاقَـةَ [احْـتِراق] وَلَيْسَ طَاقَـةَ [ائْـتِـلاق].

(الـهَـدْيَ وَالـقَـلاَئِـدَ) [المائدة 97]:

الهَـدْيُ: هُوَ الذَبَيحَةُ التي تُهْدى إلى الكَعْبَةِ، وَمِثْلُهُ القَلاَئِدُ حَيْثُ تُوضَعُ القِلاَدَةُ للذَبيحَةِ كَإشَارَةٍ: (يَا أيُّهَـا الـذينَ آمَـنُوا لاَ تَحِـلُّـوا شَـعَـائِرَ اللّـهِ وَلاَ الـشَـهْـرَ الـحَـرامَ وَلاَ الـهَـدْيَ وَلاَ الـقَـلاَئِـدَ وَلاَ آمِّـينَ الـبَيْتَ الـحَـرامَ)[المائدة 2]، (وَالـهَـدْيَ وَالـقَـلاَئِـدَ)[المائدة 97] (هَـدْيَاً بَالِـغَ الـكَـعْـبَةِ)[المائدة 95]، (حَـتّى يَبْـلُـغَ الـهَـدْيُ مَـحِـلَّـهُ)[البقرة 196]، (هُـمُ الـذينَ كَـفَروا وَصَـدُّوكُـمْ عَـنِ الـمَـسْـجِــدِ الـحَــرامِ وَالـهَـدْيَ مَـعْـكُـوفَاً أَنْ يَبْـلُـغَ مَـحِـلَّـهُ)[الفتح 25]، مَـعْـكُـوفَاً: ثَابِتَـاً مَكَانَهُ، أَنْ يَبْـلُـغَ: مَمْنُـوعٌ أنْ يَبْلُغَ، مَـحِـلَّـهُ: مَكانَ ذَبْحِـهِ، (فَإنْ أُحْـصِـرْتُمْ فَمَـا اسْـتَيْسَـرَ مِـنَ الـهَـدْيِ)[البقرة 196]، أُحْـصِـرْتُمْ: مُنِعْتُمْ مِنَ الحَـجِّ أوِ العُمْـرَةِ لأيِّ سَبَبٍ كَانَ.

(فَاغْسِـلُـوا وُجُـوهَـكُـمْ وَأيْـدِيَكُـمْ إلـى الـمَـرافِقِ وَامْــسَـحُـوا بِـرُؤوسِـكُـمْ وَأرْجُـلَـكُـمْ) [المائدة 6]:

عِنْدَمَـا يَدْخُلُ ضَوْءُ النَهَـارِ إلى الغِلاَفِ الجَوّي لـلأرْضِ، فَإنَّ إحْدى هَذه طَبَقَاتِ الغِلاَفِ وَهيَ طَبَقَةُ الأيونوسفير تَتَأيَّنُ [تَتَكَهْرَبُ]، وَتَسْتَقْبِلُ الأجْسَامُ المَوْجُودَةُ عَلى سَطْحِ الأرْضِ [وَمِنْ بَيْنِهَا الإنْسَانُ] هَذِهِ الشحْناتُ الكَهْرُبائِيَّةُ، وَتَتَكَهْرَبُ بِهَا فَعْنْدَ لِبْسِ أوْ خَلْعِ كَنْزَةٍ صُوفيَّةٍ مَثَلاً، نُلاَحِظُ ظُهُورَ شَراراتٍ كَهْرُبائِيَّةِ بِيْنَها وَبَيْنَ شَـعْرِ الإنْسـانِ، وَإذَا شُحِنَ جِسْمٌ بِشُـحْنَةٍ كَهْرُبائِيَّـةٍ، فَإنَّ الشُحْناتِ تَتَمَرْكَزُ عَلى نِهَايَاتِ الجِسْـمِ، وَإذَا تَأمَّلْنَا في الوُضُوءِ نُلاَحِظُ بِبَسَـاطَةٍ أنَّـهُ: عَمَلِيَّةُ إيْصَـالِ المَـاءِ إلى نِهَـايَاتِ جِسْـمِ الإنْسَانِ الخَمْسَ فَقَطْ: (يَـا أيُّـهَـا الـذينَ آمَـنُـوا إذا قُـمْـتُمْ إلـى الـصَـلاة ِ فَاغْسِـلُـوا وُجُـوهَـكُـمْ وَأيْـدِيَكُـمْ إلـى الـمَـرافِقِ وَامْـسَـحُـوا بِـرُؤوسِـكُـمْ وَأرْجُـلَـكُـمْ إلـى الـكَـعْـبَيْنِ)[المائدة 6]، أرْجُـلَـكُـمْ: معطوفة على الوجوه، لِذَلِكَ يَجبُ غَسْـلُ الرِجْلَيْنِ لاَ مَسْحِهِما فقط، والخلاصة في الوضوء: الجلدُ يُغسل والشعر يُمسح.

