علم الله سبحانه وتعالى

ت + ت - الحجم الطبيعي

قال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [143]. هذه الآية بظاهرها تقتضي أن الله سبحانه لا يعلم من يتبع ممن ينقلب إلا بعد أن جعل تلك القبلة، فكيف يصح ذلك مع أننا نعتقد أن الله تعالى عليم بما كان وما يكون؟

هذا في الواقع سؤال وارد. وللعلماء فيه تأويلات كثيرة. وقبل الخوض فيها أقول:

-إن الله سبحانه عالم بكل شيء تفصيلاً من الأزل إلى الأبد. ويدل على إحاطة علمه بكل شيء آياتٌ، منها قوله تعالى في سورة الأنعام: ﴿وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [80]، وفي سورة الشورى: ﴿إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [12].

-وردت آيات تدل صراحةً على علمه تعالى بما يكون في المستقبل، منها قوله في سورة البقرة: ﴿عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ﴾ [235]، وقوله في سورة البقرة أيضاً: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ [255]، وفي سورة الرعد: ﴿اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ﴾ [8]، وفي سورة الرعد أيضاً: ﴿يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ﴾ [42]، وفي سورة المزمل: ﴿ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَىٰ﴾ [20].

ٰوإن للعلماء في ذلك تأويلات منها:

- معنى ﴿لِنَعْلَمَ﴾ في الآية: ليتعلق علمنا بذلك موجوداً لا مقدّراً أن يوجد في المستقبل. فالله سبحانه يعلم أن هذا الشيء قد وقع، فوقوع ذلك الشيء معلوم وحاصل. ويعلم أن ذلك الشيء سيقع، فوقوعه معلوم لكنه غير حاصل.

- المراد: العلم الحالي الواقعي الذي يدور حوله الجزاء، فالله سبحانه لا يؤاخذ الناس إلا على ما فعلوا في الواقع، لا على ما يعلم أنهم سيفعلونه.

- معنى ﴿لِنَعْلَمَ﴾: لنميّز أهل اليقين من أهل الشك. فعبّر عن التمييز بالعلم، لأن التمييز من ثمرات العلم.

- معناه: ليعلم الناس، لا ليعلمه الله. ويؤيد هذا قراءة ابن مسعود ﴿ليُعْلَمَ﴾ بالبناء للمجهول.

من كتاب «رسالة في التفسير» للمؤلف الأستاذ الشيخ عبد الكريم الدبان التكريتي

 

إدارة البحوث- دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي

Email