رحالة أوروبيون يؤرخون العمق الحضاري للإمارات

ت + ت - الحجم الطبيعي

سنتحدث في حلقة اليوم عن مرحلة ما قبل بزوغ فجر الإسلام على منطقتنا، قبل أن تتعرف قلوب أهل هذه البلاد على أنوار التوحيد الحاملة لنسائم الخير والنجاة، كيف كان المكان، والهيئة التي كان عليها الإنسان، في ذلك الزمان.

وسنناقش مظهر إقليمي عمان والبحرين من الناحية الجغرافية، معرجين على كثير من الآراء والدراسات الأثرية والتاريخية للمنطقة في مرحلة ما قبل الإسلام، وسنركز في بحثنا عن أبرز المظاهر الحضارية لمنطقتنا في تلك المرحلة الزمنية من تاريخنا.

وسنعرّج على الملامح الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي سادت المنطقة في تلك المرحلة الزمنية التي سبقت دخول الإسلام إلى البلاد بأعوام قليلة، ومن أبرز الأماكن التي ستتناولها حلقة اليوم بالبحث وتسليط الضوء عليها (سوق دبا) الذي كان يحظى في ذلك الوقت بشهرة واسعة في الجزيرة العربية من الناحية الحضرية والاقتصادية.

ويعرج البحث على مشاهدات الرحالة الكلاسيكيين "الرومان واليونان" أثناء مرورهم في المنطقة في القرن الثالث قبل الميلاد. وبالوصول إلى الفترة بين200 و400 قبل الميلاد ثمة إفادة عن ميناء (أكيلا) قرب رأس الخيمة والذي كان معروفا ضمن موانئ خليجية أخرى مثل خاراكس "المحمرة اليوم" وجرهاء" شرق السعودية.

وفي حوالي عام300 قبل الميلاد يرد اسم الشارقة ضمن المهمة الاستطلاعية لضباط قائد الجيش الإسكندر المقدوني نيروخوس الذي كان حينها في البحرين والذين اتجهوا جنوبا نحو موقع عمان والإمارات وغربا نحو السعودية. ويبدو أن ضابطا آخر واسمه "هيرون" تمكن من الوصول إلى موقع الشارقة الآن، وقد أخذ معه بعض الهدايا والتحف من المكتشفات الأثرية الحديثة كاس ماء مدون عليه مدينة الشارقة، ونتخطى الزمن من الماضي البعيد لنفتح صفحة تاريخية جغرافية اخرى من "دفاتر الوطن" فيواجهنا العالم الإغريقي الشهير بطليموس الذي ولد وعاش في الاسكندرية في القرن الثاني الميلادي (90-168) وفي خارطته لشبه الجزيرة العربية يظهر ساحل الخليج العربي لأرض الإمارات ولكن أطول مما يجب.

وقد أوردنا إشارة بعض المصادر إلى أنه يرد لدى بطليموس اسم مدينة ( كلبا) التابعة للشارقة اليوم وذلك باسم ( كلنا) وقد ذكر أنها تقع مقابل جزيرة قشم في مدخل الخليج. ولدى بطليموس ايضا إشارات لأسماء قبائل عربية استوطنت منطقة الامارات محددا مواطنها كما أعطى معلومات قيمة جدا عن تاريخ الخليج في تلك الفترة. وإذا كانت خريطة العالم الاسلامي (الشريف الادريسي) لعام 1154 ميلادية قد أعقبت فترة ركود في المعرفة الكارتوجرافية المبكرة وهي التي دامت منذ القرن الثاني وحتى التاسع والعاشر الميلاديين.

بالعودة إلى خبراء الآثار ومساهماتهم البحثية القيمة من النواحي الجغرافية التي نحن بصددها تستوقفنا ورقة عمل حديثة نوقشت مؤخرا وبالتحديد في شهر مارس الماضي لمؤتمر الآثار في مدينة العين وقدمها الباحث الآثاري الشهير (جيفري كينغ من معهد الدراسات الشرقية والأفريقية/ لندن/ بريطانيا) بعنوان (إعداد الخرائط المبكرة لشبه الجزيرة العربية من الجانب الأثري- التراث الإغريقي الروماني والإسلامي) وملخصه المترجم هو: "إن إعداد الخرائط حول شبه الجزيرة العربية يعتبر حقلا معقدا وتأكيدا مفيدا على النتائج المستمدة من الدراسات الأثرية وإن أقدم الخرائط الموجودة لشبه الجزيرة العربية هي خريطة بيوتنجر- وهي خريطة عسكرية رومانية، والخرائط التي تمت إعادة رسمها في القرن الرابع عشر الميلادي لتراث بطليموس من الخرائط التي وضعها في القرن الثاني الميلادي.