القرآن والتوراة هُدَىً وَرَحْمَة وَتَفْصيل كُلِّ شَيْءٍ

 ونُلاَحِظُ أنَّ المَناطِقَ الواقِعَة بَيْنَ كَعْبَيْ الإنْسَانِ وَرَقَبَتِهِ لَيْسَ لَهَا عَلاَقَـةٌ بالوُضُوءِ،

وَلَوْ كَانَ عَلَيْهَا غُبَارٌ أوْ تَعَرُّقٌ مَثَلاً، ولذلكَ يُمسَحُ أعلى الـخُفّ ولـيْسَ أسـفلَهُ، لأنّ أسـفلَهُ يُلامسُ الأرْضَ ولا يحـتـوي شحـنات كهـربائيَة.

( مِـيْثَاقَهُ الـذي وَاثَقَـكُـمْ بِهِ إذْ قُلْـتُمْ: سَـمِـعْـنا وَأَطَـعْـنا )[ المائدة 7 ]:

العَهْـد هو: وَعْدٌ أكِيْدٌ بِتَنْفيذِ أَمْرٍ مَـا، والمِيْثَـاق هو: تَعْليْمَاتٌ إلهيّـة يُنَفِّذُهَا المُؤْمِنُ بِسَـعادَة، وهذا ما نجده في الآيات الكريمة التالية:

( وَالـمُـوفُونَ بِعَـهْـدِهِـمْ إذَا عَـاهَـدوا)[ البقرة 117 ]، ( وَأَوْفُـوا بِالـعَـهْـدِ إنَّ الـعَـهْـدَ كَـانَ مَـسْـؤولاً )[ الإسراء 34 ]، ( مِنَ الـمُـؤْمِنينَ رِجَـالٌ صَـدَقُوا مَا عَـاهَـدوا اللّهَ عَـلَـيْهِ ) [ الأحزاب 23 ]، ( وَمَـنْ أوْفـى بِعَـهْـدِهِ مِـنَ اللّـهِ )[ التوبة 111 ]، ( وَالـذينَ هُـمْ لأمَـاناتِهِـمْ وَعَـهْـدِهِـمْ راعُـون )[ المؤمنون 8 ][ المعارج 32 ]، ( الـذينَ يُوفُونَ بِعَـهْـدِ اللّـهِ وَلاَ يَنْقُضُـونَ الـمِـيْثَاقَ )[ الرعد 20 ]، ( وَمَـنْ أوْفـى بِمَـا عَـاهَـدَ عَـلَـيْهُ اللّـهَ فَسَـيُؤْتيْهِ أَجْـراً عَـظِـيْمَـاً ) [ الفتح 10 ]، ( وَأَوْفُوا بِعَـهْـدِ اللّـهِ إذَا عَـاهَـدْتُمْ )[ النحل 91 ]، ( وَبِعَـهْـدِ اللّـهِ أَوْفوا ) [ الأنعام 152 ]، ( وَمَـا وَجَـدْنا لأكْـثَرِهِـمْ مِـنْ عَـهْـدٍ )[ الأعراف 102 ]، ( أَوَ كُـلَّـمَـا عَـاهَـدوا عَـهْـداً نَبَذَهُ فَـريْقٌ مِـنْهُـمْ )[ البقرة 100 ]، ( وَالـذين يَنْقُضُـونَ عَـهْـدَ اللّـهِ مِـنْ بَعْـدِ مِـيْثَاقِهِ )[ الرعد 25 ]، ( قَالَ لاَ يَنالُ عَـهْـدي الـظَـالِـمِـيْن )[ البقرة 124 ]، ( الـذينَ عَـاهَـدْتَ مِـنْهُـمْ ثُمَّ يَنْقُضُـونَ عَـهْـدَهُـمْ فـي كُـلِّ مَـرَّةٍ )[ الأنفال 56 ]، ( وَكَـانَ عَـهْـدُ اللّـهِ مَـسْـؤولاً )[ الأحزاب 15 ]، ( وَلَـقَـدْ عَـهِـدْنا إلـى آدَمَ مِـنْ قَبْلُ فَنَسِـيَ وَلَـمْ نَجِـدْ لَـهُ عَـزْمَـاً )[ طـه 115 ]، وَالمُؤْمِنُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللـهِ مِيْثَـاقٌ عَلى السَـمْعِ وَالطَـاعَةِ بِرِضا وَدُونَ نِقَاشِ: ( مِـيْثَاقَهُ الـذي وَاثَقَـكُـمْ بِهِ إذْ قُلْـتُمْ: سَـمِـعْـنا وَأَطَـعْـنا )[ المائدة 7 ]، وَيَأْتي العَهْـدُ بَعْدَ الميْثَـاقِ: ( وَالـذين يَنْقُضُـونَ عَـهْـدَ اللّـهِ مِـنْ بَعْـدِ مِـيْثَاقِهِ )[ الرعد 25 ]، ( وَقَدْ أَخَـذَ مِـيْثَاقَـكُـمْ إنْ كُـنْتُمْ مُـؤْمِـنين )[ الحديد 8 ]، وَالميْثـاقُ: سَـمِعْنا وَأطَعْنَـا: ( آمَـنَ الـرِسُـولُ بِمَـا أُنْزِلَ إلَـيْهِ مِـنْ رَبِّهِ وَالـمُـؤْمِـنُونَ كُـلٌّ آمَـنَ بِاللّـهِ وَمَـلائِـكَـتِهِ وَكُـتُبِهِ وَرُسُـلِـهِ وَقَالـوا: سَـمِـعْنا وَأَطَـعْـنَا )[ البقرة 285 ]، وَبِدونِ جَدَلٍ أوْ نِقاشٍ أوْ اعْتِراضٍ وَحتّى التَنْفيذ بِرِضا وَسَعادَة: ( فَـلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِـنُون حَـتّى يُحَـكِّـمُـوكَ فِيْمَـا شَـجَـرَ بَيْنَهُـمْ ثُمَّ لاَ يَجِـدوا فـي أنْفُسِـهِـمْ حَـرَجٌ مِـمَّـا قَـضَـيْتَ وَيُسَـلّـمُـوا تَسْـلـيْمَـاً )[ النساء 65 ]، وَهَذَا يُظْهِرُ الفَرْقَ بَيْنَ المُـؤْمن وَالمُسْـلِم.

