التسابق في الخيرات نحو المغفـرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

قال تعالى في سورة «المؤمنون»: «إنَّ الـذينَ هُـمْ مِــنْ خَـشْــيَةِ رَبِّـهِـمْ مُـشْـفِـقُـونَ، وَالـذيـنَ هُـمْ بِآياتِ رَبِّهِـمْ يُؤمِـنُـونَ، وَالـذينَ هُـمْ بِـرَبِّـهِـمْ لاَ يُشْـرِكُـون، وَالـذينَ يُؤْتـونَ مَـا آتُوا وَقُـلُـوبُهُـمْ وَجِـلَـةٌ أَنَّهُـمْ إلـى رَبِّهِـمْ راجِـعُـون، أُولَـئِـكَ يُسَــارِعُـونَ فـي الـخَـيْراتِ وَهُـمْ لَـهَـا سَـابِقُونَ» (المؤمنون: 57)، وَالرُسُلُ وَالأنْبِيـَاءُ الكِرامُ كانُوا يُسَـارِعُونَ في الخَيْراتِ؛ فَبَعْدَ أنْ تَحَدَّثَ القرآن الكريمُ عَنْ موسى وَأخيهِ هَارونَ، وَإبْراهيمَ وَابنُ أخيهِ لُوطٌ، وَوَلَدَيْ إبراهيمَ اسْحَقَ وَيَعْقوبَ، وَنُوح، وَداوودَ وَابنِهِ سُلَيْمَانَ، وَأيَّوبَ، وَابن إبراهيمَ إسْمَاعيلَ، وَإدْريسَ، وَذا الكِفْلِ، وَذا النُونِ «الحوتِ» وَهُوَ يُونُسَ، وَزَكَريّا وَابْنِهِ يَحْيى، وَمَرْيَمَ وَابْنِها عيسى، عَلَيْهِم السَلامُ أجْمَعِينَ، بَعْدَ أنْ ذَكَرَهُمْ بأسْمائِهِمْ قَالَ تعالى: «إنَّهُـمْ كَـانُوا يُسَـارِعُـونَ فِـي الـخَـيْراتِ وَيَدْعُـونَنَا رَغَـبَاً وَرَهَـبَاً وَكَـانُوا لَـنَا خَـاشِـعِـيْنَ» (الأنبياء: 90)، فالخشوع أهمُّ سِماتِ الذين يُسارعون في الخيرات، والخشُوعُ منْ صفات المؤمنين: «قَـدْ أَفْلَـحَ الـمُـؤْمِـنونَ الـذينَ هُـمْ في صَـلاتِهِـمْ خَـاشِـعـونَ.. أُولَـئِـكَ هُـمُ الـوارِثُونَ الـذينَ يَرِثُونَ الـفِرْدَوْسَ هُـمْ فِيهَـا خَـالِـدونَ» (المؤمنون: 1 ـ 11).

سَـارعـوا وسَـابقـوا:

السُرْعَةُ للمُتَّقينَ الـذينَ هُـمْ أقَـلُّ عَـدَدَاً مِنَ المُـؤمِنينَ بِشَـكْلٍ عَـامٍ: «وَسَـارِعُـوا إلـى مَـغْـفِرَةٍ مِـنْ رَبِّكُـمْ وَجَـنَّةٍ عَـرْضُـهَـا الـسَـمَـاواتُ وَالأَرْضُ أُعِـدَّتْ لِلـمُـتَّقِـينَ» (آل عمران: 133)، ونُلاحـظُ في هذه الآية الكريمة أنّ السماوات قـد جاءت بصيغة الجمْع مَعَ المتّقينَ، أمّـا السِباقُ فهـو لِباَقي النَاسِ الذينَ هُمُ الأكْثَريَّـةُ: «سَـابِقُـوا إلـى مَـغْـفِرَةٍ مِـنْ رَبِّـكُـمْ وَجَـنَّةٍ عَـرْضُـهَـا كَـعَـرْضِ الـسَـمَـاءِ وَالأَرْضِ أُعِـدَّتْ لِلَّـذينَ آمَـنُوا باللَّـهِ وَرُسُـلِـهِ» (الحديد: 21). ونُلاحـظُ هنا أنّ السماءَ قـد جاءت بصيغة المفرد فقط معَ الذين آمنوا.

