صورة حية تضج بالحب والعطاءفي تل الزيتون

غزة تداوي جراح العدوان بسحر الألوان

ت + ت - الحجم الطبيعي

المتتبع لأخبار غزة لا يرى فيها سوى تكرار كلمات الحصار والدمار وأكوام الركام الذي خلفه العدوان الأخير مع انقطاع مستمر في الكهربا، وعوز دائم للفقراء، وبالطبع هي الظروف ذاتها التي لا تطاق رغم محاولات سكان القطاع المستميتة للتحامل على كل شيء من أجل الاستمرار في الحياة. ورغم من ذلك فإن المواطنين الفلسطينيين يقبلون على الحياة بكل عزم وإرادة، دون يأس او تكاسل ليشقوا طريقهم بعيداً عن تلك الصورة النمطية القاتمة علما أنها حقيقة ثابتة بات يحفظها العالم ويعرف تفاصيلها وأسرارها.

غزة مع بداية رمضان بدأت تداوي جراح العدوان بسحر الألوان بمبادرة لم تكن في الحسبان أو خطط لها، إلا أنها سرعان ما انتشرت في الأزقة والشوارع القديمة لمدن القطاع وقدمت صورة حية تضج بالحب والعطاء ففي تل الزيتون، أحد أحياء غزة القديمة البسيطة ويقع وسط المدينة، بادر أحد سكانه وهو محمد الصعيدي «أبو عبد الله»، بفكرة تلوين بيته بشكل جذاب وجميل، استهوت الفكرة جيرانه فساعدوه بمبادرته، وبروح تعاون عالية، تم تلوين معظم بيوت الحي وجار حالياً مواصلة التلوين.

وقال صاحب المبادرة: «بدأت الفكرة ببيتي من الداخل، ومن ثم لونته من الخارج، وأردت أن يكون بيتي جميلاً فأنا أحب الجماليات وأهتم بها».

وبسعادة بالغة كشف الصعيدي ان الشبان والفتية المتطوعين معه، انقسموا إلى فرق بعضهم يزيل الشعارات القديمة التي تشوّه شكل الجدرا ن، وآخرون يخلطون الألوان بعد استشارته لخبرته في المجال، إذ يعمل دهّاناً، ويتفنن في عمل الديكورات وتركيب ومزج الألوان وما تنتجه في النهاية من أشكال جميلة، وكان يأمل أن يرى الحي الذي يسكنه بشكل مختلف، فقرر تعميم الفكرة، والتي لاقت قبولاً واستحساناً من الجيران الذين سرعان ما قاموا بمساعدته وجلب بعض الأدوات لإكمال تزيين الحي بأكمله.

هواية وحرفة

وعبر الشاب أحمد عمر «17عاما» والذي لا يزال يواصل العمل في دهان منزل أحد جيرانه، عن سعادته لما وصل اليه الحي الذي يسكنه من بهاء وألق، وأصبح على قدر كبير من الجاذبية، وقال: «أشعر بفخر أن حارتنا كانت صاحبة المبادرة وأدعو أهالي جميع الحارات للقيام بمبادرات مماثلة».

وأنا شخصيا لم تكن لدي أي خبرة أو معرفة بكيفية تركيب الألوان وتنسيقها، وبفضل مساعدة جاري تعلمت تدريجياً والآن تحولت المسألة لهواية جميلة وربما تصبح مستقبلاً حرفة تدر دخلاً مجزياً.

ويقول أبو عاصم رزق: «كلنا تعاونا في تنفيذ الفكرة، فبدل أن صباحاتنا بفتح أعيننا على جدران مشوهة، الأفضل أن نراها جميلة، تشرح صدر الإنسان وتحسن نفسيته، وجيد أن نعيش في وسط واحة من الجمال. وحتى الأطفال ليلاً لا يحتاجون للخروج إلى الشارع الرئيسي. وأكدت المواطنة نور الحسني: »الجيران أحبوا الفكرة وتعاونوا، تشاورنا في الألوان وفي كل شيء، الجميع تعاون، حتى بجمع المال من أجل توفير الألوان، وتواصلنا مع مؤسسة وطنية محلية، ورحبت بمبادرتنا وزودتنا بفنانين ساعدونا في اختيار الأنسب من الألوان".

ارتياح كبير

شكل الحي بمنظره الجديد وألوانه الجذابة التي تمنح النفس ارتياحا كبيرا، فرصة للأطفال للعب والانطلاق وأصبحوا مجبرين بإرادتهم على المحافظة على حيهم نظيفا، فانطلق الكثيرون يحمل فانوس رمضان يلهون ويمرحون، وبذلك استطاعوا اقتناص فرصة من الزمن ليعوضوا ما فاتهم وما حرموا منه كأطفال يرغبون بممارسة شقاوتهم الطبيعية.

Email