الشيطانُ يَعِدُكُمُ الفَقْر

ت + ت - الحجم الطبيعي

ونَحْنُ في العَـشْـرِ الأواخـر من رمضـان، وهي أيّامُ التقـرّب منَ الله تعالى، عـليْـنـا معـرفة خـطوات الشيْطان، كيْ نبتعـد عنهـا ونتجنّبَـهـا، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَـا الـنَاسُ كُـلُـوا مِـمَّـا فـي الأَرْضِ حَـلاَلاً طَـيِّبَاً وَ لاَ تَتَّبِعُـوا خُـطُـواتِ الـشَـيْطَـانِ) [البقرة 128]، نجدُ أنّ الخطابَ هنـا لكلّ الناس، وخاصّةً عَدَم اتّباع خطوات الشيطان في الطـعام والشراب.

(وَمَـنْ يَتَّبِعْ خُـطُـواتِ الـشَـيْطَـانِ فَإنَّهُ يَأْمُـرُ بالـفَحْـشَـاءِ وَالـمُـنْـكَـرِ) [النـور 21]، (وَلاَ تَتَّبِعُـوا خُـطُـواتِ الـشَـيْطَـانِ إنَّهُ لَـكُـمْ عَـدُوٌّ مُـبينٌ إنَّمَـا يَأْمُـرُكُـمْ بالــسُــوءِ وَالـفَحْـشَـاءِ) [البقرة 169]، وَالسَـبَبُ: (إنَّ الـشَـيْطَـانَ كَـانَ للـرَحْـمَـنِ عَـصِـيّاً) [مريم 44].

أسـاليب الـشـيطـان:

النَــزْغُ: وَهُوَ وَسْـوَسَـةٌ خَطِرَةٌ تُوصِلُ لِلشَـكِّ في العَقِـيدَةِ: (وَإمَّـا يَنْزَغَـنَّـكَ مِـنَ الـشَـيْطَـانِ نـَزْغٌ فَـاسْــتَعِـذْ بِاللّـهِ) [الأعراف 200]، وَقَالَ صلى الله عليه وسلّم: (يَأْتي الشَيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولَ : مَنْ خَلَقَ كَذَا مَنْ خَلَقَ كَذَا، حَتّى يَقُولُ مَنْ خَلَقَ رَبُّكَ؟ فَإذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ باللهِ) [رواه البخاري، وَمُسْلم في الإيمان عن أبي هُريرة]، وَ هُوَ أَيْضَاً إفْسَـادُ العَلاَقَـاتِ، يَقُولُ يُوسُفَ عليه السلام: (مِـنْ بَعْـدِ أَنْ نَزَغَ الـشَـيْطَـانُ بَيْني وَ بَيْنَ إخْـوَتي) [يوسف 100].

الـهَمْـزُ: وَهُوَ وَضْعُ الإنْسَانِ بِحَالَةٍ مِنَ التَهَوُّرِ وَالغَضَبِ لأَدْنى سَبَبٍ [الإنسَانُ العَصَبيّ]، (وَقُلْ رَبِّ أَعُـوذُ بِكَ مِـنْ هَـمَـزاتِ الـشَـياطِـينِ) [المؤمنون 97].

الحُضُـورُ: وَمَا يُرافِقُ ذَلِكَ مِنْ تَدَخُّلٍ وَمُشَارَكَةٍ في قَراراتِ الإنْسَانِ كَافَّةً، لِتَكُونَ في الوَضْعِ الأَسْـوَأ، جَالِبَةً عليْهِ المَصَـائِبَ (وَأَعُـوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْـضُـرون) [المؤمنون 97].

الـمَسّ: وَهُوَ مَـا يَجْعَلُ الإنْسَانَ بِحَالَةِ تَخَبُّطٍ وَعَـدَمِ اسْتـِقْرارٍ، لاَ يَدْري مَـاذَا وَكَيْفَ يَعْمَلُ الأَشْـيَاءَ: (يَتَخَـبَّطُـهُ الـشَـيْطَـانُ مِـنَ الـمَـسّ) [البقرة 275].

الوَحـي: عَلى شَـكْلِ وَسْـوَسَـةٍ في التَفْكَيـرِ: (وَإنَّ الـشَـيَاطِـينَ لَــيُوحُـونَ إلـى أَوْلِـيَائِهِـمْ ) [الأنعام 121]، (شَـيَاطِـينَ الإنْـسِ وَالـجِـنِّ يُوحِـي بَعْـضُـهُـمْ إلـى بَعْـضٍ زُخْـرُفَ الـقَـوْلِ غُـروراً) [الأنعام 112]، (لاَ يُحِـبُّ اللّـهُ الـجَـهْـرَ بالـسُـوءِ مـِنَ الـقَـوْلِ إلاَّ مَـنْ ظُـلِـمَ) [النساء 148] .

