و لاَ تطغَوْا فيه

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

إنّ الطـغـيان بالطـعام في شـهـر رمـضـان خاصّـةً، لـه عواقب صحـيّة واجتمـاعية غـيـر حمـيدة، يقـولُ تعـالى: ( كُـلـوا مـنْ طَـيّبـات مَـا رزقْـنـاكُـم و لا َ تطـغَـوْا فـيـه فـيحـلّ عَـلـيْكُـم غَـضَـبي، و مَـنْ يَـحْـلِـلْ عـلـيْه غَـضـبي فـقَـدْ هَـوى )[ طـه 81 ]، والطـغيـان هـو: تجـاوُز الـحـدّ، فيجـب أنْ ينخـفضَ مُعـدّل تنـاوُل الطعام في رمـضان بالنسـبة لـبقـيّة الأشـهُـر الأخـرى، وبـذلك يرتـاح الجـسْـمُ وخـاصّـةً الجـهـاز الـهـضْـميّ، ومنْ جـهـةٍ أُخْـرى نتـرك الـمَـجَـالَ للـفُقـراء، للحصـول على الطَـعَام بأرخـصِ الأسـعار الـمُـمْـكـنَةِ.

القدر

و إنّ قَـدَر الإنـسـان [ أجَـلهُ الـمُـسـمّى]، مـحـتومٌ مـنْ خـلالِ انقـسـام الـخـلايـا، وَهَـذا القَـدْرُ مِنَ الانقِسَامِ قَـدْ رَسَـمَهُ الله في جِـيـنَـاتِ الخَلايا، وَ يَسْتهْـلِكُ الجِـسْمُ نَفْـسَهُ مَعَ كُلِّ انْقِـسَامٍ : ( إنِّي وَهَـنَ الـعَـظْـمُ مِـنّي وَ اشْـتَعَـلَ الـرَأْسُ شَـيْبَاً )[ مريم 3 ]، وَ مِنْ خِلالِ سَاعَةٍ بيـولوجِيّةٍ سَيَدْعونا مُنَـبِّـهُ هَذِهِ السَـاعَةِ يَوْماً مَا إلى القَبْـرِ: ( كُـلُّ نَفْـسٍ ذَائِـقَةُ الـمَـوْتِ )[ آل عمران 85][ العنكبوت 57 ][ الأنبياء 35 ]، ( قُلْ إنَّ الـمَـوْتَ الـذي تَفِـرُّونَ مِـنْهُ فَإنَّهُ مُـلاَقِـيْكُمْ][الجمعة 8 ]، فَساعَةُ الَموْتِ مُبَرْمَجَةٌ في [ الكروموسوم رقم 4 ] الذي ينْهَدِمُ جزئيّاً مَعَ كُلِّ انْقِـسَامٍ لِخَلايا الجِـسْمِ، مَا عَـدا الخَـلايا العَـصَبيّةِ والـدِمَاغـيّةِ ، التي لاَ تَنْقَـسِمُ وَ إلاّ يَتَوَجَّبُ عَـليـنا تعلـُّمَ اللغَةِ وَكُلَّ العُلُومِ كُلَّ سِـتّةِ أشْهُرٍ نَتيجَةَ مَحْوِ الذاكِرَةِ في حَالِ حُدُوثِ هَذا الانْقِسَامِ، فالخَلايا العُضْويّة في الكائِنِ الحيّ تَقُومُ بِنَوْعٍ مِنَ الانْتِحارِ الداخِلّي البَطيء، وَيَدْفِنُ الجِسْمُ في داخِلِهِ نِفَايَاتِهِ الخَلَويّةِ [ مُخَلّفَاتِ الَموادِّ السَامّةِ الخَارِجَةِ مِنَ الأكْسَدَةِ ، فَمِنَ الواضِحِ أنّنَا نَحْتَرِقُ وَذَلِكَ لِلوصُولِ إلى دَرَجَةِ حَرارَةٍ ثَابِتـةٍ 37 درَجَة]، وَيُفْرزُ مَوَادَّ مُعَدّلةً لِهَذا الطُوفانِ مِنَ السُمُومِ، فالجِسْمُ يَغُـرَقُ دَاخِلياً بِمُخَلَّفاتَهِ ( مَـنْ نُعَـمِّـرْهُ نُنَكِّـسْـهُ فِـي الخَـلْـقِ )[ يس 68 ]، وَ هَذِهِ البَـرْمَجَةُ تَحْدُثُ أثْنَـاءَ الحَمْـلِ: ( وَنُقِـرُّ فـي الأرْحَـامِ مَـا نَشَـاءُ إلـى أجَـلٍ مُـسَـمَّـى ثُـمَّ نُخْـرِجَـكُـمْ طِـفْـلاً ثُـمَّ لِـتَبْلُـغُـوا أَشُـدَّكُـمْ وَ مِـنْـكُـمْ مَـنْ يُتَوَفَّـى وَ مِـنْـكُـمْ مَـنْ يُـرَدُّ إلـى أَرْذَلِ الـعُـمُـرِ لِـكَـيْـلاَ يَعْـلَـمَ مِـنْ بَعْـدِ عَـلْـمٍ شَـيْئَـاً ) [ الحج 5 ].

