الجــزء الـرابـع من القرآن الكريم

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدأ هذا الجزء منَ القرآن الكريم، منْ الآية [93] من سورة آل عمران، وحتى الآيـة [23] من سورة النساء، ومـمّـا ورَد فيـه:

(إنَّ أوَّلَ بَـيْتٍ وُضِـعَ للـنَاسِ لـَلـذي بِبَكَّـةَ )[ آل عمران 96]، لَـلـذي: اللامُ الأولى هنا تسمّى [اللام المزحلَقَـة] وَتأتي بخبر إنَّ لِتوكيدِهِ، بَكَّـةَ: الموقع الذي يخص الحَـرَم فَقَطْ وَليسَ كل مكّـة، لِذَلِكَ لا يَصْلُحُ غَيْر هَذا المَوْقِعِ [ مَكَّـةَ] للحَـجِّ، وَكانَ ذَلِكَ حَسْبَ تَوْجِيـهٍ إلَهيِّ: (وَإذْ بَوَّأْنا لإبراهِـيمَ مَـكَـانَ الـبَيْتِ )[الحج 26].

لِذَلِكَ أهلَكَ اللهُ جيْشَ أبْرَهَةَ بن الصباح عِنْدَما حاوَلَ هَدْمَ الكعبَةِ لِتَغْييرِ مَكانِهـَا، حَيْثُ بنى في اليَمَنِ [في صَنْعاءَ] بِناءً بَديلاً عَنْها سَمَّاهُ [القُلّيِسْ أو القايِسْ ]: (ألَـمْ تَـرَ كَــيْفَ فَعَـلَ رَبُّكَ بِأصْـحَـابِ الـفـيل ألَـمْ يَجْـعَـلْ كَــيْدَهُـمْ فـي تَضْـلـيلٍ... فَجَـعَـلَـهُـمْ كَـعَـصْـفٍ مـَأْكُـولٍ) [سورة الفيل] فاللـهُ سبحانه لا يَسْـمَحُ بِتَغييرِ المَـوْقِعِ

ومَـا زالَتِ وستبقى الكَـعْبَةُ الشريفة هيَ بيتُ اللهِ الحَرامِ: ( جَـعَـلَ اللـهُ الـكَـعْـبَـةَ الـبيْـتَ الـحَـرامَ)[المائدة 97].

يـأمرون بـالـمعـروف:

(ولـتـكنْ مـنكم أمّـةٌ يـدعونَ إلى الخير ويأمـرون بالمعـروف وينهون عن المنكـر، وأولئك هُـم المفلحون )[ آل عمران 104]، وَ( الأمْـرُ بالمَعْروفِ وَالنَهْيُ عَنِ المُنْـكرِ ) هوَ مِنَ الخَصَائِصِ المهمّة لهذه الأمّة، فَلَمْ تَكنْ هذِهِ الأمَّةُ خَيْرَ الأُمَمِ إلاَّ حينَما أَمَرَتْ بالمَعْروفِ وَنَهَتْ عَنِ المُنْكرِ: ( كُـنْتُمْ خَـيْرَ أُمَّـةٍ أُخْـرِجَـتْ لِلـناسِ تَأْمُـرونَ بِالـمَـعْـروفِ وَتَنهَـوْنَ عَـنِ الـمُـنْكَـرِ )[ آل عمران 110].

مـعـركـة بـدْر:

( ولقـد نصَركُم الله ببـدْرٍ وأنـتُم أذِلّةٌ)[ آل عمران 123].

أخْرَجَ الله المُؤمِنينَ للقِتَالِ: ( كَـمَـا أخْـرَجَـكَ رَبُّـكَ مِـنْ بَيْتِـكَ بِالـحَـقِّ وَإنَّ فَـريقاً مِـنَ الـمُــؤمِـنينَ لَـكَــارِهُـونَ )[ الأنفال 5]، وَنَظَّمَ صُفوفهُمْ عَسْكَرياً: (تُبَـوِّئ الـمُـؤمِـنينَ مَـقَـاعِـدَ للـقِـتَالِ )[ آل عمران 121]، بَعْدَ أنْ شَاوَرَ أصْحَابَ الاخْتِصَاصِ في مَوْقِعِ التَمَرْكُزِ، فَكَانَ رَأْيُهُمْ أنْ يَتَمَرْكَزُوا في العُدْوَةِ الدُنْيَا [ الأقْرَبُ إلى المدينَةِ]، وَقَدْ أيَّدَ القُرْآنُ هَذَا الرَأْيَ للحَبّاب بن المُنْذِرِ كَوْنَهُ صَائِبَاً: ( إذْ أنْتُمْ بالعُدْوَةِ الـدُنْيَا وَهُـمْ بالعُـدْوَةِ الـقُـصْوى ) [ الأنفال 42]، وَفي لَيْلَةِ المَعْرَكَةِ سيْطَرَ عليْهِمُ النَوْمُ العَمِيقُ مِنْ أجْلِ الرِاحَةِ الجسْميَّةِ والنَفسيَّةِ: (إذْ يُغَـشِّـيْـكُـمُ الـنُعَـاسَ أمَـنَةً مِـنْهُ )[ الأنفال 11].

