وَ قُلتُ استغفروا ربّكمْ

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاسْـتغفارُ هُوَ (سَـيّدُ العِبادَةِ) وَلَـهُ وَقْـتُـهُ المُفَضَّلُ، فَأفْضَلُ الاسـتغفارِ مَا كانَ وَقْتَ السَحَرِ (وَالـمُـسـْتَغـفِرِينَ بِالأَسْـحَـارِ) [آل عمران: 17]، (وَبِالأَسْـحَـارِ هُـمْ يَسْـتَغْـفرونَ)[الذاريات: 18].

وَبالاسـتغفارِ يَحلُّ الإنسانُ مَشاكِلَهُ في الحياةِ، لأنَّ لِلاسْـتغفارِ خَواص مهمَّـةً جِـداً.

نتـائـجُ الاسـتـغـفـار:

1 - لاَ يتعذَّبُ الإنسانُ في حياتِهِ أبَداً لاَ جِسْمياً وَلاَ نَفْسياً: (وَمَـا كَـانَ اللّـهُ مُـعـَذِّبَهُـمْ وَهُـمْ يَسْـتَغْـفِرونَ) [الأنفال: 33]، جَاءَتْ بالصيغَةِ الاسـميّةِ: (مُعَذِّب)، للدَلاَلَةِ عَلى الشُموليَّةِ، فالاسْتِغْفارُ يُنْجي مِنْ كُلِّ أنْواعِ العَذَابِ.

2 - تَنْفَتِحُ عَليهِ كلُّ أبوابِ الخيرِ وَالبَرَكَةِ: (فَـقُـلْـتُ اسْـتَغْـفِروا رَبَّكُـمْ إنّـهُ كَـانَ غَـفّاراً يُرْسِـلِ الـسَـمَـاءَ عَـلـَيْكُـمْ مِـدْراراً وَيُمْـدِدْكـُمْ بِأمْـوالٍ وَبَنيـنَ وَيَجْـعَـلْ لَـكُـمْ جَـنّاتٍ وَيَجْـعَـلْ لـَكُـمْ أنْهاراً) [نوح: 10]، فَماذا يُريدُ الإنسَـانُ في دنياهُ أكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.

3 - يَزيدُ الإنسَانَ وَالمجْتَمَعَ قُوّةً ذاتيّةً: (يَا قَـومِ اسْـتَغْـفِروا رَبَّـكُـمْ ثـمَّ تُـوبُـوا إلـيْـهِ يُرْسِـلِ الـسَـمَـاءَ عَـلَـيْكُـمْ مِـدْراراً وَيَـزِدْكُـمْ قـوّةً إلـى قـوّتِـكٌـمْ) [هود: 52].

4 - يَكْفَلُ الاستغْفارُ للإنسَانِ الحياةَ السَعيدَةَ الممتِعَةَ: (وَأَنِ استغْـفِروا ربَـكـمْ ثُمَّ توبوا إلَـيْهِ يُمَـتِّعْـكُـمْ مَـتَاعَـاً حَـسَـنَاً إلـى أَجَـلٍ مُـسَـمَّـى وَيُؤْتِ كُـلَّ ذي فَضْـلٍ فَضْـلَـهُ) [هود: 3]، فالاسْـتِغْفَارُ يُبْقي أجَلَ الإنْسَانِ إلى (الأجَلِ المُسَمَّى) الذي كـتبَه الله لـه، وَيُنْجِيهِ مِنْ حَوادِثِ (الأجَلِ المَقْضى).

وَنَتَائِجُ الاسْتغفار هذه، مضْمونَةٌ بإذْنِ اللهِ وَفَضْلِهِ وَكَرَمِهِ: (وَمَـنْ يَعْـمَـلْ سُـوءاً أوْ يَظْـلِـمْ نَفْسَـهُ ثُمَّ يَسْـتَغْـفِرِ اللّـهَ يَجِـدِ اللَّـهَ غَـفُوراً رَحـيمـاً) [النساء: 110]، وَخاصّةً للأوّابين الراجعينَ لِلهِ: (فَإنَّهُ كَـانَ لِلأوَّابيـنَ غَـفُوراً) [الإسراء: 25]، (وَالـذينَ إذا فَعَـلـوا فَاحِـشَـةً أوْ ظَـلَـمُـوا أنْفُسَـهُـمْ ذَكَروا اللّـهَ فَاسْـتَغْـفَروا لِـذُنُوبِهِـمْ وَمَـنْ يَغْـفِر ُالـذُنُوبَ إلاّ اللّـهَ) [آل عمران: 135]، وَمَا عَدا الشِرْك باللهِ: (إنَّ اللـهَ لا يَغْـفِرُ أنْ يُـشْـرَكَ بِـهِ) [النساء: 48]، فإنَّ اللهَ بِكَرَمِهِ يَغْفِرُ جميعَ الذنوبِ: (إنَّ اللـهَ يَغْـفِرُ الـذنُـوبَ جَـمـيعـاً)[الزمر: 53]، لأنّ الشِرْكَ ليْسَ ذَنْباً، وَلَكنّهُ ظلْمٌ عَظيمٌ (إنَّ الـشِـرْكَ لَـظـلْـمٌ عَـظـيـمٌ)[لقمان: 13]، فَمَا عَلَيْنا إلاّ الإسْـراعُ بِطَلَبِ المَغْفِـرَةِ:

