الجــزء الـخـامـس

الزواج من محصنة أو ملك اليمين

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدأ هذا الجزء منَ القرآن الكريم، منْ الآية [ 24 ] من سورة النساء، و حتى الآيـة [ 147 ] من سورة النساء ذاتها ، ومـمّـا ورَد فيـه : (مَـا مَلَكتْ أيمـانكُم) [ النساء 24 ]

يجب التمـييز بين:

إمَـاء : و هُـنّ [ سـبايا الحرْب ] .

أيـامى : وهُـنّ [ غـيـر الـمـتـزوّجـات].

مـلْك اليمين : و هُنّ اللواتي [يعملْن في البيوت مُقابل أجْر ] في العصر الحديث.

وقـد طـالب القرآن الكريم بالزواج من [ الإمَـاء = سـبايا الحرب ] زواجـاً شـرعيّاً ، مثل أي فتاة أخرى [ أيّـم = غـير متزوّجة ] في المجتمع ، فقال تعالى: (وأنكحـوا الأيـامى منكُـم والصالحين منْ عبـادكم وإمـائكُم) [ النور 32 ]، وسورة النور هي سورةٌ [ مفروضة ] لقولـه تعالى في بدايتهـا: (سورةٌ أنزلناهـا وفَرضْناها) [النور 1]

مـلْـك الـيمـين :

ورد ذكـرهُنّ في القرآن الكريم ، في عدّة مواضع هي :

(مَـا مَلَكتْ أيمـانكُم) 7 مرّات ، في سُوَر النور / النساء / الروم.

(مَـا مَلَـكتْ أيمـانُهُـم) 4 مرّات ، في سُوَر المؤمنون / الأحزاب / النحل / المعارج. _ (مَـا مَلَكتْ يميـنُك) 2 مرّة، في سُورة الأحزاب 50 / 52.

(مـا ملَكـتْ أيمـانهُنّ) 2 مرّة ، في سُورتيْ النور 31 والأحزاب 55.

فإذا كان مسموحا للرجُل إقـامة العلاقات الجنسيّة مع [ملْك اليمين]، فمـاذا سنقول في قولـه تعالى: (مَـا ملكتْ أيمـانهُنّ)!!!!!!

الـزواج من [ ملْك اليمـين ] :

إذا أراد الرجُلُ الزواج من اُنثى زواجاً شـرعيّاً [ مهْـر + عقد شرعيّ ] ، فقد وضَع لـه القرآن الكريم احتمـاليْن :

الزواج من [ مُحصـنة = ابنة عائلة معروفة في البلدة ] ، وإذا كان ذلك يتطلّب تكاليف ماليّة كبيرة [ تأمين السكن والفرش وتكاليف حفلة الزواج وارتفاع المهر .. ] ، عند ذلك يُمكنه الزواج من:

[ مـلْك اليمين = إنسانة تعمل بأجر في بيوت الناس أو بيته ] ، وفي هذه الحالة تكون التكاليف المـاليّة أقلّ .

والدليل على أنّ السبب هو سـببٌ [ مـاليّ ] فقط ، يقول تعالى صراحةً: (و مَنْ لـم يستطعْ منكُم طَـوْلاً أنْ ينكح المُحصـنات المؤمنات، فمن مَـا مَلَكت أيمـانكم منْ فتياتكم المؤمنات) [النساء 25] ، إذا : إمّـا الزواج من [المُحصنة]، أو الزواج من [ ملْك اليمين ] ، وليس الاثنتين معـاً.

وتُتابع الآية الكريمة عن ملْك اليمين: (فانكحوهُنّ بإذن أهلهنّ، وآتوهُنّ اُجورهُنّ بالمعروف) [ النساء 25 ] ، أيْ: الزواج بموافقة أهلهـا + المهر الذي تعارف عليه المُجتمع ( بالمعروف ).

وتُتابع الآية الكريمة: (مُحصـنات غيْرَ مُسـافحاتٍ ولا مُتّخذات أخدان) [ النساء 25 ] ، أي : تُصبح زوجة مُحصنة، وليست [ عشيقة أو صاحبة ] ، لأنّ الله يقول صراحةً: (و لا تُكـرهوا فتـياتكُم على البغـاء) [ النور 33].

