احتراق الشجر الأخضر آية لمنكري البعث

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

قال تعالى: «الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً»، سبب نزول الآية إنكار البعث بعد الموت، حيث ذهب العاص بن وائل - عليه من الله ما يستحق - إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعظام بالية، أخذها في يديه ووقف بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وفتَّ العظام فحولها إلى رميم وتراب، ثم قال: (يا محمد! أتزعم أن الله يحيي هذه العظام بعدما صارت رميماً؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: نعم، يميتك ثم يبعثك ثم يدخلك جهنم) فأنزل الله قوله تعالى في آخر سورة يس: «أَوَلَمْ يَرَ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ * أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» [يس:77-83].

الإيمان بالبعث

إن أول ما دعا إليه الأنبياء والرسل هو توحيد الله تعالى، ومن أوائل ما اجتهدوا في إحكامه وتشييده هي العقيدة، قال تعالى: «ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت» (النحل 36)،لأنها الأساس الذي ترتكز عليه دعائم التشريعات الإلهية وميزان الأعمال قبـولا وردا، فإذا رسخت العقيدة في نفس المسلم تلاها الإيمان بمبدأ البعث بعد الموت والجزاء على الأعمال الذي هو أحد أركان الإيمان وقوام عقيدة المؤمن.

وإنّ الإيمان بمبدأ البعث بعد الموت تمهيد لبناء مجتمع يلتزم في حياته شرع الله في كل شؤون حياته، قال الله عز وجل «إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله…» (التوبة 18). فقد حصر الله تعالى هذه الأعمال فيمن آمن بالله وباليوم الآخر.

التكاليف الإلهية

ولقد كان من أوائل التكاليف الإلهية في القرآن الكريم هو الإيمان بالبعث، يقول الله تعالى في مطلع أول سور القرآن الكريم: «مالك يوم الدين ..» (الفاتحة) وفي ثاني سور القرآن الكريم: «الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون».(البقرة 3، 4).

ويقول أبو هريرة رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم بارزا يوما للناس، فأتاه رجل فقال: (ما الإيمان؟، قال: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وبلقائه ورسله وتؤمن بالبعث...).

لذا فقد اتفقت جميع الرسالات السماوية على الإيمان بالبعث بعد الموت والجزاء على الأعمال، ومِن ثَم فإنّ هذه القضية كانت من أول اهتمامات القرآن الكريم، واعتنى بها عناية بالغة في آيات كثيرة.

عوامل إنكار البعث

الترف والبطر والغرق في الشهوات حتى تنقلب الموازين وتنعكس المقاييس فتُنسّي الحِكَم الإلهية والإرادات الربانية في هذا الكون كما حكى الله تعالى عن أصحاب الجنة: «ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبداً وما أظن الساعـة قائمـة ولئن رددت إلى ربي لأجـدن خـيراً منـها منقلباً» الكـهف (35، 36).

وإن من أسباب إنكار البعث بعد الموت: الكـبر والغرور وهو من مساوئ النفس وأخلاقها الذميمة حيث يعمي البصر والبصير فيدفع بصاحبه إلى الإعجاب بالنفس وبطر الحق والكفر بالله تعالى وبنعمه، وقد حرمه الإسلام أشد تحريم؛ لأنه من أعظم أسباب الهلاك في الحال والمآل، ومن أكـبر العوائق عن طلب الكمال والبحث عن الحقائق والبينات، وحجاب مانع لوصول الهداية لكنه يجلب مقت الله، فكم من نعمة انقلبت نقمة وكم من عز وكرامة وقوة صـيراه ذلا وضعفا وهوانا، قال تعـالى: «كذلك يطـبع الله على كل قلب متكبر جبار» (غافر 35) وقال تعالى: «سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق» (الأعراف 146).

وبسبب الكبر طرد إبليس من رحمة الله، قال تعالى: «فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك مـن الصاغـرين» (الأعـراف 13). وقال عز وجل: «إلا إبليـس اسكتـبر وكان من الكافـرين» (ص 74). ومستقر الكافرين المتكبرين النار قال تعالى: «أليـس في جهنم مثوى للمتكبرين». (الزمر 60).

سبب التصديق

وإن من أسباب إنكار البعث بعد الموت: النفاق مع أن المنافق قد يظهر لـه شيء من الحق والحقيقة لكونه يخالط المسلمين ويسمع ويرى منهم ما يكون سببا للتصديق لكنه مع ذلك يصر على التكذيب فهو مِن هنا أشد مؤاخذة من الكافر الذي قد يجهل الأمر، قال تعالى: «ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون» (البقرة 8).

وإن من أسباب إنكار البعث بعد الموت: الجهل والتقليد الأعمى دون بصيرة أو علم وتثبت رغم فشو العلم وتعدد وسائله وسهولة الوصول إليها وظهور الآيات الدالة على صدق نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ورسالته وبصدق ما جاء به من عند الله، قال تعالى: «وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون» (البقرة 170).

مع أن الله تعالى - بلطفه وكرمه - قد منح الإنسان وسائل الفهم والإدراك والاستبصار وجعله أهلا للتمـييز بين الحق والباطل والخير والشر والخطأ من الصـواب، قال تعالى: «ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها» (الشمس 7).

أدوات الفهم

ولكن لما عُطّلت أدوات الفهم والاستبصار واستُخدمت في غير ما أمر الله تعالى وقعوا فيما وقعوا فيه، قال تعالى حكاية عن أهل النار: «قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير» (الملك 9).

وإن من أسباب إنكار البعث بعد الموت: نِسبة تأثير الطبيعة في الكون، فقد ظهر على مختلف العصور والأزمان طبيعيون ينسبون الحوادث إلى الطبيعة، أو يقولون بتأثير الطبيعة في هذا الكون، وفي نظرهم أنه كلما يحدث حادث أو انقلاب في الكون فإنه من تأثير الطبيعة، إنما هو كون ونظام مُسَيَّرٌ دون مسَير ووقت مؤقت ينتهي إليه فإذا كان الأمر كذلك فلا بعث ولا نشور ولا حساب ولا عقاب ولا جزاء على الأعمال.

Email