مؤلف ومخرج مسرحي

صالح كرامة: ذكريات رمضان تعيدني إلى الفريج

ت + ت - الحجم الطبيعي

المؤلف والمخرج المسرحي صالح كرامة العامري لديه عشق خاص مع شهر رمضان ارتبط بذكريات مع هذا الشهر الكريم الذي فضله الله سبحانه وتعالى على باقي شهور السنة لارتباطه بأحد أركان الإسلام الخمسة وهو الصوم، تلك العبادة التي كان ينتظرها بشغف وحب وإقبال كبير منذ طفولته بعدما تعود على الصوم في سن مبكرة، وليرتبط بالشهر الفضيل الذي يعيده إلى «الفريج» القديم ورائحة الهريس والمأكولات الشعبية الإماراتية الأصيلة التي كانت الأسر تتبادلها في مشاهد تعكس الحب والألفة والمشاعر الطيبة بين أبناء الفريج الواحد.

طقوس وعبادات

يقول صالح كرامة إنه على الرغم من مروره بمراحل حياتية مختلفة وذيوع شهرته الفنية في أرجاء الوطن العربي إلا أن شهر رمضان ظل القاسم المشترك الأعظم، وبقيت طقوسه وعباداته وكثرة الذهاب إلى المساجد وذكريات الإفطار والسحور وسهر لياليه ثابتة باقية لم تتغير كثيراً، وظلت محتفظة بنفس العادات والتقاليد العربية والإسلامية الراسخة في وجدانه، وانتقلت إلى أولاده لتظل متوارثة وتتناقل عبر الأجيال.

دافع روحي

ويوضح أنه كرس جل وقته في تقديم الشهر بحلاوته التي لا تتركه مطلقاً طالما كان فيه، ويذكر أن الشهر بعمقه الديني والإسلامي المتفرد والطابع الخاص عن باقي العبادات والفرائض يعطيه كثيراً من الدافع الروحي ويمنحه السكينة ويزيده قرباً إلى الله تعالى للتزود بالزاد والعطاء الرباني، ويكون حصناً له طوال العام انتظاراً لتدور عجلة الشهور وعودته قادماً محملاً بنفحات الإيمان والتقرب إلى الله تعالى.

هرولة للحاق بالأذان

ويضيف أنه يراوده سؤال دائم، يسأله لنفسه باستمرار ألا وهو: «هل من شهر آخر يعطيني كل هذا من دونه ؟!»، ولهذا يظل رمضان رمضاناً بعنفوانه المنزلي وقدرته على استيعاب الهدوء الذي يكتنفه.

ويشير إلى أنه عندما كان طفلاً فإن رمضان يكتنفه الشوق في أنه قادم نحونا ونحن نهرول له، وكنا في الطريق إلى المسجد نحصر كل تفكيرنا في أن نلحق بالأذان هناك ونقتنص لحظة الأذان تلك في تواجد الناس جميعاً.

أجواء روحانية

ويتابع أنه كان من سكان منطقة "الباور هاوس" في أبوظبي، هذا الحي الشعبي الذي ضمني وتلك البيوت الطينة القديمة، كانت الأجواء روحانية فذة تعتلي كل شيء ولهذا يتحدد علي أن أعيش تلك التجربة بطفوليتها.

رائحة الهريس

ويقول إن رائحة الهريس في الشهر الفضيل كانت تعبق في الأزقة بالفريج، وكذلك تبادل المأكولات بين الناس والتي تنبع من علاقات الود والجيرة والقرابة التي كانت تربط أهالي الحي بعضهم ببعض، والتي خلقت حالة فريدة ومتميزة بين الجميع أثرت فيها حياة المدنية والترف التي طغت على كافة مفردات ومكونات ومقومات حياتنا، والتي أبعدتنا عن إحدى أهم عادات الشر الفضيل والتي ما يزال البعض، وخاصة جيل الآباء والأجداد متمسكين بها حتى الآن، وأصبحت تشكل مادة خصبة لحكاياتهم لأجيال اليوم الذين ولدوا في المدنية والأحياء الجديدة الراقية بكل صخبها وضجيجها.

