وما أدراك مـا ليلة الـقدر

ليلة القدر

ت + ت - الحجم الطبيعي

لـقَدْ خَصَّ اللهُ سبحانَهُ بَعْضَ الأزْمِنَـةِ بِخَواص مُعَـيـَّنَةٍ (نَفَحاتٍ)، مِنْ أهَمِّـها لَـيْـلَـةُ الـقَـدْرِ: «لـيْلَـةُ الـقَـدْرِ خَــيْرٌ مِـنْ أَلْـفِ شَـهْـر» (القدر: 3).

الـطــاقــة الـسـنويّـة

تكمُنُ أهمـيّةُ لـيـلـة الـقـدْر، في أنّهـا الليْـلـة التي يوزّعُ فيهـا الـمـلائـكة الـكـرامُ الطـاقة السـنويّة التي يحـتـاجُهـا الإنسان في حياته، فالإنـسـانُ خـلالَ حـياته يحتـاجُ إلى: طـاقةٍ يـومـيّة يحْصـلُ علـيهـا منَ الصـلوات الخمْـس، وطـاقة سـنويّة يحْصـلُ علـيهـا في لـيْلـة الـقـدْر، وطـاقة في العُـمْر كلّـه يحْصـلُ عـليـهـا بأداء فـريْضة الحـج. ومِـنَ الـمُـلاحـظ أنّ الطـاقة اليـومـية لا تتعـارضُ مع ضـوْءِ الـنـهـار، لأنّ الصَـلوات الخمـس المفـروضـة تقـعُ في الفـتـرة الـضـوئيّـة مـنَ الـيوم (من بداية الضوْء عند الفـجْـر وحتّى نهـاية الضـوءِ عند صـلاة العشـاء)..

وطـاقـة الـحـجّ يحصـلُ علـيـهـا في الليْـل والنهـار خـلال أيّـام الحـجّ. ولـكنّ الطـاقة السـنويّة في ليْـلـة الـقـدْر تتعـارضُ مـع الضـوء، لـذلك يتوقّـفُ الـمـلائـكـة الكـرام عن تـوزيـع هذه الطـاقـة «الـروح» عـنْـد بداية وُصـول أشـعّـة الفـجْرِ الأولـى: (سَـلامٌ هـيَ حـتّى مَـطْـلَـعِ الـفـجْر) (الـقـدر: 5)، وكـذلك طـاقـة الـقـرآن الكـريم تتـوافقُ مـع طـاقة لـيْلـة القـدْر وتتعـارضُ مـع طـاقة الضـوء..

فالقرآنُ الكـريمُ ينـفـردُ بَقُدْرَتِهِ على تَزْويدِ سَـامِعيهِ بالطَـاقَةِ وَالحيَويّةِ، والطَاقَةُ السَـاميَةُ التي فيـهِ هَـائِلَةٌ، بِحَيْثُ إنَّ الصَخْرَ القاسـي عَاجِـزٌ عَـنِ احْتِمالِهـا: (لَـوْ أَنْزَلْـنا هَـذا الـقُـرآنَ عَـلـى جَـبَلٍ لَـرأيْـتَهُ خـَاشِـعـاً مُـتَصَـدِّعَـاً مِـنْ خَـشْـيَةِ اللّـهِ) (الحشر: 21)، فَالقُرآنُ رُوحٌ: (وَكَـذَلِـكَ أَوْحَـيْنَا إلَـيْـكَ رُوحَـاً مِـنْ أَمْـرِنَا مَـا كُـنْتَ تَدْري مَـا الـكِـتَابُ) (الشورى: 52). وَالمُلاحَـظُ أنَّهُ أُنْزِلَ لَيْـلاً وفي لـيْـلة الـقـدْر المباركة بالـذات: (إنّا أَنْزَلْـنَاهُ فـي لَـيْلَـةٍ مُـبارَكَـةٍ) (الدخان: 3)، (يُـنَزِّلُ الـمَـلائِـكَـةَ بِالـروحُ مِـنْ أَمْـرِهِ عَـلـى مَـنْ يَشَـاءُ مِـنْ عِـبَادِهِ) (النحل: 2).

تـوقــيـتُــهـا

مِنَ الأرْجَـحِ وَشِبْـهِ المؤكَّـدِ أنَّهـَا لَيْلَـةُ 27 رَمَضَـانَ، وَذَلِكَ لِلأسْـبابِ التاليَةِ:

• بِمـا أَنَّهـا في الـعَشْـرِ الأواخِـرِ مِنْ رَمَضَان كمَا قالَ صَلى الله عليْهِ وَسَلَّم، فَعَلَيْنـا إذاً عَـَدمَ إدْخـالِ العشـرينَ يَومـاً الأولى مِنْ رَمَضَـان في الحُسْـبانِ، وَبَـدْء الحسَـابِ اعْتِبـاراً مِنْ يـومِ 21 رَمَضَـان وَمَـا بَعْده.

