وسِــراجـاً مُـنـيـراً

تصوير: غلام كاركر

ت + ت - الحجم الطبيعي

النُـورُ: كَلِمَةٌ تُجَسِّدُ صِفَةً مَا، وَهيَ (مَـادّةٌ) ضِمْنَ أبْعَادِ النُورِ الخَاصَّةِ، مِثْلَ (عَالَمِ المَلائِكَةِ)، حَيْثُ (النُورُ) بِالنِسْبَةِ لَهُمْ لَيْسَ (طَاقَة)، ولَكِنْ (مَادّةً) ضِمْنَ عَالَمهِمْ، والنُورُ وَارِدٌ إلهيٌّ المَصْدَرِ، و(النورُ الروحُ) عِنْدَما يَهَبهُ اللّهُ لِلمُؤْمِنُ يَكُونُ (طَاقَةً) بِالنِسْبَةِ لَهُ، لِذَلِكَ يُوَزِّعُ المَلائِكَةُ الروحَ التي هِيَ (مَادّة) بِالنِسْبَةِ لَهُمْ، ولكِنَّهَا (طاقَة) بِالنِسْبَةِ لِلبَشَـرِ (تَنَزَّلُ الـمَـلائِـكَـةُ والـروحُ فيهَـا) [القدر: 4]، فَكُلُّ (طَاقة) هيَ (مَادّة) خَارِجَ بُعْدِهَا، وكُلُّ (مَادّة) هيَ (طَاقَة) خَارِجَ بُعْدِهَا، لِذَلِكَ كانَتْ (مَـادّةُ) الإنْسِ هيَ (طَـاقَةٌ) بِالنِسْبَةِ لِعـالَمِ المَـلائِكَةِ يَسْـهُلُ اخْتِراقهـا.

الطَـاقَةُ: يُؤَكِّدُ عِلْمُ الفيْزيَاءِ أنَّ (كُلَّ شَيْءٍ في الكَوْنِ هُو طَـاقَة)، حَتّى مَا نَعْتَقِدُ أَنَّهُ (مَادّة صَلْبَة) هُو في الحقِيْقَةِ (حالة مُعَيَّنة مِنَ الطَاقَة)، والطَاقَةُ مَوْجُودَةٌ في كُلِّ شَيْءٍ بِكُلِّ مَكَانٍ، فَالكَوْنُ مُكَوَّنٌ إمَّا مِنْ طَـاقَةٍ سَـريْعَةُ الإيْقَاعِ لاَ يُمْكِنُ رَصْدُهَا، أوْ بَطِيئَـةُ الإيْقَاعِ يُمْكِنُ رَصْدُهَا عَنْ طَريْقِ الأجْهِزَةِ المُتَطَوِّرَة، أوْ طَاقة بَالِغَـةُ البِطْءِ يُمْكِنُ رَصْدُهَا بِالعَيْنِ المُجَرَّدة، وَهيَ المَوادّ الصَلْبَة ومِنْ ضِمْنِها أَجْسَـامُنا نَحْنُ البَشَرُ، فالجِسْمُ البَشَريُّ في حَقِيْقَتِهِ طَـاقَة نَقِيَّـة: (لَـقَـدْ خَـلَـقْنَا الإنْسَـانَ في أَحْـسَـنِ تَقْويْمٍ) [التين: 4]، وتَتَحَرَّكُ الطَاقَةُ الأثِيْريّة بِسُرْعَة ٍأكْبَرَ مِمّا يُمْكِنُ لِلعَيْنِ أنْ تَسْتَوْعِبَهُ، وبِالتَالي فَهيَ تُكَوِّنُ الأفْكَارَ والمَشَاعِرَ في الجِسْمِ البَشَريّ، أمّا خَارِجَ الجِسْمِ البَشَريّ أوْ حَوْلَهُ فَتُشَكِّلُ الطَاقَةُ الأثِيْريَّةُ الطَـاقَةَ الحَيَويَّةَ التي تَجْري بِالكَوْنِ كُلِّهِ وهيَ ذَاتُ الطَاقَةِ التي فِيْنا، وَهيَ وَحْدَها الحَامِلُ لِسِـرِّ وُجُودِنا، لِذَلِكَ فَإنّ: (الكَوْنَ إنْسَانيّ مِثْلَمَا أَنَّ الإنْسَانَ كَوْنيّ).