أصدقاء الطفولة

ويشير إلى أنه لا يزال يتذكر الليلة التي كان يجتمع فيها مع أصدقائه من الأطفال حتى الصباح في نواحي الحي المختلفة. لم يشغلنا عن اللهو وممارسة الالعاب الشعبية حتى قبل وقت السحور في محبة وألفة، وبعد تناول السحور ننتظر حتى موعد أذان الفجر ونتجه إلى المسجد للصلاة. وفي مرحلة الصبا كنا حريصين على صلاة التهجد حتى ما قبل السحور.

اقتناص الحسنات

ويضيف أن له طقوساً خاصة جداً في شهر رمضان المبارك ترتبط بروحانيات هذا الشهر التي تميزه عن باقي شهور العام حيث يكثر في أيامه تلاوة القرآن الكريم ويحاول أن يختمه أكثر من مرة واقتناص الكثير من الحسنات بالصلاة في المساجد وقضاء أطول وقت ممكن فيها، وخاصة في صلاتي التراويح والتهجد التي يبتهل فيها ويتقرب إلى الله سبحانه وتعالى، مشيراً إلى أنه تعود على هذه العادات الحميدة منذ كان طفلاً صغيراً وكبرت معه بعد التخرج والعمل والزواج، وحرص على نقلها إلى أبنائه باصطحابهم معه إلى المساجد.

تعويد الأبناء

ويقول إنه حريص على تعويد أبنائه الثمانية على العادات والتقاليد الرمضانية منذ الصغر والتي ظلت كامنة في نفوسهم وضمن تكوين شخصياتهم، وخاصة صلاة الفروض في المسجد والتراويح والتهجد وتلاوة القرآن وتقديم الزكاة ومساعدة الفقير، مشيراً إلى أنه بعد هذه السنوات ورغم تخرج بعض أبنائه من الجامعة والبعض الآخر ما يزال في التعليم الابتدائي، إلا أنهم جميعاً يشتركون في إحياء أيام وليالي رمضان التي نقلتها اليهم ووصلت لي عن أبي وجدي.

مع الوالدة

ويؤكد أن رمضان يزيد صلة الأرحام وتبادل الزيارات وتناول الإفطار والسحور في بيوت أفراد العائلة والأصدقاء، وهي عادة رمضانية حسنة، ولكنه لا ينسى إفطار أول يوم رمضان في بيت الوالدة والذي لا يشعر بقدوم وحلاوة الشهر المبارك إلا وهو جالس على مائدتها يتناول أنواع الطعام التي يحبها من يدها، والتي لا تزال رائحتها عالقة في ذهنه ولم تفارقه وينتظر قدوم شهر البركة ليستعيدها ويستمتع بها وبصحبته أولاده لأكل ما لذ وطاب من يدي «ست الحبايب».

جمعية الصحافيين

ويضيف أن من الذكريات الرمضانية التي دخلت حياته حديثاً مع ما يعيشه طوال الشهر الفضيل من واقع رمضاني جميل في أحضان جمعية الصحافيين في أبوظبي التي تفتح أبوابها على مصراعيها لأبناء المهنة ليل نهار وفي أي وقت لأنها بيتهم، إلا أن ذكريات رمضان لها طابع خاص بداخل هذا الصرح الكبير وتناول السحور في تجمع رائع لصحافيين من مختلف المؤسسات الذين يحرصون على الالتقاء في مهرجان سنوي تسوده الأجواء الإيمانية الرمضانية. ويشير إلى أن السهر في الجمعية يسبقه ممارسة كرة القدم والمشاركة في الدورة الرمضانية التي تشرف عليها الجمعية بفرق من مختلف وسائل الإعلام تضم كوكبة من الزملاء الصحافيين ويدخل كل من يرتادها إلى أسرة واحدة سواء من الصحافيين أو ضيوفها ليصبح شهر رمضان جزءًا من منظومة الصحافة ومنظومة الأسرة.

التشبث بالذكريات

على الرغم من أن صالح كرامة العامري يعيش حالياً ومنذ سنوات بعيداً عن الحي الشعبي، إلا أنه ما يزال يذكره جيداً، لأنه أصبح يشكل جانباً من مفردات حياته المفعمة والمثقلة بالذكريات الجميلة، وخاصة الرمضانية منها والتي ما تزال عالقة في ذهنه ويستقي منها الزاد الروحاني ويجعله متشبثاً بهذه الذكريات.

Email