(وَسَـارِعـوا إلـى مَـغْـفِـرَةٍ مِـنْ رَبِّـكـمْ) [آل عمران: 133]، خاصّةً وقـد اقـتربَ العـشْـرُ الأواخـرُ من هـذا الشهـر الفضيل المُبـارك، فَجَميعُنا لَسْنا معْصومِينَ مِنَ الخَطَأ، وَقدْ خَلَطْنا عَمَلاً صالِحاً وآخَرَ سَيّئاً، وَاللهُ بِكَرَمِهِ قَدْ وَعَدَنا بالمغْفِرَةِ: (وَآخَـرونَ اعْـتَرَفـوا بِذنوبِهِـمْ خَـلـَطُـوا عَـمَـلاً صَـالِـحـاً وَآخَـرَ سَـيّئـاً عَـسَـى اللّهُ أنْ يَتُوبَ عَـلَـيْهِـمْ إنَّ اللّهَ غَـفورٌ رَحـيمٌ) [التوبة: 102]، وعسـى: هنـا توكـيديّة وليستْ احتماليّة لأنهـا منَ الخالق.

الـحـديثُ الـشـريف:

عـنْ شَـدَّاد بنِ أوْس رضي الله عنه عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (سَـيِّدُ الاستغْفارِ أنْ تَقول: اللهُمَّ أنْتَ ربّي، لا إلهَ إلاَّ أنْتَ، خَلَقْتَني وَأنا عَبْدُكَ، وَأنا عَلى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أعُـوذُ بِكَ مِنْ شَـرِّ مَا صَنَعْتُ أبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَليَّ وَأبوءُ لَكَ بِذَنْبي، فاغْفِـرْ لي فإنَّهُ لا يَغْفِـرُ الذنوبَ إلاَّ أنْتَ) [أخرجه البخاري]، وَعنْ أبي بَكرٍ رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَدْ علَّمَـهُ أنْ يقولَ: (اللهُم إنّي ظَلَمْتُ نَفْسي ظُلْماً كثيراً وَلا يَغْفِـرُ الذنوبَ إلاَّ أنْتَ، فاغْفِرِ لي مَغْفِـرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمني إنَّكَ أنْتَ الرحيمُ) [رواه البخاري في الصلاة].

الاسـتغفـارُ عـند الرسول الكـريم:

2إنّ الاسـتغفـارَ عـند الرسول الأكـرم صلى الله عليه وسـلّم، سـواءٌ فـي حيـاته أم بعـد انتقـالـه للـسماء، لـه خُـصُوصـيّةٌ خاصّـة ولـه أهـمـيّةٌ بـالـغـة، لقولـه تعـالى: (وَلَـوْ أنَّـهُـمْ إذْ ظَـلَـمُـوا أنْفُسَـهُـمْ جَـاؤوكَ فَاسْـتَغْـفَروا اللَّـهَ وَاسْـتَغْـفَرَ لَـهُـمُ الرَسُـولُ لَـوَجَـدوا اللَّـهَ تَوّابَاً رَحِـيمَـاً) [النساء: 64]، وَهَذَا يُبَيِّنُ الأهَميَّةَ البالِغَةَ لِزِيارَتِهِ صلى الله عليه وسـلّم. (وَمَـا كَـانَ اللَّـهُ لِـيُعَـذِّبَـهُـمْ وَأنْتَ فِيهِـمْ وَمَـا كَـانَ اللَّـهُ مُـعَـذِّبَـهُـمْ وَهُـمْ يَسْـتَغْـفِرونَ) [الأنفال: 33]، ونُلاحـظُ أن كلـمة: [عـذّبَ]، قد جاءت في المرّة الأولى بالصِيغَةِ الفِعْليّـةِ: (يُعَذِّبُ) للدَلاَلَةِ على أنَّ وُجُودَ الرسُولِ صلى الله عليه وسلم هُوَ حَالـةٌ مُؤَقَّتَـةٌ، بينـمـا جاءت في المـرّة الثـانية بالصيغَةِ الاسمية: (مُعَذِّبُ) للدَلاَلَةِ على الـدَوامِ، سَـواءٌ بِوُجُـودِ الرَسُـولِ أو بَعْـدَهُ.

