برمجيّات الشخصيّة.. صـراع الخيْر والشـرّ

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

الشـخصـية: هي الآلية المتحكّمة في التفاعلات الحركيّة والنفسيّة، فهي مجموعة النُظُم [البرمجيّات] الخاصّة بكل إنسان، وهي التي تُميّز وبكلّ دقّة، بين إنسانٍ وآخر، قال تعالى: (انظرْ كيْفَ فضّـلْنـا بعْضَـهُم على بعْضٍ ) الإسراء: 21، وقـد سماها القرآن الكريم: [ذات الصـدور]، فقال تعالى: (وأسـرّوا قولكم أوِ اجْـهـروا بـه إنّـه عليمٌ بذات الصدور) الملك13، والشخصيّة هي مـركـز [التربّص]، قال تعالى: ( قُلْ كلٌّ مُـتربّص، فتربّصوا فسـتعلمون مَنْ أصحابُ الصراط السـويّ ) طه: 135، فالغادرُ يتربّص ليَطعَنَ منَ الخلْف، والطيّبُ يتربّصُ لفعْل الخيْر: (قُلْ كلٌّ يعملُ على شاكلته) الإسراء: 84.

وبرمجيّات الشخصيّة هي صـراعٌ بين الخيْر والشـرّ، مثال: [بين برمجيّات الحاسوب والفايروس]، وإذا ما اختلطتْ [برمجيّات] الشخصيّة بسـبب [الفايروسات] الشيطانيّة، يحدُث انفصامُ الشخصيّة : (مُذبْذبينَ لا إلى هـؤلاء ولا إلى هـؤلاء) النساء: 143، أيْ : (يتخبّطـهُ الشيْطانُ منَ الـمَـسّ) البقرة: 275.

والرسول الكريم صلى الله عليه وسلّم أشار إلى ذات الصدور بـ[النيّـة]، فقال: [إنّمـا الأعمـالُ بالنيّات]، وتقوم العباداتُ على [النيّة]، فالمسلم ينوي الصيام وينوي الصلاة وينوي الحجّ...، ومن دون النيّة السليمة لا يُقْبَلُ العملُ ولو كان في ظـاهره عملاً حسـناً، يقول تعالى عن المنافقين: (قُلْ أنفقوا طوعاً أوْ كَـرْهاً لنْ يُتقبّل منكُم إنّكُم كُنتُم قوماً فاسقين) التوبة: 53، والسبَبُ هو عدَم وجود النيّة الصافية: (ولا يُنفقونَ إلاّ وهُمْ كـارهونَ) التوبة: 54.

الأنـا الإعجـابيّة

هذه [الأنـا] فيهـا الهلاك لصـاحبهـا، و قد ضرَبَ القرآن الكريم الكثير منَ الأمثلة عن هذه [الأنـا] التي أهلكتْ أصـحابهـا، فالبدايةُ كانتْ عند إبليس الذي قال: (أنـا خيْـرٌ منْـهُ) الأعراف: 12، وفرعون هلَكَ حينمـا قال: (أنـا ربّكُمُ الأعلى) النازعات: 24، وصاحبُ الجنّتين قال: (أنـا أكْـثَرُ منْكَ مالاً و أعـزّ نَفَـراً) الكهف: 34، والذي حاجّ إبراهيم في ربّه قال: (أنـا أحْـيي وأمـيْتُ) البقرة: 258، ونُلاحظُ في هذه الأمثلة كيف بدأ هؤلاء قولهُم بكلمة: [أنـا].