الطَـائِفُ: وَهُوَ أَحَدُ أَشْكَالِ التَلاَعُبِ بالذَاكِرَةِ وَنِسْيَانِ المَعَلُومَاتِ النَافِعَةِ (إنَّ الـذينَ اتَّقَوْا إذَا مَـسَّـهُـمْ طَـائِفٌ مِـنَ الـشَـيْطَـانِ تَذَكَّـروا فَإذَا هُـمْ مُـبْصِـرونَ) [الأعراف 201]، نُلاَحِظُ أَنَّ كَلِمَةَ [مُبْصِرونَ] جَاءَتْ بالصِيغَةِ الاسْميَّةِ: [مُبْصِرٌ]، لِلْدَلاَلَةِ عَلى أَنَّ الإبْصَارِ صِفَةٌ دَائِمَةٌ عِنْدَ الذينَ اتَّقَوْا، وَطَائِفُ الشَيْطَانِ عَرَضِيٌّ عِنْدَهُمْ .

الأَزّ: وَهُوَ التَحْريضُ بِإصْـرارٍ عَلى الكُفْرِ، وَالاسْـِتمْرارِ بِـهِ، عِقابَـاً مِنَ اللّهِ لِلكَافرينَ: (إنَّا أَرْسَـلْـنَا الـشَـيَاطِـينَ عَـلـى الـكَـافِرينَ تَؤُزُّهُـمْ أَزَّاً) [مريم 83].

الاسْتِهْواءُ: وَهُوَ التَحْريضُ عَلى الشَـهَواتِ، بِكَل أَشْكَالِهَا وَأَنْواعِهَـا وَصُوَرِهَـا وَأَمَاكِنِهَا: (كَـالَّـذي اسْـتَهْـوَتْهُ الـشَـيَاطِـينُ فـي الأَرْضِ) [الأنعام 77]، بِحَيْثُ تُصْبِحُ الشَهَواتُ هَوى الإنْسَـانِ: (أَفَرَأيْتَ مَـنِ اتَّخَـذَ إلـهَـهُ هَـواهُ وَ أَضَـلَّـهُ اللَّـهُ عَـلـى عِـلْـمٍ) [الجاثية 123]، (أَغْـفَـلْـنَا قَلْـبَهُ عَـنْ ذِكْـرِنَا وَاتَّبَعَ هَـواهُ وَ كَـانَ أَمْـرُهُ فُرُطَـاً) [الكهف 28]، (وَ لاَ تَتَّبِعِ الـهَـوى فَيُضِـلُّـكَ) [ص 26].

التَلْبيس: وَ هُوَ تَغْيْيـرُ المُسَـمَّيَاتِ، مِثْلَ تَسْـمِيَةِ الخَمْـرِ: [مَشْـروبَاتٌ رُوحِيَّـةٌ].

التَسْويفُ : تَـأْخِـيرُ التَوْبَـةِ للمُسْـتَقْبَلِ وَالاسْـتِمْرارُ في المَعَـاصي مَعَ أمَلِ العَيْشِ طَويلاً.

التَزْيـينُ : بِحَيْثُ تَبْدُو المَعَـاصي وَكَأَنَهَا أَعْمَالٌ صَـالِحَةٌ: (أَفَمَـنْ زُيِّنَ لَـهُ سُـوءُ عَـمَـلِـهِ فَـرَآهُ حَـسَـنَاً) [فاطر 8]، وَهَذَا التَزْيْينُ مِنْ شَيْطَانِ الجِنِّ [إبْليس]: (قَالَ رَبِّ بِمَـا أَغْـوَيْتَني لأُزَيِّـنَنَّ لَـهُـمْ فـي الأَرْضِ) [الحجر 39]، (وَزَيَّنَ لَـهُـمُ الـشَـيْطَـانُ أَعْـمَـالَـهُـمْ فَصَـدَّهُـمْ عَـنِ الـسَبيلِ فَهُـمْ لاَ يَهْتَدُونَ) [النمل 24]، (زُيِّنَ لَـهُـمْ سُـوءُ أعْـمَـالِـهِـمْ وَاللّـهُ لاَ يَهْـدي الـقَـوْمَ الـكَـافِرينَ) [التوبة 37 ]، (زُيِّنَ لِلَّـذِينَ كَـفَروا الـحَـيَاةَ الـدُنْيَا وَ يَسْـخَـرونَ مِـنَ الـذينَ آمَـنُوا) [البقرة 213]، (بَلْ زُيِّنَ لِلَّـذِينَ كَـفَروا مَـكْـرُهُـمْ وَصُـدُّوا عَـنِ الـسَـبيلِ) [الرعد 33]، ( كَـذَلِـكَ زُيِّنَ لِلْـكَـافِرينَ مَـا كَـانُوا يَعْـمَـلُـونَ) [الأنعام 122].

