المهلب و آل المهلب جنود وقيادات في الفتوحات الإسلامية

ت + ت - الحجم الطبيعي

لقد تنوع الدور الذي قام به أجدادنا الأوائل على هذه الأرض في بناء صرح هذه الحضارة الإسلامية ففي مجال التشريع والقضاء يقف ) كعب بن سور) ) بين القضاة المجتهدين ، وفي مجال الحرب والسلام وفنون القيادة العسكرية يتألق ( المهلب بن أبي صفرة ) وهناك آخرون .

وتعتبر الكتابة عن هذه الشخصيات البارزة في التاريخ الإسلامي الخارجة من المنطقة من باب الكتابة في مجال السهل الممتنع، نظرا لتنوع المصادر والمراجع وتضاربها من حيث نشأة هذه الشخصيات وأماكن ولادتها وأصولها والدور الذي لعبته عبر الحضارة الإسلامية على مدى العصور، وكذلك لتحديد مدى امكانية تحديد انتماء هذه الشخصية للمنطقة الجغرافية التي تشكل دولة الإمارات ومعايير ذلك الانتماء، إلا إننا سنحاول تحري الدقة قدر الامكان.

وذلك ليس دفاعا عن المنطقة ضد من يزعم بإنها منطقة نائية لم يكن لها أي دور عبر التاريخ الإسلامي بقدر ما هو توضيح لدور هذه الشخصيات التي انطلقت من المنطقة إلى أرجاء المعمورة لإرساء أركان الدولة الإسلامية التي كانت في طور التمدد والانتشار، ولإعطاء نبذة بسيطة عن هذه الشخصيات التي لعبت دورا مهما في هذا التاريخ الطويل في مختلف الصعد والميادين.

واستكمالا لما بدأناه في هذا السياق في صفحة يوم أمس فإن أول من يبرز من هؤلاء العظماء القائد الإسلامي الكبير (المهلب بن أبي صفرة ) الذي يعتبر أشهر وأبرز شخصية من المنطقة و من قبل والده (أبوصفرة) الذي سبق وأن كان له حضور بارز في سياقات التسلسل التاريخي للأحداث منذ الثامن الهجري وخاصة في عهد الصديق رضي الله عنه ، ومن ثم يبرزمن آل المهلب اخوته وأبناؤه وأسماء أخرى ، ومع أخبار المهلب وآل المهلب تنطلق رحلتنا ويعود بنا التاريخ لمنطقة المهلب في مدينة (دبا) الفجيرة على الساحل الشرقي من أرض الوطن لنستعرض مقتطفات من سيرته وسيرة آله وتطورات الأحداث والأدوار، ونقرأ في صفحات التاريخ ما قاله الشاعر فيهم:

(آل المهلب قوم ان نسبتهمُ

كانوا المكارم آباء وأجدادا

إن المكارم أرواح يكون لها

آل المهلب دون الناس أجسادا)

وكما سنتعرض لسيرته وآله فإننا سنرحل في صفحة اليوم ونستكمل غدا إن شاء الله أخبار اشتراك المهلب ، في الجهاد ضد الفرس ، في معركة القادسية، تحت قيادة الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص.

 

 

 

 

 

 

 

 

لننطلق إذن من أرض الوطن متخذين منطقة (المهلب) في مدينة (دبا) على الساحل الشرقي لأرض الإمارات قاعدة ، حيث يؤكد المؤرخون ولادته في دبا عام 1 هـ «622م» أوعام فتح مكه وكان والده أحد أكابر رجال الأزد في المدينة ،انتقل من دبا الى العراق ، كما أشرنا في صفحة الأمس .