ويعمل الصيـامُ على الحـدّ من هذه [الأنـا] وكبْحِ جِمـاحـها، و بذلك تتوازنُ الشخصيّة، وتعود لتواضعهـا وهدوئهـا واسـتقرارهـا ، وتقول الحكمة: [مَنْ صَامَ... صَــامَ] أيْ: هـدأ واسـتقرّ ولانَ مع الآخـرين، وتقول الحكمة الأخرى: [إذا كُنْتَ تُخطّطُ لعشْـرٍ سنواتٍ فازرعْ شـجراً، وإذا كُنتَ تُخطّطُ لمئات السنين فازرعْ بَـشَـراً]، لأنّ تعريفَ الفسـاد:

هو إصـلاحٌ لكنْ لـمْ تُنفّذْ شُـروطُه، وتعريفُ الشـرّ: هو خـيْرٌ و لكنْ لـمْ تُطبّقْ بُنـودُهُ، فالشـريعةُ التي نزَلَت منَ السمـاء كُلّـهـا خـيْرٌ وصـلاحٌ: (و قيْلَ للذينَ آمنوا مـاذا أنزل ربّكُمْ قالوا خيْـراً) النحل: 30، ولكن عندمـا لـمْ تُنفّذ شروطُ الإصلاح ولـمْ تُطبّق بُنودُ الخـير، ظـهرَ الشـرّ والفسادُ، وظـهرَ الشـقاء: (فإمّـا يأتيَنّكُم منّي هُـدىً، فمنْ اتّبَـعَ هُدايَ فـلا يضلّ ولا يشـقى) طـه: 123.

وعي الشـخصيّة

يستطيع الإنسانُ منْ بين جميع المخلوقات الأخرى، التفكير في قُدرته على العمَل، بينمـا الكائنات الأخرى تعْملُ وحسْـب، دون التفكير في قدرتهـا على العمل، ففي كلّ إنسانٍ يجري تيّارٌ منَ الوعي مُسـتمرّ ومُتكاملٌ ولا يُشاركه فيه إنسانٌ آخَـرُ، فقضيّةُ الأكْلِ منَ الشَجرة التي قامَ بهـا الزوجان [آدمَ و حوّاء]: (فأكلاَ منْهـا) طه: 131، ترمُزُ إلى اكتساب الإنسان قُدرة وعي الشخصيّة، وهذا الوعي يُعرّضُ الإنسان للانجراف وراء منَافعِه الشخصيّة: (شـجرةِ الخُـلْد ومُلْكٍ لا يبلى) طه: 120 ، والقيام بأعمالٍ يُـشـجّعُها الآخرونَ: (فوسوسَ لهُمـا الشـيطانُ) الأعراف: 22، فتبعثُ فيه الشعورُ بالذنْب ووخْـز الضمير:

 (فبدتْ لهُمـا سـوْآتُهُـمـا) طه: 121، بعْد خُـسرانه النعمة: (قال اهبطـا منهـا) طه: 123، ويسعى الإنسانُ عن طريق هداية السماء: (فـإمّـا يأتيَنّكُم منّي هُـدىً) طه: 123، يسعى لتحرير الوعي منَ [الأنـانيّة] والإفراط في تقدير الذات: (والله لا يُحبّ كلّ مُختالٍ فخور) الحديد: 23، والهدى قد نزل في هذا الشهر المبارك: (شـهرُ رمضان الذي اُنزل فيه القرآن هُـدىً للناس) البقرة: 185، فعلينـا في هذا الشهر أن نتحرّر من [الأنـانيّة] وأن تعود الشخصيّة إلى فطـرتهـا التي فطـرها عليهـا خالقهـا منَ التواضع و السكون والهدوء: (فأقمْ وجْهك للدين حنيفاً ، فطـرة الله التي فطَـرَ الناس عليهـا) الروم: 30.

إنّ العلاقة بين الوعي [الذي يأتي من خَارج الذات البشريّة]، وبينّ الوجود الماديّ [الوسط المُحيط بنـا والكوْن]، هي العلاقة الأساسية في الفلسفة، فالإنسـانُ كونيّ مثلمـا أنّ الكون إنسانيّ.

هذا والله أعلم

الخير والشر وجهان لا يتفقان

Email