الـباقـياتُ الـصـالـحـات:

«بَقِـيَّةُ اللّـهِ خَـيْرٌ لَـكُـمْ» (هود: 86)، أيْ: مَا أَبْقَاهُ اللهُ لَكُمْ مِنَ الحَلاَلِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنَ الأُمُورِ التي حَرَّمَهَا عَلَيْكُمْ، وكلمة «بقيّة» جَمْعُها (باقِياتُ): «وَالـبَاقِيَاتُ الـصَـالِـحَـاتُ خَـيْرٌ عِـنْدَ رَبِّكَ» (الكهف: 46) (مريم: 76). «فَـلَـوْلا كـانَ مـنَ الـقُرونِ مِـنْ قَـبْـلِـكُـمْ أُولـي بَقِيَّةٍ يَنْهُـونَ عَـنِ الـفَسَـادِ» (هود: 116)، لذلك كان الأمْـرُ بالمعروفِ والنهي عَن المُنكـر هـوَ القضيّةُ الأساسيّةُ في حياة المؤمن بشكلٍ خاصّ، والأمّـة بشـكْلٍ عَـامّ لأنّهـا اُمّةٌ اُخْرجَتْ للناس منْ أجْل أنْ تنشـرَ السلام والمحبة في الأرض عن طـريق الأمْـرِ بالمعـروفِ والنهْي عن المُنكـر: «وَلْـتَكُنْ مـنْكُـم اُمّـةٌ يَدعونَ إلى الخَـير، ويأمـرونَ بالمعـروفِ وينهـوْنَ عَـنِ المُنْـكَـر، وأولئـكَ هُـمُ المُفلحـونَ» (آل عمران: 104). «الـذينَ إنْ مَكَّـنَاهُمْ في الأَرْضِ أَقَـامُوا الصَـلاَة َوَآتُوا الـزَكَـاةَ وَأَمَـروا بالـمَـعْـروفِ وَنَهَـوا عَـنِ الـمَـنْكَـرِ وَللَّـهِ عَـاقِـبَةُ الأُمُـورِ» (الحج: 41).

لَقَـدْ قَيَّـدْنَا مَفْهُـومَ العَـلاَقَةِ مَـعَ الإنْسَـانِ الآخَر، ذِي البُعْـدِ الكَبيـرِ المُمْـتَدِّ الشَـامِلِ، فَجَعَلْنَـاهَا ــ أيْ العَـلاَقَةُ ــ أحَـدَ رَأْيَيْـنِ: إمَّـا القِتَـالُ وَالسِـجَالُ، وَإمَّـا النِقَـاشُ وَالجِـدالُ «وَليْسَ الحِـوارُ»، وَذَابَـتْ وانْزَاحَـتْ مِنْ دِيَـارِنَا وَأرْضِـنَا كُلُّ تَعْـبيراتِ التَـواصُلِ وَالتَـآلُفِ وَالمَـوَدَّةِ وَالتَعَـارُفِ وَالتَضَامُنِ، مِنْ أجْلِ أرْضٍ جِنَـانِيَّةٍ وَإنْسَـانٍ سَـالِمٍ آمِـنٍ مُـؤْمِنٍ مُسْـعَدٍ وَسَـعِـيدٍ، فالإنسانُ الصالح اجتمـاعيّاً ودينيّـاً وإنسانيّاً هـوَ فقـطْ الذي يأمُـرُ بالمعروف وينهى عـنِ المُنكـر ويُسـارعُ في الخيرات، لقوله تعالى: «يُؤمِـنُونَ بِاللَّـهِ وَالـيَوْمِ الآخِـرِ وَيَأْمُـرونَ بالـمَـعْـروفِ وَيَنْهَـوْنَ عَـنِ الـمُـنْكَـرِ وَيُسَـارِعُـونَ فـي الـخَـيْـراتِ وَأُولَـئِـكَ مِـنَ الـصَـالِـحِـينَ» (آل عمران: 119)، ونحْنُ يجب أن نقول: «وَمَـا لَـنَا لاَ نُؤْمِـنُ بِاللَّـهِ وَمَـا جَـاءَنَا مِـنَ الـحَـقِّ وَنَطْـمَـعُ أَنْ يُدْخِـلَـنَا رَبُّنَا مَـعَ الـقَـوْمِ الـصَـالِـحِـينَ» (المائدة: 84)، خاصّةً ونحْنُ في العشْر الأواخـر من هذا الشهر الفضيل الذي نَزَلتْ بـه هذه الآيات الكريمـة.

