رحلة قبائل الخليج الجهادية

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

لقد كان واجب لواء الاصطخر حسبما يفيدنا الدكتور محمد حسين هيكل في كتابه (الفاروق عمر) هو الإستيلاء على جزيرة (ايركاوان) وقد عبر اللواء المذكور الخليج ونزل في سواحل فارس واتجه أولاً نحو مدينة (توج) الفارسية التي كان يحاصرها لواء أرشيروسابور بقيادة مجاشع بن مسعود وكانت مدينة محصنة .

وقد استعصى فتحها على أحد القادة العرب السابقين وهو العلاء الحضرمي رضي الله عنه ، إلا أنها وفي هذه المرة لم تستطع تحمل هجوم اللواءين العربيين فسقطت دفاعاتها وأنهارت مقاومة المدافعين ودخلتها جيوش العرب ، فلما تم ذلك النصر، تفرق اللواءين العربيان إلى أهدافهما المرسومة حسب الخطة فسار لواء الأصطخر بقيادة عثمان بن أبي العاص نحو هدفه مدينة اصطخر .

وكانت أول عاصمة للساسانيين وفيها نشأ ساسان الأكبر، وفيها معبد النار الشهير (أناهيد) وفيها قبور ملوك ساسان، ثم يلتقي الجيش بعد ذلك في موقع توج (بشهرك) حاكم مدينة كرمان وفي معركة حامية الوطيس بين الطرفين أنكسر الجيش الفارسي وقتل شهرك وابنه وتشتت شمل جيشه.

وكانت نتيجة هذه المعركة (حسب الدكتور حنظل) في بحث له بعنوان (دور لواء الاصطخر الخليجي في الفتوحات الفارسية) أن تحطمت معنويات الفرس فاندفعت الألوية العربية داخل فارس تفتح المدينة إثر الأخرى ،أما لواء الأصطخر الخليجي فقد أنضم إليه بصفة تعاون لقائد اللواء الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري رضي الله عنه فسارت ففتحت مدينة (أرجان) ثم مدينة (شيراز) ثم مدينة (سينيز) ثم مدينة (درابجرد).

نفوذ الأزد من البصرة إلى عمان

٪ وهكذا حين تم فتح فارس عاد اللواء المذكور إلى البصرة حيث كان عمر أتم بناءها فسكنها عدد غفير من قادة وجنود اللواء المذكور وأغلبهم من قبيلة الأزد وكان أشهر من سكنها (ابوصفرة) وولده (المهلب) وكذلك القاضي (كعب بن مسور) وأمتد نفوذ الأزد من البصرة إلى عمان فيما صارت إمارات الخليج تابعة إلى البصرة من الناحية السياسية، وللشيخ سيف بن حمود البطاشي المؤرخ العماني إفادات بهذا الخصوص.

حيث يروي أن أول من قدم البصرة من أهل عمان ثمانية عشر رجلاً منهم كعب بن سور أما (أبوصفرة) وولده (المهلب) فإنهما أقاما ومن معهما من الأزد الذي قدم بهم من (دبا) إلى أن استقرت به البلاد وأمن المكائد ثم خرج للغزو في جيش عبدالرحمن بن سمرة عامل الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه على سجستان، خرج بمائة فرس كان قطع بها من عمان ثم عاد بعد ذلك إلى البصرة.

وكانت عودته بعد وقعة (الجمل) بثلاثة أيام ، ويذكر أن أمير المؤمنين دعا له وقال (مالقيت من أحد مثل الذي لقيت من قومك) وولاه نهر تيري ومناذر الكبرى وولاه رئاسة الأزد، كما عقد لواءا لإبنه (المهلب ابن أبي صفرة) وكان أصغر إخوته وعمره نيف وعشرين سنة على أهل البوادي وتوفي (أبوصفرة) رحمه الله في البصرة في ولاية ابن عباس عليها لعلي بن ابي طالب وصلى عليه ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين .

 

عمان في العهد الأموي

إن الإشارات التاريخية لموقعة (الجمل) وعهد الخليفة الرابع علي رضي الله عنه تستوقفنا في سياق التدرج التاريخي لصفحات التاريخ الاسلامي في دفاتر الوطن مع هذا الموجز التاريخي القائل بأن (الفتنة التي أطاحت فيما بعد بالخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه وأدت إلى قتله، فتحت باب الصراع واسعاً داخل دار الاسلام وتجلى ذلك في (صفين) و(الجمل) مما رسخ الأحقاد بين المسلمين وانقسمو فرقاً وشيعاً حسب مايخبرنا الدكتور محمد ارشيد العقيلي .

