.. فاتقوا النار

ت + ت - الحجم الطبيعي

نحنُ الآن في العَـشْـرِ الأواخـرِ من هذا الشـهر المُبـارك، وهذه الأيـام التي قال عنهـا صلى الله عليه وسـلّم إنهـا «عِـتْقٌ مِـنَ النـار»، لذلك سَـنُوضِحُ صـفات النـار الكـبرى، أيْ: جَـهَـنّم ومعنـاهـا البـئـر العـميقة.

صـفات جَـهَـنّم:

إنّهَا صَغيرَةٌ جِدّاً بالنِسْبَةِ إلى الجَنَّةِ التي «عَـرْضُـهَـا كَـعَـرْضِ الـسَـمَـاءِ وَالأَرْضِ» (الحديد: 21)، لِذَلِكَ فَإنَّ جَهَنَّمَ مُتَحَرِّكَة: «وَجِـيءَ يَوْمَـئِـذٍ بِجَـهَـنَّمَ» (الفجر: 23)، «وَعَـرَضْـنَا جَـهَـنَّمَ يَوْمَـئِـذٍ لِلـكَــافِـرينَ عَـرْضــاً» (الكهف: 100)، «وبُرِّزَتِ الـجَـحـيمُ لِـمَـنْ يَرى» (النازعات: 36)، «وَبُرِّزَتِ الـجَـحـيمُ لِلـغَـاوينَ» (الشعراء: 91).

كَمَا أنَّهَـا ضَيّقَـةٌ: «وَإذا أُلْـقُوا مِـنْهَـا مَـكَـانَاً ضَـيِّقَـاً مُـقَـرَّنينَ» (الفرقان: 13)، «يَوْمَ نَقُولُ لِـجَـهَـنَّمَ هَـلِ امْـتَـلأْتِ وَتَـقُـولُ هَـلْ مِـنْ مَـزيـدٍ» (ق: 30)، دَليلُ أنَّها مُمْتَلِئَـة وَمُزْدَحِمَةٌ فِعْـلاً، كَيْ يَزْدَادَ الازدِحـامُ ازْدِحَاماً، وهي لإبليس وأتبـاعه، وهُـمُ الذين سـيمـلؤونهـا: «لأَمْـلأَنَّ جَـهَـنَّـمَ مِـنْكَ وَمِـمَّـنْ تَبِعَـكَ مِـنْهُـمْ أَجْـمَـعـين» (ص: 85)، «لَـمَـنْ تَـبِعَـكَ مِـنْـهُـمْ لأَمْـلأَنَّ جَـهَـنّـمَ مِـنْـكُـمْ أَجْـمَـعـينَ» (الأعراف: 18)، وهي بالدرجة الأولى للكـافرين والمـنافقين: «إنَّ اللَّـهَ جَـامِـعُ الـمُـنافِـقِينَ وَالـكَـافِـرينَ فـي جَـهَـنَّمَ جَـمِـيعـاً» (النساء: 140).

وَهيَ مُغْلَـقَةٌ عَلى مَنْ فيهَا لِمَنْعِ الخُرُوجِ: «عَـلَـيْـهِـمْ نَـارٌ مُـؤْصَـدَةٌ» (البلد: 20) مُغْلَقَةٌ بأعْمِـدةٍ محيطَـةٍ بِهـا «إنَّهَـا عَـلَـيْـهِـمْ مُـؤْصَـدَةٌ فـي عَــمَـدٍ مُـمَـدَّدَةٍ» (الهُمَزة: 8)، قالَ: مُؤْصَـدَةٌ بالضَمِّ، بِصيغَةِ الجُمْلَةِ الاسـميّةِ، للدَلاَلَةِ على دَوامِ الإغْـلاَقِ، فَهُوَ لَيْسَ إغْلاَقَاً مُؤقَّتـَاً، وَيَتُمُّ دُخُولُهَا مِنْ سَـبْعَةِ أبْوابٍ قَبْلَ إغْلاَقِهَـا بِشَكْلٍ كَامِلٍ: «لَـهَـا سَـبْعَـةُ أَبْوابٍ لِـكُـلِّ بَابٍ مِـنْهُـمْ جُـزْءٌ مَـقْـسـُومٌ» (الحجر: 44)، أيْ أنَّ كُلَّ بـَابٍ يُؤدّي إلى نَوْعٍ مُتَمَيِّزٍ مِنَ العَذابِ يَخُصّ ذَنْباً مُعَيَّنـاً وَيَدْخُلُهُ مُجْرِمُونَ مُعَيَّنونَ: «أُدْخُـلُـوا أَبْوابَ جَـهَـنَّمَ خـَالِـدينَ فِـيهَـا فَبِئْـسَ مَـثْوى الـمُـتَكَـبِّرينَ» (غافر: 76).

