عينُ اليقين نقيض عِلْم الظَنّ

ت + ت - الحجم الطبيعي

الـيَـقـيـنُ:

هُوَ غَوْصٌ وَثَباتٌ مُسْـتَنِدٌ إلى إيْمـانٍ حقّ وَمَعْرِفَـةٍ عَـمـيقَةٍ، وَيَتُمُّ الوُصُولُ إلى اليَقـينِ عَنْ طَريقِ (البَصِـيْرَةِ)، لأنَّهُ عُلُومٌ رَبَّانِيَّةُ الأسَاسِ، قُرْآنِيَّـةُ المَنْبَعِ، وَسِيْلَتُه (الـتَـلـقّي): (وَإنَّكَ لَـتُـلَـقَّـى الـقُـرْآنَ مِـنْ لَـدُنْ حَـكِـيْمٍ عَـلِـيْمٍ) [النمل: 6].

العِـلْمُ:

هُوَ نِظَامُ المَعَـارِفِ وَالقَوانينِ وَالنُظُمِ وَالحَـيْثِـيَّـاتِ المُدْرَكَةِ بالحَواسّ الخَمْسِ، وَيَتُمُّ الوُصُولُ إلى العِلْمِ عَنْ طَريقِ (البَصَرِ): (الـذي عَـلَّـمَ بِالـقَـلَـمِ) [العلق: 4]، فَهُوَ للمَادَّةِ المَرْئِيَّةِ، وَهَذِهِ المَعَارِفُ هيَ (العُلُومُ الظَاهِرَةُ):

(يَعْـلَـمُـونَ ظَـاهِـراً مِـنَ الـحَـياةِ الـدُنْيَا وَهُـمْ عَـنِ الآخِـرَةِ هُـمْ غَـافِلُـون)[الروم: 7]، وَهَذَا (عِلْمُ الظَنّ) الذي يَتَعارَضُ مَعَ (عِلْم اليَقِين)، فنحنُ نـرى العُـلمـاء في مختلف الاختصاصـات، مثل الطـب والـهـندسة والإلكترونيّات... في المجتمـعات المخـتـلـفة، ولكن نـرى بعْض هـؤلاء يؤمنـون بغير الله تعالى، أو يُنكـرون وجود الخالق سبحانه.

مـراتـبُ الـيـقـيـن:

لِلـيَقـيـنِ ثَـلاَثُ حَالاَتٍ مِـنَ المَعْـرِفـَةِ، هيَ:

1 _ عِـلْمُ اليَقينِ: هُوَ النَبَـأُ الصَادِقُ عَنْ شَـيْءٍ، دونَ رُؤْيَتِهِ وَالتعامُلِ مَعَهُ: (كَـلاَّ لَـوْ تَعْـلَـمُـونَ عِـلْـمَ الـيَقِـينِ) [التكاثر: 5]، فَـالجِنُّ وَجَهَـنَّمُ وَالمَلاَئِكَةُ... هُـم عِلْمُ يَقين بالنســبة إلينـا في الوقْت الحاليّ في الحياة الدنيـا، لأنّ لـديْنـا نبـأ صَـادقاً عـنهُـم، جـاءنـا عبْـر الديانات السماويّة، وخصوصاً القـرآن الكريم الذي نـزل في هذا الشـهـر، شهر رمضان، وَهَذَا العِلْمُ يَتَطَلَّبُ فِكْراً مُؤْمِنَـاً صَادِقَـاً صَـابِراً، فَهُوَ شَـرَفٌ لِلمُؤْمِنِ وَتَشْريْفٌ مِنَ الخَالِقِ، وَهُوَ المُكَمِّلُ لِـ(عِلْمِ الهُـدى) الذي يَخُصُّ شَـعائِرَ الشَـريعَةِ وَالفِقْهَ، لِذَلِكَ على الإنْسَـانِ أَلا يَقْتَصِرَ عِلْمُهُ عَلى (المَعَـارِفِ مِثْل الطبّ وَالهندسَةِ وَالعُلومِ وَالفلكِ...)

فقـطْ، بَلْ أن يَطْلبَ مِنَ اللّهِ أنْ يَزِيْدَهُ مِنَ العُلومِ الأسْمى (وَقُلْ رَبِّ زِدْني عِـلْـمَـاً) [طه: 114]، وَهَذا عَطـاءٌ إلهيٌّ يَمُنُّ بِه ِعلى مَنْ يَشَاءُ: (وَإنَّهُ لَـذُو عِـلْـمٍ لِـمَـا عَـلَّـمْـنَاهُ وَلِـكِـنَّ أَكْـثَرَ الـناسِ لاَ يَعْـلَـمُـونَ ) [يوسف: 68]، أيْ: لا يعْلـمونَ هـذا التنـوع في العـلْـمِ، لِذَلِكَ: (إنَّمَـا يَخْـشَـى اللّـهَ مِـنْ عِـبادِهِ الـعُـلَـمَـاءُ) [فاطر: 28]، وَلَيْسَ أصْحاب (المَعارِفِ)، حِيْثُ نَرى أطِبّاءَ وَمُهَنْدِسين... مُلْحِديْنَ باللّهِ.

2 _ عَـيْـنُ اليَقـيـنِ: هُوَ رُؤيَةُ الشَيْءِ فَقَطْ دُونَ التَعَامُلِ مَعَهُ، فَيَوْمُ البَعْثِ عِنْدَما يَرى الناسُ جَهَنَّمَ قَبْلَ دُخُولِهَا، ستكون بالنسـبة إليـهُمْ قـد أصبحتْ عيْنّ اليـقينِ: (لَـتَرَوُنَّ الـجَـحِــيمَ ثُمَّ لَـتَرَوُنَّهَـا عَـيْنَ الـيَقِـينِ)[التكاثر 7].

