قيادة.. إرساء قيم للإنسانية

ت + ت - الحجم الطبيعي

خلد التاريخ المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، قائداً ببعد إنساني متعدد المستويات، ثري الأبعاد، فهو يجمع في التسامح قيم التعايش والعفو والشعور بالأخوة الإنسانية والصفح والتفهم؛ كما أنه واضع أسس دولة الإمارات، التي أرست قسم التسامح والتعايش أساساً لثقافتها الوطنية؛ وكانت قيادته جهداً متصلاً من إرساء قيم سامية للإنسانية.

وقد خلّف المغفور له حكايات كثيرة تروى عن تسامحه، منها تحمله تكاليف صيانة قبة كنيسة القيامة المجيدة، في بادرة لا تنسى ويسجلها التاريخ في أنصع صفحاته.

ومما يعرف عنه أن المحتاجين كانوا لمعرفتهم بتسامحه وعطائه، يقصدونه حتى في البلدان الأجنبية التي يزورها، إذ يروى أن المغفور له الشيخ زايد، وبينما كان في استراحته في سويسرا، كان الكثير من الناس وذوي الحاجة من العرب والأجانب يفدون إليه، وكان يلبي حاجاتهم ويقضيها. وذات يوم، لاحظ المغفور له الشيخ زايد أن الموظف المعني بعرض رسائل المحتاجين يستثني إحدى الرسائل، ويواريها؛ فألح عليه المغفور له أن يظهرها، فقال الموظف المعني إن صاحب الحاجة رجل يهودي، وهذا واضح من اسمه؛ فأمر المغفور له الموظف المعني أن يلبي طلب الرجل في المساعدة بضعفين، قائلاً إنه إنسان أولاً وأخيراً.

ويروى في ذات السياق، إنه في أحد الأيام اتصلت امرأة (من جنسية دولة عربية)، تبكي بسبب سجن زوجها، عقب خسارة مالية في مشروع تجاري، وتراكم الديون عليه، طالبة مساعدتها والإفراج عنه، خصوصاً أنه العائل الوحيد لأسرتها، كي تتمكن من إطعام أبنائها، وطلبت إخبار الشيخ زايد بمشكلتها، مؤكدة أنها وزوجها أتيا إلى الدولة باحثين عن الخير، إلا أن القدر أوقعهما في هذه المشكلة.

وفور سماع، المغفور له، مشكلتها، أمر ببحث حالة الزوج، وفي حال لم يكن متورطاً في جنحة أو جريمة وتوقيفه فقط بسبب الدين، يتم سداده بالكامل، ويعطى ما يعادله من مال ليتمكن من بدء مشروعه من جديد، الأمر الذي قابلته الزوجة بحالة من الفرحة الشديدة.

ومما يروى في تسامح المغفور له الشيخ زايد، واقعة تلك الحادثة من العام 1982، فقد كان المغفور له يقود سيارته بنفسه ويتجول في شوارع أبوظبي، ويتفقد أعمال الإنشاءات وأحوال المواطنين، ولم تكن السيارة عليها العَلم، كما هو معتاد من قبل رؤساء الدول، وليس أمامها أو خلفها سيارات الحراسة، بل كان، رحمه الله، يتوقف عند إشارات المرور، كما يقتضي النظام المروري.

في يوم، وصل بسيارته إلى أحد الدوارات المغلقة، التي كانت أولوية المرور فيها للقادم من اليمين على عكس بقية الدوارات، ليفاجأ بسيارة تاكسي يقودها سائق من جنسية دولة آسيوية تصطدم بسيارته بقوة، حتى إنه، رحمه الله، أصيب في كتفه، إصابة تطلبت متابعة علاجها في الخارج، إلا أنه رحمه الله لإدراكه أن أولوية المرور في ذلك الدوار كانت لسائق التاكسي، عفا عنه، وأرضاه.

ومن أحد مواقفه، طيّب الله ثراه، أنه أثناء تجوله في شوارع أبوظبي صباح عيد الفطر، شاهد رجلاً من الجنسية الآسيوية يمشي برفقة أسرته، وأمر سموه بإعطائه مبلغاً من المال (عيدية)، حتى يشعر بالفرح والسعادة مع أفراد أسرته. وفي إحدى جولاته، كذلك، توقف، رحمه الله، أمام عامل وأخذ ينادي عليه، وسأله عن اسمه وبلده، وعن مدى شعوره بالراحة والاطمئنان في الدولة، وأمر سموه، رحمه الله، بإعطائه مبلغاً من المال تقديراً له.

كان رحمه الله يجد سعادته في العطاء والتسامح والتعايش والأخوة الإنسانية. وكانت المحبة، محبة الناس، ركيزة أساسية من ركائز التسامح عنده؛ وقد كانت من أبرز صفاته رحمه الله مرونته وإيجابيته، مع حرصه على المحافظة على العادات والتقاليد الموروثة. ومن جهة أخرى نجد أنه، رغم الحياة القاسية التي عاشها في طفولته، ينبذ العنف في حل الخلافات، ويؤثر الحوار والتفاهم.

لقد كان المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان يداً مباركة، أسهمت بسخاء في غرس قيم التسامح في المجتمع الإماراتي، اتكاء على قيامه بحسن التواصل والتعارف مع جميع الناس، داخل الإمارات وخارجها، وامتداد مشروعاته الخيرية إلى دول عديدة ليعود نفعها على المسلمين وغير المسلمين من متضرري الحروب والكوارث وأصحاب الحاجات.

إن التزام المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بالتسامح والحوار وحرصه على أن يكون ذلك نهجاً دائماً مستقراً للدولة، يؤتي اليوم ثماره بالسمعة الطيبة التي تتمتع بها الإمارات على المستوى العالمي.

 

كلمات

كان المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، حريصاً طيلة الوقت على أن يذكر الشعب الإماراتي بماضيه البعيد والقريب، وأن يعتز به، وألا تغره مظاهر التحديث، وتجعله ينسى كفاح الأجداد في سبيل العيش. ولكنه بالمقابل ينبذ ما يمكن أن يكون في الماضي من أسباب للتباعد والتنافر أو التقوقع على الذات.

 

لقد عمل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بمبدأ أن المتسامح مع الناس لا بد له أن يعمل على خدمتهم، بما يدخل السعادة على قلوبهم، ويحترم آدميتهم، ويصون كرامتهم، وهنا يقول المغفور له: «من يرعى مصالح العامة وخدمة المجموع، سوف يجد مني كل تشجيع ومساندة».

 

أدرك المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بفطرته أن المتسامح متواضع بطبعه، وأن المتكبر على الناس، المتعجرف في تعبيره وتدبيره معهم، لا يمكن أن يكون متسامحاً، حتى لو ظل طيلة الوقت يزعم هذا، ويتحدث به، ويدعي الانحياز له. وهنا يقول: «أكبر نصيحة لأبنائي البعد عن التكبر، وإيماني بأن الكبير والعظيم لا يصغره ولا يضعفه أن يتواضع ويحترم الناس أكثر مما يحترمونه».

Email