الظن واليقين

ت + ت - الحجم الطبيعي

قال الله تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ{45} الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾، قوله ﴿يَظُنُّونَ﴾ يقتضي أنهم غيرُ جازمين بملاقاة الله والرجوع إليه، والله سبحانه قال في سورة البقرة أيضاً: ﴿وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾، فالمطلوب اليقين لا الظن. وفي سورة يونس: ﴿إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾ [36]. وعدم الجزم بملاقاة الله ينافي الإيمان، فكيف أثنى الله على الذين يظنون ذلك؟

قد يكون المقصود بملاقاة الله الموتَ الذي تكون الملاقاة بعده، فهي مسبَّبة عن الموت، فأطلق المسبَّب على السبب مجازاً. وهذا شائع في العربية، قالوا: أمطرت السماء نباتاً، يقصدون ماءً تسبب عنه النبات، وقالوا: أكل فلان دماً، يقصدون ديةً تسببت عن الدم أي القتل. وعلى هذا يكون: وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون أن الموت قد يحصل لهم في أية لحظةٍ، فيبادرون إلى التوبة والعمل الصالح.

وقد يكون المقصود بملاقاة الله ملاقاة ثوابه على العمل الصالح، والمؤمن موقن بأنه لا بد بعد الموت من الحشر والرجوع إلى الله، كما أنه موقن بملاقاة الثواب على العمل الصالح، ولكنه لا يعلم يقيناً كيف تكون خاتمته، فحسن الختام مظنون، فقال الله: ﴿يَظُنُّونَ﴾ دون يعلمون.ومثله قوله تعالى: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ﴾ [الحاقة]، أي كنت قد ظننت في الدنيا أني ملاق حسابيه. ولعل في التعبير بالظن في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ﴾ إشعاراً بأنّ الخطرات التي تهجس في النفس لا تقدح في أصل الإيمان.

والله أعلم بالصواب.

من كتاب «رسالة في التفسير» للمؤلف الأستاذ الشيخ عبد الكريم الدبان التكريتي

Ⅶ تحقيق الدكتور عبد الحكيم الانيس

إدارة البحوث- دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي

Email