وَفـي المَنـَامِ هَيّـأَ اللهُ رُؤيَا خَاصّة لِرَسُولِهِ الكريم [ رَفْعُ الرُوحِ المَعْنَويَّةِ للقَائِدِ العَسْـكريِّ]: ( إذْ يُـرِيْـكَـهُـمُ اللَّـهُ فـي مَـنَامـكَ قَـلـيلاً وَلَـوْ أراكَـهُـمْ كَـثيراً لَـفَـشِـلْـتُمْ وَلَـتَنَازَعْـتُـمْ فـي الأمْـرِ وَلَـكِـنَّ اللَّـهَ سَـلَـمَ )[ الأنفال 43]، وَفي الصَباحِ تَمَّ الاسْتيقاظُ بِنَشَاطٍ بَعْدَ الرَشِّ بالمِيـاهِ: ( وَيُنَـزِّلُ عـلَـيْكُـمْ مِـنَ الـسَـمَـاءِ مَـاءً لَـيُطَـهِّـرَكُـمْ بِهِ وَيُذْهِـبَ عَـنْـكُـمْ رِجْــزَ الـشَـيْطانِ وَلِـيَـرْبِطَ عَـلـى قُـلُـوبِكُـمْ )[ الأنفال 11]، وَكانَ رشُّ الأرْضِ بالمَاءِ ضَرورياً لأنَّ غَالبيّة الجيشِ المُسْـلِمِ كانَوا مُشَـاةً: ( وَيُـثَـبـِّتَ بِهِ الأقْدامَ )[ الأنفال 11].

وَقَبْلَ بِدايَةِ المَعْرَكَةِ قَلَبَ اللهُ حَالةَ الرُؤيـَا في عَيْنَيْ رَسُولِهِ وَالمُؤمِنينَ لِرَفْعِ الرُوحِ المَعْنَويّةِ الضَروريّةِ للنَصْرِ: ( وَإذْ يُـريـكُـمُـوهُـمْ إذ ِالـتَقَـيْـتُـمْ فـي أَعْـيُـنِكُـمْ قَـلـيلاً وَيُقَـلِّـلُـكُـمْ فـي أَعْـيُـنِهِـمْ لِـيَقْـضِـيَ اللَّـهُ أمْـراً كَــانَ مَـفْـعُـولاً )[ الأنفال 44]، بَعْدَ أنْ كَانَتْ الرُؤيـَا تُشيرُ لعكْسَ ذَلِكَ بِسَـبَبِ الخَـوْفِ المُسَيـْطِرِ: ( يَرَوْنَهُـمْ مِـثْـلَـيْهِـمْ رَأْيَ الـعَـيْنِ ) [ آل عمران 13].

