عادات وعبادات

صيام بريطانيا 19 ساعة يومياً

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

هنا يقبل رمضان بصمت، ويمضي دون ضجيج، فلا صوت لمدفع إفطار، ولا مسحراتي يطوف في الأزقة لإيقاظ العباد لتوحيد الله والتزود بسحور يقيهم من عطش أو جوع، ولا صوت لمؤذن يعلو عند الفجر منادياً لصلاة أو مكبراً عند الغروب لتبتل العروق.

وتزداد معاناة الصائم في بلد مثل بريطانيا، عندما يستيقظ صباحا متوجها الى العمل أو المدرسة أو حتى لقضاء احتاجيات الحياة اليومية، فتلاقيه المقاهي المفتوحة، والمطاعم المشرعة، والشوارع المليئة بالأفواه الفاغرة لالتهام كل ما لذ وطاب من المأكولات والمشروبات، بينما هو يتجرع صبر الصيام ويأمل في أجر من الله يساوي مشقة صيامه.

وبكثير من الصبر والإيمان بدأ المسلمون في بريطانيا صيام أيام رمضان الطويلة، حيث تصل ساعات الإمساك الى 19 ساعة في حين لا يبقى من أطراف الليل غير سويعات قليلة يتقاسمها الناس بين الإفطار والصلاة والتسامر.

وبحسب إمساكية الشهر المبارك التي وزعها المسجد المركزي في لندن، كان أذان الفجر في الثانية ودقيقة 48 فجرا، وتناول الصائمون إفطارهم عند التاسعة ودقيقة 25 مساء.

أطباق وطنية

حملات الترويج والدعاية للمواد التموينية والغذائية الخاصة برمضان لم تعد مقتصرة على المتاجر العربية والإسلامية، إذ شرعت متاجر بريطانية كبرى مثل تيسكو وآزدا وسينزبري، في عرض التمور والحلويات وحتى اللحوم الحلال بأسعار تنافسية لا تقوى عليها متاجر وبقالات العرب.

يقول حامد داوود، صاحب متاجر البيدر العربية في لندن: «نعم لقد بدأ البريطانيون منافستنا في مواد رمضان لأنها أقدر على استيراد المواد الغذائية الخاصة بالشهر وبأسعار الجملة ومن مصادر متنوعة».

وتحفل البقالات العربية والبريطانية بأصناف من التمور قادمة من تونس والجزائر، وخضروات طازجة من لبنان والمغرب، والمشروبات والعصائر من الإمارات ومصر وتركيا. والمخللات والمقبلات والمكسرات من الأردن و فلسطين وإيران. مع استمرار غياب المواد الغذائية السورية بسبب الأزمة.

ورغم توفر المواد الغذائية الرمضانية بالمتاجر، إلا أن ارتفاع أسعارها يحرق الجيوب. يقول محمد نوفل، صاحب متاجر يافا بمنطقة فولهام: «كان بودنا أن نقدم للصائمين مواد غذائية وتموينية بأسعار زهيدة أو على الأقل معقولة، إلا أن الأمر يتعلق بدول المنشأ، وارتفاع أسعار الشحن والتخليص، ومحدودية المصادر بسبب الأوضاع السائدة ببعض الدول ما ساهم بارتفاع الأسعار للسلع العربية المستوردة».

سويعات السمر

وعن الحلويات فحدث ولا حرج، فقد باتت الشامية من قطائف وبرازق ومعمول، ومغاربية مثل قلب اللوز والشباكية وغيرها من الأصناف مرصوفة بالمتاجر والمخابز التي تتنافس على إنتاج أجودها. ففي ركن ضيق من غرب مدينة لندن يعرف باسم «بارك رويال» تجد أكثر من 20 مخبزا يتخصص بإنتاج الحلويات والمعجنات لرمضان والمناسبات الدينية والعامة والشخصية.

ويصطف الصائمون طيلة سويعات ما قبل الإفطار لشراء ما لذ وطاب من التي يشتهونها. يقول حسن الطويل، معلم الحلويات بمخبز عربي: «نبدأ الاستعداد للشهر الكريم قبل أسابيع من حلوله، حيث يرتفع الطلب على أنواع معينة من الحلويات والمعجنات، فنجهز ما أمكن من الدقيق والزيوت والمكسرات الخاصة بالأصناف المختلفة مثل الكنافة والقطايف والمحشيات وغيرها، مع تحضير تشكيلة واسعة من الحلويات العربية لتلبية رغبات الصائمين الذين يقبلون من أحياء لندن ومدن برايتون وأكسفورد و كيمبردج».

ورغم ساعات الإفطار القصيرة والتي لا تزيد على خمس ساعات، فإن الكثيرين يحاولون اغتنام الدقائق من أجل قضاء بعض الوقت في جلسات سمر بالمنازل أو المقاهي العربية المنتشرة بالمدن الكبرى، والتي تقدم لروادها الشاي والقهوة والمرطبات التقليدية مثل عصير الخروب وعرق السوس وعصير الزنجبيل والكركديه، بجانب الأرجيلة في جلسات بعد عناء يوم طويل تسودها أجواء تعوض «المهاجرين» عن بعض ما فقدوه من نكهة وطقوس رمضان بأوطانهم.

تضامن مجتمعي

بدأ المجتمع البريطاني غير المسلم في السنوات الأخيرة يحرص على مراعاة مشاعر الصائمين من الجالية المسلمة في البلاد.

فقد حرص رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ومن سبقه من رؤساء حكومات وكذلك كبار الشخصيات السياسية والدينية على توجيه التهاني والتبريكات للمسلمين في بريطانيا بمناسبة حلول الشهر الفضيل. بل ويحرص رئيس الوزراء والكثير من الإدارات البلدية والعمومية على تنظيم إفطارات رمضان التي يحضرها مزيج مجتمعي مسلم وغيره.

وأخذت الكثير من الشركات والمصالح العامة والخاصة في التساهل بالتعامل مع موظفيها من المسلمين حرصا على سلامتهم وحفاظا على مشاعرهم. وباتت الكثير من المدارس تنظم يوما خاصا للتعريف بالشهر الكريم ومعانيه وخصوصياته بالنسبة للمسلمين. مع عروض خاصة تقدمها متاجر التجزئة الكبرى بمناسبة رمضان تشمل أصنافا من التمور والعصائر والمواد الغذائية وتزين بعبارات التهنئة والمباركة.

تحلية مرارة الغربة

بين ساعات صيام طويلة، وأوقات إفطار قصيرة، يحاول الصائمون في بريطانيا تقسيم أوقاتهم بين العبادات والعادات، سعيا لكسب رضا الله، ولخلق ما تيسر من أجواء تذكرهم بلياليهم وسهراتهم بمدنهم العربية، ليبلسموا جروح غربتهم ببركات رمضان ونفحاته، ويحلوا مرارة أيامهم بما لذ وطاب من الأطعمة والحلويات.

Email