ويتمّ الذهاب إليهـا في مجموعـات: «وَسِـيقَ الـذينَ كَـفَـروا إلـى جَـهَــنَّمَ زُمَـراً حَــتّى إذا جَـاؤوهَـا فُـتِحَــتْ أَبْوابُهَـا» (الزمر: 71)، وَالخُروجُ مِنْهَـا مُسْـتَحيلٌ: «كُـلَّـمَـا أَرادوا أنْ يَخْـرُجُـوا مِـنْهـَا مِـنْ غَـمٍّ أُعِـيدوا فِـيهَـا وَذُوقُـوا عَـذَابَ الـحَــريقِ» (الحج: 22)، «إنّا أَعْـتَدْنَا لِلـظَـالِـمـينَ نَاراً أَحَـاطَ بِهِـمْ سُـرادِقُـهـَا» (الكهف: 29)، أي: أعْمِدَتُهـا المُمَـدَّدَةَ المُتداخلة، «وَجَـعَـلـنَا جَـهَـنَّمَ لِلـكَـافِرينَ حَـصِـيراً» (الإسراء: 8)، أي: سِـجْنَاً يَحْصُرُهُـمْ في مكانٍ ضـيِّقٍ مـنْ كُلِّ الجهَـاتِ.

خـزَنــةُ جَـهـنّـم:

إنَّ خَزَنَـةَ جَهَنَّمَ هُمْ مِنَ المَلائِكَةِ الكِرَامِ «وَمَـا جَـعَـلْـنَا أَصْـحَـابَ الـنَارِ إلاَّ مَـلائِـكَـةً» (المدثر: 31)، وَهُمْ غِلاَظٌ شِـدَادٌ: «عَـلَـيْـهَـا مَـلائِـكَــةٌ غِــلاظٌ شِــدادٌ» (التحريم: 6)، ورئيسُـهُمْ هُوَ مَـالِكٌ «وَنَادوا يَا مَـالِـكُ لِــيَقْـضِ عَـلَـيْـنَا رَبُّكَ قَـالَ إنَّـكُــمْ مَـاكِــثُـونَ» (الزخرف: 77)، نُلاحظُ أنّهُم قالوا: ربّكَ، وَلَمْ يقولوا: ربّنا، لأنَّ اللّهَ سُبْحانَهُ لاَ يَرْبِطُ اسْمَهُ مَعَ أهْلِ جهنّمَ، وَيَتَكَلّمونَ مَعَ نُزَلائِهَـا: «كُــلَّـمَـا أُلْـقِـيَ فِـيـهَـا فَـوْجٌ سَـألـهُـمْ خَـزَنَتُـهَـا أَلَـمْ يَـأْتِكُـمْ نَذيرٌ» (الملك: 8)، ويقول نُزلاؤهـا: «وَقَـالَ الـذينَ في الـنَارِ لِــخَــزَنَـةِ جَـهَـنَّـمَ أُدْعُـوا رَبَّكُـمْ يُخَـفِّـفْ عَـنَّا يَوْمَـاً مِـنَ الـعَـذَابِ» (غافر: 49)، نُلاحظْ أنّهُـم قالوا للملائكة: «ربّـكم» ولـم يقولوا: «ربُّنـا»، لأنّ الله سُـبحانه لا يربـطُ اسـمه مع الكـافرين.

أُسـلوبُ دُخـولهـا:

يَتُـمّ إدْخالُ أصْحَـابِ النـَارِ إليْهـَا عَلى مَـراحِلَ عِـدّةِ:

1 - السَـوْقُ: حِيْنَ يكونونَ لاَ يَزالونَ بَعيدينَ عَنْ جَهَنَّمَ، يَتُمُّ سَوْقُهُمْ سَـوْقاً: «وَنَسُـوقُ الـمُـجْـرِمِـينَ إلـى جَـهَـنَّمَ وِرْداً» (مريم: 86)، والسوْقُ هو: التوجّهُ بأمْـرٍ كلاميّ فقـط، فَيسيرونَ لكَوْنَهُمْ لمَ ْيشْعُروا بالأَهْوالِ بَعْد.