أو :

الله سبحانه يستخدم كلمـة [ أوْ ]، للدلالة على [ الاختيار ] بين [ المحصنة أو ملْك اليمين ] ، مثال: (إلاّ على أزواجهم أو مَـا ملَكتْ أيمـانهم) [ المؤمنون 7 / المعارج 3 ]، ( فواحدة أو مَـا ملَكتْ أيمانكم) [ النساء 3 ].

وقد ذكر القرآن الكريم حرف [ و ] فقط مع الرسول صلى الله عليه وسلّم ، وهذا التخصيص لأنّ الرسول هو [صاحب الخُلُق العظيم ] ، فقال تعالى: (يا أيهـا النبيّ إنّا أحْللْنـا لكَ أزواجك اللاّتي آتيْت اُجورهُنّ ومَـا مَلَكتْ يمينُك) [ الأحزاب 50 ].

لذلك يجب عدَم الاستماع إلى الذين يهمُّم فقط الشهوات: (ويريد الذين يتّبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً) [ النساء 27 ] ، أيْ : ميلاً عظيماً في فهم الآيات وتسخيرهـا لشهواتهم.

نفي الظلم

 نلاَحِظُ في سُورَةِ النِسَاءِ ثَلاَثَ آيَاتٍ تَنْفي الظُلْمَ عَنِ اللّهِ سُبْحَانَهُ: (إنَّ اللَّـهَ لاَ يَظْـلِـمُ مِـثْقَالَ ذَرَّةٍ) [ النساء 40 ] ، (وَ لاَ يُظْـلَـمُـونَ نَقِـيراً) [ النساء 124] ، (وَ لاَ يُظْـلَـمُـونَ فَتيلاً) [ النساء 49 ]، ثُمَّ كَرَّرَ الفَتيلَ فقط في سُورَةِ الإسْراءِ: (وَ لاَ يُظْـلَـمُـونَ فَتيلاً) [ الإسراء 71 ].

 

علم الاستنباط .. اسْـتِخْراج الأحْكامِ وَ القوانِيْنِ وَالحقائِق

 (لا تقولـوا راعـنـا):

راعِـنا: هِيَ كَلِمَةٌ خَبيْثَةٌ [ مِنَ الرُعُونَةِ وَاحْتِقارِ المُخَاطَبِ ] تستخدم في الأسْواقِ عِنْدَ البَيْعِ وَالشِراءِ وَ قَدْ أمَرَ اللّهُ عَدَمَ قَوْلِها: (يَا أيُّهَـا الـذيْنَ آمَـنُوا لاَ تَقُولُـوا راعِـنَا وَ قُولُـوا انْظُـرْنَا) [ البقرة 104 ]، لأنَّ هَذِهِ الكلِمة هيَ [ طَعْنٌ في الديْنِ ]: (وَمـنَ الـذيْنَ هَـادوا يُحَـرِّفُونَ الـكَـلِـمَ عَـنْ مَـواضِـعِـهِ وَ يَقُولُـونَ سَـمِـعْـنَا وَعَـصَـيْنَا وَاسْـمَـعْ غَـيْرَ مُـسْـمَـعٍ وَراعِـنَا لَـيّاً بِألْـسِـنَتِهِـمْ وَطَـعْـنَاً في الـديْنِ ) [ النساء 46 ].

(يسـتـنبطـونه مـنـهُـم):

عِلْمُ الاسْـتِنْباطِ هُوَ جَوْهَرُ العُلُومِ، التي تَحْتاجُ لِمَنْ يَجْلوهَا بِفَهْمٍ وَمَنْطِقٍ، وَروحُ الفِقْهِ الذي يَحْتاجُ لِمَنْ يَجْلوهُ بِبَصِيْرةٍ وَتَبَصُّرٍ، وَكَلِمَةُ الاسْتِنْباط مِنْ [نَبَطَ] أيْ اسْـتَخْرَجَ، فَنَقُولُ : نَبَطَ المَاءُ إذَا اسْتَخْرَجَهُ، لِذَلِكَ فإنَّ اسْتِنْباطَ القُرْآنِ الكَريْمِ: (لَـعَـلِـمَـهُ الـذيْنَ يَسْـتَنْبِطُـونَهُ مِـنْهُـمْ) [ النساء 83 ]، يَعْني اسْـتِخْراج الأحْكامِ وَالقوانِيْنِ وَالحقائِق، مِمّا يَبْدو بَسِـيْطَاً وَهامِشـيّاً أوْ مُتَعارَفاً بَدِيْهِيّاً، وَهُوَ سِرُّ فَهْمِ الأحْكامِ، وَفَهْمِ [ النَصِّ الرَبّـانيّ] فَهْمَاً حَقِيْقِيّاً، لِبَعْثِ الحَياةِ في الفَرْدِ وَالمُجْتَمَعِ.