دعم معنوي

وَكانَ نُزُولُ المَلائِكَةِ، مِنْ أجْلِ رَفعِ الحَالَةِ المَعْنويّةِ أوّلاً: ( وَمَـا جَـعَـلَـهُ اللَّـهُ إلاَّ بُشْـرى وَلِـتَطْـمَـئِنَّ بِهِ قُـلُـوبُـكُـمْ )[ الأنفال 10]، فالمُلاحَظُ أنَّهُ كُلّمَا تَشَكّلَ مَجْموعَةٌ قِتاليـةٌ مُؤمِنَةٌ عَدَدُهَـا [ 100] مُـسْلِمٍ، يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ [ 1000] مَلَكٍ، كَتَغْطِيَةٍ جَوّيَةٍ لِحِمايَتِهِمْ، فَلَمّا كَانَ عَدَدُ المُسْلِمينَ [ 314] مُقَاتِلاً، فَقَدْ كَانَ عَدَدُ المَلائِكَةِ ثلاثَةُ آلافٍ، حَيْثُ بَقِيَ [ 14] مُسْلِمَـاً [ خَارِجَ التَغْطِيَـةِ]، هُمْ الذينَ كَانوا الشُـهَداءَ الأرْبَعَةَ عَشَـرَ فَقَطْ، وَبِما أنَّ الخَسَـائِرَ المُعَـادِيَةَ هيَ عَشَرَةُ أضْعافِ الخَسائِرِ المُؤمِنَةِ، فَقَدْ كانَتْ فِعْلاً خَسَائِرُ الأعْداءِ 140 مُقَاتِلاً: [70 قتيلاً 70 أسيراً بِحُكْمِ القَتْلى]: ( إنْ يَكُـنْ مِـنْكُـمْ عِـشْـرونَ صَـابِرون يَغْـلِـبُوا مِـئَـتَيْنِ وَإنْ يَكُـنْ مِـنْـكُـمْ مَـائَـة يَغْـلِـبُوا ألْـفاً )[ الأنفال 65]، أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ( فَـاضْـرِبوا فَـوْقَ الأعْـناقِ)[ الأنفال 12]، فَهُوَ تَعْليمٌ للمُؤمِنينَ حَيْثُ أنَّ الضَرْبَ فَوْقَ الأعْناقِ، وَلوْ بِقُوّةٍ خَفيفَةٍ عَلى البَصَلَةِ السيسائيّةِ كَافٍ للقَتْلِ، وَهُوَ القَتْـلُ الرَحيْمُ حتّى لِلأعْداءِ، امّا مِنْ أجْلِ شَـلِّ قُدْرَةِ العَدوِّ، وَإخْراجِهِ مِنْ أرْضِ المَعْرَكَةِ: ( وَاضْـرِبوا مِـنْـهُـمْ كُـلَّ بَنَانٍ )[ الأنفال 12]، فَبَعْدَ الأَخْذِ بكُلِّ هَذِهِ الأسْبابِ، أتى النَصرُ الإلهيُّ: ( وَمَـا الـنَـصْـرُ إلاَّ مِـنْ عِــنْـدِ اللَّـهِ إنَّ اللَّـهَ عَـزيزٌ حَـكِـيمٌ )[ الأنفال 10]، ( وَلَـقَـدْ نَصَـرَكُـم اللَّـهُ بِبَـدْرٍ وَأنْتُمْ أذِلّـةٌ )[ آل عمران 123]، بَعْدَ أنْ طَبَّقَ الخُطَطَ العَسْكَريَّةَ اللازِمَةَ، وَلَيْسَ النَصْرُ بِدونِ عَمَلٍ، وَبِدونِ الأخْذِ بالأسْبَابِ: ( وَلَـقَـدْ صَـدَقَـكُـمُ اللّـهُ وَعْـدَهُ إِذْ تَحُـسُّـونَهُـمْ بِإذْنِهِ )[ آل عمران 152].

 الأمر بالمعروف

 ( وَأْمُـرْ بِالـعُـرْفِ )[ الأعراف 199]، وَالعُـرْفُ وَالمعْروفُ : هوَ مَا تَعَـارَفَ عليْهِ المجْتَمَعُ شَرْطَ أنْ لا يَتَعَارَضَ مَعَ نَصٍّ شَرْعيٍّ فَيَكونُ عُرْفـاً باطِـلاً، أيْ هوَ: كلُّ أمْرٍ مُسْتَحْسَنٍ [ عُرْفاً أوْ شَرْعاً أو عَقْلاً أوْ طَبْعاً]، وَهوَ عَـامٌّ لِكلِّ المجتَمَع، وَخاصٌّ لِفِئَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِثْلَ التجَّارِ مَثَلاً، فـالعَادَةُ مُحَكِّمَـةُ، وَالمعْروفُ عَكْسُ المنْكَرِ [ الشَيْءُ غيْرُ المألوفِ، وَما لا يَقْيَلُهُ عَقْلٌ أو منْطِقٌ أوْ طَبعٌ]، وَلا يُنْكَرُ تَغَيَّرُ الأحْكام بِتَغَيّر الزمَـانِ عنْ حُذَيْفَةُ بن اليَمانِ رضيَ الله عنه عَنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: [ وَالذي نَفْسي بِيَدِهِ لَتَـأْمُرَنَّ بالمعروف وَلَتَنْهونَ عن المنْكَرِ أوْ لَيوشِكَنَّ الله أنْ يَبْعَثَ عَلَيْكمْ عِقاباً منه ثُمَّ تَدْعونَهُ فَلا يُسْتَجابُ لكمْ][ رواه الترمذي].

