800 عام على تشييدها كمعلم عراقي حضاري

منارة »الخلفاء« البغدادية.. ضياء لا يخفت وأذان لايصمت

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تعد منارة جامع الخلفاء في بغداد، والمعروفة بــ«منارة الغزل»، والتي شُيـِّدت قبل أكثـر من 800 عام، من المآذن التاريخية المتميزة بعمارتها، وهي المشهود لها حتى وقتنا الحالي، بالنقوش المحيطة بسطحها الدائري، المتمثلة بالأشكال المعينية البسيطة، ما جعلها معلـَماً حضارياً ذا قيمة عالية، إضافة لكونها أعلى منارة في بغداد، إذ يمكن رؤية أغلب مناطق العاصمة من على مئذنتها التي يبلغ ارتفاعها خمسة وثلاثين متراً، وقد سُميت بمنارة الغزل بعد أن اقتطع جزء من أرضها لإنشاء «سوق للغزل» في أحد جوانبها الشرقية.

ويصف المهندس المعماري الدكتور خالد السلطاني منارة جامع الخلفاء قائلاً: لا يطمح المخطط التصميمي لـ«جامع الخلفاء» إلى حل نفعي ومباشر لتجسيد مفردات المنهاج الداعية لتصميم فراغات مسجد باشتراطات محددة، فالمكان وشواهده وموقعه، كلها أمور غير عادية، لم يكن بمقدور المصمم تجاهلها أو التغاضي عنها.

وتعود المئذنة التاريخية إلى أواخر القرن الثالث عشر، وأهميتها الأثرية وارتفاعها الشاهق وهيئتها المميزة وأسلوب تزيينها وطبيعة موادها وتراكيبها الإنشائية، بجانب الموقع ذاته الذي شغلته يوما ما مساجد بغدادية فسيحة ومهمة، لم يبق شاهد منها إلا مئذنة تنهض اليوم عاليةً . وقرار التصميم لم يكن معنياً كثيراً بإيجاد فراغات مناسبة للمصلين، وهي وظيفة مسجد، بقدر ما كان هدفه إيجاد تجليات القراءة الحديثة لسجل التاريخ البنائي والعمراني لتلك المنطقة والتماهي تصميمياً مع عناصر ورموز مألوفة للذاكرة الجمعية ومعروفة لديـها.

والمعمار يستثمر الحدث التصميمي لإعادة إنتاج ذلك الموروث الثـر ليُثير همة وحماسة البـُناة المحليين، ولهذا فإن تنظيم الانحياز التصميمي لمسجد الخلفاء، وتشكيل عناصره المعمارية كانت معنية في اعتقادنا بتكريس حضور الفضاء تكوينياً.. الفضاء العاج بالنكهة التاريخية.

ويتابع: لا تغلب العناصر المستحدثة، شاهد الأجيال السابقة، ولا تحاول طمس منجزها التصميمي البارع، وبعبارة أخرى يستبدل المعمار المسكون بحضور الغياب مراميه التصميمية في ابتداع فراغات جديدة يستبدلها لجهة اقتصار الفعالية التصميمية وجعلها تعمل «كخلفية» بنائية background لـ «فكرة» متخيلة تكون مشاعة للجميع، في تصور ما يمكن أن يكون عليه «جامع الخلفاء»، جنباً إلى جنب شاهده المادي المثير، المئذنة التاريخية العتيدة، ذات «الفورم» الجميل والمتناسبات النبيلة.

ميلان مستقر

إلا أن مسؤول جامع الخلفاء أبو حسين يقول: منذ 46 سنة بدأنا نلاحظ ميلان المنارة، ولا تزال حتى الآن بالميلان نفسه، وما يساعد على إبقاء المنارة شامخة ومنع سقوطها، وجود سُلـَّمين حلزونيين بداخلها، أحدهما للصعود والآخر للنزول. ولها أساس تحت الأرض لاثني عشر متراً، وذاك عامل آخر يقوي شموخها، وقِدَمها والتنسيق التام في بنائها وزخرفتها ساعد على أن تكون واحدة من أكثر المناطق الحضارية أهمية.

ويشير إلى أن عدم الاهتمام بالمعالم الأثرية في البلاد وغياب الكفاءة أثرا سلباً على تدهور الكثير من تلك المعالم، وما طال منارة سوق الغزل التي باتت اليوم أشبه ببرج بيزا المائل. وفي حال أرادت الجهات المعنية النظر بمشروع إعادة المنارة لوضعها الأصلي فعليها التفكير جيداً بوضع الأمر بأيــدي معماريين متخصصين لديهم وقادرين على تعديلها.

إهمال مقصود

وتشير المصادر التاريخية إلى أن جامع الخلفاء بناه الخليفة العباسي علي المكتفي بالله لكي يكون المسجد الجامع لصلاة الجمعة في شرقي القصر الحسني، وكان يعرف بجامع القصر، ثم أطلق عليه اسم جامع الخليفة، وسمي بجامع الخلفاء في الفترة الأخيرة، وهو من معالم بغداد التاريخية، ويقع في محلة سوق الغزل قرب الشورجة. وشيد السلطان العثماني سليمان باشا في جامع سوق الغزل مدرسة علمية تدرس فيها العلوم العقلية والنقلية، وتصدر للتدريس فيها علماء بغداد وأعيانهم ومنهم الشيخ يحيى الوتري والشيخ عبد الله الموصلي، ثم ابنه محمد أفندي الموصلي.

عهود القضاة

كان جامع القصر أو جامع الخليفة أحد أكبر ثلاثة مساجد في بغداد، الآخران هما المنصور والرصافة، وتقام فيه صلاة الجمعة خلال القرون الأربعة الأخيرة من الخلافة العباسية، وكان الرسمي للدولة العباسية، ففيه تقرأ عهود القضاة ويصلى على جنائز الأعيان والعلماء، وتعقد فيه حلقات العلم للفقهاء والمحدثين والمناظرين، وفي رحبته كانت تبين مظاهر الحياة الاجتماعية والتجارية لأهل بغداد. ويوجد حول الجامع سياج من حديد يعد آية من آيات الفن والإبداع في هذا المجال.

Email