وَالاسْـتِنْباطُ عِلْمٌ ذَوْقيٌّ، وَالذَوْقُ يَرْفُضُ وَ يَمْنَعُ الشِدَّةَ المُتْلِفة وَالتراخي المُضَيِّعِ، فالذَوْقُ فَهْمٌ لَيّنٌ وَسَلِسٌ لِلنَصِّ الشَرْعيّ، وَفَهْمٌ جَماليّ بِعُمْقٍ نَقْديّ يَمْنَحُ النَصَّ الشَرْعيّ نِطاقَاً أوْسَع وَمَدىً أرْحَب، يَتلاءَمَانِ مَعَ كُلِّ زَمانٍ وَمَكانٍ، وَيَكُونُ الدِيْنُ صَالِحاً لِكُلِّ الناسِ : (اُدْعُ إلـى سَـبِيْلِ رَبِّكَ بِالـحِـكْـمَـةِ وَ الـمَـوْعِـظَـةِ الـحَـسَـنَةِ) [ النحل 125 ]، وَ لَيْسَ بالتَخْويْفِ وَ تَحْويْلِ الدِيْنِ إلى [ فَزَّاعَةٍ ].

(لسْـتَ مُـؤمـناً) [النساء 94]:

إذا كان الإنسانُ مُسـالـماً وآمناً في بيته، فالأمْـرُ الإلـهيّ واضحٌ وُضوحَ الشمس و هوَ: (لا ينهـاكُمُ الله عَنِ الذينَ لـمْ يُقـاتلوكُمْ في الدينِ ولـمْ يُخْرجوكُمْ منْ دياركُم أنْ تَـبـرّوهُـمْ وتُقسـطوا إلـيْهِـمْ) [ الممتحنة 8 ]، لذلكَ فإنّ إخراج الناس الآمنين المُسـالمينَ منْ بيوتهِم هوَ [عصيانٌ] لهذا الأمْـر الإلهيّ.

_ والأمـرُ الإلـهيّ الآخـرَ: (يـا أيّهـا الذينَ آمـنوا ادْخُـلـوا في السِـلْم كـافّةً) [البقرة 208].

_ والأمْـرُ الإلـهيّ أيْضـاً: (و لاَ تقـولـوا لِـمَـنْ ألْقى إلـيْكُمُ السَـلامَ لسْـتَ مُـؤمـناً) [ النساء 94 ]، أيْ : لا يجوزُ [ تكفير ] الآخـرين إذا كـانوا مُسـالمينَ.

والسَادَةُ النصارى لهُم توصـيةٌ خاصّة منَ الله سُبحانهُ: (أقْربَهُم مودّةً للذينَ آمـنوا الذينَ قـالوا إنّــا نصــارى) [ المائدة 82].

_ لذلك لا يجوزُ لا يجوزُ لا يجوزُ ... الاعتداء على أيّ إنسانٍ كانَ، في مـاله وعرضه و ....، والمطلوبُ [ فقـط ] صَـدّ العدوان، وليْسَ [ الاعتداء ] على الآخرينَ .

