مصر تزدحم بموائد الرحمن

يتردد عليها مليونا شخص يوميًا

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تعتبر موائد الرحمن من أكثر الطقوس ارتباطًا بشهر رمضان في مصر، حيث يحرص المواطنون والجمعيات وبعض الشركات على إقامتها كل عام تقربًا إلى الله، ومساعدة لغير القادرين، من خلال مائدة توضع داخل المساجد، أو بجوار الفنادق والعقارات، أو في مناطق فضاء واسعة للعديد من الأشخاص الجائعين بعد صيام يوم طويل. وهي مكارم من لدن أصحاب الأيادي البيضاء لتصبح مغانم للمساكين والفقراء.

ورغم الضغوط الاقتصادية والأزمة المالية المتفاقمة التي تعيشها البلاد منذ السنوات الأربع الماضية، إلا أن الموائد لا تزال مستمرة في كافة أرجاء الوطن، وذلك ما يؤكده تقرير حديث لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري، والذي أوضح أن عدد «موائد الرحمن» في مصر يصل لنحو 13 ألفًا و555 مائدة..

وذلك طبقًا للتصاريح التي أقيمت بموجبها هذه الموائد، يتردد عليها قرابة مليوني شخص يوميًا.. وبحسب التقرير فإن 87 في المائة منها يُقيمها أفرادٌ مقابل 13 في المائة تنظمها جمعيات خيرية وشرعية تعتمد غالبيتها على التبرعات في تمويل تكاليف الوجبات.

ويتولى القائمون على تلك الموائد، إعداد وجبات غذائية جاهزة في انتظار من يتناولها عند آذان المغرب موعد الإفطار في شهر رمضان، فيما يقف على رأس كل مائدة أحد العاملين بها يدعو السائرين في الشوارع أثناء أذان المغرب إلى تناول الإفطار لدرجة قد تصل في بعض الأحيان إلى حد الإلحاح، رغبةً في الحصول على الثواب الديني والثناء الاجتماعي.

وتتنوع الموائد بين تلك التي تقيمها جمعيات خيرية وأخرى يقيمها أفراد ومشاهير، ففي مسجد الاستقامة القابع بميدان الجيزة تقيم الجمعية الشرعية إحدى الموائد، وهناك أخرى على بعد حوالي200 متر من المسجد في بداية شارع الأهرامات تتسع لأكثر من 100 شخص، وكذلك مائدة مسجد الدكتور مصطفى محمود بالمهندسين وتسع نحو 120 صائما، وتقدم يوميًا ما يقارب من ثمانية آلاف وجبة توزع على الصائمين والأسر.

كل ذلك بجانب مائدة المحب بالزمالك، والتي يقوم عليها أحد فاعلي الخير الذي يرفض ذكر اسمه، بينما في الدقي تقام مائدة أخرى تقدم ما يقرب من أربعة آلاف وجبة وأنشئت منذ 12 عامًا.

وبحي شبرا الشهير بالقاهرة، توجد مائدة «يلبغا» والتي يتعاون في إنشائها واستمرارها مجموعة من المسلمين والأقباط منذ سنوات عديدة، إضافة إلى مائدة دار الإفتاء المصرية التي تقدم وجبات يوميًا للفقراء وعابري السبيل، ومائدة «أصحاب المحال» في شارع عماد الدين بوسط القاهرة، بخلاف مجموعة من الموائد الأخرى.

بريق الضوء

رغم أن كرنفال الموائد ظاهره الإحسان إلا انه بات جاذبا ببريق ضوئه وسطوع نوره. ولا يزال الفنانون والمشاهير يحرصون على إطلاق موائدهم في محيط سكنهم، فالفنانة فيفي عبده مثلا لديها مائدة في شارع جامعة الدول العربية، وتعد من الموائد الكبيرة المشهود بضخامتها.

حيث يصل طولها إلى 200 متر تقريبًا ويتنوع الطعام في داخلها، وتحرص الفنانة على التواجد شخصيا مع المفطرين بتلك المائدة ثلاث مرات خلال الشهر من أجل تناول الطعام مع ضيوفها على هذه المائدة.

والفنانة لوسي ومنذ ثمانية أعوام وهي تحاول الثبات على إقامة مائدتها المنصوبة في شارع محمد علي بالقاهرة والذي كان سببًا في شهرتها واحترافها، ومنذ ستة أعوام قامت الفنانة الاستعراضية دينا هي الأخرى بتنظيم مائدة كبرى يتم تجهيز طعامها داخل الفنادق الكبيرة، وتقوم هي الأخرى بالإفطار مرتين في الشهر مع ضيوفها، من أجل ربط أواصر الصلة بينها وبين محبيها.

وتعد الفنانة شيريهان من أشهر وأقدم الفنانين الذين حرصوا على إقامة مثل تلك الموائد، فمنذ 15 عامًا كانت المائدة التي حملت اسم شيريهان أمام قصرها من العلامات المميزة لنجمة الاستعراضات.

مصاعب ومتاعب

وفي جولة لـ «البيان» وسط تلك الموائد، تعد أهم المصاعب في سبيل إقامة مثل تلك الموائد هي غلاء أسعار الطعام ليصبح هذا العام بالتحديد من الأعوام التي تشهد أزمة بعض الشيء، حيث يوضح محمد إبراهيم -أحد القائمين على تلك الموائد- أنه خلال الأعوام المنصرمة كان الطعام وفيرًا إلى حدٍ كبير إلا أنهم اضطروا هذا العام لتقليل الوجبة في الإفطار..

والتي تتكون من الأرز واللحمة والخضروات بعدما زادت أسعارها بشكل كبير بعد الأزمات الاقتصادية التي شهدتها مصر خلال الفترة الأخيرة ويضيف إن الوجبة عبارة عن بعض من ملاعق أرز وقطعة من اللحم لا يتعدى وزنها الثلاثين جراما، إلى جانب استبدال العصائر المتنوعة التي كانت توضع إلى جانب الوجبة بكوب الماء توفيرًا للنفقات.

وحول أنواع الطعام الموجودة في الموائد بشكل عام، يؤكد إبراهيم: تعد أكثر الأطعمة المتواجدة في موائد الرحمن هي شوربة العدس، وذلك نظرًا لرخص ثمنها الذي يعد مشجعًا لعديد من القائمين عليها أن تتواجد على المائدة الرمضانية، إلى جانب فائدتها الكبرى التي توفرها لجسم الإنسان، إلى جانب الأرز والخضار واللحوم الذي يقوم العديد بتوفيره داخل موائدهم، وكذلك المعجنات مثل المكرونة التي يعد القليل منها مشبعًا لبطون الجائعين.

وبسؤال أحد المترددين على الموائد، ويدعى «سعيد كارم»، أوضح أنه والكثير من البسطاء يستفيدون بشكل كبير من هذه الموائد، حيث يحضر هو وعائلته بشكل يومي من أجل توفير نفقات الإفطار على هذه الموائد، موضحًا أن الحالة المادية صارت تسوء عامًا بعد عام، وتعتبر الموائد فرصة مناسبة لتخفيف بعض الأحمال عليه كرب أسرة تتكون من خمسة أفراد.

وأشارت الحاجة كريمة محمد، إلى أنها تعمل في السوق أغلب يومها، وأنها تستغل هي الأخرى تلك المائدة من أجل تناول وجبة الإفطار بها، حيث إنها لم تتزوج ومر بها قطار العمر، وترى في الإفطار صحبة جيدة في الشهر الكريم، إلى جانب توفير مال الطعام لسد احتياجاتها من الدواء الذي صار يكلفها الكثير.

Email