الخيم الرمضانية.. مدارس للتكاتف

ت + ت - الحجم الطبيعي

 

قديماً وحتى سنوات قريبة، كان رمضان يستأثر بنصيب وافر من الاستعداد والترقب والاستبشار لدى جميع أفراد المجتمع، فإلى جانب رحلات التسوق المكوكية التي تتضاعف قبيل أيام الشهر الفضيل، من أجل تخزين المواد الغذائية الخاصة برمضان، يتشارك أبناء «الفريج» أو الجيران، في إنشاء خيمة رمضانية للسهر واللقاء وتبادل أطراف الحديث في أمور الدين والدنيا، وغالباً ما تكون هذه الخيم في مناطق بعيدة نسبياً عن المنازل، فيما يفضلها البعض قريبة من البيوت لتسهيل مهمة إمدادها بالطعام والشراب وسواها من المتطلبات.

عادة جميلة

عبدالله سعيد موظف، قال إن الخيم السكنية عادة جميلة تواصلت لسنوات طويلة في رمضان، وللأسف بتنا نفتقدها اليوم أو لا نعيش الأجواء القديمة الجميلة فيها إن وجدت، والأسباب كثيرة، فإنشاء مثل هذه الخيم مرتبط بطقوس وحكايات جميلة يسودها التكاتف والتعاون بين أبناء «الفريج»، إذ كان المواطنون يشيدونها بأنفسهم دون الاعتماد على العمالة في كثير من الأحيان، وغالباً ما تظهر هذه الخيم قبيل رمضان بأيام، بعد التشاور والاتفاق على مكانها، ومن ثم جمع الأموال الكافية لشراء المعدات والأدوات اللازمة لنصبها.

وفي بعض المناطق تظل هذه الخيم قائمة لسنوات طويلة، وعند اقتراب رمضان يتكاتف أبناء الفريج في ترميمها وتحديثها وتنظيفها وتأهيلها لمجاراة ليل رمضان الجميل.

خير وجهة

وأضاف إن هذه الخيم كانت تعد خير وجهة لأهالي «الفريج» عموماً، بعد المسجد، الذين يجتمعون فيها يومياً، صغاراً وكباراً، يتبادلون الأحاديث، ويدرسون أبناءهم العادات والتقاليد، مشيراً إلى أن خيم الأحياء الرمضانية، تفتح أبوابها بعد صلاة التراويح، وتستمر حتى منتصف الليل، وغالباً ما تنتهي السهرة في أيام العمل مبكراً، لكنها تستمر حتى ساعات متأخرة في أيام العطل.

 من جانبه أكد إبراهيم ناصر موظف، أن الكثير من التغيير طال الخيم الرمضانية، كما قلّ روادها خلال السنوات الماضية، وذلك بحكم انشغال الناس بأمور متعددة، منها المسلسلات والموبايلات ووسائل الترفيه المختلفة، فقلت الزيارات بين الجيران، واختفت تفاصيل كثيرة من هذه العادة الجميلة لا سيما في المدن الرئيسية، إذ لم يبقَ منها إلا القليل، مشيراً إلى أنه في السابق كان الجميع ينتظر الخيم بشغف، ويحرص على المشاركة في تجهيزها منذ وقت مبكر، لكن اليوم وعلى الرغم من وجودها في بعض «الفرجان»، إلا أن أعداد مرتاديها قليلة، وغالباً ما يسودها الهدوء والانطواء، وإن تواجد الناس في داخلها، إذ يحرص البعض على متابعة التلفاز، والبعض الأخير يكون تركيزه منصباً على الهاتف، أو مشتتاً بين الأجهزة الإلكترونية.

أطباق متنوعة

في حديثه عن الخيم الرمضانية وتجمعاتها، عاد محمد عبدالله بذكرياته إلى سنوات ماضية، وقال إن رب الأسرة كان يصطحب أبناءه صغاراً وكباراً إلى هذه المجالس، وعند وصولهم تختار كل فئة عمرية، زاوية من زوايا الخيمة وتجلس فيها، وبعد ساعات قليلة من اكتمال نصاب الحضور، يعود الأبناء إلى منازلهم، محملين بأطباق متنوعة من الأطعمة التي يتم إحضارها من بيوت متفرقة إلى الخيمة المشتركة، ليتناول كل شخص ما يشتهيه، ثم يكمل بعد ذلك، البعض تسامرهم في الحديث وربما يمارس الصغار بعض الألعاب القديمة، وينتهي مشوار السهر مبكراً عند كبار السن، يتبعهم بعد ذلك من هم أقل سناً، مشيراً إلى أنه على الرغم من جمالية هذه الخيم، إلا أن أعدادها بدأ في تناقص مستمر عاماً بعد آخر، وقلت مشاركة أبناء الفريج فيها بنسبة ملحوظة.

فضل على الأبناء

أشار المواطن أحمد سالم، إلى أن للخيم الرمضانية التي كان يشيدها أبناء «الفريج»، فضلاً كبيراً في زيادة أواصر التعاون والتآلف والتكاتف بين أفراد المجتمع، باعتبارها ملاذاً للأبناء والشباب طوال ساعات ليل رمضان، والتي كانت تحميهم من هيمنة التكنولوجيا، وسلطة الرفاهية المفرطة، لكنها وعلى الرغم من أهميتها، لم تصمد أمام ذلك طويلاً، وإن كانت موجودة اليوم، فإن طقوسها وأجواءها مختلفة في تفاصيل كثيرة.

Email