أمّـا [ الجهـادُ ] في الدين الإسلاميّ، فهـوَ جهـادٌ [ فكْـريّ ] بالحوار والمنطق، وليْسَ بالسيْف، والله يقولُهـا صـراحةً وبكلّ وُضوح: (وجـاهدْهُم بـه جهـاداً كـبيراً) [ الفرقان 52 ]، أيْ : جـاهدهُم بالقرآن الكريم والحوار والمنطق، أمّـا [ الإكـراهُ ] فهوَ مرفُوضٌ مرفوضٌ مرفوضٌ، لأنّ الله لا يُريدُ ذلك: (وَ لـوْ شَـاءَ ربّـكَ لآمَـنَ مَنْ في الأرْضِ كلّهُـمْ جمـيعاً) [ يونس 99 ]، فـالله لا يحتاجُ إلى [ جهـاديين ]، وتكفي مشـيئته لتحقيق ذلك، ولكنّ الله يُريْدُ [ الاختلافَ ] بينَ الناس في مُعتقداتهم: (ولا يزالونَ مُختلفينَ ولذلكَ خَلـقَهُم) [هود 119]، (ولـوْ شـاءَ الله لجمعـهُم على الهُدى) [الأنعام 35]،

وبذلك يُوضح الإسلام أنّ أصل العلاقات مع الآخرين هو [السلْم العادل] سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى الشعوب والدول، وقد حذّر القرآن الكريم عدم التقيّد بالأوامر التي مرّت في الآيات السابقة، فقال تعالى: (فإنْ زللتمْ من بعـد ما جاءكم البيّنات فاعلموا أنّ الله عزيز حكيم) [ البقرة 209 ]، أيْ إذا زللتمْ عن هذه التعليمات بعدما أوضحناها لكم، فإنّ الله (عزيز) عنكم وليس بحاجة لكم.

(نُشُـوزاً أوْ إعْـراضَـاً) [النساء 128]:

مِنْ طَبيعَةِ المَرْأةِ النشوز فقط مع عَـدَمَ الإعْراضِ : (وَالـلاَتي تَخَافُونَ نُـشُـوزَهُـنّ) [النساء 34 ]، نُـشُـوزَهُـنَّ : تَمَرُّدَهُنَّ فَقَطْ وَلَمْ يَقُلْ : أوْ إعْراضَهُنَّ، بَيْنَمَا عِنْدَ الرَجُلِ نَجِدُ النُشُوزَ وَالإعْرَاضَ : (وَإنْ اِمْـرَأةٌ خَـافَـتْ مِـنْ بَعْـلـِهَـا نُشُـوزاً أوْ إعْـراضَـاً) [ النساء 128 ]، نُشُـوزاً : تَمـرّداً، إعْـراضَـاً : هُجْرانَاَ بِحيْثُ لاَ يُكلّمها، فَيَكُونُ الشُـحُّ وهو : البُخْل حتّى بالعَـواطِفِ وَ الكلامِ إضَافَةً للمَـال مِنَ الرَجُلِ فَقَطْ، لَذَلِكَ تُتَابِعُ الآيَةُ الكَريمَةُ معَ الرِجال فقط: (وَأُحْـضِـرَتِ الأنْفُسُ الـشُـحّ) [النساء 128 ]، و لِذَلِكَ قال تعالى : (وَ مَـنْ يُوْقَ شُـحَّ نَفْـسِـهِ فَأُولَـئِـكَ هُـمُ الـمُـفْـلِـحُـونَ) [ الحشر 9 ] [التغابن 16]، (أَشِـحَّـةً عَـلَـيْكُـمْ أَشِـحَّـةً عَـلَـى الـخَـيْرِ) [ الأحزاب 19 ].

(مـا يفْعـلُ الله بعـذابكـم إن شـكرتُم وآمنـتم) [النساء 147]:

إنّ اللّـه سُـبحانه وتعالى خـلقـنـا كـيْ نكـونَ [ فقـط ] سُـعـداءَ وفـرحين بكلّ السَـعادة في الدنيـا والآخـرة، لذلك جعَلَ هـذا الديْن في غـاية [ اليُسْـر ]، كمَـا قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلّم: [إنّ هـذا الدينَ يُسْـرٌ]، وقال تعالى عن هذا الدين إنّـه [حـنيف = مَـرِنٌ جـداً ]: (قُـلْ إنّنـي هـداني ربّـي إلى صـراطٍ مُسـتقيم، ديْـناً قِــيَــمَــاً، مـلّةَ إبـراهيْـمَ حـنيفـاً) [ الأنعام 161 ]، فالدينُ هُـوَ [القِـيَـمُ] والأخلاق.

 

كل هـذا والله أعلـم.

Email