3 _ حَـقُّ اليقينِ: هُوَ التَعَامُلُ مَعَ الشيْءِ وَمَعْرِفَةُ تَأثيرِهِ، فَبَعْدَ دُخُولِ جَهَنَّمَ تُصْبِحُ حَقَّ يَقينٍ: (وَتَصْـلِـيَةُ جَـحِـيمٍ إِنَّ هَـذَا لَـهُـوَ حَـقّ ُالـيَقِينِ) [الواقعة: 94]، وَالقُـرْآنُ الكَريمُ بَعْدَ أنْ نَزَلَ، أصْـبَحَ بالنسـبة إلينـا حـقّ يقـينٍ (وَإنَّهُ لَـحَــقُّ الـيَقـينِ) [الحاقّة: 51]، لذلك يجبُ التعامُلُ معـه وخاصّةً في هذا الشـهر المبارك على أنّـه [حـقّ الـيقـين]، والإيمـانُ بكلّ مَـا ورَدَ فيه منْ معلـومـاتٍ وحقـائق وتشـريعات على أنهـا حقّ اليقين، مثال:

الإيمـانُ بالآخـرة يجب أن يكون حقّ اليقين، وهذه صـفاتُ المُـتّقين، لذلك نجـدُ في بـداية القُـرآن الكريم: (ذَلـكَ الكـتابُ لا ريْبَ فـيـه، هُـدىً للـمُـتّقين الـذين يـؤمنـونَ بالغـيْب ويُقيمـونَ ومِمّـا رزقْنـاهُـمْ يُـنْفقُـون والـذين يؤمنـونَ بمـا اُنْـزلَ إلـيْكَ ومـا اُنـزل مـن قبلكَ وبالآخـرة هُـمْ يُوقـنونَ) [البقرة: 2].

وَكَانَ الجِنُّ حَـقَّ يَقيـنٍ عِنْدَ سُلِيْمَانَ عليه السلام، حَيْثُ رَآهُمْ وَسَخَّرَهُمْ للعَمَلِ: (وَحُـشِـرَ لِـسُـلَـيْمَـانَ جُـنُودُهُ مِـنَ الـجِـنّ وَالإِنْسِ وَالطَّـيْرِ فَهُـمْ يُوزَعُـونَ) [النمل: 17]، وَقَدْ قَسَـمَ الجِـنَّ قِسْمَيْنِ، فالفِئَةُ الكَافِرَةُ مِنْهُمْ (الشَياطينُ)، سَخَّرَهُمْ لِلأَشْغَالِ الشَاقَّةِ: (وَالـشَـيَاطِـينَ كُـلَّ بَنَّاءٍ وَغَـوَّاصٍ) [ص: 37]، وَبَاقي الجِنِّ لِلأَعْمالِ غَيْرِ الشَاقّة: (وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ، يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ...) [سبأ: 12، 13].

الصَـفَاءُ:

صَفَـاءُ الإنْسَانِ يَتَمَثَّلُ في صِحَّـةِ عَقْلِهِ وَإدْراكِهِ فَهُوَ سِـرُّ البقـاءِ، وَالصَـفاءُ عَنِ الشَـيْءِ هُوَ العُـلُّوّ عَنْهُ، وَيَتَمَثَّلُ في العُلُـوِّ عنْ مَلَذَّاتِ الدُنْيَـا، إلى المَلَذَّاتِ العُلْيَـا، وَالدُخُولُ إلى العَـالَمِ الأسْـمى، ثُمَّ يَتَسَـامى المُتَسَامي مِنْ عَالَمٍ سَـامٍ إلى عَالَمٍ أَسْمى، وَاللّهُ وَحْدَهُ يَرى (الكُلِيَّـةَ بِكُلِّيَتِهَـا) في الوُجُـودِ، وَالطَـاقَةُ في عَـالَمِ الصَـفَاءِ هيَ طَاقَةُ ائْتِـلاق: (وُجُـوهٌ يَوْمَـئِـذٍ نَاضِـرَةٌ) [القيامة: 22]، وَفي عَالَمِ العَذَابِ طَـاقَةُ احْتِراق: (أُغْـشِـيَتْ وُجُـوهُـهُـمْ قِـطَـعَـاً مِـنَ اللَّـيْلِ مُـظْـلِـمَـاً) [يونس: 27]، فالعَاقِلُ مَنْ خَافَ البَقَـاءَ في الدُنْيَـا، وَرَجَـا الانْتِقَالَ إلى الآخِرَةِ، أيْ الرُجُوعَ إلى رَبـِّهِ (يَا أيَّتُهَـا الـنَفْسُ الـمُـطْـمَـئـِنَّةُ ارْجِـعِـي إلـى رَبِّـكِ رَاضِـيَةً مَـرْضِـيَّةً) [الفجر: 27]، وَالأحْمَقُ مَنْ خَافَ الانْتِقَالَ إلى الآخِرَةِ، وَرَجَـا البَقَـاءَ في الدُنْيَـا، فَهَذَا نِهَايَتُهُ اللاّشَـيْءَ: (لَـهُ جَـهَـنَّمَ لاَ يَـمُـوتُ فِـيـهَـا وَلاَ يَـحْـيَى) [طه: 74]، (لـهُـمْ نَـارُ جَـهَـنَّم لاَ يُـقْـضَـى عَـلَـيْـهِـمْ فَـيَـمُـوتوا وَلاَ يُخَـفَّـفُ عَـنْهُـمْ مِـنْ عَـذابِهَـا) [فاطر: 36]، ولا يتحقّق هـذا الصَـفاءُ إلاّ بالإيمـان بالقرآن الكريم على أنـه (حـقّ اليقين).

 

Email