صلة الرحم.. إحسان وواجب

ت + ت - الحجم الطبيعي

عدم توافر وسائل النقل المتطورة مثل السيارات، دفع الناس في الماضي إلى استخدام الدواب مثل الجمال، أو السير على الأقدام للتنقل بين المناطق، ثم جاءت بعض السيارات القديمة مثل «الجيبات»، لتختصر الوقت والجهد على الناس. وبرغم شظف العيش وصعوبة الحياة، فإن الإنسان قديماً لم يتوانَ عن زيارة أقاربه مهما بلغ حجم المسافة.

فكانوا يمضون أياماً طويلة في الطريق، لإحياء إحدى السنن المهمة المتمثلة في زيارة الأقارب. كما كان المجتمع من منظور بعض كبار السن، أكثر تماسكاً وقوة، نظراً إلى قلة عدد الناس في الفريج أو المنطقة الواحدة، فتجد الرجال خلال الأعياد موجودين في المجالس وغيرها من أماكن التجمع، مثل الساحات الواسعة «البرزات»، مترجمين حرصهم على تعزيز العلاقات الاجتماعية وتقويتها بين الناس، وخصوصاً صلة الرحم التي تبدو أكثر بهتاناً وتشحب اليوم.

رحلة مكلفة

برغم بعد المسافة بين إمارة الشارقة ومدينة العين، فإن بعض السكان حسب ما أوضح أحمد السويدي، أحد سكان الشارقة، حرصوا على زيارة «خوالهم» وأقاربهم في منطقة العين، والعكس صحيح، وقد تمتد الرحلة من الشارقة إلى العين أياماً على الجمال، لكن ذلك لم يمنعهم من الذهاب وتحمل مشقة الطريق، سعياً إلى صلة الرحم، برغم أن الرحلة تبدو مكلفة على البعض أحياناً، لكنهم يستثمرون مشوارهم بطريقة ذكية، عن طريق حمل الأشياء القابلة للبيع والتجارة، مثل الأخشاب الصغيرة «الحطب».

وأضاف أن المسجد في الفرجان أو الأحياء قديماً كان يمتلئ بالمصلين، وعندما يغيب أحد سكان الحي عن المشاركة في صلاة الجماعة، يبادر الجميع بالسؤال عنه أو زيارته إلى البيت إن كان مريضاً، خاصة إذا كان من كبار السن. وهناك الكثير من المظاهر لصلة الرحم، تثبت حجم العلاقة القوية بين أفراد المجتمع، وتؤكد مدى حرص الجميع على إحياء هذه السنة، من خلال المشاركة في طعام الإفطار خلال شهر رمضان، أو زيارتهم في أيام العيد، والتعبير عن الحب والتقدير عبر تبادل الهدايا.

عائلات صغيرة

واسترجع سعود درويش معلم أحداث رمضان في الماضي التي كانت مفعمة على حد تعبيره بالعلاقات الأسرية المتينة والأواصر الاجتماعية القوية بين سكان المنطقة، باعتبار أن الفريج يضم غالباً أسراً صغيرة، تنتمي إلى قبيلة أو عائلة واحدة.

بينما تبدو العائلات اليوم أكثر تفرقاً، نظراً إلى انفراد الكثير من الناس في بيوت خاصة، وانتقالهم إلى مناطق أخرى متفرقة، ما أسهم في تقليص عدد الأسر الممتدة عند مقارنتها بالأمس، ثم تراجع حجم الزيارات بين الأقارب، عازياً السبب إلى عوامل أخرى، أبرزها التطور وانشغال الناس بالأعمال.

ولا يزال درويش يتذكر الزيارات العائلية في الماضي، إذ كان جميع أفراد الأسرة يذهبون معاً بسيارة واحدة، ليشملوا في رحلتهم زيارة البيوت في اليوم الواحد، بحيث يتناولون الإفطار لدى عائلة معينة، ثم يستأنفون يومهم بزيارة أخرى إلى بيت أحد الأقارب بعد صلاة التراويح، لتناول الطعام الذي يبدو أقل حجماً من الإفطار «الفوالة»، ويستمر برنامج الزيارة طوال رمضان، مشيراً إلى أن بعض العائلات والأسر ما زالت تحافظ على هذه العادات وتحييها منعاً للاندثار.

المجلس قديماً

إن المجلس في الماضي، حسب ما أشار المواطن سعيد القيشي، لا يخلو من الناس على مدى اليوم والسنة، لا سيما خلال المناسبات الاجتماعية وغيرها مثل الأعياد، وتميزت المجالس في دولة الإمارات منذ الماضي، بتوافر عنصرين أساسيين بداخلها، هما القهوة والتمر، لكونهما أحد أهم رموز الضيافة العربية والخليجية، أما طريقة التحية بين الناس، فعبر تبادل السلام بالأنف «الخشوم» بين الرجال. وكان الأهالي في الماضي حريصين على اصطحاب أطفالهم وأبنائهم الكبار إلى بيوت الأقارب والجيران أثناء زيارتهم، كي يتعرف الولد إلى أبناء أقاربه ويعرفوه، وكذلك الفتاة التي تحرص الأم على اصطحابها إلى معظم الأماكن.

Email