غزة .. موائد الإفطار فوق الركام

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

فانوس رمضان وبعض من الزينة الملونة والتي علقت في أعلى إحدى الغرف التي لم يتبق منها سوى جزء من جدار قديم، كانت كفيلة أن تدخل البهجة على قلوب أطفال أسرة بحي الشعف شرق غزة، والذي دمر بالكامل خلال العدوان الأخير.

على حصيرة صغيرة فوق ركام منزلها جلست أسرة «أبو عصر» تتناول وجبة الإفطار، فرمضان هذا العام يختلف عن سابقيه، ورغم هول المشهد، وخطورة المكان الذي يعتبر أيلاً للسقوط إلا أن الأسرة اصرت على تناول إفطارها بين الأنقاض لتشعر بلم شمل العائلة كما كان قبل العدوان الأخير.

وتفتقد العائلة بحسب دارين أبو عصر أفرادها وطقوس الشهر الفضيل، وتقول أثناء إعدادها طعام الإفطار: كنا في هذا البيت أكثر من خمس أسر، والدا زوجي وأشقاؤه وأبناؤهم، كانت أجمل الأيام عندما نجلس إلى مائدة واحدة ونقوم جميعا بمساعدة بعضنا البعض في التحضيرات، صمتت قليلاً ..

وهي تقوم بتحريك الطعام من على موقد البوتغاز وكأنها رجعت بالذاكرة الى ما قبل قصف بيتهم، تنهدت تنهيدة عميقة وابتسمت مرغمة: لم يتبق بالعمارة غير غرفتين أسكن فيهما مع زوجي وأطفالي الخمسة أكبرهم عمره خمس سنوات..

ووالدا زوجي وأشقاؤه رحلوا جميعا الى مكان آخر، أشعر بالقلق المستمر وأنا أطالع الركام كل دقيقة، فالزينة بصالة البيت المقصوف رغم اختفاء معالمه، وضعها زوجي من أجل الشعور بلمة العائلة، وأصر على تناول الإفطار في المكان نفسه القريب من الشارع، وقد جمعتنا أجمل الأيام تحت هذا السقف.

افتقاد مؤلم

وسط البيوت المدمرة شوهدت كرفانات متنقلة، وخيام يقطنها من دمرت بيوتهم، وأمام أبوابها تناثرت ضحكات أطفال وهم يلهون ويلعبون محاولين تناسي طفولتهم المظلومة. وقبل موعد الإفطار ونحن عند خيمتهم، لم نلحظ أي تحضيرات، فالمطبخ فارغ، والأواني الزجاجية والمعدنية على الرفوف البسيطة تحاكي ما خلف الجدار القماشي للخيمة من فراغ.

بدأت هالة طنيز حديثها بذكرياتها مع شقيقها محمد الذي استشهد خلال قصف بيتهم برفقة ابن أخيه وابن عمه، وبدت على وجهها ملامح الألم والحزن، تقول: رمضان هذا العام لا طعم له، فلم نشعر به، شقيقي محمد كان يضفي على البيت مرحا، ومشاغباته كانت مقبولة فهو أصغرنا، لم يعد الآن يفطر معنا..

ولم نعد نمازحه كما اعتدنا، حتى لمة العيلة فقدناها، كنا نجلس حول مائدة واحدة انا وأبي وأمي وأشقائي المتزوجون، كانت لدينا طقوسنا والآن فكل شقيق في خيمة خاصة به ومع أسرته. ورغم ضنك العيش الا أن هالة حاولت ان تظهر قوية، إلا أن معاناتها فضحتها. وأكثر ما تخشاه وهي تحضر الإفطار وقوع حادث بالمطبخ الصغير فالموقد على الأرض، وكل الأشياء قريبة جدا من الأطفال.

الركام والطعام

المواطن أحمد الفصيح «54 عاما» من حي الشجاعية شرق غزة هو الآخر قرر الإفطار فوق ركام منزله المدمر، ويقول: هو رمضان الأول الذي أقضيه بعيدا عن العائلة والتي يبلغ عددها 34 فردا، كنا جميعا تحت سقف في بيت واحد.

ويوضح: كل شيء افتقدناه، لمة العائلة وصحبة الجيران، حتى لحظات السحور ووقت صلاة التراويح، ويرى الفصيح ان الإفطار على ركام منزله بالنسبة له شيء ضروري فهذه الأنقاض بالنسبة له ذكرياته وحياته. ويشعر بغصة حين يسمع آذان المغرب تحديداً ويقول: لا طعم لأجواء رمضان ولا لسفرته بدون العائلة والبيت.

ذلك هو حال بعض الأسر في غزة والتي دمرت بيوتها، ولم يتبق لها سوى بعض الأنقاض تتشبث بها، وبعضهم يقطن الخيام وسط الركام، وهم يتساءلون أتى رمضان ولم يأت معه الإعمار الذي تأخر وأصبحنا رهن اعتقال الإعمار. والحال يغني عن السؤال.

Email