 

المحص اختبار سري لا يعلمه إلا الله

 إنّ [ الفَحْص] هو الاختبـار العـلنيّ، ويُظـهر الإنسان أنّه يعمل العملَ الصالح، مثال: الصلاة نفاقاً دون الإيمان بهـا.

بينمـا [ الـمَـحْـص]: هو اختبار سـريّ لا يعلمه إلاّ الله سبحانه، الذي يعلم [ ذات الصدور]، ويعْلَم [ الـنـيّة] من العمَل، لذلك كان آخر الآية الكريمة: ( والله عـليمٌ بذات الصدور )[ آل عمران 154]، فإذا نجح الإنسان في [ الفحْص] فقط، يكون عمله [ حسناً]، أمّـا إذا نجحَ في [ الفـحْـص الـمَـحْص]، عندهـا يكون عمله [ صالحاً] يُصلح حال الفرْد والمجتمع ويُرفع عمله إلى الله سبحانه: ( والعـملُ الصالح يرفعه ) [ فاطر 10].

الأجـل الـمسـمّى والأجـل الـمُـقـضـى:

إنَّ لِكُلِّ إنْسَـانٍ مِنَّـا أجَلَيْـنِ، وَلَيْسَ أجَـلاً واحِـدَاً، فَـإذَا مَـا نَظَـرْنَا في قَوْلِهِ تعالى: ( هُـوَ الـذي خَـلَـقَـكُـمْ مِـنْ طِـينٍ ثُـمَّ قَـضَـى أجِـلاً وَأجَـلٌ مُـسَـمَّـى عِـنْدَهُ )[ الأنعام 2]، فالأجَلُ أجَـلاَنِ: [ أجَلٌ مُقْضَى] يَذْهَبُ فيهِ الإنْسَانُ بِشَكْلٍ سَريعٍ مِثْلَ الحَوادِثِ وَالكَوارِثِ أوِ القَتْلِ مَثَلاً، وَ[ أجَلٌ مُسَمَّى] يَذْهَبُ فيهِ الإنْسَانُ حَتْمَاً في نِهَايَةِ عُمْرِهِ، وَلَيْسَ فيهِ أيُّ تَقْديْمٍ أوْ تَأْخيرٍ: ( وَمَـا مُـحَـمَّـدٌ إلاَّ رَسُـولٌ قَـدْ خَـلَـتْ مِـنْ قَبْلِـهِ الـرُسُـلُ أَفَإنْ مَـاتَ أوْ قُتِلَ )[ آل عمران 144]، مَـاتَ: بالأجَلِ المُسَمّى، أوْ قُتِلَ: بالأجَلِ المُقْضى في أيِّ وَقْتٍ كَانَ، حَيْثُ كَانَ نَصِيبُ الكَثيرِ مِنَ الأنبياءِ الكِرامِ القَتْلُ [ الأجَلُ المُقْضَى]، ( وَيَقْتُلُـونَ الأنْبِيَاءَ بِغَـيْرِ الـحَـقِّ )[ آل عمران 112]، وقوله: ( بِغَـيْرِ الـحَـقِّ) تُظْهرُ أنّ في القتل لا يكون عُمر الإنسان منتهياً، وَالآيَةُ الكريْمَةُ التاليَةُ تَزيدُ الأمْرَ وُضُوحَاً أكْثَرَ: (وَلَـوْلاَ كَـلِـمَـةٌ سَـبَقَتْ مِـنْ رَبِّكَ إلـى أجَـلٍ مُـسَـمَّـى لَـقُضِـيَ بَيْنَهُـمْ )[ الشورى 14]، وَكَذَلِكَ: ( وَرَبُّكَ الـغَـفُـورُ ذُو الـرَحْـمَـةِ لـوْ يُؤاخِـذُهُـمْ بِمَـا كَـسَـبُوا لَـعَـجَّـلَ لـهُـمُ الـعَـذَابَ بَلْ لَـهُـمْ مَـوْعِـدٌ لَـنْ يَجِـدوا مِـنْ دُونِهِ مَـوْئـِلاً )[ الكهف 58]، عَـجَّـلَ لـهُـمُ الـعَـذَابَ: بالأجَلِ المُقْضى، لَـهُـمْ مَـوْعِـدٌ: الأجَلُ المُسَمّى، أيْ: ( وَلَـوْ يُؤاخِـذُ اللَّـهُ الـنَاسَ بِمَـا كَـسَـبوا مَـا تَرَكَ عَـلـى ظَـهْـرِهَـا مِـنْ دَابَّةٍ وَلَـكِـنْ يُؤَخِّـرُهُـمْ إلـى أجَـلٍ مُـسَـمَّـى) [ فاطر 45]، أي إزالَةِ كلّ أشْكالِ الحياةِ بالأجَلِ المُقْضى، لأنّ الأجَلُ المُسَمّى لَيْسَ فيهِ تَأخيرٌ.

