جـَاءكُم منَ الله نـُور

ت + ت - الحجم الطبيعي

لقد فطر الله سبحانه الناس وبرمجهم على طريق الجنّة، وهو طريقٌ سهلٌ وليس صعباً ومعقّداً: «يريد اللـه أن يخـفّـف عـنكـم وخُـلـق الإنسـان ضـعـيفاً» [النساء 28]، «مـا جـعـل عـلـيكـم فـي الـدين مـن حرجٍ مـلّـة أبيكم إبراهـيم هـو سـمّـاكـم الـمـسـلـمـين مـن قبل» [الحج 78]، «يريد اللـّه بكـم الـيـسـر ولا يريد بكـم الـعـسـر» [البقرة 185].

وقد رفع الله الإصر أي العهـد الثقيل عن المسلمين، والذي كان على الذين من قبلهم: «ربّنا ولا تـحـمـل عـلـيـنا إصــراً كـمـا حـمـلـته عـلـى الـذين مـن قـبـلـنا» [البقرة 286]، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلّم ، هو الذي رفع برسالته هذا الإصـر: «ويضـع عـنهـم إصـرهـم والأغـلال» [الأعراف 157]، «سـيجـعـل اللّـه بعـد عـسـرٍ يسـراً» [الطلاق 7].

العـبـادة الصـامتة

حتّى إنّ العبادة الصامتة هي أرقى أنـواع العبـادة «ولا تجـهـر بصـلاتك ولا تخـافـت بهـا وابتغ بين ذلـك سـبيلاً» [الإسراء 110]، «واذكـر ربّـك فـي نفـسـك تضـرّعـاً وخـيفـةً ودون الـجـهـر مـن الـقـول» [الأعراف 205]، والدعاء الصامت هو أرقى أنواع الأدعية وأصدقها وأقربها للإجابـة: «ادعـوا ربّـكـم تضـرّعـاً وخـفيـةً» [الأعراف 55].

وزكريا عليه السلام: «إذ نادى ربّه نداءً خـفـيّاً» [ مريم 3]، وكانت آيته الصمت: «قال آيتك ألاّ تكـلّـم الـناس ثـلاث لـيـالٍ سـويّاً» [مريم 10]، والصوت العالي في الحديث يحبط الأعمال ويضيع الطاقة: «لا ترفعـوا أصـواتكـم فوق صـوت الـنبيّ ولا تجـهـروا لـه بالـقول... أن تحـبط أعـمـالـكم وأنتـم لا تشـعـرون» [الحجرات 2].

خـاتـمـة الـمـعـجـزات

كانت خاتمة المعجزات هي الكتـاب «القرآن الكريم»، لأنّ المعجزات المرئيّـة والحسيّة، لم تـأت إلاّ لإثبـات صدق الرسل الكرام في وقتها فقط، أمّـا الكتـاب أي القرآن الكريم بشكلٍ خاصٍّ، فقد وجـد من أجل إحـداث تطوّرٍ إيجـابيٍّ في القيم والمفاهيم، وإحـداث نهضـةٍ شـاملةٍ، حيث:

النهضـة هي النهوض المسـتمرّ في أسـلوب التفكير والمنطق وتحليل الأمور وإظهارها، دون خرافاتٍ أو شطحاتٍ أو خللٍ منطقيٍّ، وهل تعريف الفلسفة «أمّ العلوم»، إلاّ أنّها: فـنّ إظهار المفاهيم، لذلك: «الـحـمـد للّـه الـذي أنزل عـلـى عـبده الـكـتاب» [الكهف1]، كإشارةٍ واضحةٍ لهذه الأمّة، أن تهتمّ بصناعة واقتناء الكتاب: «الـحـمـد للّـه الـذي هـدانا لـهـذا» [الأعراف 43].

الـفـرح والـفرحين

جاءت كلمة «الفرح» في القرآن الكريم للدلالة على معنيين مختلفين، أوّلهما (الترف والبطر): «إنّ قارون كـان مـن قـوم مـوسـى فبغـى عـلـيهـم.. إذ قال لـه قومـه لا تفـرح إنّ اللّـه لا يحـبّ الـفـرحـين» [القصص 76]، «فتحـنا عـلـيهـم أبواب كـلّ شـيءٍ حـتّى إذا فرحـوا بمـا أوتوا أخـذناهـم بغـتةً» [الأنعام 44]، والمعنى الثاني هـو: [السرور والسعادة]:

«الـذين آتيناهـم الـكـتاب يفرحـون بمـا أنزل إلـيك» [الرعد 36]، «فرحـين بمـا آتاهـم اللّـه مـن فضـلـه» [آل عمران 170]، «قل بفضـل اللّـه وبرحـمـته فبذلـك فلـيفرحـوا» [يونس 58]، ففي أيام العـيد يجب أن يعمّ الفـرح الجميع، وأن نفـرح لفـرح الآخـرين، فاللّـه من فضله وكرمه، لا يريد للمؤمن غير الفرح والسرور، في جميع المراحل التي يمرّ بهـا: «قل بفضـل اللّـه وبرحـمـته فـبذلـك فلـيفرحـوا» [يونس 58].

