الزرع هدية الله لعباده الصالحين

ت + ت - الحجم الطبيعي

قال تعالى: «مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا».

قال المفسرون في معاني الكلمات أخرج شطأه: ما خرج منه وتفرع في شاطئيه أي في جانبيه، فآزره: أي قوى ذلك الشطء أي الزرع ـ وتآزر النبات طال وقوي، صار مثل الأصل في الطول، فاستغلظ: فصار من الدقة إلى الغلظة، فاستوى على سوقه: فاستقام على أصوله وجذوعه، يعجب الزراع: بقوته وكثافته، وغلظه وحسن منظره.

نهي عن المنكر

هذا مثل ضربه الله سبحانه وتعالى للصحابة رضي الله عنهم، ففي بدء الإسلام كانوا قلة ثم كثروا فاستحكموا فترقى أمرهم يوماً فيوماً بحيث أعجب الناس منهم، وقال المفسرون أيضاً: مكتوب في الإنجيل سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع يخرج منهم قوم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.

اصطفاء الله للصحابة

إنّ الله اصطفى محمدًا على سائر الأنبياء والمرسلين، وجعله رسولاً للعالمين أجمعين، فاختار له صحابة أخيارًا صالحين، آمنوا به واتبعوه وآزروه ونصروه، وفدوه بالنفس والنفيس، فكانوا خير صحبة لخير نبي.

وقال ابن مسعود رضي الله عنه: «إن الله عز وجل نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، وابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه»، وقال ابن عمر رضي الله عنهما: (كان أصحاب رسول الله خير هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، قوم اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيه ونقل دينه).

إنهم صحابة رسول الله، هذا الجيل العظيم الذي رباه النبي وأحسن تربيته، فأصبحوا صدارة هذه البشرية بعد الأنبياء والرسل، تحقق فيهم رضي الله عنهم ما لم يتحقق في غيرهم منذ بدء الخليقة، ولن يتحقق في غيرهم حتى قيام الساعة.

لقد اجتمع فيهم من عوامل الخير ما لم يتجمع في جيل قبلهم، ولن يتجمع في جيل بعدهم، هم الجيل الذي وصفه النبي بالخيرية والأفضلية المطلقة على سائر الأجيال، روى البخاري عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم».

نماذج متنوعة

وهذه الخيرية تجعل من جيل الصحابة مثلاً عاليًا للمسلمين في كل زمان ومكان، فهم يتطلعون إليهم، ويعتزون بهم، ويسترشدون بسيرهم، تلك السير المتنوعة في العبادة والمجاهدة والمعاملة الحسنة والوسطية في الأمور كلها، مما يكفل للمسلمين في مختلف العصور نماذج متنوعة صالحة للاقتداء.

فالصحابة كانوا في السلم هداة معلمين، مصلحين عاملين، وصفهم رسول الله بأنهم أمنة لأمته، ففي صحيح مسلم قال رسول الله: «النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبتْ النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبتُ أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون».

حب الصحابة دين

والصحابي هو كل من رأى النبي مؤمنًا به، ومات على الإسلام، وقد بلغ عدد الصحابة يوم فتح مكة عشرة آلاف صحابي، وقد توفي رسول الله وترك ما يزيد عن مائة ألف صحابي من رجل وامرأه، وكان آخر الصحابة وفاة واثلة بن الأسقع الليثي، في سنة خمس وثمانين للهجرة.

ويجب على المسلم أن تكون له عقيدة صحيحة في صحابة رسول الله، وهذه العقيدة جمعها الإمام الطحاوي رحمه الله في قوله: «ونحب أصحاب رسول الله ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان».

وقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم على تقديم أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، ثم بقية العشرة المبشرين، ثم البدريين أي: من شهد بدرًا، ثم أهل بيعة الرضوان، ثم بقية الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.

وقوله رحمه الله: «ولا نذكرهم إلا بخير» فيه إشارة إلى الكف وعدم الخوض فيما شجر بينهم من سوء تفاهم واختلاف، وأن ذلك فتنة وابتلاء من الله لهم بعد وفاة النبي، وقد أخبرهم النبي من قبل ـ في حياته ـ بوقوع ذلك، فالصحابة لم يكونوا معصومين من الخطأ وكانوا مجتهدين في ذلك ومعذورين عند الله، ومنزلتهم ثابتة وخيرهم سابق وفضلهم دائم.

الخير والأفضلية

ويقول رحمه الله: «وحبهم دين وإيمان وإحسان»، نعم حب الصحابة إيمان، وبغضهم نفاق فنحب الصحابة لأن الله رضي عنهم وزكاهم في القرآن، وشهد لهم النبي بالخيرية والأفضلية، وبوب الإمام البخاري في صحيحه ـ الذي هو أصح كتاب بعد كتاب الله ـ أبوابًا في فضائل الصحابة والمهاجرين ثم قال: «باب حب الأنصار من الإيمان»، فخرج فيه حديثًا عن البراء رضي الله عنه قال: سمعت النبي قال: «الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله».

Email