ليالي ثقيلة محملة بدخان الحروب

اليمن.. تخزين المآسي بجلسات القات

ت + ت - الحجم الطبيعي

خلافاً لليالي رمضان المتميزة في صنعاء، تمر ليالي هذا العام ثقيلة محملة بدخان الحروب وسواد القلوب وظلام الدروب، فآثار الدمار في كل شارع وحارة، وفي كل موقع وموضع بل وفي مناطق متعددة من البلاد، كل ذلك تضاف إليه الأوضاع الاقتصادية المتردية وحالات النزوح الجماعي المنفرة لمئات الآلاف من أبناء الشعب، وهناك انقطاع كامل للكهرباء وتوقف شامل للمياه، وشلل تام للاتصالات الهاتفية.

ومقاهي صنعاء وشوارعها التي كانت تكتظ بالرواد تبدو خالية أو مغلقة، لأن تكاليف توليد الكهرباء في ظل غياب الوقود وارتفاع الأسعار في السوق السوداء أضعاف مضاعفة، حيث وصل سعر عبوة العشرين لتراً من الديزل أو البترول إلى سبعين بدلاً عن 15 دولاراً.

وباتت مجالس القات وجهة الغالبية العظمى من الناس، حيث يتجمعون ويجتمعون لتبادل الأحاديث عن تطورات القتال، ومآسي التشرد والنزوح والأوضاع الاقتصادية، ومستقبل البلاد، يأملون أن تنتهي الحرب وأن يعود اليمن سعيداً بعد أعوام من التعاسة التي جلبها أهل السياسة الذين افتقدوا اللباقة والكياسة.

أشرف محمد حمود موظف في شركة عامة يقول: لا طعم لرمضان هذا العام، فالأجواء التي اعتدنا عليها اختفت، حتى من وجوه الناس لا تجد تلك الابتسامة التي كانت ترافق حلول الشهر الكريم. ففي العام الماضي ورغم الأوضاع الاقتصادية كانت هناك أجواء للشهر الفضيل، فالكهرباء كانت تنقطع لأربع أو خمس ساعات ثم تعود، بينما في هذا العام ليس هناك أي كهرباء، بل السائد والموجود عن أخبار القتال والنزوح وسوء الأحوال في عدن وتعز وفي الضالع ومأرب وغيرها.

وفي سياق داعم لتلك الرؤية يؤكد القبطان شرف عزي أنه انتقل من الحديدة إلى صنعاء لصعوبة الصوم هناك، حيث تصل درجة الحرارة إلى أربعين درجة في ظل انقطاع شامل للكهرباء وارتفاع أسعار الوقود، وأصبحت أحاديث الناس تتركز على مصير البلاد في ظل القتال، هل ستنجوا اليمن من الحروب الطائفية أم أنها ستنزلق لوضع مشابه للوضع في ليبيا وسوريا.

أجواء مختلفة

ويقول مدير المختبرات في المستشفى الألماني وضاح عثمان، إن الحديث عن الأجواء التي اعتاد عليها اليمنيون في رمضان بات ممجوجاً ومملاً، نعم، أيام زمان كانت الليالي تزدحم بأجواء المرح والروحانية، بين المساجد والمقاهي ومجالس القات وكان الناس يستمتعون بأوقاتهم بين نهار عمل وليل محمل بالأمل، وليل صنعاء كان يعج بالحركة إلا أنه في هذا العام بات مختلفاً، فالصراع على المساجد واستهدافها جعل الكثيرين يفضلون البقاء في المنازل، والانفلات الأمني وانقطاع الكهرباء ونزوح عشرات الآلاف جعل الكثير من المقاهي خالية من الرواد.

وأضاف: في معظم البلدان العربية الناس تهتم بمتابعة مسلسلات رمضان التي تتنافس الفضائيات العربية على بثها، بينما اليمنيون يركزون على أخبار القتال ومآسي النازحين والمدنيين في تعز وعدن، وتحركات المبعوث الدولي على أمل أن يسمعوا خبراً مفرحاً بالاتفاق على وقف الحرب.

شرور الانهيار

«إنها المرة الأولى منذ عشرات السنين التي أقضي فيها رمضان وحيداً في صنعاء، فالأسرة اضطرت إلى الهروب من الحرب بحثاً عن الأمان بالريف»، ذلك ما قاله الموظف المتقاعد عبدالوهاب حمود، وأضاف: لم نعد نهتم بطقوس رمضان ولا بأطباقه التي كانت تميزه، كل همنا الآن أن تنتهي الحرب لنجنب بلادنا شرور الانهيار والتمزق. وللأسف فهناك عشرات الآلاف أصبحوا من دون أعمال والجوع يفتك بملايين الناس، فعن أي أجواء يمكن الحديث، ففي مجالس القات التخزين يخزن مآسينا إلا أنه لا يستطيع تناسيها.

Email