وَ الحَلُّ الوَحيَدُ هُوَ [ دَوْرَةُ التَجْويعِ ] التي تَعْـني بِكُلِّ مَعَانيهَا الصيـَامُ عَلى الشريعَةِ الإسْلاميَّةِ وَالإقْلالُ مَا أمْكَنَ مِنَ الطعَامِ، فَالقَانونُ العَجيبُ [ أكْلٌ أكثَرُ مَوتٌ أسْرَعُ ]، وَ خَيْرُ الناسِ مَنْ [ كـفّ فــكّــهُ، وفَــكّ كــفّه ].

توجيه

وفي ذلك وجَّهَ سـيّدُ الـرسُلِ صلى الله عليه وسلم: [ المَعِـدَةُ بَيْتُ الدَاءِ وَالحِمْيَةُ رأسُ كُلِّ دَوَاءِ]، وَ: [ مَا مَلأَ ابْـنُ آدَمَ وِعَاءً شَـراً مِنْ بَطْنِهِ ، بِحَـسْبِ ابْنِ آدَمَ لُقـيْمَاتٍ يُقِـمْـنَ صُـلْبَهُ ] ، وَيَقُولُ العَالِمُ فاين درخ: إذا كانَتِ الانْقِسَامَاتُ الخَلَويّة تَمْنَحُنا نحَو 120 سَـنة مِنَ العُمْرِ في الفُسْحَةِ، فإنَّ نِظَامَ الصَيامِ المُسْتَمِرّ يُوصِلُهُ لِفَتْرَةِ 180 سَـنة، وَيَقُولُ ابنُ خَلْدون: إنَّ الناسَ في الَمجَاعَاتِ لا يَمُوتُونَ مِنَ الجُوعِ الجَديِدِ، بَلْ مِنِ اعْتيادِ الأمْعَـاءِ الـقَـديْمِ عَـلى فَـرْطِ الـرُطـوباتِ، ولَـذيذِ الَمطْعَـمِ وَالَمـشْـرَبِ من دونِ تَوَقّفٍ.

مَعَ العِلْمِ بأنَّ القرآنَ الكريمَ قَدْ أشَـارَ إلى إمْكانيّةِ امْتِدَادِ حيَاةِ البَشَرِ إلى أَكْثَـرَ مِنْ ثلاثِ مئةِ سَنَة مِنْ خِلالِ النومِ [ من دونِ طَعَامٍ وَشَرابٍ ] بقوانينَ فيزيائيةٍ كُوسْمولوجيّةٍ بيولوجيّةٍ أرادهَا الله سُبحانه، وَحِينمَا أفَـاقوا، كانَ أوّلُ طَلباتِهِمُ الطَعَـامَ ( وَ لَـبِـثُوا فـي كَـهْـفِهِـمْ ثَلاثَ مِـئَـةٍ سِـنينَ وَ ازْدادوا تِسْـعَـاً 000 فَـلْـيَـنْظُـرْ أيُّـهَـا أزْكَـى طَـعَـامَـاً فَـلْـيَـأْتِـكُـمْ بِـرِزْقٍ مِـنْهُ )[ الكهف19 ].