الكَسَلُ : وَ هُوَ مَا سمّاهُ القُرْآنُ الكَريمُ : [الرُجْـزَ]، وَيَأْتي أَكْثَرَ مَا يَأْتي مَعَ النَوْمِ، فَقَدْ قَالَ صلى الله عليه و سلّم: [يَعْقِدُ الشَيْطَانُ عَلى رَأْسِ أَحَدِكُمْ ثَـلاَثَ عُقَـدٍ إذَا نَـامَ، بِكُلِّ عُقْدَةٍ يَضْرِبُ عَلَيْكَ لَيْـلاً طَويلاً، فَإذَا اسْـتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللّـهَ عَزَّ وَ جَلَّ انْحَلَّتْ عُقْـدَةٌ، وَ إذَا تَوَضَّـأَ انْحَلّتْ عُقْـدَتَانِ، فَإذَا صَـلّى انْحَلَّتِ العُقَدُ فَأَصْبَحَ نَشيطَاً طَيِّبَ النَفْسِ وَإلاَّ أَصْبَحَ خَبيثَ النَفْسِ كَسْلاَنِ] [رواه البخاري في التهجد]، وَفي اليَوْمِ الأَوَّلِ لِلْدَعْوَةِ، طَالَبَ اللّهُ سُبْحَانَهُ رَسُولَهُ الكَريمَ بِهَجْرِ الرُجْـزِ ليَكُونَ نَشِـيطاً: (يَا أَيُّهَـا الـمُـدَّثِّرْ... وَالـرُجْـزَ فَاهْـجُـرْ) [المدّثر 1/ 5 ]، وَ كَانَ مِنْ أَدْعِيَتِهِ صلى الله عليه وسلّم: [اللّهُمَّ إنَّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الكَسَـلِ وَالهَـرَمِ وَالمَأْثَمِ وَالمَغْـرَمِ] [رواه البخَـاري في الدعوات، ومُسْلم في المساجد، عن عائِشَـة رضي الله عنها].

وَافْعَـلِ الخَيْـرَ وَلاَ تَكْسَـلْ فَمَـا أَبْعَدَ الخَـيْرِ عَلى أَهْــلِ الكَسَـلْ

لاَ تَقُـلْ: قَـدْ ذَهَـبَتْ أَيَّـامُـهُ كُلُّ مَنْ سَارَ عَلى الدَرْبِ وَصَـلْ

لَيْـسَ مَنْ يَقْطَـعُ طُرُقَـاً بَطَـلاً إنَّمَـا مَنْ يَتَّـقي اللّـهَ البَطَـلْ

وَالتَـوَكُّلُ عَلى اللّهِ بَعْدَ الإيْمَـانِ بِـهِ، يَـقي الإنْسَانَ مِنْ رِجْزِ الشَيْطَانِ :(إنَّهُ لَـيْسَ لَـهُ سُـلْـطَـانٌ عَـلـى الـذينَ آمَـنُوا وَعَـلـى رَبِّهِـمْ يَتَوَكَّـلُـونَ) [النحل 99].

أتْــبــاعُ إبلـيـس:

البعِيـدونَ عَنْ كِتَـابِ اللّـهِ: (وَمَـنْ يَعْـشُ عَـنْ ذِكْـرِ الـرَحْـمَـنِ نُقَيِّضْ لَـهُ شَـيْطَـانَاً فَهُـوَ لَـهُ قَرينٌ) [الزخرف 36]، (وَمَـنْ يَكُـنِ الـشَـيْطَـانُ لَـهُ قَرينَاً فَسَـاءَ قَرينَـاً) [ النساء 38 ]، (وَاتْلُ عَـلَـيْهِـمْ نَبَأَ الـذي آتَيْناهُ آياتِنَا فَانْسَـلَخَ مِـنْهَـا فَأتْبَعَـهُ الـشَيْطَـانُ فَـكَـانَ مِـنَ الـغَـاوينَ) [الأعراف 175]

المُجَـادِلُونَ في اللّـهِ:

