عثمان بن العاص في دبا وجلفار

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يؤكد المؤرخون العمانيون وغيرهم أن الإسلام استطاع أن يوحد بين القبيلة في عمان تحت لوائه ويوفرلها نظاماً سياسياً وتشريعياً أقامت عليه دعائم المجتمع .

وقد حاولنا في هذه الرحلة البحثية الرمضانية بين سجلات التاريخ الاسلامي من دفاتر الوطن رصد أبرز الأحداث والأخبار التاريخية على هذه الأرض بالتدرج التاريخي منذ العام الثامن الهجري عندما سطع نور الاسلام على الخليج العربي وصولا إلى عهد خلافة الصديق رضي الله عنه في العام الحادي عشر الهجري ، وماحدث بعد ذلك عندما ذهب وفد من أهل دبا وفيهم «ابوصفرة» إلى المدينة المنورة لمقابلة الصديق رضي الله عنه لشرح أبعاد المأساة والنكبة التي حلت بدبا.

 وهي المذبحة التي مات فيها أكثر من عشرة آلاف قتيل مازالت بقايا قبورهم قرب بلدة (دبا) من الطرفين وتعرف بمقبرة (أمير الجيوش) ،وأفادتنا الروايات التاريخية بأن الوفد قابل في المدينة المنورة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وشرح له خلفيات القضية فصدقهم عمر وذهب بهم إلى الصديق وقال له قولته المشهورة:

(ياخليفة رسول الله هم مسلمون إنما شحوا- بأموالهم والقوم يقدلون ما رجعنا عن الاسلام) وأثناء تلك المباحثات انتقل الصديق إلى رحمة الله تعالى فتولى الخلافة من بعده عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي أمر بتسوية القضية ورد سبي (دبا) إلى أهلهم وأعاد إليهم كرامتهم.

وبالتسلسل التاريخي نواصل البحث في أخبار الحضور التاريخي الإسلامي للأحداث والشخصيات والمواقف والأدوار التاريخية لأبناء هذه الأرض وفوق ترابها وسواحلها وجبالها وبحرها وبرها في عهد خلافة (الفاروق رضي الله عنه) ودور القبائل العربية الإسلامية هنا في محاور المرحلة الاولى من مراحل المد الإسلامي في المشرق .

وهي التي يحددها المؤرخون في محاور ثلاثة أما المحور الأول فقد كان سواد العراق وشماله وسقطت خلالها الدفعات الأولى للدولة الفارسية، وكان انتصار القادسية وسقوط المدائن، ايذاناً بسقوط هذه الدولة وقد أسهم فيها عرب الخليج اسهاماً فعالاً من خلال المقاتلين من قبائلها (تميم وبكر بن وائل وعبد وقيس ومن خلال قادتها المثنى والقعقاع وأخيه عاصم) واتخذ المحور الثاني من البصرة بعد تمصيرها قاعدة عسكرية للإنطلاق نحو سواحل الخليج الشرقية (الأحواز) ونحو اقليم (سجستان) ثم فيما بعد (نحو خراسان وما وراء النهر) .

وقد لعب الخليج العربي دوراً بارزاً في هذه الفتوحات موقعاً وجندا وقادة. وأما المحور الثالث فهو محور بحري لعبت فيه البحرين وعمان دوراً مهماً في نقل الجيوش إلى الضفة الشرقية للخليج بحراً في عمليات فتح متصلة في بلاد فارس واصطخر وكرمان ومكران ثم في بلاد السند فيما بعد..

وقد وقع عبء هذه الفتوحات على مقاتلين من عرب البحر وعمان من تميم وعبد قيس والأزد.وإذا كان عثمان بن أبي العاص الثقفي قائد لواء الإصطخر ووالي الخليفة عمر رضي الله عنهما على البحرين وعمان قد تلقى الأمر بغزو بلاد فارس وهو في مدينة (دبا) فقاد جيشاً عظيماً من قبائل عبدالقيس والأزد وتميم كبرى قبائل الخليج قوامه ثلاثة آلاف محارب وعبر (جلفار- رأس الخيمة) إلى جزيرة (كاوان) فإن صفحات التاريخ الإسلامي من دفاتر الوطن تروي الكثير من الأخبار عن وجيه (دبا) (أبوصفرة) الذي كان يرأس كتيبة رأس عمران في لواء (الأصطخر).

وهكذا ستكون حفاوة صفحات التاريخ عن المهلب القائد وآل المهلب حتى العصر العباسي ، وسنعرف من أعلام التاريخ الإسلامي في صدر الإسلام القاضي كعب بن مسرور وسيرته بين دبا والكوفة ، وكذلك ابن دريد الأزدي بين قدفع الفجيرة وصحار والبصرة . ونمهد لهذه الرحلات بأخبارالتاريخ الإسلامي في منطقتنا بالتسلسل المتبع حيث بلغنا عهد خلافة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه .

