أمهات الأمس.. مصادر البهجة في رمضان

ت + ت - الحجم الطبيعي

إلى اليوم لا تزال بيوت كثيرة على امتداد إمارات الوطن، تحتضن طقوساً جميلة لا تستقيم متعة الشهر الكريم إلا بها، وأجواءً «دافئة» لا يحلو رمضان إلا معها. وفي صدارة المشهد الأم الإماراتية التي ظلت محور ارتكاز المتعة، وحبل وصل الأقارب والجيران، وصانعة اللقمة والفرحة في البيوت، وكأنها «البهارات» التي لا يكتمل رمضان إلا بها.

فاطمة الحمادي تربوية في مدرسة غرناطة، أم لأربعة أبناء، قالت في هذا الصدد، إن الأم قديماً كانت المربية والطباخة والقائمة على خدمة البيت ومن فيه، وظل المطبخ ساحتها ومن حولها البنات وزوجات الأبناء، والأبناء الصغار يستعدون لتوزيع الأكلات على الجيران، كان ذلك كما تضيف في عصر ما قبل الخادمة، مشيرة إلى أن اختلاف طبيعة السكن وظروف عمل المرأة اليوم، حتما عليها الرضا بأقل من تلك الأجواء التي كانت تعني لنا الكثير في الشهر الفضيل.

ولم تخفِ فاطمة اعتمادها بشكل كبير على الخادمة اليوم في إعداد الوجبات، رغم دخولها اليومي إلى المطبخ ومشاركتها بنسبة 30% في إعداد بعض الأكلات مثل اللقيمات والثريد والعجين والحلويات، وهي المهام التي لا تتقنها الخادمة.

وقالت إنها سابقاً كانت تقف إلى جانب أمها في المطبخ، وتساعدها في إعداد الوجبات التقليدية الإماراتية، وذلك لسان حال جميع الفتيات والأمهات، اللواتي شكلن لسنوات محور العمل في المطبخ، والتواصل واللمة العائلية في ليل رمضان، واليوم للأسف؛ تجد البنات منشغلات بالتلفاز والموبايلات الذكية وتطبيقاتها الكثيرة، أما الأبناء فيخجلون من إرسال الوجبات إلى الجيران والأقارب أو المساجد، وهذه المهمة أوكلت في كثير من البيوت للخادمات أيضاً.

ورغم ذلك أكدت الحمادي، أن الأمهات في رمضان وبغض النظر عن واقعهن المهني والاجتماعي، إلا أنهن يدخلن إلى المطبخ بنسبة مطلقة، لإعداد بعض الأكلات والوجبات التقليدية، وذلك لإيمانهن وقناعتهن المتوارثة عن الأمهات، بأن رمضان لا يحلو من دون رائحة البهارات.

هذه البهارات، حسب ما أوضحت بدرية محمد مطر الناشطة في العمل الوطني والتطوعي، تحرص السيدات على الظفر بها منذ شهر شعبان من الأمهات الكبيرات في السن، اللواتي ينتهين من إعدادها مع بعض الهدايا الرمضانية، وتوزيعها على البنات المتزوجات وبيوت الأقارب والجيران، لنثر البهجة في النفوس استعداداً لرمضان.

وعلى الرغم من بلوغها سن الـ 43 عاماً، إلا أنها لا تزال تنتظر بهارات الوالدة كل سنة قبل رمضان كما الطفلة الصغيرة التي تنتظر هدية جميلة، وتنتابها فرحة كبيرة لحظة الحصول على هذه «المكرمة» الأسرية، كما جزمت بدرية، مضيفة ان الأمهات إلى اليوم يحرصن على غسل الأرز وتجفيفه وإعداد البهارات بأنفسهن، كما يواظبن على توفير الهدايا الخاصة برمضان، مثل: الشيلة وسجادة الصلاة وغرشة العطر وسواها، لتقديمها للجارات والقريبات.

وقالت إنها تواظب سنوياً على الإفطار مع أمها وأم زوجها أكثر من نصف أيام رمضان، مشيرة إلى أن لمسة الأم في الطبخ لا يجيدها أمهر الطهاة، فلها نكهة خاصة ونَفَس استثنائي يجده الجميع في طبخ الوالدة. واستطردت: رائحة رمضان الجميلة لا تزال تعطر البيوت الكبيرة، وتفوح من أثواب الأمهات.

قديماً كانت مهمة الأم الرمضانية كما تقول بدرية، تبدأ منذ السحور وصلاة الفجر وتجهيز الأبناء للمدرسة، ثم الصلاة والعبادة، والطبخ وتوزيع الأكلات على الأقارب والجيران، ولا تنام إلا بعد صلاة التراويح، أما اليوم فتقلص دورها نسبياً بفعل دخول عناصر مساعدة، ولكن حضورها الإشرافي والعملي لا يزال قائماً.

رغم جفاء التكنولوجيا وشروخ الحداثة، إلا أن أمهات اليوم لا يزلن مقتنعات بدورهن المؤثر في المطبخ، الدليل على ذلك كما تختتم بدرية محمد مطر، خلو المكتبات العامة من كتب تعليم الطبخ منذ مطلع شهر شعبان.

Email