وَالمَنْطِقَةُ المَدْعُوَّةُ [ تَحْتَ المِهَادِ البَصَريّ ] في جِسْمِ الإنْسَـانِ ، تَضْبِطُ الجُوعَ وَالعَـطَشَ وَالحَرارَةَ وَحتَّى النَزْعَةِ العُدْوانِيَّةَ وَالغَريزَةِ الجِنْسـِيَّةِ، لِذَلِكَ ارْتَبَطَ الصِيَـامُ بِضَبْطِ الغَريزَةِ الجِنْسِيَّةِ، فَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلّم: [ يَا مَعْشَرَ الشَبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّج، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَليهِ بالصَوْمِ فَإنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ] [ كنز العمّال 16/ 44408]، ( وَ لْـيَسْـتَعْـفِفِ الـذينَ لاَ يَجِـدونَ نِكَـاحَـاً حَـتَّى يُغْـنِيَهُـمُ اللّـهُ مِـنْ فَضْـلِـهِ ) [ النور 33 ].

تُشَكِّلُ الفاكِهَةُ خَاصَّةً الـتَمْـرُ وَالـتـيْنُ وَسَطَاً [ قُـلَوِيّـاً] صِحِّيَاً في الجِسْمِ، لِـذَلِكَ يَجِـبُ تَنـاوُلهَا قَـبْلَ اللّحُومِ وَالمُـشْـتَقَّاتِ الحَـيوانيّةِ كالحَـليب مَثَلاً، لأنَّ هَذِهِ تُشَكِّلُ الوسَطَ [ الحَمضيّ ] الضَارّ، وَ قَدْ ذُكِرَت الفاكِهَةُ قَبْلَ اللّحُومِ في القُرْآنِ : ( وفـاكـهـةٍ مِـمّـا يَـتَخَـيَّرونَ وَ لَـحْـمِ طَـيْرٍ مِـمّـا يَشْـتَهُـونَ )[ الواقعة ].

الجِهَازُ نظيْرُ الوُدّي: في جِسْمِ الإنْسَانِ يَعْمَلُ في اللّيْلِ ، لِذَلِكَ على الإنْسَانِ بَعْدَ صَـلاَةِ المَغْـرِبِ أَنْ يَكُونَ [ نباتِيّاً]، من دُونَ أكْلِ المُـشْـتَقَّاتِ الحَـيَوانيَّةِ، بَيْنَما يَعْمَلُ الجِهازُ الـوُدّي في النَهارِ، على تَنْظـيْمِ دقّاتِ الـقَـلْبِ وَالحَرارَةِ وَالنشَاط بِشَكْلٍ عامّ .

إنَّ الإنْسَانَ هُوَ ابنُ الأَرْضِ، وَ يَأْكُلُ مِنْ عَطَاءَاتِهَا، وَ لِكِـنْ عَـلَيْهِ الانْتِباهَ لِأُمُورٍ عِدَّةِ مهَمَّةٍ أشَارَ إلَيْهَا القُرْآنُ الكريمُ: ( وَ الـذينَ كَـفَروا يَتَمَـتَّعُـونَ وَ يَأْكُـلُـونَ كَـمَـا تَأْكُـلُ الأَنْعَـامُ )[ محمد 12] فَيَجِبُ أنْ يَكُونَ طَعَامُ الإنْسَانِ مَدْروسَاً وَبِكَمِيَّاتٍ مُحَدَّدَةٍ من دُونَ إفْراطٍ ، ويجبُ الانْتِبَاهُ إلى تَلَوّثِ البيئَةِ: ( وَ الـبَـلَـدُ الـطَـيِّبُ يَخْـرُجُ نَبَاتُهُ بِإذْنِ رَبِّهِ وَ الـذي خَـبُثَ لاَ يَخْـرُجُ إلاّ نَكِـدَاً )[ الأعراف 58 ]، وَ لاَ يَصْلُحُ هـذا الـنوع مـنَ الـنَـبات لِمَا يُسَـمّى: [ الـتَـداوي بالأعْشَابِ ].وأخـيـراً تقول الحـكـمةُ: خـيْـرُ الـنـاسِ مَـنْ كَـفّ فَـكّـهُ وفَـكّ.

Email