عندما تولى أمر المسلمين الخليفة الراشد عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) كان الإسلام قد استقر استقرارا تاما في هذه الأقطار، فأمر عمر عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنهما أن يكون واليه على الخليج العربي، وفي صفحات دفاتر التاريخ الاسلامي للوطن نقرأ اخبارا موجزة عن هذا القائد الإسلامي على أرض الإمارات فهناك اشارة تاريخية تقول:

إن عثمان بن أبي العاص كان في عمان وهو الاغلب في مدينة (دبا) عندما استلم أمر الخليفة بتشكيل ألوية الجيش بأسماء المدن والمناطق الفارسية التي كانت تشكل أهدافا عسكرية يجب فتحها - وسنعرف تفاصيل هذه الأحداث لاحقا- خاصة وأنه سيبرز فيها اسم (ابو صفرة) والد المهلب بن أبي صفرة من دبا مثلما تمتد بنا تلك الأحداث لتصل من دبا إلى جلفار ، لكننا بصدد عثمان بن ابي العاص الثقفي في عهد الفاروق عمر بن الخطاب جدير بنا الإشارة (حسب المؤرخين) بأن عثمان بن أبي العاص كان هو عامل الرسول بعد فتح مكة ، فلما همت ثقيف بالردة قام عثمان وقال :

يا أبناء ثقيف كنتم آخر من أسلم فلا تكونوا أول من أرتد . وفي خلافة الصديق رضي الله عنهما كان عثمان يقود جيشا اسلاميا في منطقة (الرهاء) علاوة على واجبه في الطائف ، فلما آلت الخلافة إلى عمر عينه واليا على الخليج العربي وقد اختلف المؤرخون في السنة التي تولى فيها الحكم كما اختلفوا في مكان العاصمة التي اتخذها مقرا له، ولكنه كان قد اتخذ من أخيه الحكم بن العاص نائبا له ، فكان إذا سار الى البحرين وجلس فيها مدة يحكم بين الناس ، بعث أخاه الحكم إلى عمان وبالعكس.

الفتوحات الاسلامية

وتخبرنا رواية الطبراني بأن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عين عثمان بن أبي العاص الثقفي واليا على الخليج العربي بعد عزله العلاء بن الحضرمي الذي غامر بغزو فارس دون إذن الخليفة ، وذلك سنة17 هجرية 638 م ، ومن هذا التاريخ تبدأ المرحلة الحقيقية لفتوحات اقليم فارس من قاعدة البحرين.

وتشير رواية تاريخية إلى أن جيشه كان يتكون من قبائل القيس والأزد وتميم وبني ناجية. وهنا اشارة مهمة إلى دور أهل هذه المنطقة في الفتوحات الإسلامية للساحل الشرقي من الخليج وبلاد فارس بعد نصر القادسية وقبل التشكيل العسكري للواء جيش عثمان بن ابي العاص الثقفي عندما استلم أمر الخليفة عمر وهو في مدينة دبا كما أشرنا وحسبما سنعرف تفاصيله لا حقا لمزيد من التوضيح بهذا الخصوص .

حيث لا تبرز في صفحات التاريخ الاسلامي من دفاتر الوطن أحداث أهم وأبرز من تلك المشاركات الجهادية لأزد عمان في الفتوحات الاسلامية خلال هذه المرحلة التاريخية التي تعقب أحداث (فتنة دبا) ، نقول- لمزيد من التوضيح فإن أول ما يلفت نظر الباحثين المتمعنين في تاريخ المنطقة كونها تشكل وحدة طبيعية و بشرية واقتصادية إذ أنها بالرغم من المؤثرات الخارجية الإجتماعية والإقتصادية والسياسية التي تعرضت لها عبر العصور فإنها كانت بوتقة انصهرت فيها هذه المؤثرات المتنوعة وبقيت تمتلك وحدتها الداخلية في كل هذا البناء والتنظيم، ويخبرنا الدكتور فاروق عمر فوزي فيقول :

إن النفوذ الكبير الذي يتمتع به العرب وخاصة من آل الجلندي على أقاليم الخليج العربي وتمتعهم بحرية كاملة للحركة والتنقل وجباية المكوس يدل على أنهم امتلكوا قوة عسكرية كبيرة جعلتهم يهيمنون على الخليج العربي ويؤثرون كثيرا في إدارة شؤونه ويفرضون الضرائب على التجارة و تستوقفنا اشارة الجغرافيين العرب القدامى .

وهم يصفون الطريق الساحلي الذي كان يصل بين البصرة وعمان ويقدرون هذا الطريق بما يستغرق من المسافر عليه نحو شهر، وهو طريق خطر لا ماء فيه وقد يركب الرمل الطريق، لذلك فضل العرب ركوب البحر وسلوك الطريق البحري بين البصرة وعمان الى جبلي (كسير وعوير) ويقعان في منطقة رؤوس الجبال في مدخل الخليج العربي في عمان اليوم ثم إلى سواحل عمان المطلة على خليج عمان .