وَالاسْـتِغْفارُ يُؤدّي لِبُلُوغِ بَوَّابَةِ اللُّطْفِ: (اللّـهُ لَـطِـيْفٌ بِعِـبَادِهِ) [الشورى: 19]، فَتَأْتي الحَياةُ الطيِّبَةُ: (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَـيِّبَةً) [النحل: 97]، وَعكْسُ اللُّطْفِ يَأتي القَهْـرُ: (وَهُـوَ الـقَـاهِـرُ فَوْقَ عِـبَادِهِ) [الأنعام: 18]، فَتَأتي المَعيْشَةُ الضَنْكُ: (فَإنَّ لَهُ مَعِـيْشَـةً ضَـنْكَاً) [طه: 124].

غُـفـرانُ الله :

إنَّ نِيَّـةَ اللّهِ بِـالغُفْـرانِ أسْـرَعُ مِنْ نِيَّـةِ الإنْسَـانِ بِـالـتَوبَـةِ، فَمَـا مِنْ أَحَدٍ نَوى التَوْبَةَ إلاَّ سَـبَقَهُ اللّهُ بِنِيَّـةِ الغُفْـرانِ، وَأرْضَى إلى اللّهِ أَنْ يَغْفِـرَ مِنْ أنْ يُعَـاقِبَ، لأنَّ اللّهَ سُبْحَانَهُ لَيْسَ لَهُ أيُّ غَايَةٍ أوْ هَدَفٍ بِعَذابِ الناسِ: (مَـا يَفْعَـلُ اللّـهُ بِعَـذَابِكُـمْ إنْ شَـكَـرْتُمْ وَآمَـنْتُمْ) [النساء: 147].

إنَّ جَهَنَّمَ أشْبَهُ مَا تَكُونُ بِسَلَّةِ مُهْمَلاَتٍ ضَيِّقَةٍ وَمُغْلَقَةٍ لِلكَوْنِ، وَسَيُجْمَعُ فيهَا كُلُّ شَيْءٍ خَبيثٍ لِيَعُمَّ السَلاَمُ كُلَّ الوُجُودِ فِي جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَمَاواتُ وَالأَرْضُ: (لِـيَمِـيزَ اللَّـهُ الـخَـبيثَ مِـنَ الـطَـيِّبِ وَيَجْـعَـلَ الـخَـبيثَ بَعْـضَـهُ عَـلـى بَعْـضٍ فَـيَرْكُـمَـهُ جَـمِـيعَـاً فَيَجْـعَـلَـهُ فـي جَـهَـنَّمَ) [الأنفال: 37]، فَهيَ إذَاً مِحْرَقَةُ نِفَايَاتٍ لِكُلِّ مَا هُوَ فَاسِدٌ في الكَوْنِ. يقول عليّ بن أبي طَالبٍ كـرّم الله وجـهه: [عَجِبْتُ لِمَنْ يَقْنَطْ وَمَعَـهُ الاسْـتِغْفارُ]

ويقولُ الشـاعرُ: كُلُّ مَنْ ألْقَـاهُ يَشْـكُو دَهْـرَهُ.... لَيْـتَ شِـعْري، هَـذِهِ الدُنْيـا لِمَـنْ

(وَقُلِ الـحَـمْـدُ لِلَّـهِ الـذي لَـمْ يَتَّخِـذْ وَلَـدَاً وَلَـمْ يَـكُـنْ لَـهُ شَـريـكٌ فـي الـمُـلْـكِ وَلَـمْ يَكُـنْ لَـهُ وَلِـيٌّ مِـنَ الـذُلِّ وَكَـبِّرْهُ تَـكْـبيراً) [الإسراء: 111].

(هُـوَ الـحَـيُّ لاَ إلـهَ إلاَّ هُـوَ فَادْعُـوهُ مُـخْـلِـصِـينَ لَـهُ الـدِينَ الـحَـمْـدُ للَّـهِ رَبِّ الـعَـالَـمِـينَ) [غافر: 65].

Email