روائح الشهر الكريم تنبعث بالكاد من المناطق الشعبية

مسلمو فرنسا.. صيام وقيام في مجتمع يزداد عنصرية

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

روائح رمضان الكريم لا تنبعث من أزقة وأحياء باريس وشقق مبانيها الجميلة المعروفة بهندستها المعمارية المميزة، سوى بالكاد من بعض المناطق الشعبية التي يسكن فيها عدد كبير من العرب والمسلمين الذين يحاولون معايشة الشهر الفضيل عبر مقاربة بين يوميات الغرب وحياتهم الروتينية، والبحث عن جو عائلي يذكر بالطقوس الدينية الأصيلة، من خلال موائد الإفطار والسهرات الشعبية وصلاة التراويح في المساجد.

فككل عام يعود رمضان، وتعود معه يوميات المغتربين العرب والمسلمين في فرنسا، الذين يحاولون معايشة الشهر الكريم على الطريقة التي ترضي ديانتهم الإسلامية وتتسق مع قوانين الدولة التي يعيشون فيها مع تزايد الضغوطات عليهم وارتفاع نسبة العنصرية والعداء لهم في مجتمع يزداد بغضه وكرهه للجاليات منذ الهجمات الإرهابية التي ضربت قلب العاصمة باريس مطلع السنة الجارية وقتل فيها 17 شخصاً.

ورغم مرارة الغربة بالنسبة لملايين المسلمين المقيمين في البلاد، فإن غالبية ممن لم يحالفه الحظ في قضاء الشهر الكريم مع الأهل في أوطانهم، يبقى رمضان بالنسبة له فرصة للتلاقي والتواصل والتضامن مع المحتاجين من خلال موائد الرحمن التي تنظمها جمعيات إسلامية وتسهر على بعضها الأخرى مساجد في مقدمتها مسجد باريس الكبير بالدائرة الخامسة والذي يخصص جزءاً من ميزانيته لوجبات الإفطار بجانب تبرعات أفراد من الجالية المسلمة للغاية نفسها.

بالفيل الجميل

حي "بالفيل" أو ما يعني باللغة العربية المدينة الجميلة أحد أكثر الأحياء بالعاصمة شعبية وتواجداً للعرب والمسلمين، يسكن قلب الدائرة الباريسية الـ20، تحول هذه الأيام إلى حي من الأحياء الشعبية كمثله في أي بلد عربي، من حديث بائعيه في المحلات باللغة العربية باختلاف لهجاتها، أو نرفزة قاصديه من الزبائن خلال دقائق ما قبل آذان المغرب..

أو رائحة الأكل التي تنبعث من عماراته وطاولات بيع الحلويات والمواد الأساسية للمائدة الرمضانية المنتشرة عشوائياً على أرصفته من الجهتين اليمنى واليسرى. وغالبية سكانه من العرب والسود، إذ تكثر فيه محلات بيع المأكولات المغاربية والمشرقية ومحلات بيع اللحوم المذبوحة حلالاً وعلى الطريقة الإسلامية.

أطباق للمحتاجين

سامي ع م، شاب في الثلاثين من عمره، يبيع الحلويات المغاربية على طاولة على رصيف الشارع الرئيسي منذ ثلاث سنوات، تونسي الأصل ويبدو حريصاً على الاحتفاظ بلهجته رغم سنوات الغربة التي قضاها في فرنسا برفقة والديه وإخوته الأربعة. عن أجواء رمضان يقول منذ ثلاثة أعوام لم أذق حلاوة رمضان في وطني تونس، رغم أننا نحاول خلق أجواء عائلية مماثلة فيما بيننا هنا وخصوصاً في "بالفيل"..

ورغم هموم كل واحد فينا إلا أننا نتكاتف ونساعد بعضنا البعض بالشهر الكريم، وعلى طاولتي البسيطة توجد جميع الأطباق من تلك الأساسية لمائدة رمضان، من الشوربة، إلى سلطة الفلفل الحار إلى الزلابية والهريسة وسعرها لا يتجاوز 10 يورو، حتى أن الذي لا يمكنه الدفع يمكنه أخذ الأكل دون أن يدفع شيئاً،..

فزبائننا من الفقراء والشباب المهاجرين ولا يحملون وثائق رسمية، وبعض النساء العازبات، وغالبيتهم من المحتاجين، ورغم الصعوبات التي يواجهونها في حياتهم إلا أنهم يتمسكون بدينهم الحنيف ويصومون رمضان.

تعويد الأطفال

ليس بعيداً عن طاولة محل آخر لبيع الحلويات، جاءته السيدة الجزائرية نسيمة م لتشتري بعض الحلويات لسهرة رمضان حيث تقول رغم مرور 11 سنة لي في ديار الغربة، إلا أن الاشتياق والحنين يزداد عند اقتراب الشهر الفضيل، إلى العائلة والوطن الحبيب..

والمائدة الرمضانية بمأكولاتها الطيبة، لذلك نحاول التأقلم مع الأجواء هنا باقتناء المواد نفسها من المحلات العربية والمشرقية المخصصة لذلك، أو حتى من خلال شراء ساعات مخصصة لسماع الآذان عند وقت الإفطار، إلا أنه رغم النكهة، فإن المذاق ليس نفسه وسط الأهل والعائلة، ولولا أسعار تذاكر السفر الملتهبة وتزامن رمضان هذا العام مع دراسة الأطفال، لقضيناه في الوطن مع الأحباب بنكهته الأصلية.

وتضيف نسيمة نحرص في رمضان على تبادل الزيارات بين الأهل من المتواجدين هنا أو حتى بين الأصدقاء والجيران العرب والمسلمين، بالإضافة إلى أداء صلاة التراويح حتى نعود أولادنا منذ الصغر على الصيام وإقامة الطقوس الدينية والحفاظ على عاداتنا وتقاليدنا وسط هذا المجتمع الغربي الذي نعيش فيه.

مسجد باريس وإفطار المساكين

ويعتبر مسجد باريس، أحد أهم مظاهر الديانة الإسلامية بالدائرة الخامسة في العاصمة باريس،، ويعود تاريخ بنائه إلى القرن الماضي، ويتواجد بالقسم المشرقي لباريس وليس بعيداً عن معهد العالم العربي، والعديد من المكتبات العربية. وتكثر الحركة فيه خلال رمضان، على غرار غالبية مساجد فرنسا، فبالإضافة إلى الصلاة اليومية وصلاة التراويح التي يقصدها المصلون، يتحول إلى مائدة إفطار جماعية بفضل الوجبات التي يقدمها للمحتاجين والمساكين وعابري السبيل طيلة شهر كامل.

ويستغل شباب العرب والمسلمين من المتواجدين في فرنسا بطريقة غير شرعية ودون وثائق رسمية الفرصة ليصير المسجد مقصدهم الأول للإفطار. ويقام كل عام الإفطار الجماعي لوزراء ومسؤولين وكبار رجال الدولة وممثلي المجتمع المدني في خطوة لتقاسم بعض اللحظات الروحانية مع المسلمين، الذين صاروا جزءاً من المجتمع.

Email