الشـخـصـية

هي الآليّة المتحكّمة في التفاعلات الحركيّة والنفسيّة، فهي مجموعة النظم «البرمجيّات» الخاصّة بكلّ إنسانٍ، وهي التي تميّز وبكلّ دقّـةٍ، بين إنسـانٍ وآخر «انظـر كـيف فضّـلـنا بعـضـهـم عـلـى بعـضٍ» [الإسراء 21]، وقد سمّاها القرآن ذات الصـدور: «وأسِـرّوا قولـكـم أو اجـهـروا به إنّه عـلـيمٌ بـذات الـصـدور» [الملك 13]، والشـخصيّة هي مركز التربّـص:

«قل كـلٌّ مـتربّصٌ فـتربّصـوا فسـتعـلـمـون مـن أصـحـاب الـصـراط الـسـويّ» [طـه 135]، فالغادر يتربّص ليطعن من الخلف، والطيّب يتربّص لفعل الخير: «قل كـلٌّ يعـمـل عـلـى شـاكـلته» [الإسراء 84]، وبرمجيّات الشخصيّة هي صراعٌ بين الخير والشرّ «بين برمجة الحاسوب والفيروس»، وإذا ما اختلطت البرمجيّات الشخصيّة، يحدث انفصام الشخصيّة: «مـذبذبين بين ذلك لا إلـى هـؤلاء ولا إلـى هـؤلاء» [النساء 143].

الأرواحـيّـة

هي الحقيقـة التي أكّدها القرآن الكريم، بأنّ لكلّ مـا في الكون «وحـتّى الكون ذاتـه» نفساً عاقلةً وشـعوراً، وأنّه يسبّح بل ويسجد على طريقتـه للّـه الذي خـلق كلّ شـيءٍ: «ســبّح للّـه مـا فـي الــسـمـاوات ومـا فـي الأرض» [الحديد 1]، «وإن مـن شـيءٍ إلاّ يسـبّح بحـمـده ولـكـن لا تفـقـهـون تسـبيحـهـم»[الإسراء 44]، «أفغـير دين اللّـه يبغـون ولـه أسـلـم مـن فـي الــسـمـاوات والأرض» [آل عمران 83]، «ألـم تر أنّ اللّـه يسـجـد لـه مـن فـي الــسـمـاوات ومـن فـي الأرض والـشـمـس والـقـمـر والـنـجـوم والـجـبال والـشـجـر والـدوابّ وكـثـيـرٌ مـن الـناس» [الحج 18]..

وهذه الوحـدة في العقيدة الإسلاميّة والسجود والتسبيح، مـا بين الإنسـان والكون، تجعل الإنسان كونيّاً مثلما أنّ الكون إنسانيٌّ، على عكس ما قاله فلاسفة الغرب مثل روستان الذي يرى أنّ الإنسـان يسعى ليبتعد عن أن يكون كونيّاً، بقدر ابتعاد الكون عن أن يكون إنسانيّاً، فالإنسان لا يمكنه الانفصال عن الكون الذي يعيش فيه:

«سـخّـر لـكـم مـا فـي الــسـمـاوات ومـا فـي الأرض جـمـيعـاً مـنه» [الجاثية 13]، ولا يمكن تسخير شيءٍ لأحدٍ لا يعرف التفاعل ولا كيفيّة التعامل معه، فمثلاً: لا يمكن تسخير مكتبةٍ لشخصٍ غير قارئ، إذاً يمكن للإنسان أن يستفيد ويتفاعل مع كلّ ما في السماوات وما في الأرض.

أسـاس الإسـلام

إنّ شهادة «لا إلـه إلاّ اللّـه» هي أساس إسلام الإنسان، ومن دونها يكون الإنسان مشركاً، وهي شـهادةٌ يشهدها المسـلم على أنّـه لا يوجد في الوجود كلّه إله آخـر، ولو كان لديه كونٌ آخـر يخصّه دون كوننـا وإلهـنا، فالمسلم لا يشـهد فقط أنّ إلهـنا الذي يدير كوننـا واحـدٌ لا شريك لـه، ولكنّـه يشـهد أنّـه لا يوجـد إلهـ آخـر يدير كونـاً آخر، ونحن العاجـزون تمـاماً عن الوصول لنهـاية الوجود من كلّ الجهـات، لنرى إن كان هنـاك إلـهاً آخـر ويدير كونـاً آخر أم لا، والجـواب هو: من الوحـيد القادر على الوصول إلى مـا لا نهـاية، وفي كلّ الجهـات، ليرى إن كان هناك إلهـاً آخـر أم لا، إنّـه اللّـه وحده، حيث:

«اللّـه أكـبر اللّـه أكـبر»، لذلك فإنّ اللّه وحده، يعلم هذه الحقيقة بأنّـه لا يوجد في الوجود إلهٌ سواه، فكان أوّل من شـهد بذلك: «شـهـد اللّـه أنّه لا إلـه إلاّ هـو والـمـلائـكـة وأولـوا الـعـلـم قائـمـاً بالـقسـط» [آل عمران 18]، إذاً نحن نشـهد على شـهادة اللّـه بأنّـه: «لا إلـه إلاّ اللّـه»، ولمّـا وصلتنـا هذه الحقيقة عن طريق الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلّم، فلا بـدّ من إتمـام الشـهادة بالاعتراف بـه رسـولاً من عند اللّه، فكانت الشهادّة التـامّة: «أشـهد أن لا إله إلاّ اللّه وأشهد أنّ محمّداً رسول اللّه»، والملاحظ أنّ جميع حروف هذه العبارة لا تحتوي نقاط، أي: حروف غير منقّطـة، وتسمىّ غير معلّمة.

Email