شَـكرات الطـاقة:

يُوجَدُ في الجِسْمِ الطَاقي لِلإنْسَانِ، مَراكِزُ طَاقَةٍ دَوَّارة (شَكَرات) يَتراوَحُ قُطْرُها «10 سم»، وَهيَ بِمَثَابَةِ مَحَطَّات تَوْليد طَاقَة، تُزَوِّدُ الأعْضَاءَ الرئِيسِيّة والأعْضَاءَ الحَيَويّة لِلجِسْمِ المَاديّ بِطَاقَةِ الحَياةِ، وَعِنْدَما تُصَابُ مَحَطَّاتُ تَوْلِيْدِ الطَاقَةِ هَذِهِ، بِاضْطِراباتٍ في وَظَائِفِها، كَأنْ يَحْدُثَ فيهَا (احْتِقان طَاقي) أَوْ (نُضُوب طَاقي)، فَإنَّ الأعْضاءَ الحَيَويّة في جِسْمِ الإنْسَانِ تُصْبِحُ مَرِيْضَةً، وأَحْدَثُ تَعْريِفٍ لِلمَرَضِ هُو خَلَلٌ في الطَاقَةِ: (أنّي مَـسَّـنيَ الـشَيْطَـانُ بِنُصُبٍ وعَـذَاب) [ص: 41].

روحُ القـرآن:

إنَّ القُـرآنَ الكريمَ هُـو رُوحٌ بِكُلِّ مَعْنى الكَلِمَةِ، فَفيهِ فَقَطْ حَيَـاةُ النَاسِ وحَيَـويّتِهِمْ : (اسْـتَجِـيبوا لِلّـهِ ولِلـرَسُـولِ إذا دَعَـاكُـمْ لِـمَـا يُحْـييـكُـمْ ) [الأنفال: 24]، (أو مَـنْ كَـانَ مَـيْتاً فَـأحْـيَيْنَاهُ وجَـعَـلْـنَا لَـهُ نُوراً يَمْـشـي بِهِ فـي الـنَاسِ )[الأنعام 122]، (ومَـا يَسْتَوي الأحْــياءُ ولاَ الأمْـواتُ إنَّ اللّـهَ يُسْـمِـعُ مَـنْ يَشَـاءُ) [فاطر: 22]، وتَتَوافَقُ الطَـاقَةُ (الروحُ)، التي في القُرْآنِ الكَريمِ، مَعَ الطَـاقَةِ التي يَحْتَاجُهَا أيُّ فَـرْدٍ في العَـالَمِ، وهَذا أحَدُ مَظَاهِرِ جَـلاَلِ الرُبوْبيَّـةِ للخَالِقِ تَعَـالى الذي هُـو رَبُّ العَـالَمينِ، فمَصْدَرُ الطَاقَةِ التي في القُرْآنِ الكَريمِ والطَاقَـةِ التي في البَشَـرِ، مَصْدَرٌ واحِـدٌ هُو اللّـهُ سُبـْحَانَهُ: (إنَّي خَـالِـقٌ بَشَـراً مِـنْ طِـينٍ فَـإذا سَـوَّيْتُهُ ونَفَـخْـتُ فِيهِ مِـنْ روحِـي) [الحجر: 29] [ص: 71]، فَكُلُّ إنْسَانٍ بِحَاجَةٍ مَاسَّـةٍ لِطَاقَةِ القُرْآنِ الكَريمِ، وقَدْ جَعَلَ اللـهُ سُبْحَانَهُ أهْلَ طَاعَتِهِ أحْيَـاءٌ بَعْدَ مَمَاتِهِمْ، وأهْلُ المَعَاصي أمْواتَاً في حَيَاتِهِمْ: (أَمْـواتٌ غَـيْرُ أحْـيَاءٍ ومَـا يَشْـعُـرونَ) [النحل: 21]، وتِـلاَوَةُ القُرْآنِ بِحَدِّ ذَاتِهَا عَمَلٌ مُبَـارَكٌ يَشْهَدُهُ اللهُ ومَلائِكَتهُ: (وقُرْآنَ الـفَجْـرِ إنَّ قُـرْآنَ الـفَجْـرِ كَـانَ مَـشْـهُـوداً) [الإسراء: 78]، (ومَـا تَتْلُـوا مِـنْهُ مِـنْ قُـرْآنٍ إلاَّ كُـنَّا عَـلَـيْكُـمْ شُـهُـوداً) [يونس: 61].

