مهن وزمن

فوانيس رمضان حاجة يومية في العراق

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تعتبر الفوانيس من المستلزمات الضرورية للعائلة العراقية، في حياتها اليومية، بسبب الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي، إلا أنها تكتسب ألوانا أخرى في رمضان، وتكون بأشكال مختلفة عن اليومية، لانها ارتبطت منذ القدم بالشهر المبارك. ولعل الكثيرين لا يعرفون مدى علاقة الفانوس برمضان، فالتاريخ والمثيولوجيا الشعبية تشيران إلى أن له مكانة خاصة عند الأطفال كمظهر رمضاني.

والفانوس استخدم منذ أقدم العصور للإضاءة، وتعني الكلمة بالإغريقية مصدر الإضاءة بالظلام الدامس، وورد في قاموس المحيط للفيروز آبادي بمعنى الفناس «النمام». وتاريخيا استخدم كأحد مصادر الطاقة والنور، ويقال إن خليفة فاطميا في مصر كان يخرج إلى الشوارع ليلة الرؤية ليستطلع هلال رمضان والأطفال خلفه يحملون الفوانيس لتنقشع الظلمة ويرددون بعض الأغاني التراثية سعادة باستقبال الشهر الفضيل.

ويظل الفانوس مضيئا حتى وقت السحور، ليساعد المسحراتي في رؤية طريقه وهو يجوب الشوارع، لينتقل التقليد عبر الأجيال. ومع دخول الناس عصر الكهرباء تطورت صناعة الفانوس من نفطي إلى كهربائي، واستبدلت الفتيلة بالمصباح وأصبح الكثير من المواطنين يضع فانوسين كهربائيين عند جانبي باب منزله ليظل مضاء كمظهر ضوء وزينة معا.

تاريخ طويل

ويقول عبد الفتاح الأنصاري صاحب أشهر محل لصناعة الفوانيس في سوق الصفارين بمدينة العمارة: الفوانيس تمثل لي تاريخا طويلا، وعاصرت صناعتها مع والدي الذي كان يصنعها منذ عشرينات القرن الماضي، اذ كان الطلب عليها كبيرا.

وكان والدي يحدثني عنها يوم كان يجلس إلى قرب جدي عبد الرحمن وهو يصنعها وينظر إلى مطرقته وهي تحول صفائح التنك لأشياء جميلة وعجيبة، وتعلم على يديه سر المهنة التي صارت فيما بعد حرفتي وربما حرفة أبنائي.. أنها حكمة الزمن.

والفوانيس كانت تصنع خصيصا لرئاسة البلدية آنذاك لإضاءة شوارع المدينة، والأقضية والنواحي، ولمضايف العشائر بأنواع مختلفة منها المربع بالزجاجات الأربع و«أبو التاج» المزين بالرمانات المصنوعة من التنك والمسدسة الأضلاع والمثمنة والمثلثة، ومنها يدوية ترفع في أثناء الزيارات الشخصية لاستقبال وتوديع الضيوف ليلا، ونوع آخر تستخدمه العربات التي تجرها الخيول. وكان كبار شيوخ العشائر يعشقون الفوانيس النفطية لتضيء مضايفهم الواسعة، وتضئ أيضا ليالي المدن وأزقتها المظلمة ومفترقات الشوارع، فهي مصدر الضوء الوحيد بعد غياب شمس النهار.

وفي هذه الأيام صار اغلب المواطنين يطلبونها، بعد أن خذلتهم الكهرباء بضيائها المتذبذب وتبريرات مسؤوليها غير المقنعة، فهناك إقبال واسع على شرائها.

صناعة موسمية

ويقول الباحث جاسب الموسومي :رغم أن صناعة الفوانيس موسمية، إلا أنها تمثل واحدة من أهم الصناعات التي كان يعكف عليها الحرفيون، إذ تعد إحدى القطع التراثية التي تمثل ذكريات عزيزة بأهم مظاهر استقبال الشهر الكريم.وألقت حالات انقطاع التيار الكهربائي بظلالها الثقيلة على كاهل أبناء المحافظات في وقت بدت حرارة الصيف تشتد يوما بعد آخر، وخاصة خلال هذه الأيام التي يصوم فيها الناس وهم بحاجة إليها ،بينما ساعات انطفاء الكهرباء بدأت تتصاعد أكثر، الأمر الذي يعيد الحاجة الفعلية إلى الفوانيس.

Email