وقد أطلق بعض المؤرخين على الفترة الممتدة بين مقتل عثمان وقتل علي بن ابي طالب كرم الله وجهه وقيام الدولة الأموية إسم (الفتنة الأولى) وترتب على هذه الأحداث الأليمة توقف حركة المد الاسلامي، وظلت الجيوش تراوح مكانها أحياناً وتتراجع حيناً آخر بسبب كثرة حركات الإنتقاص والردة في بلاد فارس وخراسان.

والأنكى من ذلك أن بعض سكان جنوب العراق ومنطقة الخليج الذين كانوا مادة الفتح سابقاً قد دسو أنوفهم في تلك الأحداث وأصبحوا جزءاً منها كما يشير الدكتور العقيلي ، بيد أنه بعد استقرار الحكم الأموي أستأنف (معاوية) رضي الله عنه حركة المد الإسلامي في المشرق على نطاق ضيق حيث لعبت منطقة الخليج دواً بارزاً في هذه المرحلة أيضاً وأسدل الستار على الفتن والحروب الأهلية في عهد يزيد بن معاوية من عام 61هـ - 77هـ والثورات المعروفة في صفحات التاريخ الاسلامي لتلك الفترة والتي تروي بأنه عندما أستقامت الأمور لعبدالملك بن مروان أستأنفت حركة المد الاسلامي في المشرق عام 77هـ بقوة وعزم فاق ماتم إنجازه في السابق، وبلغت هذه الفتوحات ذروتها في عهد الوليد بن عبدالملك .

وسوف نجد أن أعداداً غفيرة من عرب الخليج خاصة الذين استقروا في خراسان قد شاركوا بهذه الفتوحات بشكل فعال ، وسوف تلعب أسرة (المهالبة) المهلب وبنيه الذين كانوا قد أستقروا في البصرة دوراً بارزاً في هذه الفتوحات ، كما ويتضح أن المهلب وبنيه ومن معهم من قبائل االأزد وربيعة وقيس وتميم المستقرين في خراسان وجلهم من مقاتلة عرب الخليج وجنوب العراق قد ساهموا مساهمة فعالة في فتح (خراسان) وبلاد ماوراء النهر وجرجان وعملوا على نشر الاسلام في هذه المناطق ، وعن عمان في العهد الأموي نقرأ للدكتور أحمد شلبي صاحب مجلدات موسوعة التاريخ الاسلامي والحضارة الاسلامية قوله : "

إن الحديث عن عمان في العصر الأموي يحتاج إلى عودة للوراء لنتحدث عن الصراع الذي دار بين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ومعاوية ففي هذه الحرب نشأت فرقة الخوارج، والمهم أنه في معركة النهروان بين الإمام علي رضي الله عنه وبين الخوارج سنة 38هـ لم ينج من الخوارج إلا عدد قليل لم يتجاوز العشرة وأن هؤلاء تفرقوا في البلاد واتجه أكثرهم إلى المناطق النائية.

 فذهب اثنان منهم إلى عمان واثنان إلى كرمان واثنان إلى سجستان واثنان إلى الجزيرة وواحد إلى اليمن وشهدت عمان نشاط الخوارج الذين وفدوا إليها فلما قتل علي كرم الله وجهه بعد هذه الموقعة بحوالي سنتين وآل أمر الخلافة إلى بني أمية أعلن الخوارج أن عداءهم الحقيقي هو لمعاوية وأصبحت عمان أهم مركز بالجزيرة العربية لهذا العداء ووجد أهل عمان في ذلك فرصة لإعلان استقلالهم عن الحكم المركزي.

وهكذا أصبح أمر عمان كما يؤكد المؤرخ العماني السالمي بيد أهلها ولن يكن لمعاوية ولا لمن بعده سلطان في عمان حتي عهد عبدالملك ، ويوضح المؤرخون أنه في عهد عبدالملك بن مروان تغيرت الأمور فقد أصبح الحجاج صاحب السلطة في أرض العراق، ومن هنا تطلع للخليج وبالتالي إلى أرض عمان ورأي أن سلطانه بالعراق لايتم إلا إذا أمتد بسلطانه إلى الخليج العربي وخليج عمان ومن هنا قام صراع طويل بين أهل عمان وبين جيوش الحجاج وانتصر الحجاج في نهاية الأمر وفر زعماء أسرة الجلندي من وجه الحجاج إلى بلاد الزنج (زنجبار) .

واضعين أساساً لصلة طالت وأمتدت بعد ذلك بين عمان وساحل افريقيا الشرقي، واستعمل الحجاج على عمان الخيار بن صبر المجاشعي وعندما آل الأمر إلى الوليد بن عبدالملك عين هذا سيف الحمداني والياً على عمان، ثم عين سليمان بن عبدالملك على عمان صالح بن عبدالرحمن الليثي وبعده زيادة بن المهلب بن أبي صفرة، واتجه عمر بن عبدالعزيز وجهته الاسلامية فعين والياً صالحاً هو عمر بن عبدالله الأنصاري.