(وَمِـنَ الـنَاسِ مَـنْ يُجَـادِلُ فـي اللّـهِ بِغَـيْرِ عَـلْـمٍ وَ يَتَّبِـعُ كُـلَّ شَـيْطَـانٍ مَـريْدٍ) [الحـج 3]، وَهَذَا الجَدَلُ [وَ لَيْسَ الحِوارُ] يَكُونُ بِإيْحَاءٍ شَـيْطَانيّ: (وَإنَّ الـشَـيَاطِـينَ لَـيُوحُـونَ إلـى أَوْلِـيَائِـهِـمْ لِــيُجَـادِلُـوكُـمْ) [الأنعام 121]، وَهُمُ الرَافِضُونَ لِحَقيقَةِ وُجُوُدِ الإلَـهِ، وَيَقُولُونَ أَنَّ [الطَبيعَةَ] هِيَ التي أَوْجَدَتِ الحَيَاةَ وَطَوَّرَتْهَا [التَـطَوُّرُ الطبيعيّ]، وَهَذَا القَوْلُ لَيْسَ لَـهُ مُسْـتَنَدٌ عِلْميٌّ، لِذَلِكَ قَالَ تعالى: [بِغَيْرِ عِلْـمٍ]: (إنَّ الـذينَ يُجَـادِلُـونَ فِـي آيَاتِ اللّـهِ بِغَـيْرِ سُـلْـطَـانٍ أتَاهُـمْ إنْ فـي صُـدُورِهِـمْ إلاَّ كِـبْرٌ مَـا هُـمْ بِبَالِـغِـيْهِ) [غافر 56]، (وَ يُجَـادِلُ الـذينَ كَـفَروا بِالـبَاطِـلِ لِـيَدْحَـضُـوا بِهِ الـحَـقّ) [الكهف 56]، (حَـتَّى إذَا جَـاؤوكَ يُجَـادِلُـونَـكَ) [الأنعام 25]، وَالجَـدَلُ: هُوَ النِقَـاشُ مَعَ الرَفْضِ المُسْـبَقِ لأَفْكَارِ الآخَرِ.

الكَـافِرونَ :

(كَـمَـثَلِ الـشَـيْطَـانِ إِذْ قَالَ لِـلإنْسَـانِ اكْـفُـرْ فَلَـمَّـا كَـفَرَ قَالَ إنِّـي بَريْءٌ مِـنْكَ إنِّي أَخَـافُ اللّـهَ رَبَّ الـعَـالَـمِـينَ) [الحشر 16]، (وَقَالَ الـذينَ كَـفَروا رَبَّنَا أَرِنَا اللّـذيْنِ أَضَـلاّنَـا مِـنَ الـجِـنِّ وَالإنْـسِ نَجْـعَـلْـهُـمَـا تَحْـتَ أَقْـدَامِـنا لِـيَكُـونَا مِـنَ الأَسْـفَلـينَ) [فصلت 29].

الـمُبـَذِّرونَ:

وَهُمُ الـذينَ يُنْفِقُـونَ أمْوالَهُـمْ في المَعَـاصي، وَهَؤلاَءِ هُمْ إخْـوانُ الشَـياطينِ: (إنَّ الـمُـبَذِّرينَ كَـانُوا إخْـوانَ الـشَـيَاطِـينِ وَ كَـانَ الـشَـيْطَـانُ لِـرَبِّهِ كَـفُوراً) [الإسـراء 27]، (وَإخْـوانُهُـمْ يَمُـدُّونَهُـمْ في الـغَـيِّ ثُـمَّ لاَ يُقْصِـرونَ) [الأعراف 202]، وَ نِهَايَةُ المُبَذِّرينَ الفَقْـرُ: (الـشَـيْطَـانُ يَعِـدُكُـمُ الـفَـقْـرُ) [البقرة 268]، بَيْنَمَا المُسْرِفُونَ: هُمُ الذينَ يُنْفِقُونَ أمْوالَهُمْ بِلا حِسَابٍ وَلَكِنْ في غَيْرِ المُحَرَّمَـاتِ: (وَلاَ تَجْـعَـلْ يَدَكَ مَـغْـلُـولَـةً إلـى عُـنُقِـكَ وَلاَ تَبْسُـطْـهَـا كُـلَّ الـبَسْـطِ فَتَقْـعُـدَ مَـلُـومَـاً مَـحْـسُـوراً) [الإسراء 29]، (وَالـذينَ إذَا أَنْفَقُـوا لَـمْ يُـسْـرِفُوا وَلَـمْ يَقْـتُروا وَكَـانَ بَيْنَ ذَلِـكَ قَـوامَـاً) [الفرقان 67].

Email