• بِمـا أَنَّها في الوِتْـرِ (الأعدادِ الفرديَّـة)، فَهيَ إمَّـا: لَيْلَـةُ 21 أو 23 أو 25 أو 27 أو 29 منْ رَمضَان.

• إذا نَظَرْنا لأهميَّـةِ العَـدَدِ 7 في الدين الإسلاميّ، وَأَخَذْنـا هَـذا الرَقَـمَ بَعْدَ إبْعَـادِ العشرينَ يَومـاً الأولى مِنَ الحسْـبانِ، فَسَنَصِلُ إلى السَـابِعِ بَعْـدَ العِـشْرين، أيْ لَيْلـةُ 27 من رمـضـان، واللـه أعـلم. وتـبـدأ لـيْـلـةُ القَـدْر مـن مـكّـة حصـراً، وليس من خـطّ التوقـيت الـعـالـمي المعـروف حـالـيّاً، والسـبب هـو أنّ مـكّـة المُـكَـرّمـة هـي «اُمّ القـرى» في العَـالَم أجْمـع: (أُمَّ الـقُرى) (الأنعام: 92، الشورى: 7)، فَمِنْ مَوْقِعِ مكَّةَ انتَشَرَتِ الإنسَانيةُ في الأرضِ.

أهَمُّ مَـا في الأمْرِ قَوْلُـهُ صلى اللهُ عليهِ وَسَلَّم: «مَنْ يَقُمْ لَـيْلَةَ القَـدْرِ إيْمـَاناً وَاحتِساباً غُفِـرَ لَـهُ مَا تَقَدَّم مِنْ ذَنْـبِهِ»، وَقال: «مَنْ قَـامَ رَمَضَانَ إيمـاناً وَاحْتِساباً غُفِرَ لَهُ مَـا تَقَـدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» رواه البخـاري في الإيْمـان، ومسـلم في الترغيب عن أبي هـريرة رضي اللّـه عنـه.

تَـنـزّلُ وتـتَـنـزّلُ

إنّ زيـادَة الـمـبْـنى في الكـلمة العـربيّـة يُفـيدُ فـي زيـادة الـمـعـنى، لذلـكَ فإنّ كـلـمـةَ (تـتَـنـزّلُ) أعَـمّ وأشـمـلُ فـي معنـاهـا من كـلـمة (تـنـزّلُ)، فـفـي لـيْلـة الـقـدْر قال تعـالى: (تَـنـزّلُ الـمـلائـكـةُ والـروحُ فيهـا) (القـدر: 4)، لأنـهـا لـيْلـةٌ واحـدةٌ فـي السـنة، ولـكـنّ المـؤمـنَ يسـتطيـع أن يجْعـلَ لنفـسـه «ليــلة قَـدْر» خـاصّـه بـه، وطـوال أيّـام السـنة، لقـولـه تعالى: (إنَّ الـذينَ قَالُـوا رَبُّنَا اللّـهُ ثُمَّ اسْـتَقَامُـوا تَتَنَزَّلُ عَـلَـيْهِـمُ الـمَـلاَئِـكَـةُ ألاَّ تَخَـافُوا وَلاَ تَحْـزَنُوا) (فصلت: 30).

الـروح والأمـر

إذا نظـرنـا في قـولـه تعالـى: (تَـنـزّلُ الـمـلائـكـةُ والـروحُ فيهـا بإذْن ربّـهـم مـنْ كلّ أمـرٍ) (القـدر: 4)، نـرى أنّ هذه الآية الـكـريمـة قـد جمعـتْ بيْنَ الـروح وبينَ الأمـر، فالأمْـرُ هـوَ: قُـدْرةُ اللـه الـكـليّة: (لاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَّـهِ) (الكهف: 39)، وَمِنْ هَذِهِ الـقـوّة الكلـيّة يُعْطِي اللّهُ قـوى جُزْئِيَّة أسْمَاهَا رُوحا، لذلك نجـد الكثير منَ الآيات يتحدّث عن ذلك بكلّ وضوح مثل:

(يُلْـقي الـروحَ مِـنْ أَمْـرِهِ عَـلـى مَـنْ يَشَـاءُ مِـنْ عِـبَادِهِ) (غافر: 15)، (يُنَزِّلُ الـمَلائِـكَةَ بِالـروحِ مِـنْ أَمْـرِهِ عَـلـى مَـنْ يَشَاءُ مِـنْ عِـبَادِهِ) (النحل: 2). أمّــا لـيْـلـةُ الـقـدْر فقـد ذكَـرَ فيهـا: (مـنْ كـلّ أمْـر)، أيْ فيهـا مـنْ كـلّ أنـواع الطـاقات المـلائكيّة السـامية والإيجـابيّة، وليْسَ نوعـاً واحـداً مـنَ الـطـاقـة.

Email