التكبر والجحود من مزيلات النعم

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

قصة جميلة وتحمل عبراً وفوائد عظيمة تناسب كل عصر وكل إنسان قصة الجحود والنكران والتعالي، قصة تعلمنا أن المعطي هو الله وأن المانع هو الله وأن رزقنا وحياتنا كلها بيد الله وحده

تعلمنا أن نشكر الله على نعمه، وأن نكون على يقين تام بأن الملك لله وأن المال عارية مسترجعة وظل زائل، تعلمنا أن لا نتعالى على غيرنا وأن لا نتكبر ونتباهى بنعم الله علينا، إنها قصة صاحب الجنتين.

((واضرب لهم مثلاً رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا، كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئاً وفجرنا خلالهما نهراً)).

نعمة عظيمة

إذا فقد رزق الله أحد هذين الرجلين جنتين أو بستانين كبيرين عظيمين فيهما كل ما يشتهيه ويطلبه الإنسان من زرع وعلى حوافهما نخل ويجري بينهما نهر يرويهما وقد أثمرتا بشكل كامل دون أي نقصان فيا لها من نعمة عظيمة، ففي الوقت الذي أثمرت فيه الجنتان دعا ذلك الرجل صاحبه الفقير ليتباهى ويتكبر عليه بماله وزرعه وعزوته وأولاده وجاهه، بدلاً من أن يكرمه ويحسن ضيافته وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)).

وكم نشاهد هذه الظاهرة اليوم حيث يتكبر الأغنياء بأموالهم وأملاكهم ويعتبرون أنفسهم فوق البشر وكم تكون تلك الظاهرة مؤسفة عندما تكون بين الأصحاب، بل بين الإخوة والأقارب، بدلاً من أن يكون هناك تكافل وتعاون ومحبة بين الغني والفقير، فكيف يتباهى الغني بماله ولا يساعد الفقير ويكرمه، ومن نتائج هذا التكبر والتعالي أنه يفكك أوصال المجتمع المسلم وينشر البغضاء والحقد والحسد بين أبناء المجتمع وحتى الأسرة الواحدة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ).

تشغيل الفقراء

وقال صلوات الله وسلامه عليه أيضاً: (ما آمن بي من بات شبعان وجاره إلى جنبه جائع وهو يعلم به ) فمن واجب الغني أن يكرم الفقير وأن يساهم في إنشاء مشاريع لتشغيل الفقراء ورفع مستوى معيشتهم ليكون المجتمع المسلم متكافلاً متحاباً لا أن يتكبر ويطغى بما آتاه الله تعالى من مال وملك وذرية، وبعد التكبر تتوالى الكبائر والذنوب ويقسو القلب ليصل إلى الجحود والعياذ بالله.

ثم قال تعالى: ((ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا، وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيراً منها منقلباً)). وهنا يظلم ذلك الأحمق نفسه تماماً عندما يأمن غضب الله ومكره ويكفر بيوم الحساب.

فصاحب الجنة الغني يظن بأنه بماله قد أمن على نفسه وبأن ما عنده من نعم لن يزول أبداً فهو يظن نفسه تاجراً ذكياً وقوياً بماله وأولاده وعزوته ونسي أن الله تعالى قادر أن يأخذ كل ما منحه إياه من نعم بلمح البصر فهو من أعطاه وهو القادر على أن ينزع منه كل نعمه قال تعالى: (( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير)).

تفكير خاطئ

ونلمح في قوله تعالى: (( ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيراً منها منقلباً)) أمراً في غاية الأهمية

وهو تفكير خاطئ يقع فيه الكثيرون عندما يعتبرون أن نعم الله عليهم دليل على محبته لهم ورضاه عنهم بل قد تكون النعمة اختباراً واستدراجاً من الله تعالى للعبد، فكم من مستدرج بنعيمه وهو لا يدري ... فالله تعالى يختبر المرء بالنعمة تماماً كما يختبره عند الابتلاء، فإن شكر الله واعترف بفضله عليه وأنفق ماله فيما يرضي الله تعالى وسعى للخير فقد نجح في الاختبار، وإن تكبر وتجبر وجحد بماله فقد وقع في المحظور.

ولا بد من العقوبة فجأة في الدنيا أو في الآخرة، وبعد كل هذا الجحود والتكبر لنتأمل معاً رد صاحبه المؤمن التقي الراضي بالله وعن الله: ((قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا، لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحداً، ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترني أنا أقل منك مالاً وولدا، فعسى ربي أن يؤتين خيراً من جنتك ويرسل عليها حسباناً من السماء فتصبح صعيداً زلقا، أو يصبح ماؤها غوراً فلن تستطيع له طلباً)).

Email