ولهذه الخرائط جذور في المعرفة المستقاة حول الجزيرة العربية والتي تسربت إلى مراكز رسم الخرائط في الإسكندرية وروما وجاءت من نتائج الحملات العسكرية والبعثات التجارية، ولا شك في أن الأمويين كانوا مطلعين على التراث البطلمي من علم الفلك/التنجيم، كما أن من المفترض أيضا أنهم اطلعوا على تراث بطليموس في رسم الخرائط الأرضية، رغم أن خريطة علوية واحدة فقط من هذه الحقبة بقيت صامدة حتى الآن.

وُضعت أولى الخرائط العلوية التي تم إنتاجها في العالم الإسلامي في إطار خرائطي مختلف جدا عما هي الحال في العالم الإغريقي - الروماني. ويترافق الرسم المبكر للخرائط المتعلقة بسواحل شبه الجزيرة العربية عند المسلمين مع "صورة الأرض" التي رسمها ابن حوقل في القرن العاشر الميلادي. ويبدو أن ذلك في جزء منه ناتج عن تراث الخرائط المندثر لدى الفرس فيما قبل الإسلام، والذي ورثه المسلمون.

ويَبرز تراث مختلف تماما في تقاليد رسم الخرائط المستخدمة في النسخة المخطوطة من المصنف الجغرافي للإدريسي، ومنشؤها صقلية في القرن الثاني عشر الميلادي.

وتعد بعض النسخ المخطوطة من هذا المصنف محكمة الإتقان وتتطابق بعض الشيء مع ما هو متعارف عليه آثاريا وطوبوغرافيا بأنه مناطق في شرق الجزيرة العربية. يظهر تراث مختلف كليا من نفس الحقبة تقريبا فيما يتعلق برسم خرائط المسجد الحرام في مكة المكرمة. ولعل هذا ناجم عن صياغة مبكرة في رسم المسجد الحرام واستخدِمت في شهادات الحج للحجاج. ويبدو أن حرفيين مكيين وضعوا هذا السجل البصري الأقدم حول الحرم المكي.

صمدت صياغة خرائطية حضرية مختلفة تماما في مخطوطة مزخرفة لأنيس الحجاجي تعود للقرن السابع عشر الميلادي. وتتضمن هذه المخطوطة رسوما توضيحية لأماكن شوهدت على طول الطريق من غوجارات إلى مكة المكرمة وتدون بالتفاصيل جوانب متعلقة بمدن ساحلية عربية. ويمكن التحقق مما قدمه أنيس الحجاجي عبر مقارنته بالبيانات الآثارية للمدن التي وصف أحوالها.

وتعتبَر الصياغة الخرائطية لمناظر المدن التي وضعها الحجاجي هندية في الأصل ومستقلة كليا عن سابقاتها من التقاليد الإسلامية، ومستقلة أيضا عما عاصرها من التقاليد العثمانية في رسم خرائط الجزيرة العربية، تختلف جميع هذه التقاليد الإسلامية والحضرية المتصلة برسم الخرائط عما كان سائدا في القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين، وعما تم رسمه من خرائط لشبه الجزيرة العربية فيما بعد على أيدي البرتغاليين والهولنديين والبريطانيين".

الملامح الجغرافية القديمة لموقع الإمارات

ولما كان السياق الجغرافي للمكان قد استغرقنا في رحلة اليوم فإنه يبقى أن نشير قبل أن نختتم هذه الصفحة إلى أنه بشأن تجليات الملامح الجغرافية لموقع الامارات كما نعرفه اليوم فإن المعنيين يجمعون وفي مراجع متخصصة عدة بأن المدن والمناطق والقرى الموزعة على إمارات الدولة بحدودها وكياناتها السياسية تتوضح منذ بداية القرن السابع عشر الميلادي وذلك بعد مرور المنطقة بتطورات سياسية واقتصادية وباستعراض تلك التطورات يتبين للباحث بأنه وفي حوالي عام 1640 كان هناك أساس للإمارات ولما نشاهده اليوم من توزيع مواقع الإمارات على هذا النحو الجغرافي الخاص مرورا بالحقب التاريخية والحضارية لمراحل نشوء الامارات والتي استغرقت آلاف السنين، فبالتوقف جغرافيا عند بداية القرن الثالث قبل الميلاد نجد ثمة اشارة من اليوناني (اراتوستين) الذي رسم خريطة للعالم وظهر فيها ما يعرف حاليا بمضيق هرمز واضحا.

ولكن ساحل الخليج العربي لأرض الإمارات كان في هذه الخارطة على هيئة خط مستقيم ذي اتجاه شرقي غربي، لكن تاريخ هذه الإشارة الجغرافية يلفت انتباهنا إلى المخطوطات السومرية والأكدية حيث تستوقفنا أول اشارة تاريخها توثقه بعض المصادر المعتمدة عن (ماجان) (ابوظبي) قبل حوالي 2500 سنة قبل الميلاد، حينها وحسب توضيحات الدكتور فالح حنظل كانت المملكة الاكادية في العراق على علاقة تجارية جيدة مع دولة ماجان حيث كانت تستورد منها معدن النحاس وكان من أهم صادرات "ماجان".

