العلم.. فاصل بين بني آدم والإنسان

ت + ت - الحجم الطبيعي

إن البحث العلمي في مفهـومه المطلـق، هو الكشـف عـن الحقيقـة، أو أنـه نوع من حـب الاستطلاع الفكري، بهدف التوصل إلى نتيجة مـا، وفي وصف آخر: إن البحـث العلمي هو البحـث المنظـم المنهجـي النـاقد في أسباب المشـكلات وحلولهـا، ويقوم على أساس من سؤال، أو مشكلة تتطلب حلاً، وينتقل من الملاحظة، إلى التعـليل فالتعميم.

وإذا كان المـرء علميـاً وموضوعيـاً، عندهـا يسـتطيع قول الحقيقـة، والحقيقة مسـؤولية يجب أن يتحمـل عواقبهـا القـائل المخلص، ويتسـع لهـا صـدر القارئ الأمين، وما زال هنـاك بعض المبـدعين الذين يرفـدون البحث العلمي بنتـاج أصيل، فالمعيـار الرئيس لتقويم الإبـداع هـو أن يكون النتـاج فيـه جديداً وأصـيلاً، وذا فائدة للفرد والمجتمع، وهؤلاء المبدعون يعرفون معـنى كل كلمة لديهم، ولديهم الخبـرة لاستيعاب كل فكرة من بحثهم.

الـمـوهـبـة

إن البحـث العلمي مـوهـبة، ومن لـديه موهـبة البحث العلمي، يصبح البحث العلمي بالنسبة إليه إدماناً لا يمكن التخلص مـنه، وإيمـاناً يصعب الارتـداد عنـه، إنـه الموضوع الواحد الذي يسير فيـه طوال حيـاته، فاثنـان لا يقنعان أبـداً: طالب علم، وطالب مـال، فالموهبـة شـيء أسـاسـي، يجب توافرهـا لمـن يريـد أن يكون باحثـاً علميـاً مبدعـاً، إنـه إنسان يسعى دائمـاً لمعرفة حقيقة مـا..

ويسـأل نفسه دوماً: «لماذا وكيف وأين؟»، فهـو شـخصية تبحـث وتنقـب عن تفسـير لقضـية مهمـة، ويجب أن يتصف الإنسان الذي يمـارس البحـث العلمي، بالمقدرة العـالية على المثابرة والاجتهاد، فالبحث العلمي هو طيف رائـع، من سـاعات يمـلؤهـا الخوف والحذر، وساعات أخرى فيها ومضات من الإلهام، وهو عرق لا يجف، وعيون لا تغفو، وعقل لا يهدأ.

هـمـة الـشـباب

لذلك، فإن الشباب هـم الأقدر والأجـدر على البحث العلمي، طـالمـا أن الـبحث العـلمي يحتاج إلى الهـمة والمثابرة، إن العمل بالأبحاث العلمية عمل شـاق ومتعب، «والـذين لا يجـدون إلا جـهـدهـم» [التوبة: 79]، ويكون الباحث ناجحاً، كلما تميز بشـخصية خاصـة، فيناقـش الآراء بدون تحيز وبدون تبعـية، والباحث المـبدع يرفض أن يصدق كل مـا قيل، وأن يقبل كل ما كتب على علاته...

وبذلك فقط يتجـدد الفكـر ويتطـور العلـم والبحث، وأهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها الباحث، هي الأمانة العلمية والصدق مع الذات أولاً، ومع الغير ثانيـاً، وهذه الأمانة تحتم على الباحث ألا يسـطو على أفكار غيـره، أو أن ينحـاز في دراسـته لطرف أو جانب معين.

فالبحث الأصيل في غـالب الأمر، دراسـة تبحـث في شـيء تكون لنتـائجه أو طريقة دراسـته خصوصية يمكن لهـا أن تضيف شـيئـاً جـديداً، مهمـا احتـاج الأمر إلى وقت قـد يكون طويلاً طـويلاً، فالمهـم أن يخرج الباحث إلى العـالم بأفكاره وأبحاثه، وأن يقول للآخرين: «إنـني موجـود... وأشـارك في إثـراء المعرفـة الإنسـانية».

«قالـوا سـبحـانك لا عـلـم لـنا إلا مـا عـلـمـتنا إنك أنت الـعـلـيم الـحـكـيم» [البقرة: 32].

فئات المجتـمع

يقسـم المجتمـع العـربي لثـلاث فئـات:

- فئـة سـلبية: وهي الأغلبية الساحقة، تتلقى المعرفـة ثم تنساها وتهملها وتقتلها

- فئـة إيجـابية: وهي الفئـة النادرة، تتلقى المعرفـة فتفهمهـا وتحـاول نشـرها

- فئـة تصنع المعرفة: وهي الفئـة المعدومة، قـادرة على صنـع المعرفـة ونشـرها

مجـتـمـع اقــرأ

إن الشريعة تريد مجتمـعاً يسـوده البـحث العلمي، وتسـوده المعـرفة، فـأول أمـر نزل من السماء وفي شهر رمضان، وجـاء بكل قـوة ولا تسـاهل فيه كان: «إقـرأ» [العلق: 1]، وذلك لأن الإيمـان بدون علم يبقى ناقصـاً من الناحية الفكرية، فالإيمـان يحتاج إلى علم، ولا يتعارض معـه، وإلا لـمـا طـالبه بأن يقـرأ في بداية الرسالة.

«ويـرى الـذين أوتوا الـعـلـم الـذي أنـزل إلـيك مـن ربك هـو الـحـق» [سـبأ: 6].

«بل هـو آيات بيـنات في صـدور الـذين أوتوا الـعـلـم وما يجـحـد بآياتنا إلا الـظـالـمـون» [العنكبوت: 49]، والتوحيـد ذاتـه يبقى موضع شـك وريبـة بدون العلـم «شـهـد اللـه أنـه لا إلـه إلا هـو والـمــلائـكـة وأولـو الـعـلـم قائمـاً بالـقـسـط» [آل عمران: 18].

بـنـي آدم:

حينما يسـتخدم القرآن عبارة بـني آدم، أي حينما ينسـب الإنسـان إلى آدم المتعلم الذي يعلم الأسماء كلهـا، فإنه يتحدث باللطف واللين والتكريم، تقديراً للمعرفـة والعـلم «ولـقـد كـرمـنا بـني آدم» [الإسراء: 70]، أمـا حينما يستخدم لفظة الإنسـان فقط، المجـرد من المعرفة، فإنه يتحدث عنه كـكافر وجاحد وذي صفات سيئة «قـتـل الإنسـان مـا أكــفـره» [عبس: 17] «إن الإنسـان لكـفـور» [الزخرف 15][الحج: 66].

Email