لِهَـذا جَـاءَ الأمْـرُ الإلـهيُّ: (فَإذا قَـرَأتَ الـقُـرآنَ فاسْـتَعِـذْ بِاللَّـهِ مِـنَ الـشَـيْطَانِ الـرَجِـيمِ) [النحل: 98]، ولَمْ يَأمُرْهُ صَراحَةً بَقَوْلِ : بسمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرحيمِ، أمّا الاسْتِعاذَةُ فَهيَ فَرْضٌ بآيَةٍ قُرْآنيّةٍ، لِطَرْدِ طَاقَةِ الشَيْطانِ الشِرّيرَةِ، لِـتَحِلَّ مَحَلَّهَا طَاقَةُ القُرْآنِ الخَيّرَةُ والسَـاميَةُ عِنْدَ المُؤْمِنينَ: (قَـدْ جَـاءَكُـمْ مِـنَ اللـهِ نُـورٌ وكِـتَـابٌ مُـبيـنٌ يَهْـدي بِـهِ اللَّـهُ مَـنِ اتّبَعَ رِضْـوانَهُ سُـبُلَ الـسَـلامِ ويُخْـرِجُـهُـمْ مِـنَ الـظُـلُـمَـاتِ إلـى الـنُورِ بِإذْنِهِ ويَهْـديهِـمْ إلـى صِـراطٍ مُـسْـتَقِيمٍ) [المائدة: 15، 16]، (قُـلْ هُـو لِلَّـذينَ آمَـنُوا هُـدىً وشِـفَـاءٌ والـذينَ لاَ يُـؤْمِـنُـونَ فـي آذانِـهِـمْ وَقْـرٌ وهُـو عَـلَـيْهِـمْ عَـمَـىً أولـئِـكَ يُنَـادَوْنَ مِـنْ مَـكَـانٍ بَعِـيدٍ) [فصلت: 44].

فَللقُرْآنِ مِنْ خِلالِ طَاقَتـةِ السَاميةِ تأْثـيرٌ رائِعٌ وَنَتائِجٌ إيْجابيّـةٌ عَلى نُفوسِ المُـؤْمِنينَ وأبدانِهِمْ: (اللّـهُ نَزَّلَ أَحْـسَـنَ الـحَـديثِ كِـتَـاباً مُـتَشَـابِهَـاً مَـثَـانيَ تَقْـشَـعِـرُّ مِـنْـهُ جُـلُـودُ الـذينَ يَخْـشَـوْنَ رَبَّهُـمْ ثُمَّ تَلـيـنُ جُـلُـودُهُـمْ وقُـلُـوبُهُـمْ إلـى ذِكْـرِ اللّـهِ) [الزمـر: 23].

(ويَخِـرّونَ لِـلأذْقَـانِ يَبْكُـونَ ويَـزيدُهُـمْ خُـشُـوعَـاً) [الإسـراء: 109]، لِمَا في القُرْآنِ مِنْ طَاقَـةٍ: (ولَـوْ أنَّ قُـرْآنَاً سُـيِّـرَتْ بِهِ الـجِـبَالُ أوْ قُـطِّـعَـتْ بِهِ الأرْضُ أوْ كُـلِّـمَ بِـهِ الـمَـوتَـى) [الرعـد: 31]، وهَذِهِ الطَاقَةُ ومِيزاتُهَا الرائِعَةُ وتأثيراتُها الإيجابيّةُ المُباشـرةُ، لاَ يُعْطيها اللَّـهُ لِغَيْرِ المؤمنينَ.

سـراجاً مُـنيراً:

لَمّـا كَانَ القُـرْآنُ الكَريمُ كِتَابا مُبَـارَكا: (كِــتَـابٌ أَنْزلْـنَاهُ إلـيـْكَ مُـبـَارَكٌ) [ص: 29] (وَهَـذا كِـتَابٌ أَنْزلنَاهُ مـُبَارَك) [الأنعام: 92] (وَهـَذا ذِكْـرٌ مـُبَارَكٌ أَنْزَلـْنَاهُ) [الأنبياء: 50].

والبَرَكَةُ: هيَ شَكْلٌ مِنْ أشْكالِ الطَاقَةِ السَاميةِ والخَيّرَةِ، لِذَلِكَ كانَ القُرْآنُ الكريمُ نُوراً بكلِّ مَعْنى الكَلِمَةِ: (وأَنْزَلْـنَا إلَـيْكُـمْ نُـوراً مُـبيناً)[النساء: 174] (قَـدْ جَـاءَكُـمْ مِـنَ اللـَّهِ نُـورٌ)[المائدة: 15]، (فَـآمِــنُوا بِاللَّـهِ ورَسُــولِـهِ والـنُورِ الـذي أَنْزَلْـنَا) [التغابن: 8]، ولَذَلِكَ أيْضَـاً كانَ الرَسُـولُ صلى الله عليه وسلّم، الذي أُنْزِلَ عليْهِ هَـذا القُرْآنُ سِـراجاً مُـنيراً: (يَا أَيُّـهَـا الـنَبيُّ إنَّا أَرْسَـلْـنَاكَ شَـاهِـداً ومُـبَشِّـراً ونَذيراً وداعِـيَاً إلـى اللَّـهِ بِإذْنِهِ وسِـراجَـاً مُـنيراً) [الأحزاب: 45، 46]، (وكَـذَلِكَ جَـعَـلْـنَاهُ نُورا ً نَهْـدي بِهِ مَـنْ نَشَـاءُ مِـنْ عَـبَادِنَا) [الشورى: 52].

Email