وقد ظهرت عليه علامات الشجاعة والذكاء في صباه، إن آثار المقابرالشهيرة بمقبرة أمير الجيوش والقريبة من منطقة المهلب في دبا تظهراسم (المهلب) ضمن الوفد الأزدي مع والده وتسعة من إخوته كان هو أصغرهم لمقابلة الصديق رضي الله عنه لشرح ملابسات ما حل بمدينة (دبا) بعد فتنة حروب الردة ، وعندما قابلوا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لأبي صفرة:

«هذا سيد ولدك، وأشار إلى (المهلب)» ، وتقول الروايات التاريخية إن أبا صفرة كان له تسعة عشر ذكراً وثماني بنات، ومن أولاده (المهلب) الذي خرج برفقة والده وإخوته في كتيبة (رأس عمران) التي ترأسها والده ضمن كتائب لواء الأصطخر الخليجي بقيادة عثمان بن أبي العاص والي الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه على عُمان والبحرين. ومن دبا إلى جلفار ومنها عبر البحر إلى سلسلة الحروب المستمرة والانتصارات المشهودة في القسم الشرقي للامبرواطورية العربية الإسلامية .

 

(ابوصفرة (

أما والده فهوالشهير( بأبو صفرة ( واسمه الكامل هو ظالم بن سراق بن صبح بن كندي بن عمرو بن عدي بن وائل بن الحارث بن العتيك ويعود نسبه كما تشير بعض الروايات إلى عمرو بن عامر بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن الأزدي وهو ليس الشاعر والأمير المعروف امرئ القيس الكندي كما يتبادر للذهن وإنما هو ملك اليمن وصاحب سد مأرب، وأمه كبيشة بنت عمرو بن وداع، وتختلف الروايات في سبب تسميته (بأبي صفرة) فتشير إحدى الروايات إلى أنه عندما وفد على عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع وفد من الأزد سألهم عن أسمائهم فقال ظالم ابن سراق وكان أبيض اللحية والرأس.

فقال له اختضب، فعندما اختضب بالحناء فأتاه أصفر الرأس واللحية قال له: أنت (أبو صفرة)، فغلبت عليه هذه الكنية منذ ذلك الحين، كما قيل إنه قدم على الرسول صلى الله عليه وسلم كي يبايعه وعليه حلة صفراء يسحبها خلفه وكان بهي المنظر فصيح اللسان، فلما رآه أعجبه فقال له : من أنت فقال أنا ظالم ابن سراق فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(دع عنك سارقا وظالما، أنت أبو صفرة)، وهذه الرواية ضعيفة السند، حيث تشير معظم الروايات الراجحة إلى أن أبا صفرة لم يلتق بالرسول صلى الله عليه وسلم وإنما وفد على أبي بكر رضي الله عنه- والتقاه أول ما ألتقاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه-. وذكرت بعض المراجع ومنها هيثم بن عدي إن أصل آل المهلب من العجم، إلا إن الأزد ألحقوهم بهم نظرا لإرتفاع شأن المهلب وعلو شرفه وذكره، ويذكر إن وفد ابن الجلندي بالأزد ومواليهم وأحلافهم، عندما أتوا عمر بن الخطاب وكان فيهم أبو صفرة لأنه كان يصفر لحيته حسب هذه الرواية- فسأل عمر ابن الجلندي، أكل من معك عربي؟، فقال: فينا العربي وفينا غير ذلك، فألتفت عمر إلى أبي صفرة فقال له أعربي أنت؟

فقال: لا، أنا ممن من عليهم بالإسلام، إلا إن هذا الرأي مردود حيث ثبت إن هذا السؤال لم يوجه إلى أبي صفرة بل وجه لأحد العجم الذين عاشوا بين الأزد بالولاء، ونسب أبي صفرة وآل المهلب ثابت في الأزد أبا عن جد، ولم ترد هذه المزاعم إلا لما بلغ أبو صفرة وآل المهلب ما بلغوه من مكانة وشرف لدى القيادة الاسلامية، حيث كان قبل ذلك أبو صفرة رئيسا لبني عمران وهم أزد صميمون لا يعقل أن يولوا عليهم شخصا غير عربي من الموالي ، وقدعبر البيت الشعري المأثور عن هذا الأمر خير تعبير . ولكن الشعر يحفظ لنا خبرا عن (أبوصفرة ) كشخصية أبلت في الجهاد الإسلامي بلاءا حسنا ذلك عندما نتذكر البيت التاريخي القائل :

« ناب ذي الحرة أردى شهركا

والخيل تجتاب العجاج الأرمكا «

قال الراوي: «اشترك (أبوصفرة) مع (نائب بن ذي الحرة الحميري) و( وجابر بن حديد اليحمدي) في قتل (شهرك) قائد كسرى إلى جزيرة القسم وهو المعروف عند العرب باسم (شهرك بن الحميراء) وكان معه جيش مكون من أربعين ألف مقاتل من تشكيل عسكري اسمه (الأساورة ) ، والمعروف أنه بالاستيلاء على هذه الجزيرة اندفع عثمان بن أبي العاص داخل فارس وصار معظم جيشه بعد تنظيمه في الجزيرة من قبيلة الأزد .