فَالأجَلُ المُقْضَى يُمْكِنُ تَأجيلُهُ حَتَّى الأجَلِ المُسَمَّى حَيْثُ لاَ تَقْديمٌ وَلاَ تَأْخيرٌ وَلَوْ لِسَـاعَةٍ واحِـدَةٍ: (وَلَـوْ يُؤاخِـذُ اللَّـهُ الـنَاسَ بِظُـلْـمِهِـمْ مَـا تَرَكَ عَـلـيْهَـا مِـنْ دَابَّةٍ وَلَـكِـنْ يُؤَخِّـرُهُـمْ إلـى أجَـلٍ مُـسَـمَّـىً فَإذا جَـاءَ أجَـلُـهُـمْ لاَ يَسْـتَأخِـرونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْـتَقْـدِمُـونَ) [ النحل 61]، (وَلِـكُـلِّ أُمَّـةٍ أجَـلٌ فَإذا جَـاءَ أجَـلُـهُـمْ لاَ يَسْـتَأخِـرونَ سَاعَـةً وَلاَ يَسْـتَقْـدِمُـونَ )[ الأعراف 34]، ( لِـكُـلِّ أُمَّـةٍ أجَـلٌ إذا جَـاءَ أجَـلُـهُـمْ فَـلا يَسْـتَأْخِـرونَ سَـاعَـةً وَلاَ يَسْـتَقْـدِمُـونَ )[ يونس 49]، فالأجَـلُ المُسَـمَّى لاَ تَقْديْمَ فيهِ وَلاَ تَأْخيرَ، فقد قَدَّمَ التَأْخيرُ ( يَسْتَأخِرونَ ) وَأخَّرَ التَقْديمُ ( يَسْتَقْدِمُونَ )، وَذَلِكَ لِحَسْمِ المَوْضُوعِ حَيْثُ لاَ تَقْديمٌ وَلاَ تأْخيرٌ في الأجَلِ المُسَمّى.

( وَلَـئـِنْ أخَّـرْنَا عَـنْهُـمُ الـعَـذَابَ إلـى أُمَّـةٍ مَـعْـدُودَةٍ )[ هود 8]، ( وَلَـنْ يُؤَخِّـرَ اللّـهُ نَفْسَاً إذَا جَـاءَ أجَلُـهَـا )[ المنافقون 11]، ( وَمَا كَانَ لِـنَفْسٍ أنْ تَمُـوتَ إلاَّ بِإذْنِ رَبِّهَـا كِـتَابَاً مُـؤَجَّـلاً )[ آل عمران 145]، إذاً: تَمُـوتَ وَليْسَ تُقْتَلُ لأنَّ اللّهَ لاَ يَأْذَنُ بِقَتْلِ أحَدٍ، ( لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ )[ الرعد 38] وَالكِتَابُ: هُوَ مَجْمُوعَةُ العَوامِلِ وَالأسْبَابِ التي تُنْهي الحَيَاةَ، مِثْلَ الحَوادِثِ وَالمَرَضُ المُميتُ وَالشَيْخوخَةِ وَالقَتْلُ...، فإذَا وَقَعَتْ هَذِهِ العَوامِلُ ( الكِتَابُ ) انْتهى الأجَلُ وَحَصَلَ الحَسْمُ، وَيَعْمَلُ الطُبُّ وَالإسْعَافَاتُ عَلى وَقْفِ وَتَأْخيرِ هَذِهِ العَوامِلَ، لِمَنْعِ الأجَلِ المُقْضى وَرَفْعِ مُعَدَّلِ الأعْمَارِ [ في الدُوَلِ المُتَقَدِّمَةِ]، وَلِكِنَّهُ لاَ يَمْنَعُ في النِهَايَةِ الأجَلَ المُسَمّى.

