أفْـصــَـحُ لِـســَانـاً

OAG01090709 Quran

ت + ت - الحجم الطبيعي

نـحـن فـي شـهـر رمضـان الـمـبارك الـذي أنـزل فـيه القـرآن الكريم، كتـاب الفصـاحة والبـلاغـة بإطـلاق تـامّ، فالقرآن "نسـيج وحـده"، ولا يمكن مقـارنته مع أيّ كلامٍ آخـر: (وإنّه لـكـتابٌ عـزيزٌ لا يأتيه الـباطـل مـن بين يديه ولا مـن خـلـفـه تنزيلٌ مـن حـكيمٍ حـمـيدٍ) [فصلت: 42]، فالله قد أتقن القرآن الكريم كما أتقن كلّ شيءٍ: (صـنع اللـّه الـذي أتـقـن كـلّ شـيءٍ) [النمل: 88]، فلا حرفٌ زيادةٌ ولا نقصانٌ، وبما أنّه سبحانه: (لـيس كـمـثـلـه شـيءٌ) [الشورى: 11]، فإنّ كتابـه الكريم ليس كمثـله كتـابٌ، لأنّ الكلام صـفة المتكلّم، وخلاصة القول: (قل لـئـن اجـتمـعـت الإنس والـجـنّ عـلـى أن يأتوا بمـثل هـذا الـقرآن لا يأتون بمـثلـه ولـو كـان بعـضـهـم لـبعـضٍ ظـهـيراً) [الإسراء: 88].

الـفـصـاحـة

الفصاحة: هي الكلمات سهلة الفهم، الخفيفة على اللسان، والخالية من تنافر الحروف، وغير ثقيلةٍ على السمع، وغير كثيرة الحروف، ومنه اللغة الفصحى، وهي نظام ربط الكلمات والأحرف وفق مقتضيات دلالاتها العقليّة وقواعد النحو، فالفصاحة في اللّسـان والألفاظ: (هـو أفصـح مـنّي لـسـاناً) [القصص: 34]، بينما تكون البلاغـة في القول: (وقل لـهـم فـي أنفسـهـم قولاً بلـيغـاً) [النساء: 63] .

وحتّى يكون الكلام فصيحاً، يجب أن يحقّق النسـب في كلماته، وهذه النسـب هي:

- أن تشكّل حروف (ل، م، ن، أ) نسبة 70% من حروف كلمـات النـصّ.

- أن تشكّل حروف (هـ، و، ت) نسـبة 50% من حـروف السـطر السـابق.

- أن تشكّل حروف (ب، ك، ر، ف) نسبة 30% من حـروف السـطر السـابق.

- أن تشكّل (ع، ق، س، ذ، د، ج) نسبة 20% من حروف السطر السابق.

- أن تشكّل حروف (ش، خ، ح) نسـبة 15% من حـروف السـطر السـابق.

- أن تشكّل حروف (ز، ض، ص) نسبة 10% من حـروف السـطر السـابق.

- أن تشكّل حروف (غ، ث، ط، ظ) نسبة 5% من حـروف السـطر السـابق.

 

ونلاحظ قول الشـاعر: (وليس قـرب قبـر حـربٍ قبـر)، عدم وجود الفصـاحة، لتكرار: (ق، ر) فوق طاقتهما، بينما نلاحظ الفصـاحة مع البلاغـة المدهشتين بقوله تعالى: (وعـلـى أمـمٍ مـمّـن مـعـك) [هود: 48]، بالرغم من تكرار حرف (م) كثيراً، فقد حقّقت حروف (ل، م، ن، أ) نسبة 70% من حروف الآية، فالقرآن الكـريم فعـلاً: (نسـيج وحـدِه).

هـاء الـسـكـت

(فأمّـا مـن أوتي كـتابه بـيمـيـنه فيقول هـاؤم اقرؤوا كـتـابيـه) [الحاقة: 19]،

تسمّى الهـاء في آخر كلمة كتابيـة: هـاء السـكت، وتأتي عند الوقوف في الفعل المعتلّ المحذوف آخره، سواءٌ للجزم مثل: (لم يتسنّه) [البقرة: 259]، أو لأجل البنـاء مثل: (فبهُداهم اقتده) [الأنعام: 90]، في كلّ مبني على حركة بنـاءٍ ولم يشبه المعرب مثل: (ماليه، سلطانيه، حسابيّة) [الحاقة: 28، 29]، (ما هيه) [القارعة: 10]، والتي أصلها: مالي، سلطاني، حسابي، ما هي.

إذا كان الفعـل ثلاثياً وأوّله وآخره حرف علّـة مثل: وقـى، فإنّ صيغـة الأمر منـه هي حرفٌ واحدٌ فقط: قِ للمفرد، وللجمع: قُـوا، كقوله تعالى: (قُـوا أنفسكم وأهليكم ناراً) [التحريم: 6]، وكذلك الفعل: وعـى، فإنّ فعل الأمر منه هو: عِ للمفرد وعُـوا للجمع، ومنه: (اسمعوا وعُـوا).

الـبــلاغــة

ورد في سورة النمل: (أمّـن خـلـق الـسـمـاوات والأرض وأنزل لـكـم مـن الـسـمـاء مـاءً فأنبتنا به حـدائق ذات بهـجـةٍ مـا كـان لـكـم أن تنبتوا شجـرهـا أإلـهٌ مـع اللّـه؟ بل هـم قـومٌ يعـدلـون، أمّـن جـعـل الأرض قـراراً وجـعـل خـلالـهـا أنهـاراً وجـعـل لـهـا رواسـي وجـعـل بين الـبحـرين حـاجـزاً أإلـهٌ مـع اللّـه؟ بل أكـثرهـم لا يعـلـمـون، أمّـن يجـيب الـمـضـطـرّ إذا دعـاه ويكـشـف الـسـوء ويجـعـلـكـم خـلـفاء الأرض أإلـهٌ مـع اللّـه؟ قلـيلاً مـا تذكّـرون، أمّـن يهـديـكـم فـي ظـلـمـات الـبرّ والـبحـر ومـن يرسـل الـرياح بشـراً بين يدي رحـمـته، أإلـهٌ مـع اللّـه؟ تعـالـى الله عـمّـا يشـركـون) [النمل: 60 - 63].

يــا لــروعة الــبــلاغة، إنّـه عرضٌ يثيـر الوجدان، ويشدّ المخلوق إلى مصدر خلقه، بطريقةٍ أبعد ما تكون عن طرق علم الكلام والفلسفة، بل هي استنطاقٌ للحواس والفطرة والضمير معاً، فنجد مع تكرار الاستفهام: (أمّـن) الذي يجعلنا أمام أنماطٍ متشابهةٍ من الصياغة، نجد تنوّعاً في أزمنة الأفعال، فهي أفعالٌ ماضيةٌ في الآيات الأولى: (خـلـق، أنزل، أنبت، جـعـل) وتتحدّث عن (نعمٍ) تمّ خلقها وإهداؤها من الخالق، ثمّ تتحوّل إلى فعالٍ مضارعةٍ في الآيات الأخيرة: (يجـيب، يكـشـف، يجـعـل، يهـدي، يرسـل...)، والتي تدلّ على (نعمٍ) مستمرّةٍ من الخالق.

Email