مجاهدون من عمان والبحرين

عودة الى ما نحن بصدده من صفحات التاريخ الاسلامي مع الأدوار الثابتة لأبناء المنطقة وقبائل الأزد في الفتوحات الإسلامية الخارجية الأولى فإنه لما كانت المرحلة الحقيقية لفتوحات اقليم فارس من قاعدة البحرين بقيادة عثمان بن أبي العاص الثقفي وكانت المشاركة القتالية العربية من أبناء هذه الارض مؤكدة فيها وهكذا كانت مشاركة القبائل العمانية والبحرينية في عهد الخليفة الراشدي عثمان بن عفان رضي الله عنه الذي ولى عبد الله بن عامر ولاية البصرة سنة 28هجري /648 م بعد عزل أبي موسى الأشعري عنها ،كما انتقل عثمان بن أبي العاص الثقفي .

وربما معه الكثير من المقاتلين من البحرين وغيرها الى البصرة للمشاركة في فتح فارس من جهة البصرة البرية وابتدأت العمليات العسكرية سنة 29ه/649 م ، عن تاريخ تلك المرحلة للفتوحات الاسلامية في اقليم فارس من قاعدة البحرين بقيادة والي البحرين وعمان وبمقاتلين منهم تخبرنا الروايات التاريخية...

بأن عثمان قطع البحر إلى فارس فنزل فوج ففتحها وبنى بها المساجد وجعلها دارا للمسلمين وأسكنها عبد القيس وغيرهم فكان يغير منها على أرجان وهي متاخمة لها ويبدو أن عثمان بن أبي العاص في طريقه إلى الساحل الشرقي فتح بعض جزر الخليج ، ففي فتوح البلدان تشير رواية تاريخية إلى فتحة جزيرة (ابركاوان) وهي جزيرة عربية نسبة الى كاوان وهو لقب للحارث بن امروء القيس بن حجر بن عامر من بني عبد القيس .

وربما كان اختيار عثمان لهذه الجزيرة يعود إلى كثرة العرب بها وبالأسياف القريبة منها وإلى موقعها الاستراتيجي حيث تقع عند مضيق هرمز على الجزء الاسفل من الخليج العربي فهي تتحكم بالطريق البحرية وتعتبر محطة لتجميع القوات العسكرية، هذا بالاضافة إلى بعدهاعن مراكز الحشود العسكرية الفارسية الواقعة في شمالي وشمال شرقي الخليج العربي .

وحسب الدكتور-فاروق فوزي - فإن عثمان بن العاص لابد أنه ضم إلى مقاتليه من أهل البحرين وعمان العرب من أهل الجزر والأسياف على السواحل الشرقية فكانت جزيرة (ابركاوان) منطلقا لفتح الساحل والتقدم نحو (توج) سنة 19ه/64م ، وقد بنى عثمان الثقفي مسجدا في كل من أبركاوان وتوج وأنزل العرب فيها ، لقد كانت هذه العمليات قريبة من الساحل ولم تتوغل في عمق اقليم فارس في عهد الخليفة عمر، كما وان العرب لم يتمكنوا من فتح (اصطخر)- (برسيبوبوليس) لحصانتها رغم محاولات عديدة قامت بها قوات مشتركة من البصرة والبحرين سنة 21ه،23ه على التوالي.

 ألوية وكتائب المسلمين

أما الدكتور فالح حنظل فإنه يخبرنا في هذا السياق بأنه لما تم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه النصر في القادسية واند فعت الجحافل الإسلامية داخل فارس تحررها من الكفر والمجوسية، وعندما تم لهم فتح نهاوند أخذ الفرس الفزع فأزدادوا اضطرابا وهبطت معنوياتهم بدرجة كبيرة .

فما كان من عمر إلا أن أخذهم وهم فيماهم فيه ودفع بقواته إلى سائر ولاياتهم حتى تذعن كلها لسلطانه ولا يبقى لمقاومة أثر هناك ، لذلك فقد أمر بتشكيل سبعة ألوية من الجيش اطلق عليها أسماء المدن والمناطق الفارسية التي كانت تشكل أهدافا عسكرية يجب فتحها فكانت تلك الألوية كمايلي :

(لواء خراسان بقيادة الأحنف بن قيس ) و(لواء أردشير وسابور بقيادة مجاشع بن مسعود السلمي ) و(لواء دار بجرد بقيادة سارية الكناني) و(لواء كرمان بقيادة سهيل بن عدي) و( لواء سجستان بقيادة عاصم بن عمرو) و(لواء اصطخر بقيادة عثمان بن أبي العاص الثقفي ). واستسلم عثمان أوامر الخليفة وهو في مدينة ( دبا) كما اشرنا بتشكيل ( لواء الأصطخر) من أبناء الخليج العربي وحدد له هدفه بالإستيلاء على مدينة ( اصطخر) العاصمة الساسانية العتيدة، فندب عثمان بين أهالي المنطقة فاجتمع لديه ثلاثة الاف مقاتل وزعهم على ثلاث كتائب هي :

(كتيبة أزد شنوءة بقيادة صبرة بن سليمان الحداني) و (كتيبة مالك بن فهم بقيادة يزيد بن جعفر الخضمي) و(كتيبة رأس عمران بقيادة أبو صفرة ) وكان معه ولده الملهب أيضا ،و(الملهب) هو القائد الاسلامي الذائع الصيت هو وأسرته الذين انتشروا فيما بعد في العالم الاسلامي وكانوا أعلاما في القيادة والرياسة والسيادة.

Email