(وكـيْفَ يُـحَـكّـمـونـك وعـندهُم التـوراة فيهـا حُـكْـمُ اللـه )[ المـائدة 43 ]:

القُرْآنُ الكَريمُ يَحْتَوي أيْضَاً على الفُرْقـَانِ، الذي نَزَلَ مِنْ قَبْلُ عَلى موسى عليه السلام: ( تَبَارَكَ الـذي نَزَّلَ الـفُرْقَانَ عَـلـى عَـبْدِهِ )[ الفرقان 1 ]، ( وَأنْزَلَ الـتَوْراةَ وَالإنْجِـيلَ مِـنْ قَـبْلُ هَـدَىً لِلـناسِ وَأنْزَلَ الـفُرْقَانَ )[ آل عمران 3 / 4 ]، ( وَإذْ آتَيْنَا مُـوسَـى الـكِـتَابَ وَالـفُرْقَانَ )[ البقرة 53 ]، ( وَلَـقَـدْ آتَيْنَا مُـوسَـى وَهَـارونَ الـفُرْقَانَ )[ الأنبياء 48 ]، وَالجِـنّ أيْضَاً عِنْدَهُمْ عِلْمٌ فَقَطْ بالقُرْآنِ الكَريمِ وَكِتابِ موسى عليه السلام: ( وَإِذْ صَـرَفْنَا إلَـيْكَ نَفَراً مِـنَ الـجِـنِّ يَسْـتَمِـعُـونَ الـقُرْآنَ فَلَـمَّـا حَـضَـروهُ قَالـوا أنْصِـتُوا فَلَـمَّـا قُضِـيَ وَلّـوْا إلـى قَـوْمِـهِـمْ مُـنْذِرينَ قَالـوا يَا قَـوْمَـنا إنَّا سَـمِـعْـنا كِـتَاباً أُنْزِلَ مِـنْ بَعْـدِ مُـوسـى ) [ الأحقاف 29 / 30 ].

فَمَا أشْبَهَ كِتابُ مُوسى عليْهِ السَلام بالقُرْآنِ الكَريمِ فَكِلاَ الكِتابَيْنِ فيهِ هُدَىً وَرَحْمَة وَتَفْصيل لِكُلِّ شَيْءٍ: ( ثُمَّ آتَيْنَا مُـوسَـى الـكِـتَابَ تَمَـامَـاً عَـلَـى الـذي أحْـسَـنَ وَتَفْـصِـيلاً لِـكُـلِّ شَـيْءٍ وَهُـدَىً وَرَحْـمَـةً )[ الأنعام 154 ]، ( وَكَـتَبْنَا لَـهُ فـي الألْـواحِ مِـنْ كُـلِّ شَـيْءٍ مَـوْعِـظَـةً وَتَفْـصِـيْلاً لِـكُـلِّ شَـيْءٍ )[ الأعراف 145 ]، وَهَذِهِ هيَ صِفَاتُ القُرْآنِ الكَريمِ، أيْ الهُدى وَالرَحْمَةُ وَتَفْصيلُ كُلِّ شَـيْءٍ: ( وَنَزَّلْـنَا عَـلَـيْكَ الـكِـتَابَ تِبْيَانَاً لِـكُـلِّ شَـيْءٍ وَهُـدَىً وَرَحْـمَـةً وَبُشْـرى لِلـمُـسْـلِـمِـينَ )[ النحل 89 ]، ( مَـا كَـانَ حَـدِيثَاً يُفْتَرى وَلَـكِـنْ تَصْـديقَ الـذي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِـيلَ كُـلِّ شَـيْءٍ وَهُـدَىً وَرَحْـمَـةً لِـقَوْمٍ يُؤْمِـنُونَ ) [ يوسف 111 ].

 

كل هـذا واللـه أعـلم.

Email