وبتتبع أخبار (أبوصفرة) نجده وقد استقر بمن معه في (توج) الفارسية إلى أن استقرت به وأمن المكائد ثم خرج للغزو في جيش عبدالرحمن بن سمرة عامل الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه على سجستان حيث خرج بمائة فرس كان قد قطع بها من (دبا) ثم عاد بعد ذلك إلى البصرة، وكانت عودته بعد (موقعة الجمل) بثلاثة أيام ، وتوفي أبوصفرة في البصرة في ولاية ابن العباس عليها لعلي رضي الله عنه ، ويذكرأن خيل أبي صفرة التي قطع بها من (دبا) لم تزل معه حتى قدم بها البصرة من خراسان حسب بعض الروايات التاريخية ، والظاهر أن أبا صفرة لم يرجع إلى وطنه بعد خروجه منه مع قومه في جيش عثمان بن أبي العاص.

المهلب والفتوحات الإسلامية

أما (المهلب) فقد ورد ذكره في ذلك التاريخ عندما روى المؤرخ العماني المعاصر الشيخ سيف بن حمود البطاشي بأن :» أبا صفرة خاطبه الإمام علي رضي الله عنه بالقول: «يا أبا صفرة ما لقيت من أحد مثل الذي لقيت من قومك». فقال (أبوصفرة): « والله يا أمير المؤمنين لو كنت حاضراً ما اختلف عليك منهم سيفان « فدعا له وولاه نهر تيري ومناذر الكبرى وولاه أيضاً رئاسة الازد وقال له :

ائتني ببعض ولدك لأعقد له لواءا يكون له شرفاً ولعقبه يخرج إلى أهل البوادي يؤمنهم وليرجعوا إلى بلادهم ، وكان (المهلب) هو صاحب الشرف وكان ابن نيف وعشرين سنة ، وكان ذلك أول عمل تقلده (المهلب) من قبل خليفة حيث أمره الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه لتأمين المنهزمين والهاربين من أهل البصرة بعد وقعة الجمل عام 26هـ ، وكان المهلب مشتركاً مع والده ضمن جيش عبدالرحمن بن سمرة على سجستان قبل وصولهم إلى البصرة .

وتشير المصادر إلى أن عدد جند البصرة في خلافة علي بن أبي طالب بلغ ثلاثين ألفاً، وإذا كانت الفترة الممتدة بين مقتل عثمان ومقتل علي بن أبي طالب وقيام الدولة الأموية والأحداث الأليمة لهذه الفتنة الأولى قد أثرت على حركة المد الإسلامي فإنه بعد استقرار الحكم الأموي استأنف معاوية حركة المد الإسلامي في المشرق على نطاق ضيق ثم توقفت الحركة حتى استقامت الأمور لعبدالملك بن مروان واستأنفها في المشرق عام 27هـ بقوة عزم فاقت ما تم إنجازه في السابق وبلغت هذه الفتوحات ذروتها في عهد الوليد بن عبدالملك، وسوف نجد أن أعداداً غفيرة من عرب الخليج خاصة الذين استقروا في خراسان قد شاركوا في هذه الفتوحات بشكل فعال ، وسوف يلعب (المهلب القائد وبنوه) دوراً بارزاً في هذه الفتوحات ،

 

المهلب وغزوة ثغر السند

فبالعودة إلى (المهلب) بعد أخبار أول قتال شهده واشترك فيه مع والده ضمن جيش عبدالرحمن بن سمرة عامل عثمان بن عفان رضي الله عنه على سجستان. وبعد الإشارة السابقة إلى أول عمل تقلده (المهلب) بأمر من الخليفة الراشدي علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، بهذه العودة إلى صفحات التاريخ الإسلامي نتوقف في العهد الأموي وتحديداً في عهد معاوية بن أبي سفيان أول خليفة أموي لنعرف أن أول غزوة غزاها (المهلب) وهو أمير عليها هي غزوة ثغر السند سنة أربع وأربعين هجرية أيام معاوية.