فأحسن السيرة بين الناس ومن أجل هذا ظل مكرماً محبوباً بين أهل عمان حتى وفاة الخليفة الزاهد عمر بن عبدالعزيز، وحينئذ تنحى هذا الوالي وأعاد السلطة لزيادة بن المهلب قائلاً له: "هذه البلاد بلاد قومك فشأنك بها.. وخرج عمر بن عبدالله من عمان وقام بالولاية زيادة بن المهلب.

جلفار في ولاية الحجاج

وفي صفحات التاريخ الاسلامي من دفاتر الوطن من أخبار عهد الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان ثمة إشارات وروايات تاريخية هامة يرصدها لنا الدكتور فالح حنظل في بحث له بعنوان (مدينة جلفار في التاريخ) فيقول: " يبدو أن عبدالملك أكتشف أن عمان خرجت عن سلطاته فأوعز إلى واليه في العراق الحجاج بن يوسف الثقفي أن يوفد جيشاً إلى عمان ليعيدها إلى سلطة الدولة الأموية، فقام الحجاج بتجهيز جيش سلم قيادته إلى قائد اسمه القاسم بن شعوة المزني وهو الذي تشير بعض المصادر والإجتهادات إلى أنه الجد الأول والمؤسس الأول للاسرة والعشيرة (القاسمية) الحاكمة في إمارتي رأس الخيمة والشارقة.

ولكن الجيش الأموي القادم من العراق بحراً انهزم وتشتت فلوله في أرجاء عمان وقتل القاسم بن شعوة المزني أيضاً، ثم استدعى الحجاج أخ القتيل واسمه مجاعة بن شعوة المزني وأمره بتشكيل جيش آخر ليتقدم صوب عمان ويسحق مقاومتها وقد تمكن القائد الجديد من تشكيل جيش بلغ تعداده أربعين ألف مقاتل قسمهم إلى جيش بري وجيش بحري وإلى مشاة وقوات الفرسان والهجانة ،كانت قوة الفرسان والهجانة قد سبقت الجيش في وصولها إلى بلدة اسمها (البلقة) يعتقد أنها قريبة من مدينة العين في أبوظبي الآن.

وفي جبال تلك المنطقة كان يكمن سليمان بن الجلندي مع جيشه البالغ ثلاثة آلاف وخمسمائة مقاتل فشن هجوماً على فرسان الجيش الأموي وهزمه وشتت شمله، وفي تلك الأثناء وصل مجاعة على رأس قواته البحرية وأمر سفنه بالرسو في (جلفار) رأس الخيمة واتخذها قاعدة متأخرة لتحركاته ، وألتقى جماعة في (جلفار) برجل من أهل (توام) أي مدينة (البريمي) العمانية المتاخمة لمدينة العين في ابوظبي فأخبره بما حل بقوة الفرسان.

كما أخبره عن قوات جيش سليمان الجلندي والغالب أن (مجاعة) بقي في (جلفار) فترة إلى حين وصول بقية وحدات المشاة الراكب أو الراجل منها إلى (جلفار) لأنه قرر أن يتوغل في داخل عمان وأن يصل إلى مسقط التي لم تكن حينذاك عاصمة عمان، وعندما تم له ذلك تحرك على رأس قواته متجهاً غرباً نحو مسقط.

وفي سياق سرد قصة المعركة يذكر أن (مجاعة) بعد أن انهزم ومن بقى معه دخل (جلفار) ثانية وقرر أن يتحصن بها وأن يتخذ منها موضعاً دفاعياً وكتب من هناك للحجاج يبلغه بنبأ الكارثة التي حلت بالجيش الأموي الثاني ، وإلى مجاعة وجيشه المحاصرين في (جلفار) تصل من الحجاج حملة جديدة بقيادة عبدالرحمن بن سليمان وهو مصري وجنوده من بدو بادية الشام والعراق والأردن وقد وصلت (جلفار) وانضمت إلى القوة المحاصرة.

وبإنتصار هذا الجيش الأموي أحكم الحجاج قبضته على عمان واتخذ على الأغلب من (جلفار) قاعدة للحكم والاتصال بين العراق والشام من جهة وعمان ودول الخليج الأخري من جهة أخري وتعاقب ولاة بني أمية علي المنطقة حتى قررت حكومة الشام أن تولي أمر عمان أبا زياد بن المهلب الأزدي، وهكذا بقيت عمان والمنطقة تدار بيد أبنائها حتى سقطت الدولة الأموية في الشام وقامت الدولة العباسية في العراق.

Email