(خـلَـقَـكُـم مـن نفـس واحـدة) [النساء 1]:

مِنْ بَعْدِ تكْوينِ آدَمَ مِنَ الطينِ، خُلِقَتْ زَوْجَتُهُ حَـوّاءَ مِنهُ في أوَّلِ عَمَليّةِ اسْتِنْسَاخٍ في الجنسِ البشريِّ، لِيَتَزَوّجَهَـا: (خَـلَـقَـكُـمْ مِـنْ نَفْـسٍ وَاحِدَةٍ وَخَـلَـقَ مِنْهَـا زَوْجَهَـا) [ النساء1]، ثُمّ وَبَعْدَ فَتْرَةٍ غَيْرِ مَعْروفَةٍ أمِرَ اللهُ سبحانَهُ الملائِكَةَ بِتَحيّةِ آدَمَ [السجودَ لآدَمَ]، فَنَفّذَ جميعُ الملائِكَةِ الأَمْرَ، مَـا عَدا إبليسَ الجنّيَ، الذي كانَ قَدْ حَشَرَ نَفْسَهُ بينَ الملائِكَةِ، مُحاوِلاً عِبادَةَ اللهِ مِثْلَهُمْ: (وَإذْ قُلْـنَا لِلـمَـلائـِكَـةِ اسْجُـدوا لآدَمَ فَسَـجَـدوا إلاَّ إبْلـيسَ كـانَ مِـنَ الجِـنِّ)[الكهف 50].

ثُمَّ أسْكَنَ اللهُ سُبْحانَهُ آدَمَ وَزَوجَتَـهُ في الجَنّـةِ الأرْضيّةِ، وَأمَرَهُما عَدَمَ الأكْلِ مِنْ إحْدى الأشْجَارِ: (وَقُلْـنَا يا آدَمُ اسْـكُـنْ أنْتَ وَزَوْجُـكَ الـجَـنَّةَ وَكُـلاَ حَـيْثُ شِـئْـتُمَـا مِـنْهَـا رَغَـداً وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الـشَـجَـرِة َ فَتَكُـونَا مِـنَ الـظَـالِـمِـينَ )[ البقرة 35]

فَتَدَخّلَ إبْليسُ، وَغَرَّرَ بِهِمَا بَعْدَ أنْ أقْسَمَ كاذِباً: (وَقَاسَـمَـهُـمَـا إنّي لَـكُـمَـا مِـنَ الـنَاصِـحـينَ فَدَلاّ هُـمَـا بِغُـرُورٍ )[ الأعراف 21]، غَرّرَ بِهِما، فَلَمْ يخْطُرْ بِبالِ آدَمَ أنّ أحداً يُقْسِمُ باللهِ كَذِباً، فأكَلاَ مِنَ الشَجَرَةِ: (فَلَـمَّـا ذاقَا الـشَجَـرَةَ بَدَتْ لَهُـمَا سَـوْآتُهُـمَـا) [الأعراف 22]، فَحَقّقَ إبْليسُ الشَيْطانُ بِذَلِكَ هدفه، وَكانَ الخُروجُ مِنَ الجَنّةِ الأَرْضيّةِ التي كانَتْ تُؤَمِّنُ لآدَمَ حاجيّاتِهِ الأَسَاسيّةِ، فَبَـدَأَ كِفاحَهُ وَشَقاءَهُ مِنْ أَجْلِ العَيْشِ: (فـَقُـلْـنَا يَا آدَمُ إنَّ هَـذا عَـدوٌّ لَـكَ وَلـزَوْجِـكَ فَـلاَ يُخْـرِجَـنَّكُـمـَا مِـنَ الـجَـنَّةِ فَـتَشْـقى)[ طه 117]، وَكانَ ذَلِك سَبَباً لِدَبِّ النِزاعَاتِ بَيْنَ البَشَـرِ: (بَعْـضُـكُـمْ لِـبَعْـضٍ عَـدُوٌّ) [ البقرة 36].

كُلُّ هَذا والله أعلم.

Email