ويبدوا أن الملك سرجون الأكدي قد أجرى دراسة عسكرية لموقع ماجان قبل أن يوجه جيشه نحوه فذكر أن موقع وأرض ماجان على مسافة120 بيرو اي حوالي 800 ميل من مصب نهر الفرات وهذه المسافة تقارب الى درجة كبيرة المسافة بين البصرة وابوظبي اليوم.

وفي نفس الفترة التاريخية يستخرج المعنيون اسم " دلما" احدى جزر إمارة أبوظبي حيث وجد الملك سرجون الأكدي أن ديلمون محاطة بخمس جزر واحدة منها" تيلمون" وهي التي ترجحها المصادر بأنها جزيرة "دلما" وهو اسم أكدي مرادف للمعرفة والضيافة - حسب المفصل في تاريخ الإمارات - وباعتماد نتائج المكتشفات الأثرية في السنوات الاخيرة خاصة لمواقع العصر البرونزي في مختلف إمارات الدولة هناك بيانات أكثر دقة وافادة في هذا الصدد.

وتشير بعض المصادر إلى أن الإمارات قد حظيت بكتابات الرحالة الكلاسيكين "الرومان واليونان" أثناء مرورهم بها في القرن الثالث قبل الميلاد. وبالوصول إلى الفترة بين200 و400 قبل الميلاد ثمة إفادة عن ميناء (أكيلا) قرب رأس الخيمة والذي كان معروفا ضمن موانىء خليجية أخرى مثل خاراكس "المحمرة اليوم" وجرهاء" شرق السعودية.

وفي حوالي عام300 قبل الميلاد يرد اسم الشارقة ضمن المهمة الاستطلاعية لضباط قائد الجيش الإسكندر المقدوني نيروخوس الذي كان حينها في البحرين والذين اتجهوا جنوبا نحو موقع عمان والإمارات وغربا نحو السعودية. ويبدوا أن الضابط الثالث واسمه "هيرون" تمكن من الوصول إلى موقع الشارقة الآن وقد أخذ معه بعض الهدايا والتحف من المكتشفات الأثرية الحديثة كاس ماء مدون عليه مدينة الشارقة.

ونتخطى الزمن من الماضي البعيد لنفتح صفحة تاريخية جغرافية اخرى من "دفاتر الوطن" فيواجهنا العالم الإغريقي الشهير بطليموس الذي ولد وعاش في الاسكندرية في القرن الثاني الميلادي (90-168) وفي خارطته لشبه الجزيرة العربية يظهر ساحل الخليج العربي لأرض الإمارات ولكن أطول مما يجب.

وتشير بعض المصادر إلى أنه يرد لدى بطليموس اسم مدينة ( كلبا) التابعة للشارقة اليوم وذلك باسم ( كلنا) وقد ذكر أنها تقع مقابل جزيرة قشم في مدخل الخليج. ولدى بطليموس ايضا إشارات لأسماء قبائل عربية استوطنت منطقة الامارات محددا مواطنها كما أعطى معلومات قيمة جدا عن تاريخ الخليج في تلك الفترة. وإذا كانت خريطة العالم الاسلامي (الشريف الادريسي) لعام 1154 ميلادية قد أعقبت فترة ركود في المعرفة الكارتوجرافية المبكرة وهي التي دامت منذ القرن الثاني وحتى التاسع والعاشر الميلاديين.

وقد أظهرت ساحل الخليج لأرض الدولة على هيئة خط مستقيم ذي اتجاه شمالي غربي - جنوبي شرقي، كما ظهر مدخله أقل اتساعا عن الخرائط السابقة إلا أن هذه الخارطة تعتبر الأقدم في تاريخ هذه المعرفة من المصادر الإسلامية قبل القرن السابع عشر أو تحديدا في عام 1640 حين تجلى الموقع المعروف للإمارات اليوم وملامحها الجغرافية بوضوح كما سبقت الاشارة.

ومع اشراقة الإسلام على هذه الربوع العربية الكريمة فإن الأمر الذي أدى بالجغرافيين العرب إلى رسم الخرائط عن منطقة الامارات الحالية ويذكرون تفاصيل مدنها وأسماءها وشعوبها واهلها وذلك قبل القرن السابع عشر الميلادي، ولنا رحلات مستقبلية إن شاء الله مع الحوليات الجغرافية والإشارات التاريخية للامارات زمانا ومكانا لمحاولة البحث عن تاريخ المعرفة "الكارتوجرافية لدولة الامارات" من خرائط قديمة ووثائق تاريخية قبل ذلك الزمان وبعده.

Email