قطع الشهوات

ت + ت - الحجم الطبيعي

قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾، هل المراد هنا أن يقتل كلُّ واحدٍ منهم نفسه، أو أن يقتل بعضُهم بعضاً؟

ظاهر الآية أنه أمرهم أن يقتل كلُّ واحد نفسه. ولعل حكم المرتد كان كذلك في شريعتهم. وأمرُ موسى قد حصل، ولكن هل نفّذوه أو لا؟ قال الإمام الرازي في تفسيره (3/‏81): إن المفسرين أجمعوا على أنهم ما قتلوا أنفسهم بأيديهم.

ويحتمل أن يكون المراد أن يقتل بعضُهم بعضاً، فقوله: ﴿ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ كقوله تعالى: ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ﴾ [الحجرات: 11]، أي لا يلمز بعضكم بعضاً، لأن المؤمنين كنفس واحدة.

وقال بعضهم: ليس المراد بالقتل القتلَ الحقيقي، بل إذلال النفس، والتشديد عليها بالرياضة وقطع الشهوات وشدة التقشف. ولكن هذا القول مخالف للمرويّ من أن بعضهم قتل بعضاً، وأن القتلى بلغوا ألوفاً. قال القرطبي في تفسيره (1/‏401): قال أرباب الخواطر: ذللوها بالطاعات وكفّوها عن الشهوات. والصحيح أنه قتلٌ على الحقيقة هنا.

والله العالم بالصواب.

من كتاب «رسالة في التفسير» للمؤلف الأستاذ الشيخ عبد الكريم الدبان التكريتي

 تحقيق الدكتور عبد الحكيم الانيس

إدارة البحوث- دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي

Email