2 - الـدَعُّ: وَهُوَ الدَفْعُ الشَـديدُ، وَيكونُ عِنْدَ الاقْتِرابِ مِنْ جَهَنّمَ: «يَوْمَ يُدَعُّـونَ إلـى نَارِ جَـهَـنَّمَ دَعَّـاً» (الطور: 13)، حَيْثُ يَشْعُرونَ حِيْنَها بالأَهْوالِ التي تَنْتَظِرُهُمْ في جهنَّـمَ.

3 - السَحْبُ: عَلى الوجُوهِ بَعْدَ وَضْعِ السَلاسِلَ والأَغْلالَ في أعْنَاقِهِمْ: «خُـذوهُ فَــغُـلُّـوهُ ثُمَّ الـجَـحِـيمَ صَـلُّـوهُ ثُمَّ فـي سِـلْـسِـلَـةٍ ذَرْعُـهَـا سَـبْعُـونَ ذِراعـاً فَاسْـلُـكُـوهُ» (الحاقة: 30)، وَهَذِهِ هِيَ «الذَنُوبُ: بِفتح الذال»: «لِلَّـذينَ ظَـلَـمُـوا ذَنُوبَاً مِـثْلَ ذَنُوبِ أصْـحَـابِهِـمْ» (الذاريات59 ] ، «إنَّا أَعْـتَدْنَا لِلـكَـافِـرينَ سَـلاسِـلَ وَأَغْـلالاً وَ سَـعِـيراً» (الإنسان: 4)، «إنّا جَـعَـلْـنَا فـي أَعْـنَاقِهِـمْ أَغْـلاَلاً فَهِـيَ إلـى الأَذْقَانِ فَهُـمْ مُـقْـمَـحُـونَ» (يس: 8)، ومعنى مُقْمـحونَ: رافعو الـرؤوس غَاضُّـو الطَـرْفِ، يَنْظُرونَ مِـنْ طَـرَفٍ خَـفيٍّ، مِنَ شِدَّةِ الـذُلِّ.

4 - الإلْقـَاءُ: حَيْثُ يُحْمَلونَ حَمْلاً مِنْ شِـدّةِ مُقاوَمَتِهِمْ الدُخولَ: «خَـذوهُ فَأَعْـتِلُـوهُ إلـى سَـواءِ الـجَـحِـيمِ» (الدخان: 47)، «أَلْـقِـيَا فـي جَـهَـنَّمَ كُـلَّ كَـفَّارٍ عَـنيدٍ» (ق: 24)، «إذا أُلْـقُوا فـِيهَـا سَـمِـعُـوا لَـهَـا شَـهِـيقَـاً وَهِـيَ تَفُـورُ» (الملك: 7)، «تَلْـفَـحُ وُجُـوهَـهُـمُ الـنَارُ وَهُـمْ فِيْهَـا كَـالِـحُـونَ» (المؤمنون: 104)، ومعنى كالحـون: تَتلاشى الشِفاهُ وَتَسْقَطُ وَتَبقى اللّثـة وَالأسْنانُ مَكْشُوفَةً دُونَ شِفَاهٍ.