الـمُـحْـسـنـونَ:

«الإحْسَانُ هُوَ أنْ تَعْبُدَ اللّهَ كَأنَّكَ تَراهُ»، رواه البخاري برقم 50، كَمَا أوْضَحَ ذَلِكَ صلى الله عليه وسلّم، وَيَأتي الإحْسَانُ مَعَ التَقْوى: «إذا مَـا اتَّقَـوْا وَآمَـنُوا وَعَـمِـلـوا الـصَـالِـحَـاتِ ثُمَّ اتَّقَـوْا وَآمَـنُوا ثُـمَّ اتَّقَـوْا وَأَحْـسَـنُوا وَاللَّـهُ يُحِـبُّ الـمُـحْـسِـنينَ» (المائدة: 93). «هُـدَىً وَرَحْـمَـةً لِلـمُـحْـسِـنينَ الـذينَ يُقِيمُـونَ الـصَـلاَةَ ويُؤتُونَ الزَكَـاةَ وَهُـمْ بِالآخِـرَةِ هُـمْ يُوقِنُونَ أُولَـئِكَ عَـلى هُـدَىً مِـنْ رَبِّهِـمْ وَأُولـَئِـكَ هُـمُ الـمُـفْلِـحُونَ» (لقمان: 3 - 5).

العهد والميثاق

العَهْـد: وَعْدٌ أكِيْدٌ بِتَنْفيذِ أَمْرٍ مَـا، أمّـا المِيْثَـاق: تَعْليْمَاتٌ إلهيّـة يُنَفِّذُهَا المُؤْمِنُ بِسَـعادَة، يقول تعالى: «وَالـمُـوفُونَ بِعَـهْـدِهِـمْ إذَا عَـاهَـدوا» (البقرة 117)، «وأَوْفُـوا بِالـعَـهْـدِ إنَّ الـعَـهْـدَ كَـانَ مَـسْـؤولاً» (الإسراء 34)، «مِـنَ الـمُـؤْمِـنينَ رِجَـالٌ صَـدَقُوا مَـا عَـاهَـدوا اللّـهَ عَـلَـيْهِ» (الأحزاب 23)، «وَالـذينَ هُـمْ لأمَـاناتِهِـمْ وَعَـهْـدِهِـمْ راعُـون» (المؤمنون 8) (المعارج 32).

«الـذينَ يُوفُونَ بِعَـهْـدِ اللّـهِ وَلاَ يَنْقُضُـونَ الـمِـيْثَاقَ » (الرعد 20)، إذاً الوفاء للعهْد وعَدَم نقْض الميثـاق، والمؤمنُ بينـه وبين الله «ميثاقٌ » هـوَ «سَـمـعْنـا وأطـعْنـا» فقط، وليسَ : «سـمعْنـا وناقشـنا واعترضْنـا»، أيْ : مِيْثَـاقٌ عَلى السَـمْعِ وَالطَـاعَةِ بِرِضى وَدُونَ نِقَاشِ : «مِـيْثَاقَهُ الـذي وَاثَقَـكُـمْ بِهِ إذْ قُلْـتُمْ سَـمِـعْـنا وَأَطَـعْـنا» (المائدة 7)، وَيَأْتي العَهْـدُ بَعْدَ الميْثَـاقِ : «وَ الـذين يَنْقُضُـونَ عَـهْـدَ اللّـهِ مِـنْ بَعْـدِ مِـيْثَاقِهِ» (الرعد 25).

«وَقَدْ أَخَـذَ مِـيْثَاقَـكُـمْ إنْ كُـنْتُمْ مُـؤْمِـنين» (الحديد 8)، وَالميْثـاقُ : سَـمِعْنا وَأطَعْنَـا: «آمَـنَ الـرِسُـولُ بِمَـا أُنْزِلَ إلَـيْهِ مِـنْ رَبِّهِ وَالـمُـؤْمِـنُونَ كُـلٌّ آمَـنَ بِاللّهِ وَمَـلائِـكَـتِهِ وَكُـتُبِهِ وَرُسُـلِـهِ وَقَالـوا سَـمِـعْنا وَأَطَـعْـنَا» (البقرة 285)، وَبِدونِ جَدَلٍ أوْ نِقاشٍ أوْ اعْتِراضٍ، وَحتّى التَنْفيذ بِرِضى وَسَعادَة: «فَـلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِـنُون حَـتّى يُحَـكِّـمُـوكَ فِيْمَـا شَـجَـرَ بَيْنَهُـمْ ثُمَّ لاَ يَجِـدوا فـي أنْفُسِـهِـمْ حَـرَجٌ مِـمَّـا قَـضَـيْتَ وَيُسَـلِّـمُـوا تَسْـلـيْمَـاً» (النساء 65).

Email