فقد غزا ثغر السند وأتى «بنة» و»الأهواز» وهما بين «الملقان» و»كابر» فلقيه العدو فقاتله ببلاد القيقان ثمانية عشر فارساً من الترك قد شمروا خيولهم فقاتلوه جميعاً وقال ما جعل هؤلاء الأعاجم أولى بالتشمير منا فحذف الخيل وهو أول من حذفها من المسلمين.. وفي يوم «بنة» يقول رجل من الأزد:

« ألم تر أن الأزد ليلة بيتوا

ببنة كانوا خير جيش المهلب «

 

فتح بلاد السند وسمرقند

وفي النجوم الزاهرة في سنة 44هـ غزا المهلب أرض الهند وسار إلى قندبيل مدينة بالسند وهي قصبة الولاية يُقال لها الندهة فكسر العدو وسلم وغنم وجاء في معجم البلدان لياقوت الحموي «فأتى بنة ولاهور من أرض السند» . وهنا تجدر الإشار حسب ما يؤكد المؤرخون بأنه :» كان لدى عرب الخليج معرفة تامة ببلاد الهند قبل الإسلام من خلال الاتصال التجاري براً وبحراً نظراً لكثرة خيرات الهند ومواردها الاقتصادية وكان الحكم بن أبي العاص الثقفي والي البحرين قد وصل إلى بعض سواحل الهند بحراً في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

ثم غزا أخوه المغيرة خور الدينبل على مصب السند، كما وجه علي بن أبي طالب حملة بقيادة الحارث بن مرة العبدي إلى أرض القيقان فقتل هو وجميع من معه. واستؤنفت عمليات الفتح إلى بلاد السند في عهد معاوية بن أبي سفيان فغزاها (المهلب بن أبي صفرة) من (أزد عمان) عام 44هـ ثم غزا إقليم السند مراراً من سجستان ومكران، ثم يبرز (المهلب) في الفتوحات في خراسان وبلاد ما وراء النهر حيث نقرأ للدكتور العقيلي إفادته بهذا الخصوص قائلاً:

« استطاع عبيدالله بن زياد والي معاوية على خراسان عام 54هـ من عبور نهر جيجون إلى بخارى. وفي عام 55هـ تمكن سعيد بن عثمان بن عفان والي خراسان الجديد من اختراق بخارى وحقق انتصاراً على خاتون ملكتها ثم اجتاز سمرقند ودخلها.

وفي عام 61هـ عبر مسلم بن زياد والي خراسان وسجستان الجديد في عهد يزيد بن معاوية نهر جيجون (بلخ) ومعه أحد قادة الجند وهو(المهلب بن أبي صفرة) من أزدعمان . فقد حاصر (المهلب) بعض مدن خراسان وصالح ملوكها على عشرين ألفاً ، وغزا سمرقند ، وعلى ذكر سمرقند نقرأ للمؤرخين روايتهم بأنه لما ولى معاوية سعيد بن عثمان (خراسان) وخراجها سنة ست وخمسين خرج معه (المهلب) فأصيبت عينه بسمرقند كما فتحها سعيد وكان معه في تلك الغزوة ، وفيها أيضاً أصيبت عين سعيد وعين طلحة بن عبدالله بن خلف الخزاعي المعروف بطلحة الطلحات وفي ذلك يقول المهلب:

لئن ذهبت عيني لقد بقيت نفسي

وفيها بحمد الله عن تلك ما ينسي

إذا جاء أمر الله أعيا خيولنا

ولا بد أن تعمى العيون لدى الزمن

وسنواصل غدا إن شاء الله رحلة الفتوحات تلك مع المهلب بن أبي صفرة ومن معه من القادة والجنود بدءا من سمرقند وصولا إلى قتال الأزارقة ودور المهلب في إخماد الفتن خلال ولايته على خراسان في العهد الأموي ..

Email