أسلوب العذاب

يَتِمُّ العَذابُ في جَهَنّمَ بالتَنـاوُبِ بَيْنَ الحَريقِ في نـَارٍ حاميَةٍ، وَبَيْنَ مَكانِ الطَعامِ وَالشَرابِ: «هَـذِهِ جَـهَـنَّمُ الـتي يُـكَـذِّبُ بِهَـا الـمُـجْـرِمُـونَ يَـطُـوفُـونَ بَيْنَهَـا وَبَيْنَ حَـمِـيمٍ آنٍ» (الرحمن 43)، ومعنى الحميم الآن: نَبْـعُ مـاءٍ حَـارٌّ جِـِداً وَمُـلَوّث بِمَـا يَخْرُجُ مِنْ جُـلودِ وَفَضَـلاتِ أهْـلِ النـار، ويَغْـلي بِحَرارة عاليـة، فَمِنْ بَعْدِ الحَريقِ في النَارِ: «لَـهُـمْ مِـنْ فَـوْقِـهِـمْ ظُـلـَلٌ مِـنَ الـنَارِ وَمِـنْ تَحْـتِهِـمْ ظُـلَلٌ» (الزمر 16)، يَنْتَقِلونَ إلى أسـاس الجَحيمِ مُكَبَّلينَ بِالأَغْلاَلِ وَالسَلاَسِلِ لِتَناوُلِ الطَعامِ وَالشَرابِ: «الطَعـامُ مِنْ شَجَرِ الزَقّومِ وَمِنَ الضَريعِ وَالغِسْلين، وَالشرابُ مِنَ الحَميمِ»: «أَمْ شَـجَـرَةُ الـزَقُّـومِ إنَّا جَـعَـلْـنَاهَـا فِـتْـنَةً لِلـظَـالِـمِـين إنّهَـا شَـجَـرَةٌ تَخْـرُجُ فـي أَصْـلِ الـجَـحِـيمِ طَـلْـعُـهَـا كَـأَنَّهُ رُؤوسُ الـشَـياطِـينِ فَإنَّـهُـمْ لآكِـلـونَ مِـنْهَـا فَـمَـالِـئُـون مِـنْهـا الـبُطُـونَ، ثُـمَّ إنَّ لَـهُـمْ عَـلَـيْهـا لَــشَـوْباً مِـنْ حَـمِـيـمٍ ثُمَّ إنَّ مَـرْجِـعَـهُـمْ لإلـى الجَـحِـيمِ» (الصافات 62 / 68)، «لآكِـلُـونَ مِـنْ شَـجَـرٍ مِـنْ زَقُّـومِ فَـمَـالِـئُـونَ مِـنْهَـا الـبُطُـونَ فَـشَـارِبُونَ عَـلَـيْهِ مِـنَ الـحَـمـِيمِ فَـشَـارِبُونَ شُـرْبَ الـهِـيمِ» (الواقعة 52).

أيْ: مِثْلَ طَريقَةِ شـرْبِ الحيوانات، وَهَذا الطَعَـامُ حَـارٌّ جِداً: «إنَّ شَـجَـرَةَ الـزَقُّـومِ طَـعَـامُ الأَثِـيمِ كَـالْـمُـهْـلِ يَغْـلـي فـي الـبُطُـونِ كَـغَـلْـيِ الـحَـمِـيمِ» (الدخان 43)، وَهيَ الشَجَرَةُ الملعونَة: «وَالـشَـجَـرَةَ الـمَـلْـعُـونَةَ فـي الـقُـرْآنِ» (الإسراء 60)، والضَـريعُ: طَعامٌ مُشَابهٌ: «لَـيْسَ لَـهُـمْ طَـعَـامٌ إلاَّ مِـنْ ضَـريـعٍ لاَ يُـسْـمِـنُ وَلاَ يُغْـني مِـنْ جُـوعٍ» (الغاشية 6)، «هَـذا فَـلْـيَذوقُوهُ حَـمِـيمٌ وَغَـسَّـاقٌ» (ص 57)، «وَسُـقُـوا مَـاءً حَـمِـيمَـاً فَقَـطَّـعَ أَمْـعَـاءَهُـمْ» (محمد 15)، وأثْناءَ شُرْبِهِمْ مِنَ الحميـمِ يُعَذّبونَ بِـهِ: «يُصَـبُّ فَـوْقَ رُؤوسِـهِـمُ الـحَـمِـيمُ» (الحج 16)، «إذِ الأَغـْلالُ فـي أَعْـنَاقِـهِـمْ وَالـسَـلاسِـلُ يُسْـحَـبُونَ فـي الـحَـمِـيم، ثُـمَّ فـي الـنَارِ يُسْـجَـرونَ» (غافر 71)، ومعنى يُسـجرون: يَشْـتَعِلُونَ ذَاتِيّـاً من جديـد لِيَكُونُوا وُقُـودَ النَـارِ.

 وَلِذَلِكَ نَدْعُـوهُ دوْمـاً وخاصّةً ونحنُ في العَشْـرِ الأواخـر من رمضـان: «سُـبْحَــانَكَ فَـقِـنَا عَـذابَ الــنَارِ» (آل عمران 191).

Email